الباحث القرآني
ثم قال الله تعالى: ﴿لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ﴾ ﴿لَقَدْ﴾: كلما وجدت في القرآن (لقد) فإنها جملة مؤكدة، بكم مؤكد؟
* الطلبة: بثلاثة.
* الشيخ: بثلاثة مؤكدات، كلما جاءت (لقد) في القرآن فإنها جملة مؤكدة بثلاثة مؤكدات وهي: القسم المقدّر، واللام، وقد؛ إذ تقدير الكلام: والله لقد مَنّ الله.
فإذا قائل: ما الداعي للقسم مع كون الأمر ظاهرًا؟ لأن القسم إنما يقال للشاكّ أو المنكِر، للشاكّ المتردّد تحلف له، أو المنكر تحلف له أيضًا؛ فلماذا أقسم الله في هذه الآية على أنه مانّ على المؤمنين ببعث محمد ﷺ؟ ولو قال: لقد مَنّ الله على الناس؛ لكن قال: ﴿عَلَى الْمُؤْمِنِينَ﴾ الذين يعرفون أن ذلك مِنّة؟
نقول: إن الداعي للقسم ليس هو الإنكار أو الشك من المخاطَب بل قد يكون الداعي للقسم أهمية المقسم عليه، وإن لم يكن هناك شك؛ هذه الآية من هذا النوع، يعني المقصود بذلك بيان أهمية هذه المنّة العظيمة التي لا يعادلها شيء.
* طالب: أقول: عندما جاء عن الضمير في ﴿أَفَمَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَ اللَّهِ كَمَنْ بَاءَ بِسَخَطٍ﴾ معلوم أن المرتبة بسخط..
* الشيخ: أن أيش؟
* الطالب: معلوم أن المرتبة في سخط الله النار أنها دركات رجعنا إلى (...).
* الشيخ: أسمعتم الإشكال؟ يقول: النار دركات والجنة درجات؟ نقول: الدرجات إذا جاءت عامة دخل هذا وهذا؛ يعني صلحت لهذا وهذا، قال الله تعالى: ﴿وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا﴾ [الأنعام ١٣٢] أما إذا خُصّت بأهل النار فإنه يقال: دركات، كما قال تعالى: ﴿إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ﴾ [النساء ١٤٥].
* طالب: شيخ، يعني من قال: إن الصفات الفعلية أن الله عز وجل لا يتصف بها صفة كمال.
* الشيخ: ارفع صوتك.
* الطالب: إن الله عز وجل لا يتصف بها صفة كمال؛ الصفات الفعلية؟
* الشيخ: نعم، نقول لمن قال ذلك: إنك أنت لست بكامل وأنت بليد؛ إذا فعلها الله عز وجل فلا شك أن الكمال في فعلها، كل الصفات كمال؛ إذا أنجى الله المؤمنين وأثابهم هذه صفة فعلية، هل هي كمال ولَّا نقص؟ كمال؛ الله عز وجل مستغنٍ عن جميع الخلق، لكنه يُظهر من كماله لهم ما يتبين به كماله؛ فنحن نعلم أن من أثاب الطائعين فهو كمال، ومن عاقب المجرمين فهو كمال؛ ولهذا قال: ﴿يَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ﴾ [الأنفال ٣٠].
* طالب: قد يقول يا شيخ: إنه قبل ذلك يعني ما كان في نفسه ما اتصف..
* الشيخ: لا لا، أبدًا؛ نقول: هو قبل وجودها كمال وبعد وجودها كمال؛ لأنه لما اقتضت الحكمة وجودها فوُجدت صارت كمالًا، ولما اقتضت الحكمة عدمها وعُدمت صارت كمالًا.
* طالب: شيخ، بارك الله فيك، قول الله سبحانه وتعالى مع (...) في سورة النحل: ﴿أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ يَخْسِفَ اللَّهُ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ (٤٥) أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ فَمَا هُمْ بِمُعْجِزِينَ (٤٦) أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَى تَخَوُّفٍ فَإِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ﴾ [النحل ٤٥ - ٤٧] فقول الله سبحانه وتعالى: ﴿فَإِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ﴾ في سياق هذه الآيات التي هي يعني تتضمن شدة العذاب لهؤلاء ما توجيهكم يعني توجيه الآيات؟
* الشيخ: الله عز وجل قال: ﴿فَإِنَّ رَبَّكُمْ﴾ يخاطب المؤمنين: ﴿لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ﴾ فمن رحمته ورأفته بالمؤمنين أن يهلك أعداءهم؛ لأن هلاك أعدائهم لا شك أنه رأفة ورحمة بهم.
* طالب: قلنا: إن النار مؤبّدة، معلوم أن من كل ألف يدخل النار تسع مئة وتسعة وتسعون رجلًا والجنة يدخلها واحد، وأن الجنة محض فضل.
* الشيخ: أيش؟
* الطالب: محض فضل بخلاف النار، ما يخالف هذا قول الله في الحديث القدسي: «سَبَقَتْ رَحْمَتِي غَضَبِي»[[متفق عليه؛ البخاري (٧٥٥٣)، ومسلم (٢٧٥١ / ١٥) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.]] كيف يا شيخ ما يكون له وجه لمن قالوا بفناء النار؟
* الشيخ: شوف بارك الله فيك، إذا جاءك النص محكمًا فاحمل عليه جميع النصوص المتشابهة، مع أن الذي أوردت ليس متشابهًا في الواقع واضح؛ لأن هؤلاء الذين استحقوا الخلود ليسوا أهلًا للرحمة إطلاقًا، حتى تكون الرحمة سبقت الغضب؛ هم محل غضب الله ولعنته؛ عرفت؟ فلو كان اللي فيه سبق الغضب، سبق الرحمة؛ الغضب مثل الإنسان عنده حسنات وسيئات، فالحسنات قد تُذهب السيئات، والحسنات بعشر أمثالها، والسيئة بواحدة، هذه من سبق الرحمة للغضب؛ أما هؤلاء فليسوا أهلًا للرحمة إطلاقًا.
* طالب: شيخ، عملهم يكافئ العذاب؟
* الشيخ: نعم؟
* الطالب: عملهم يكافئ عذابهم؟
* الشيخ: إي نعم؛ لأنهم أفنوا حياتهم كلها في معصية الله، الحياة الدنيا.
* الطالب: الحياة فانية بخلاف النار.
* الشيخ: خليك معي، أفنوا حياتهم كلها بسخط الله، فإذا أفنوا حياتهم كلها بسخط الله، صارت حياتهم الآخرة كلها بعقوبة الله، وهم يعلمون هذا، هم يقرؤون كلام الله، فلماذا لم ينقذوا أنفسهم؟ ﴿جَزَاءً وِفَاقًا﴾ [النبأ ٢٦] لا شك؛ يعني كما أمضوا الحياة الدنيا كلها بمعصية الله مع أنه جاءهم النذير، وجاءهم الآيات، وأُخبروا، ولم ينقذوا أنفسهم، كان مقتضى العدل أن تكون حياتهم الآخرة كلها عقابًا.
* طالب: يا شيخ، حديث الرسول ﷺ قال: «حِجَابُهُ النُّورُ..»..
* الشيخ: «لَوْ كَشَفَهُ لَأَحْرَقَتْ سُبُحَاتُ وَجْهِهِ مَا انْتَهَى إِلَيْهِ بَصَرُهُ مِنْ خَلْقِهِ»[[أخرجه مسلم (١٧٩ / ٢٩٣) من حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه. ]]
* الطالب: هل نفهم من هذا الحديث أن نظر الله سبحانه وتعالى محدود حيث إنه يقول: «مَا انْتَهَى إِلَيْهِ بَصَرُهُ» بأنه ينتهي؟
* الشيخ: ويش تقولون بهذا؟ أخونا يقول: «مَا انْتَهَى إِلَيْهِ بَصَرُهُ مِنْ خَلْقِهِ» هل يفيد أن نظر الله محدود؟
* الطلبة: لا.
* الشيخ: يفيد أن الخلق محدود، وليس هذا منتهى البصر؛ لأنه قال: «مَا انْتَهَى إِلَيْهِ بَصَرُهُ مِنْ خَلْقِهِ». وخلقه كل الذي خلقه ينتهي إليهم بصره؛ فالحد هنا في المرئي وليس في الرؤية.
* طالب: شيخ، بالنسبة لقوله تعالى: ﴿وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ﴾ [الزمر ٣٣] جاء في رواية ثانية؛ في قراءة صحيحة قال: (والَّذِينَ جَاؤُوا بِالصِّدْقِ).
* الشيخ: أيش؟
* الطالب: (الَّذِينَ جَاؤُوا بِالصِّدْقِ وَصَدَّقُوا بِهِ).
* * *
* طالب: ﴿لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو﴾ (...) ﴿مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ [آل عمران ١٦٤، ١٦٥].
* الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
أظن ذكرنا لكم فيما سبق ضوابط عامة في القراءات؟ تذكرون هذا؟ ذكرنا ضوابط عامة في القراءات، ولكن أكثركم لم يدركها، نقرؤها الآن.
قراءة ضوابط عامة تقول: هذه ضوابط في القراءات عامة في جميع القرآن:
ضمير (هو) و(هي)، الأول بضم الهاء والثاني بكسرها عند جمهور القراء مطلقًا؛ تقول: (هو) و(هي)؛ وسكّن الهاء فيهما الكسائي وقالون وأبو عمرو بعد الواو والفاء واللام، سكّن الهاء بعد الفاء والواو واللام، مثل: (فَهْوَ، فَهْيَ، وَهْو، لَهْي، لَهْوَ). يعني كلما جاءت في القرآن فلك أن تسكّنها ولك أن تضمها؛ وسكّنها الكسائي وقالون أيضًا في قوله تعالى: ﴿ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الْمُحْضَرِينَ﴾ [القصص ٦١] في هذا الموضع فقط؛ لأن هذه وقعت بعد ثم: ﴿ثُمَّ هُوَ﴾ لكن سكّنها الكسائي فقال: ﴿ثُمَّ هْوَ﴾ بس في هذا الموضع؛ هذا واحد.
ثانيًا: ضمير (عليهم، وإليهم، ولديهم) مكسور الهاء، (عليهِم، إليهِم، لديهِم) مكسور الهاء؛ وقرأه حمزة بضم الهاء في كل القرآن تقول: ﴿غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهُمْ﴾ وتقول: (إليهُم)؛ وتقول: (لديهُم).
ثالثًا: ميم الجمع في مثل عليهم ساكن إذا وقع بعده متحرك غير ضمير؛ ميم الجمع في مثل عليهم ساكن إذا وقع بعده متحرك غير ضمير؛ وضمه موصولًا ابن كثير فيقرأ: ﴿عَلَيْهِمُ غَيْرِ﴾ ﴿عَلَيْهِمُ غَيْرِ﴾ إذا كان موصولًا ﴿غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ﴾ [الفاتحة ٧].
وضمه موصولًا ورش إن وقع بعده همزة قطع فيقرأ: ﴿عَلَيْهِمُ أَأَنْذَرْتَهُمْ﴾ أما: ﴿عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ﴾ فلا يقرأ؛ فإن وقع بعده ساكن فهو مضموم بدون وصل عند جميع القراء مثل: ﴿آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ﴾ [البقرة ١٢١]، وإن وقع بعده ضمير ضُمّ موصولًا للجميع مثل: ﴿أَنُلْزِمُكُمُوهَا﴾ [هود ٢٨] لا يصح أن تقول: أنلزمْكمها بل لا بد من الواو؛ ويستثنى من ذلك ميم الجمع إذا وقع بعد هاء قبلها كسرة أو ياء وبعده ساكن، ففيه حال الوصول ثلاث قراءات: ضم الهاء والميم وهي لحمزة وكسائي؛ وكسرهما وهي لأبي عمرو؛ وكسر الهاء وضم الميم وهي للباقين؛ وأما حال الوقف فكلهم كسروا الهاء وسكّنوا الميم مثل: ﴿بهِمُ الْأَسْبَابُ﴾ [البقرة ١٦٦] ﴿يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ﴾ [البقرة ١٦٧] يقول: (بهِمْ، بِهُمْ، بِهُمُ).
رابعًا: إذا لم يقع بعد هاء الضمير ساكن، وكان ما قبله متحركًا فهو موصول عند جميع القرّاء مثل: ﴿أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ﴾ [عبس ٢١]، وإن وقع بعده ساكن فهو غير موصول عند الجميع مثل: ﴿يَعْلَمْهُ اللَّهُ﴾ [البقرة ١٩٧] وإن كان ما قبله ساكنًا فهو موصول عند ابن كثير وحده مثل: ﴿اجْتَبَاهُ﴾، ﴿عَقَلُوهُ﴾، ﴿عَلَيْهُ﴾، ووافقه حفص في آية واحدة وهي قوله تعالى: ﴿فِيهِ مُهَانًا﴾ [الفرقان ٦٩] هذه قواعد عامة يحسن أنها تكتب.
* الشيخ: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، قال الله تبارك وتعالى: ﴿لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ﴾ إلى آخره، سبق الكلام على أول هذه الآية وعلى الآيات التي سبقتها.
يقول: ﴿لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا﴾ هذه الجملة مؤكدة بثلاثة مؤكدات، وأوردنا عليها سؤالًا: وهي لماذا تؤكد مع ظهورها؟
* طالب: لبيان أهمية..، بيان أهمية الشيء.
* الشيخ: أنت قفزت!
* طالب: لبيان أهمية المقسم عليه أو المؤكد الشيء المؤكد وهو بعثة الرسول ﷺ.
* الشيخ: تمام، ومن ذلك قوله تعالى: ﴿ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ لَمَيِّتُونَ﴾ [المؤمنون ١٥] فأكد مع أن الموت محقّق؛ لكن قالوا: لما كان بعض الناس غافلًا كأنه لن يموت أُكّد.
﴿لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ﴾ على المؤمنين خاصة دون غيرهم؛ لأن الكفار لم يعرفوا هذه المنّة ولم يرفعوا بها رأسًا، ولم يروا في مخالفتها بأسًا، فتركوها وأعرضوا عنها وحرموا خيرها؛ أما المؤمنون فهم الذين تبيّنت لهم هذه المنّة واستمسكوا بها.
وقوله: ﴿إِذْ بَعَثَ﴾ هذه إما أن تكون ظرفًا لـ﴿مَنَّ﴾، وإما أن تكون للتعليل أي: لأنه بعث؛ وكلاهما لا يتنافيان؛ فهي بيان لمحل المنّة وهي البعثة، وهي كذلك أيضًا تعليل للمِنّة.
وقوله: ﴿بَعَثَ﴾ أصل البعث الإنشاء، وسُمّيت الرسالة بعثًا؛ لأنها إخراج للناس من حال إلى حال؛ فكأنهم بُعثوا خلقًا جديدًا، وأُنشِئوا خلقًا جديدًا.
وقوله: ﴿إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا﴾ (في) للظرفية؛ لأن النبي ﷺ بعث في سِطة المؤمنين، وكان هو عليه الصلاة والسلام أشرف من بُعث فيهم نسبًا. وقوله: ﴿رَسُولًا﴾ أي: مرسلًا من عند الله. وقوله: ﴿مِنْ أَنْفُسِهِمْ﴾ أي: من جنسهم.
وفي سورة (يسبح لله ما في السماوات)؛ الجمعة، قال: ﴿هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ﴾ [الجمعة ٢] لأن النبي ﷺ من الأميين، وأما عامة الناس فليس منهم ولكنه من أنفسهم أي: من جنسهم، كما قال تعالى: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا﴾ [الروم ٢١] فمعنى: ﴿مِنْ أَنْفُسِهِمْ﴾ أي: من جنسهم؛ ولا شك أن كونه من جنسنا أتم في النعمة؛ لأنه لو كان من الملائكة ما ألفه الناس ولا ركنوا إليه، وربما لا يقبلون منه؛ فإذا كان من جنسهم يأكل كما يأكلون، ويشرب كما يشربون، وينام كما ينامون، ويكون معهم في أسواقهم وفي بيوتهم كان ذلك أبلغ في المنّة.
وقوله: ﴿يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ﴾ جملة: ﴿يَتْلُو﴾ صفة ثانية لـ﴿رَسُولًا﴾ أي: رسولًا من أنفسهم تاليًا عليهم آياته؛ والتلاوة هنا تشمل التلاوة لفظًا والتلاوة معنى والتلاوة حكمًا؛ التلاوة لفظًا يعني يقرأ الكتاب بينهم؛ التلاوة معنًى يعني يُعلّمهم معانيها؛ التلاوة حكمًا يعني يعمل بأحكامها عليه الصلاة والسلام؛ ولا شك أن هذه الثلاثة كلها تحتملها كلمة ﴿يَتْلُو﴾ فهو عليه الصلاة والسلام يتلوه لفظًا ويتلوه معنًى قال الله تعالى: ﴿وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ﴾ [النحل ٤٤] ويتلوه عليهم كذلك حُكمًا، قالت عائشة: «كان النبي ﷺ يُكثر أن يقول في ركوعه وسجوده: «سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا وَبِحَمْدِكَ». يتأول القرآن»[[متفق عليه؛ البخاري (٨١٧)، ومسلم (٤٨٤ / ٢١٧) من حديث عائشة رضي الله عنها.]] يعني يُطبّقه.
قال: ﴿آيَاتِهِ﴾ آياته الكونية أو الشرعية؟
* الطلبة: الشرعية.
* الشيخ: الظاهر أن المراد بها الآيات الشرعية، وهي الوحي الذي أنزله الله على رسوله ﷺ.
﴿وَيُزَكِّيهِمْ﴾ أي: يُطهّرهم، يطهرهم حسًّا ومعنًى؛ أما الطهارة حِسًّا فقد أمرهم بالوضوء عند الصلاة، وأمرهم بالغسل من الجنابة، وأمرهم بإزالة النجاسة، بل حث على النظافة عمومًا؛ وأما التزكية معنًى فهو أنه طهّر قلوبهم من الشرك والشك والنفاق وسوء الأخلاق، وهذّب أخلاقهم عليه الصلاة والسلام حتى زكَت نفوسهم وأخلاقهم.
وقوله: ﴿يُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ﴾ يعلمهم الكتاب والحكمة ليست تكرارًا مع قوله: ﴿يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ﴾ لأن الأول: تلاوة، والثاني: تعليم؛ والتعليم أخص من التلاوة؛ لأن الإنسان إذا تلا عندك القرآن لا يُعدّ معلمًا لك، يعلمك إذا أقرأك إياه ولقّنك إياه؛ فالنبي عليه الصلاة والسلام كان يعلمهم الكتاب؛ والتعليم هنا شامل لتعليم اللفظ وتعليم المعنى وتعليم الحكم أي العمل به؛ وقوله: ﴿الْكِتَابَ﴾ يعني القرآن، وسُمّي كتابًا؛ لأنه مكتوب؛ فهو (فِعال) بمعنى (مفعول)؛ وقد تكرر علينا كثيرًا أن (فعالًا) تأتي بمعنى (مفعول)، وذكرنا لهذا أمثلة، فمن يستحضر (فِعال) بمعنى (مفعول)؟
* طالب: (فِراش) بمعنى (مَفْروش).
* الشيخ: (فِراش) بمعنى (مَفْروش)، و(غِراس) بمعنى (مَغْروس) و(بِناء) بمعنى (مَبْنيّ)، (كِتاب) بمعنى (مَكْتوب)؛ هذا القرآن كتاب مكتوب؛ في أي موضع كتب؟
* طالب: في اللوح المحفوظ.
* الشيخ: في اللوح المحفوظ؟ وغيره؟
* طالب: بأيدي السفرة أيضًا.
* الشيخ: الكتب التي بأيدي السفرة.
* الطالب: وبأيدينا.
* الشيخ: والكتب التي بأيدينا. وقال بعض أهل العلم: إن المراد بالكتاب هنا الكتابة؛ لأن العرب كانوا أُميّين، ولما نزل هذا الكتاب العظيم تعلّموا الكتابة، فصاروا يكتبونه للرسول عليه الصلاة والسلام، يكتبون القرآن، ثم صاروا يكتبون بعض الأحاديث، ثم انتشرت الكتابة فيهم؛ وتعلمون أن من جملة الفداء الذي أُخذ من أسرى بدر أن يُعلّموا صبيان أهل المدينة القراءة والكتابة؛ وأيد هذا القائل قوله بأن تعليمهم الكتاب مستفاد من قوله: ﴿يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ﴾؛ ولكن في هذا نظر، نحن لا نمنع أن يكون المراد بالكتاب هنا الكتابة والقرآن جميعًا؛ لأن القاعدة عندنا في التفسير أنه متى احتملت الكلمة معنيين فأكثر ولا منافاة بينهما فإن الواجب حملها عليهما؛ لأن كتاب الله عز وجل واسع المعنى؛ فعلى هذا يكون المراد بالكتاب أيش؟ القرآن والكتابة.
وقوله: ﴿الْحِكْمَةَ﴾ قال بعض العلماء: أيّ السنة، الحكمة يعني السنة، كما قال تعالى: ﴿وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ﴾ [النساء ١١٣]. وقيل: المراد بالحكمة أنه علّمهم كيف يضعون الأشياء مواضعها؛ لأن الشريعة الإسلامية تُعلّم الإنسان كيف يضع الشيء في موضعه، وأيضًا علمهم الحكمة التي هي أسرار التشريع؛ لأن الشرع -كما تعلمون- أحكام وحِكم؛ فالأحكام ظاهرة، والحِكم هي الأسرار والمعاني التي تُناط بها هذه الأحكام؛ والإنسان إذا عرف هذه الحكم والأسرار تبيّن له أن الشريعة ليست لهوًا ولا لعبًا، وأن الشريعة ذات معانٍ سامية لا يُدركها إلا من فتح الله عليه؛ ويمكن أن نقول بأن الحكمة تشمل هذا وهذا، أي: علمهم السنة التي يُطلق عليها الحكمة، وعلّمهم وضع الأشياء مواضعها وأسرار الشريعة وحِكمها ليزدادوا بصيرة في دين الله.
قال: ﴿وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ﴾ (إنْ) تأتي في اللغة العربية لعدة معانٍ، ويُعيّن المعنى السياق؛ فتأتي (إنْ) شرطية (وعبد الله) يبين لنا مثالًا؟
* طالب: إن تحضر.
* الشيخ: إن حصل من القرآن فهو أحب إلينا: ﴿إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ﴾ [محمد ٧].
* الطالب: ﴿إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ﴾.
* الشيخ: ﴿يَنْصُرْكُمْ﴾ وتأتي أيضًا نافية؟
* طالب: (...) تكون نافية.
* الشيخ: نافية نافية.
* طالب: (…).
* الشيخ: لا.
* طالب: قوله تعالى: ﴿إِنَّ لَكُمْ لَمَا تَحْكُمُونَ﴾ [القلم ٣٩].
* الشيخ: أيش؟
* الطالب: ﴿إِنَّ لَكُمْ لَمَا تَحْكُمُونَ﴾.
* الشيخ: لا، هذه (إِنَّ)، إحنا نتكلم عن (إِنْ).
* طالب: ﴿إِنْ هَذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ﴾ [المدثر ٢٥].
* الشيخ: نعم، علامة (إن) النافية -يا إخوان- أن تأتي بعدها إلا: ﴿إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ﴾ [المائدة ١١٠]، ﴿إِنْ هَذَا إِلَّا إِفْكٌ افْتَرَاهُ﴾ [الفرقان ٤]، ﴿إِنْ هَذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ﴾، نعم ﴿إِنْ هَذَا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ﴾ [يوسف ٣١] فعلامة (إن) النافية أيش؟ أن تأتي بعدها (إلا)؛ طيب هذه اثنين، وتأتي مخففة من الثقيلة؟ (…) ما شرط؟
* طالب: ﴿إِنْ فِي صُدُورِهِمْ﴾ [غافر ٥٦].
* الشيخ: لا، ﴿إِنْ فِي صُدُورِهِمْ إِلَّا كِبْرٌ﴾ هذه نافية أتت بعدها (إلا).
* طالب: قوله عز وجل: ﴿إِنِ ارْتَبْتُمْ لَا نَشْتَرِي بِهِ ثَمَنًا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى﴾ [المائدة ١٠٦].
* الشيخ: لا، هذه إن شرطية معنى: ﴿وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ﴾ هذه من المعنى، هذه (إن) مخففة من الثقيلة، وأصلها: وإنهم كانوا من قبل؛ وعلامة (إن) المخففة من الثقيلة أن تأتي اللام في الخبر، إذا أتت بعدها اللام فهي مخففة من الثقيلة؛ عرفتم؟ ﴿إِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي﴾ تأتي اللام، قال ابن مالك:
؎وَخُفِّفَــــــــتْ إِنَّ فَقَـــــــلَّالْعَمَـــــــلُ ∗∗∗ وَتَلْزَمُ اللَّامُ................
تلزم اللام وهي التي هنا: ﴿لَفِي ضَلَالٍ﴾.
؎......................... ∗∗∗ .............. إِذَا مَا تُهْمَلُ
بقيت رابعة: وتأتي (إن) زائدة.
* طالب: ما جاء من..
* الشيخ: لا، هذه (مِن)، إحنا نتكلم عن (إن).
* طالب: قول الشاعر:
؎بَنِي غُدَانَــــــــةَ مَـــــــــــــا إِنْأَنْتُـــــــمُ ذَهَـــــــبٌ ∗∗∗ ............................
* الشيخ: نعم، هذا قول الشاعر:
؎بَنِي غُدَانَــــــــــةَ مَـــــــــا إِنْأَنْتُـــــــمُ ذَهَـــــــبٌ ∗∗∗ ............................
أي: ما أنتم ذهب.
* طالب: في القرآن يا شيخ ﴿أَنْ جَاءَتْ رُسُلُنَا لُوطًا﴾ [العنكبوت ٣٣].
* الشيخ: (أنْ) هذه (أنْ) إحنا نتكلم عن (إنْ).
* طالب: ﴿إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ﴾ [الأنعام ٥٧].
* الشيخ: نعم، (إنّ) هذه، إحنا نتكلم عن (إن) المخففة من الثقيلة، على كل حال ما أحفظ لها مثالًا في القرآن، اللي في الآية الكريمة هنا: ﴿وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ﴾ نقول: (إن) هذه مخففة من الثقيلة؛ ويش علامتها؟ أن تأتي اللام في خبرها أو في اسمها إن تأخر، المهم أن تأتي بعدها اللام؛ أفهمتم يا جماعة؟
اسمها أين هو؟ اسمها قيل: إنه محذوف مُقدّر باسم ظاهر، والتقدير: وإن الشأن كانوا من قبل في ضلال مبين، وقال بعضهم: بل هو محذوف مُقدّر بضمير مناسب، وهذا هو الصحيح؛ فإذا كان الخبر جمعًا صار الضمير المقدّر جمعًا، وعلى هذا فيكون التقدير هنا: وإنهم كانوا من قبل لفي ضلال مبين؛ فيُقدّر ضمير الشأن بما يناسب المقام.
﴿وَإِنْ كَانُوا﴾ الضمير يعود على المؤمنين الذين بُعث فيهم رسول الله ﷺ. ﴿مِنْ قَبْلُ﴾ قبل أيش؟ قبل بعث هذا الرسول. ﴿لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ﴾ (في) للظرفية يعني أن الضلال محيط بهم كإحاطة الظرف بمظروفه.
﴿لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ﴾ ﴿مُبِينٍ﴾ بمعنى (بيّن).
وقوله: ﴿مِنْ قَبْلُ﴾ نقول للإخوة المبتدئين بالنحو: إن (مِن) حرف جر، و: ﴿قَبْلُ﴾ هنا غير مجرورة؟
* طالب: شيخ، هنا ملغية.
* الشيخ: لا، ما هي ملغاة.
* طالب: شيخ، ﴿قَبْلُ﴾ مبنية على الضم.
* الشيخ: ﴿قَبْلُ﴾ مبنية على الضم؟ وين ما جرتها مِن؟
* الطالب: جرّتها محلًّا ليس لفظًا.
* الشيخ: ويش تقولون يا جماعة؟
* الطلبة: صحيح.
* الشيخ: المبني ولو دخل عليه حروف الجر لا يتغير، يبقى على بنائه، قال الله تعالى: ﴿سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ﴾ [الأعراف ١٨٢] ما قال: (من حيثِ)؛ وهنا قال: ﴿مِنْ قَبْلُ﴾ ولم يقل: (من قبلِ).
لكن في بعض الأحيان تُجرّ (قبل) فيقال: ﴿مِنْ قَبْلِهِمْ﴾ ﴿كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ﴾ [الأنعام ١٤٨]؟
* طالب: لأن ﴿مِنْ قَبْلُ﴾ غير مضافة، وهنا مضافه.
* الشيخ: طيب إذن متى تُبنى على الضم؟ إذا حُذف المضاف إليه ونُوي معناه. عرفتم؟ هذا كلام النحويين.
* في هذه الآية الكريمة فوائد:
أولًا: عظيم منة الله عز وجل على المؤمنين ببعث الرسول ﷺ من أين تؤخذ؟ من تأكيد هذه المنة بالقسم..
﴿لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ﴾، ﴿مُبِينٍ﴾ بمعنى بيِّن. وقولُه: ﴿مِنْ قَبْلُ﴾ نقول للإخوة المبتدئين بالنحو: إن (مِن) حرف جر، و(قبل) هنا غير مجرورة، (قبل) غير مجرورة، من اللي بدأ بالنحو جيدًا؟
* طالب: شيخ، هنا ملغية ليس لها عمل.
* الشيخ: لا، لا ما هي ملغاة.
* طالب: (قبلُ) مبنية على الضم.
* الشيخ: (قبل) مبنية على الضم؟ وما جرّته (مِن)؟
* الطالب: جرَّتها محلًّا ليس لفظًا.
* الشيخ: إيه، ويش تقولون يا جماعة؟
* الطلبة: صحيح.
* الشيخ: المبني ولو دخل عليه حروف الجر لا يتغير، يبقى على بنائه، قال الله تعالى: ﴿سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ﴾ [الأعراف ١٨٢]، ما قال: من حيثِ، وهنا قال: ﴿مِنْ قَبْلُ﴾، ولم يقل: من قبلِ، لكن في بعض الأحيان تُجَرُّ (قبل) فيقال: من قبلِهم، ﴿كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِم﴾ [الأنعام ١٤٨].
* طالب: شيخ، لأن (من قبل) غير مضافة، وهنا مضافة.
* الشيخ: إذن متى تُبنى على الضم؟
* الطلبة: إذا قُطع.
* الشيخ: إذا حُذف المضاف إليه ونُوي معناه، عرفتم؟ هذا كلام النحويين، إي نعم.
* في هذه الآية الكريمة فوائد:
* أولًا: عظيمُ مِنَّةِ الله عزَّ وجلَّ على المؤمنين ببعث الرسول ﷺ، من أين تؤخذ؟ من تأكيد هذه المنة بالقَسَم.
* من فوائدها: أن المنة ببعث الرسول إنما كانت على المؤمنين؛ لأنهم الذين انتفعوا بها؛ لقوله: ﴿عَلَى الْمُؤْمِنِينَ﴾.
* من فوائد الآية: أنَّ مَن لم يعترف بالمنة فهو كالمسلوب منها، أو فهو كالمسلوبة منه، من لم ينتفع بالمنة صار كالمسلوبة منه؛ لأنه خصَّ المنة بمَن؟ بالمؤمنين.
* ومن فوائدها: وجوب شكر نعمة الله على مَنْ مَنَّ الله عليه بالإيمان، من أين تؤخذ؟ من قوله: ﴿لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ﴾؛ لأن المراد بهذا الخبر هو شكر نعمة الله سبحانه وتعالى على هذه المنة، وألَّا يتعاظم الإنسان في نفسه.
* ومن فوائد هذه الآية: الرد على الأعراب الذين مَنُّوا بإيمانهم وإسلامهم على الرسول ﷺ، قال الله تعالى: ﴿يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لَا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ﴾ [الحجرات١٧].
* ومن فوائد الآية الكريمة: اللجوء إلى الله عز وجل بأنْ يثبِّتك على الإيمان؛ لأنه إذا كان هو المانُّ به فهو الذي يملك ثبوته وزواله، فارجع إليه.
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: فضيلة الرسول عليه الصلاة والسلام، حيث كان مبعوثًا مِن قِبَل مَن؟ مِن قِبل الله، والرسول يَشْرُف ويَعظم بحسب مَن؟ أيش؟ مَن أرسله؛ ولهذا يفرق الناس بين رسول السلطان ورسول الخادم، رسول السلطان يرونه أعظم من رسول العادي.
* من فوائد هذه الآية الكريمة: ثبوت رسالة النبي ﷺ؛ لقوله: ﴿إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ﴾.
* ومن فوائدها: إثبات منّة الله عز وجل بكون هذا الرسول مِن جنسنا.
* الطلبة: ﴿مِنْ أَنْفُسِهِمْ﴾.
* الشيخ: لقوله: ﴿مِنْ أَنْفُسِهِمْ﴾.
* ويتفرع على هذه الفائدة: ردُّ أولئك السفهاء المعاندين الذين قالوا: ﴿لَوْلَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ﴾ [الفرقان٧]، قال الله تعالى: ﴿وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكًا لَجَعَلْنَاهُ رَجُلًا﴾ [الأنعام٩]؛ لأنه لا يمكن أن يعيش الملَك بين البشر، ولا يمكن أيضًا للبشر أن يتقبلوا منه كما يتقبلون ممن كان من جنسهم.
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: الثناء العظيم على رسول الله ﷺ؛ حيث كان يتلو عليهم آيات الله، ويزكِّيهم، ويعلمهم الكتاب والحكمة.
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة أيضًا: حرص النبي ﷺ على إبلاغ الرسالة؛ حيث كان يتلو عليهم آيات الله ويعلّمهم الكتاب والحكمة.
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: أن القرآن معجِز، من أين يؤخذ؟ من قوله: ﴿آيَاتِهِ﴾؛ لأن الآيات بمعنى العلامات، والعلامة على الشيء هي المعيِّنة له والتي لا تصلح لغيره، فهي آية لله لا تصلح لغيره.
* ومن فوائد الآية الكريمة: جواز إضافة الشيء إلى سببه، من أين نأخذها؟
* طالب: من ﴿آيَاتِهِ﴾.
* طالب آخر: ﴿يَتْلُو عَلَيْهِمْ﴾.
* الشيخ: ﴿وَيُزَكِّيهِمْ﴾، مع أن الله قال: ﴿إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ﴾ [القصص٥٦]، لكنه ﷺ سبب، سببٌ للتزكية؛ ففي الآية جواز إضافة الشيء إلى سببه، لكن بشرط أن يكون معلومًا بأنه سبب، إمّا عن طريق الشرع، أو طريق العقل، أو طريق الحسّ، أمّا شيءٌ يُتوهم أنه سبب وليس بسبب فهذا لا يجوز.
* * *
* طالب: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، ﴿أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (١٦٥) وَمَا أَصَابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ (١٦٦) وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُوا وَقِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا قَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوِ ادْفَعُوا قَالُوا لَوْ نَعْلَمُ قِتَالًا لَاتَّبَعْنَاكُمْ هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلْإِيمَانِ يَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ﴾ [آل عمران ١٦٥-١٦٧].
* الشيخ: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، سبق لنا في الآية التي مرَّت بنا أن الله سبحانه وتعالى بيَّن منَّته على المؤمنين ببعث النبي ﷺ مؤكدًا إيَّاها بمؤكدات؟
* طالب: ثلاثة مؤكدات.
* الشيخ: وهي؟
* الطالب: القسم واللام و(قد).
* الشيخ: أين القسم؟
* الطالب: مقدر.
* الشيخ: ما الدليل عليه؟
* الطالب: اللام.
* الشيخ: اللام، أحسنت، ما معنى قوله: ﴿مِنْ أَنْفُسِهِمْ﴾؟
* طالب: أي منهم، من جنسهم.
* الشيخ: أي من جنسهم.
ما الفرق بين هذه الآية وبين قوله تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ﴾ [الجمعة٢]؟
* طالب: كذاك يعني منهم.
* طالب آخر: أي أنه أُمِّيٌّ مثلهم، من نفسهم.
* الشيخ: من نفس العرب، وأنفسهم؟ ﴿مِنْ أَنْفُسِهِمْ﴾؟
* الطالب: ﴿مِنْ أَنْفُسِهِمْ﴾ يعني من الجنس نفسه.
* الشيخ: من الجنس بني آدم، واضح يا جماعة؟ فـ﴿مِنْهُمْ﴾؛ لأنه من العرب، ﴿مِنْ أَنْفُسِهِمْ﴾؛ لأنه من جنس بني آدم، وإن كان بنو آدم غير العرب ليسوا من أقاربه.
ما معنى قوله: ﴿الْكِتَابَ﴾؛﴾ ﴿يُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ﴾؟
* طالب: الكتاب بمعنى مكتوب وهو القرآن.
* الطلبة: نعم.
* طالب: بمعنى الكتابة.
* الشيخ: بمعنى الكتابة، على المعنى الأول تكون فِعَال بمعنى مفعول، هل يمكن أن نقول: إن الآية تشمل معنيين؟
* طالب: (...).
* الشيخ: ممكن، هل تعرف في هذا قاعدة؟
* الطالب: لأن القاعدة تقول: أن الكلمة إذا احتملت أكثر من معنى لا تعارضَ بينها فالواجب حملها عليها جميعًا؛ لأن كتاب الله سبحانه وتعالى واسع.
* الشيخ: نعم؛ لأن الآية أوسع وأشمل، قوله: ﴿وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ﴾، ﴿إنْ﴾ هذه؟
* طالب: مخففة من الثقيلة.
* الشيخ: ما علامتها في هذه الآية؟
* الطالب: اللام الفارقة.
* الشيخ: اللام الفارقة ﴿لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ﴾، هل تعرف لـ(إِنْ) معنًى سوى التخفيف؟
* الطالب: نعم، لها أربعة معاني: أن تكون نافية.
* الشيخ: مخففة.
* الطالب: مخففة نافية، وأن تكون زائدة، وأن تكون..
* الشيخ: تكون شرطية، طيب، ذكرنا للنافية علامة، ما هي؟
* طالب: أن تأتي بعدها (إلا) أظن.
* الشيخ: أن تأتي بعدها (إلا)، تظن ولكنك لا تجزم.
* الطالب: أظن بمعنى أعتقد.
* الشيخ: وأعتقد بمعنى أعلم؟
* الطالب: أن تأتي بعدها (إلا).
* الشيخ: مثل؟
* طالب: مثل قول الله تعالى: ﴿إِنْ هَذَا إِلَّا إِفْكٌ مُفْتَرًى﴾.
* الشيخ: ﴿إِنْ هَذَا إِلَّا إِفْكٌ مُفْتَرًى﴾ تمام.
قوله: ﴿لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ﴾، هذا الضلال هل هو ضلال عملي أو علمي أو هما؟
* طالب: هنا يشتمل المعنيين.
* الشيخ: ضلال علمي وضلال عملي، ماذا تقولون؟
* الطلبة: صحيح.
* الشيخ: صحيح؛ لأن العرب كانوا جهالًا وكانوا غاوين في العمل، جهّالًا في العلم غواةً في العمل.
{"ayah":"لَقَدۡ مَنَّ ٱللَّهُ عَلَى ٱلۡمُؤۡمِنِینَ إِذۡ بَعَثَ فِیهِمۡ رَسُولࣰا مِّنۡ أَنفُسِهِمۡ یَتۡلُوا۟ عَلَیۡهِمۡ ءَایَـٰتِهِۦ وَیُزَكِّیهِمۡ وَیُعَلِّمُهُمُ ٱلۡكِتَـٰبَ وَٱلۡحِكۡمَةَ وَإِن كَانُوا۟ مِن قَبۡلُ لَفِی ضَلَـٰلࣲ مُّبِینٍ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق