الباحث القرآني
ثم قال تعالى: ﴿وَلَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ﴾ [آل عمران ١٧٦].
في قوله: ﴿يَحْزُنْكَ﴾ قراءتان؛ القراءة الأولى: ﴿يَحْزُنْكَ﴾ من الثلاثي (حزَنه يحزُنه)، والقراءة الثانية: ﴿يُحْزِنْك﴾ من الرباعي (أَحْزَنَهُ)؛ ﴿وَلَا يُحْزِنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ﴾ أي: يسارعون إليه، ولكنه عدّى يسارع بـ(في) إشارة إلى أن هؤلاء يسارعون إلى الكفر ويتوغلون فيه؛ انتبه وهذا من باب التضمين؛ وقد مر علينا أن علماء النحو اختلفوا فيما إذا عُدّي الفعل بغير الحرف المعتاد، فقال بعضهم: إن التجوز في أيش؟ في الحرف، وقال بعضهم: إن التجوز في الفعل؛ والفرق بين القولين أنه على القول الأول نحول معنى الحرف الموجود إلى الحرف المناسب للفعل؛ وعلى الثاني نحول الفعل إلى المعنى المناسب للحرف؛ فهمتم يا جماعة؟
وأوضح مثال من ذلك قوله تعالى: ﴿عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ﴾ [الإنسان ٦] المعروف أن ﴿يَشْرَبُ﴾ تتعدى بـ(مِن)، وهنا تعدت بالباء؛ فقال بعض النحويين: الباء بمعنى (مِن)، والتقدير: يشرب منها عباد الله؛ وقال بعض العلماء: يشرب بمعنى (يرْوَى)، ومعلوم أن الرّيّ يستلزم الشرب؛ فتكون يشرب هنا دالة على معنى الشرب باللزوم وعلى الرِّيّ؛ ويكون هذا أبلغ مما لو قلنا: يشرب منه؛ لأن الإنسان قد يشرب ولا يروى؛ وهذا الأخير هو مذهب نحاة البصرة؛ أي أنهم يحولون الفعل إلى معنى أيش؟ مناسب للحرف ليكون الفعل دالًّا على معناه اللفظي وعلى معناه التضمني أو المعنى اللزومي.
* طالب: في قوله تعالى: ﴿إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ﴾ قلنا: إن الشيطان يجوز في إعرابه وجهان؛ خبر، والثاني يكون بدلًا أو عطف..
* الشيخ: نعم.
* الطالب: القاعدة هذه مطّردة: أن كل ما صح أن يكون بدلًا صح أن يكون عطف بيان؟
* الشيخ: إي نعم، إلا ما استثني؛ قال ابن مالك:
؎وَصَالِحًا لِبَدَلِيَّـــــــــــةٍيُــــــــــــــــــــــرَى ∗∗∗ فِي غَيْرِ نَحْوِ يَا غُلَامُ يَعْمُـــــــرَا؎وَنَحْوِ بِشْرٍ تَابِعِ الْبَكْـــــــــــــــرِيِّ ∗∗∗ وَلَيْسَ أَنْ يُبْدَلَبِالْمَرْضِـــــــــيِّ
في هاتين المسألتين فقط.
* طالب: شيخ، أحسن الله إليك يا شيخ، خاف قاطع طريق ولم يخرج إلى صلاة الجماعة فترك واجبًا، هل يُلام على ذلك؟
* الشيخ: هل الخوف مُحقَّق؟
* الطالب: محقق.
* الشيخ: طيب إذا كان محققًا فإن الجماعة تسقط عنه، وحينئذٍ..
* الطالب: لا يكون هناك أسباب ثانية للخوف.
* الشيخ: لا، لا يكون ترك واجب، ما دام وجوب الجماعة يسقط بالخوف بقي الآن غير واجب عليه.
* طالب: شيخ، المؤمن لا يكون جبانًا، والحديث: «أيكون المؤمن جبانًا؟ قال: «نَعَمْ». فكيف هذا؟
* الشيخ: الجبن -بارك الله فيك- نوعان؛ جبن طبيعي وهو الأول، الخوف؛ أما الجبن الذي يؤدي إلى ترك الواجب، هذا ما يمكن للمؤمن.
* طالب: قلنا: إن المصيبة إذا وقعت على المؤمن زِيد في إيمانه، وكذلك إذا وقعت لغير المسلم يلجأ إلى الله، فالكافر إذا (...) دعوة بيجوز اللجوء إلى الله.
* الشيخ: إي، لكن فرق بين هذا وهذا؛ زيادة إيمان المؤمن بالمصائب زيادة إيمان بقدر، ورضا بما صنع الرب؛ أما إيمان الكافر فهذا إيمان ضرورة؛ ولهذا ﴿فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ﴾ [العنكبوت ٦٥] إيمان ضرورة ما هو بإيمان رضا واقتناع وتسليم؛ المؤمن يرضى ويقتنع ويسلّم، فتجده منشرح الصدر؛ أما ذاك لا؛ إنما يؤمن من أجل حصول غرضه الدنيوي فقط؛ ولهذا إذا حصل له الغرض الدنيوي عاد إلى ما كان عليه. واضح؟
* طالب: شيخ، أحسن الله إليك، أيهما أصح قولًا يا شيخ؟ القول بالتضمن أو القول (...)؟
* الشيخ: الذي أرى أن الأصح القول بالتضمّن أو بالتضمين؛ لكن القول بالتضمين ما يتسنى لكل واحد، إنما يفهمه شخص طالب علم، يفهم التلازم بين المعنى المراد وبين المعنى الذي يدل عليه ظاهر اللفظ؛ وفيه صعوبة، ولهذا نقول: إن عجزت عن التضمين فاجعل الحرف مؤّولًا بحرف يناسب المذكور.
* طالب: كيف تضمن أو ﴿يُسَارِعُونَ﴾؟
* الشيخ: يدخلون فيه، يدخلون في الكفر مسارعين. واضح؟
* طالب: قوله: ﴿وَخَافُونِ﴾، قراءة ﴿وَخَافُونِ﴾، فيها قراءتان (...).
* الشيخ: ما هي هنا، ما ذُكرت.
* الطالب: بفتحها (...) ﴿وَخَافُونِ﴾.. وصلًا.
* الشيخ: ما ذُكرت، يعني حذف الياء أو بقاؤها؛ عندي ما ذُكرت.
* طالب: شيخ، الكسر والفتح.
* طالب آخر: يا شيخ، في قوله: ﴿عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ﴾ [المطففين ٢٨] إذا استبدلنا حرف الباء بـ(من) صح: عينًا يشربون منها المقربون؛ إذا استبدلنا يشرب بمعنى (يروى)، عينًا يروى بها؛ يعني (...)؟
* الشيخ: لا يا أخي؛ يعني يروى بسببها.
* الطالب: ويشرب بسببها؟
* الشيخ: لا، يشرب منها بعضها يعني، (مِن) للتبعيض.
* الطالب: والباء للسببية؟
* الشيخ: إي نعم. واضح؟
* طالب: (...) ومن الموصول؛ الاسم الموصول، ما يصح أن يكون في معنى..
* الشيخ: يصح؛ يعني ومن اتبعك من المؤمنين حسبهم الله، يصح.
* الطالب: إذا كان معطوفًا على الكاف، هل يجوز العطف على الضمير؟
* الشيخ: إي كيف؟! يجوز مع الفاصل قولًا واحدًا، أما مع عدم الفاصل ففيه خلاف والصحيح الجواز ﴿وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ﴾ [النساء ١] ﴿وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ﴾ [البقرة ٢١٧].
* * *
* طالب: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم ﴿وَلَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئًا يُرِيدُ اللَّهُ أَلَّا يَجْعَلَ لَهُمْ حَظًّا فِي الْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (١٧٦) إِنَّ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْكُفْرَ بِالْإِيمَانِ لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (١٧٧) وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ (١٧٨)﴾ [آل عمران ١٧٦ - ١٧٨].
* الشيخ: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، قال الله تبارك وتعالى: ﴿وَلَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ﴾ تكلمنا على هذه الجملة من الآية، وقلنا: إن قوله تعالى: ﴿فِي الْكُفْرِ﴾ خلاف ما يتوقعه السامع، إذ إن المسارعة تتعدى بـ(إلى) كما في قوله تعالى: ﴿وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ﴾ [آل عمران ١٣٣] وهنا جاءت (في) في مكان (إلى)، واختلف العلماء في مثل هذا التركيب، هل التجوّز بحرف الجر أو بالفعل الذي تعدى بحرف الجر؟
على قولين؛ أحدهما: أن التجوّز بحرف الجر، يعني أننا نُقدّر حرفًا مناسبًا للفعل؛ فنقول: (في) بمعنى (إلى)، والثاني: أن التجوّز في الفعل بمعنى أن نضمّن الفعل معنى يتعدى بـ(في)؛ وقلنا: إن الثاني أولى وأدقّ وأعمق؛ فيُضمن: يسارعون فيه أيش؟ يدخلون فيه بسرعة؛ فإذا فسرنا يدخلون فيه بسرعة تضمن المسارعة والدخول في الشيء.
وقوله: ﴿فِي الْكُفْرِ﴾ أصل الكفر السّتر، ومنه (الكُفُرَّى)، وهو وعاء الطلع؛ طلع النخل، وهو معروف لدى الجميع، ولكنه في الاصطلاح هو جحد ما جاء به النبي ﷺ أو جحد بعضه، أو ترك ما يستلزم الكفر بتركه؛ هذا تعريف الكفر: جحد ما جاء به النبي ﷺ أو جحد بعضه ولو حرفًا واحدًا من كتاب الله، أو ترك العمل الذي يستلزم تركه الكفر؛ يعني مثل الصلاة فتركها كفر وإن لم يجحد وجوبها.
﴿إِنَّهُمْ لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئًا﴾ الجملة هنا محلّها مما قبلها تعليل، محلّها تعليل، أي: مهما سارعوا في الكفر فإنهم لن يضروا الله شيئًا. وقوله: ﴿لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ﴾ أي: لن يلحقوا الضرر به جل وعلا وتقدس أن يُنال بضرر. وفي الحديث القدسي الذي أخرجه مسلم من حديث أبي ذر رضي الله عنه أن الله تعالى قال: «يَا عِبَادِي، إِنَّكُمْ لَنْ تَبْلُغُوا ضُرِّي فَتَضُرُّونِي»[[أخرجه مسلم (٢٥٧٧ / ٥٥) عن أبي ذر. ]].
وقوله: ﴿شَيْئًا﴾ ﴿لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئًا﴾ هذا نكرة في سياق النفي، والنكرة في سياق النفي تفيد العموم؛ يعني لن يضروا الله أي شيء لا في ذاته، ولا في ملكه، ولا في أسمائه وصفاته، ولا في غير ذلك، لن يضروا الله شيئًا أبدًا؛ وقد قال الله تعالى في الحديث القدسي الذي أشرنا إليه آنفًا: «يَا عِبَادِي، لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا عَلَى أَفْجَرِ قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مِنْكُمْ مَا نَقَصَ ذَلِكَ فِي مُلْكِي شَيْئًا»[[أخرجه مسلم (٢٥٧٧ / ٥٥) عن أبي ذر. ]].
ثم قال تعالى: ﴿يُرِيدُ اللَّهُ أَلَّا يَجْعَلَ لَهُمْ حَظًّا فِي الْآخِرَةِ﴾ أي: يريد الله سبحانه وتعالى بكفرهم ﴿أَلَّا يَجْعَلَ لَهُمْ حَظًّا﴾ أي: نصيبًا في الآخرة؛ والإرادة هنا إرادة كونية، أي: يشاء الله أن لا يجعل لهم حظًّا في الآخرة، أي: لا يُصيّر لهم نصيبًا في الآخرة لا قليلًا ولا كثيرًا.
وهكذا كل كافر ليس له نصيب في الآخرة، المؤمن له نصيب في الآخرة، لكن قد يسبق بعذاب وقد لا يُسبق.
ثم قال: ﴿وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾ ﴿لَهُمْ﴾ أي: لهؤلاء الذين يسارعون في الكفر. ﴿عَذَابٌ﴾ أي: عقوبة. ﴿عَظِيمٌ﴾ أي: ذو عظمة، وعظمة كل شيء بحسبه؛ ففي مقام المدح تكون العظمة مدحًا؛ وفي مقام الذم تكون العظمة ذمًّا؛ فقوله تعالى: هذا إفك عظيم، هكذا جاءت في القرآن؟
* طلبة: نعم.
* الشيخ: في أي آية؟
* طالب: في سورة النور: ﴿سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ﴾ [النور ١٦].
* الشيخ: ﴿هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ﴾ ﴿سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ﴾ كلمة ﴿عَظِيمٌ﴾ هنا من باب الذم. ﴿وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ﴾ [النمل ٢٣] من باب المدح؛ المهم أن العِظم في كل موضع بحسبه، قد يكون مدحًا وقد يكون ذمًّا، هنا العقوبة لا شك أنها مكروهة عند الإنسان أن يُعاقَب؛ فهي بالنسبة لعدل الله أو لفعل الله عدل، وبالنسبة للمخلوق المعذَّب قبح وذمّ.
* في هذه الآية الكريمة من الفوائد: تهديد هؤلاء الذين يسارعون في الكفر؛ لقوله: ﴿وَلَا يَحْزُنْكَ﴾ ﴿إِنَّهُمْ لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ﴾ أي: لا يهمنك أمرهم فسوف يعذبون.
* ومنها: حرص النبي ﷺ على هداية الخلق؛ لأنه يحزنه هؤلاء الذين يسارعون في الكفر؛ ولولا حرصه عليه الصلاة والسلام ما حزن لكفرهم.
* ومنها: بيان ما يلحق النبي ﷺ من الهمّ أو من الحزن لعدم إسلام الأمة؛ وذلك لمحبته للخير عليه الصلاة والسلام حتى الذين يسارعون في الكفر يحزنه عملهم؛ لأنه يود أن يسلموا.
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: بيان ما يقع فيه سفهاء بني آدم من الخطأ والخطل؛ لكون هؤلاء يسارعون في الكفر مع أنه ضرر عليهم وهلاك.
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: انتفاء الضرر عن الله، وأنه لا تضره معصية العاصين كما لا تنفعه طاعة الطائعين؛ لقوله: ﴿إِنَّهُمْ لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئًا﴾.
فإن قيل: إن الله قد أثبت أن بعض عباده يؤذيه في قوله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ﴾ [الأحزاب ٥٧] وفي قوله في الحديث القدسي: «يُؤْذِينِي ابْنُ آدَمَ؛ يَسُبُّ الدَّهْرَ وَأَنَا الدَّهْرُ»[[متفق عليه؛ البخاري (٤٨٢٦) ومسلم (٢٢٤٦ / ١) عن أبي هريرة.]] فكيف نجمع بين نفي الضرر وإثبات الأذية؟
فالجواب أن يقال: لا يلزم من الأذيّة الضرر؛ فقد يتأذّى الإنسان بالشيء ولا يتضرّر به؛ أرأيت لو صلّى إلى جانبك أو جلس إلى جانبك رجل قد أكل بصلًا وثومًا فإنك تتأذى بما معه أو برائحته، ولكن لا تتضرر، فلا يلزم من الأذية الضرر؛ وحينئذٍ لا معارضة بين نفي الضرر عن الله عز وجل وإثبات الأذية.
* ومن فوائد هذه الآية: بيان غنى الله عز وجل عن كل من سواه؛ لقوله: ﴿إِنَّهُمْ لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئًا﴾.
* ومن فوائدها: إثبات الإرادة لله عز وجل؛ لقوله: ﴿يُرِيدُ اللَّهُ أَلَّا يَجْعَلَ لَهُمْ حَظًّا فِي الْآخِرَةِ﴾.
وقد قسم العلماء إرادة الله تعالى إلى قسمين: إرادة كونية وإرادة شرعية؛ فالكونية هي ما يتعلق بفعله، والشرعية ما يتعلق بشرعه. حطوا بالكم، الكونية بمعنى المشيئة، والشرعية بمعنى المحبة؛ الكونية يلزم فيها وقوع المراد، والشرعية لا يلزم فيها وقوع المراد. أفهمتم؟
فإذن الفروق كم؟ ثلاثة؛ الأول: أن الإرادة الكونية تتعلق بفعله، والثانية: بشرعه.
ثانيًا: الكونية بمعنى المشيئة، والشرعية بمعنى المحبة.
الثالث: الكونية يلزم فيها وقوع المراد، والشرعية لا يلزم.
فإذا قال قائل: ما تقولون في إيمان أبي بكر؟ أهو مراد بالإرادة الكونية أو الشرعية؟ والجواب؟
* طالب: إرادة كونية وشرعية.
* الشيخ: إرادة كونية وشرعية، صحيح؟
* طلبة: صحيح.
* الشيخ: صحيح؛ لأنه وقع بالإرادة الكونية؛ ولأنه متعلق بالشرع بما يحبه الله.
وما تقول في إيمان أبي لهب؟
* طالب: مراد شرعًا ولا.. لم يقع كونًا.
* الشيخ: مراد شرعًا لا كونًا؛ لأن الله لو أراده كونًا لكان. تمام، وما تقول في كفر المسلم؟
* طالب: كفر المسلم إرادة شرعية.
* الشيخ: هل هو مراد لله أو لا؟
* طالب: أول شيء يكون مسلمًا ثم يكفر؟
* الشيخ: إي، إي نعم.
* الطالب: هذا يصير كونية يا شيخ.
* الشيخ: كونيّة.
* الطالب: أن الله عز وجل أراد له..
* الشيخ: لا، هو الآن مسلم ما تقول في كفره هو الآن مسلم؟
* الطالب: يعني مسلم.
* الشيخ: نعم.
* الطالب: هذه إرادة شرعية يا شيخ.
* الشيخ: يريد الله منه أن يكفر شرعًا؟!
* الطالب: الشرع لا يلزم أن يتحقق.
* الشيخ: طيب، المهم الآن هذا مسلم فما تقول بالنسبة لكفره وهو الآن مسلم، هل هو مراد شرعًا أو مراد كونًا؟
* الطالب: كونًا.
* الشيخ: كونًا؟ يلّا.
* طالب: لا مرادًا لا شرعًا ولا كونًا.
* الشيخ: ليس مرادًا لا كونًا ولا شرعًا، واضح؟ لأنه الآن مسلم ما كفر؛ لو أراد الله أن يكفر لكفر؛ وهل هو مراد شرعًا كفره؟ لا؛ إذن هذا انتفى فيه الإرادتان؛ وإيمان المؤمن اجتمعت فيه الإرادتان، صح؟ طيب إيمان الكافر؟
* طلبة: الشرعية.
* الشيخ: فيه الإرادة الشرعية، كفر الكافر؟ الكونية، هو مراد كونًا غير مراد شرعًا؛ وإيمان الكافر مراد شرعًا غير مراد كونًا؛ وإسلام المسلم مراد كونًا وشرعًا؛ وكفر الكافر مراد كونًا لا شرعًا، واضح الآن؟
إذنْ فيه ما تجتمع فيه الإرادتان، وما تنتفي فيه الإرادتان؛ وما فيه الإرادة الشرعية فقط، وما فيه الإرادة الكونية فقط. عرفتم؟
وهذا التقسيم لا تظنوا أنه مجرد تزيين، التقسيم هذا مهم؛ لأن من الناس من قال: إن المعاصي غير مرادة لله لا كونًا ولا شرعًا مع أنها واقعة؛ فيقولون: إن معصية العاصي غير مرادة لله لا كونًا ولا شرعًا؛ نوافقهم على أيش؟
* طلبة: على (شرعًا).
* الشيخ: على (شرعًا)، غير مرادة شرعًا، لكنها مرادة كونًا. ولهذا يقولون: كل المعاصي فهي محبوبة لله؛ ليش؟ قال: لأن الله أرادها كونًا، فإذا أرادها كونًا لولا أنه يحبها ما أرادها؛ على هذا يتبين أن هذا التقسيم ليس مجرد وشي وتزيين للفظ، بل وراءه أمر معنوي.
* من فوائد هذه الآية الكريمة: أنه لا حظّ للكافر في الآخرة؛ لأنه مخلد في النار؛ لقوله: ﴿يُرِيدُ اللَّهُ أَلَّا يَجْعَلَ لَهُمْ حَظًّا فِي الْآخِرَةِ﴾.
* ومن فوائدها بالمفهوم: أن الكافر قد يكون له حظ في الدنيا، وكفره لا يمنعه من الحظ في الدنيا.
فإن قال قائل: إن الله قال في كتابه: ﴿وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ﴾ [الأعراف ٩٦] فهذا يدل على أن الكافر لا يحصل له نعيم في الدنيا؟
قلنا: نعم، الأصل أن لا يحصل له نعيم في الدنيا، هذا الأصل؛ لكنه قد يُنعّم استدراجًا كما قال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ﴾ [الأعراف ١٨٢، ١٨٣].
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: إثبات الآخرة، وأنها حق، وأن الناس ينقسمون فيها إلى قسمين: منهم من له نصيب، ومنهم من لا نصيب له؛ لقوله: ﴿فِي الْآخِرَةِ﴾.
* ومن فوائدها: إثبات العقوبة لهؤلاء الكفار؛ فليس حظهم أن لا يجدوا حظًّا في الآخرة، بل لا يجدون حظًّا في الآخرة ومع ذلك يُعذّبون؛ ليت الأمر أن يُحرموا من النعيم أو من الحظ والنصيب بل الأمر أشد، ولهذا يقولون: ﴿يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ﴾ [الزخرف ٧٧] نستريح. ﴿وَقَالَ الَّذِينَ فِي النَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْمًا مِنَ الْعَذَابِ﴾ [غافر ٤٩]، نسأل الله العافية.
{"ayah":"وَلَا یَحۡزُنكَ ٱلَّذِینَ یُسَـٰرِعُونَ فِی ٱلۡكُفۡرِۚ إِنَّهُمۡ لَن یَضُرُّوا۟ ٱللَّهَ شَیۡـࣰٔاۗ یُرِیدُ ٱللَّهُ أَلَّا یَجۡعَلَ لَهُمۡ حَظࣰّا فِی ٱلۡـَٔاخِرَةِۖ وَلَهُمۡ عَذَابٌ عَظِیمٌ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق