الباحث القرآني
قوله تعالى: ﴿لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ﴾ الآية.
لـ (المَنِّ) [[في (ج): (المن) بدلا من: (للمن).]] -في كلام العرب- مَعَانٍ:
أحدها: الذي يسقط من السماء، وقد مرّ ذكره في قوله: ﴿وَأَنْزَلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى﴾ [البقرة: 57]. والمَنُّ: الاعتداد بالصنَّيعَةِ [[الصَّنِيعة: العَطِيَّة، والكرامة، والإحسان. والجمع: صَنائِع. انظر: (صنع) في: "اللسان" 4/ 2510، و"القاموس" 739.]]، وهو: أنْ تَمُنَّ بما أعطيت، وذلك في قوله: ﴿لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ﴾ [البقرة: 264].
والمَنُّ: القَطْعُ. ومنه قوله: ﴿أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ﴾ [فصلت: 8]؛ أي: غيرُ مَقْطُوع [[وهذا قول ابن عباس، ومجاهد، والضحاك، وغيرهم. وحكى السُدِّي عن بعضهم، == أن معناه: غيرُ ممنونٍ عليهم. ورُدَّ عليه؛ لأن المِنَّة لله تعالى على أهل الجنة؛ لأنهم دخلوها برحمته تعالى وفضله، لا بأعمالهم. انظر: "تفسير ابن كثير" 4/ 519.]].
والمَنُّ: الإعطاء والإنعام، والإحسان إلى مَنْ لا تَسْتَثِيبه. منه قوله تعالى: ﴿هَذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ﴾ [ص: 39]، وقوله: ﴿وَلَا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ﴾ [المدثر: 6] [[معنى الآية -على هذا الوجه-: لا تُعْطِ العطيَّةَ تلتمس أكثر منها. وهذا قول ابن عباس، وعكرمة، ومجاهد، وعطاء، وطاوس، وأبي الأحوص، وإبراهيم النخعي، والضحاك، وقتادة، والسدي، وغيرهم، واستظهره ابن كثير. ويرى الضحاك أن هذا خاص بالنبي ﷺ، مباح للناس عامة.
وقيل: لا تعط عطاءً وتستكثره؛ لأن الكريم يستقل ما يعطي، وإن كان كثيرًا. ذكره ابن جُزي.
وهناك أقوال أخرى في الآية، هي:
- لا تمنن بعملك على ربك تستكثره وهو قول الحسن، والربيع، واختيار الطبري.
- وقيل: لا تضعف أن تستكثر من الخير؛ على أنَّ (تَمْنُنْ) -في كلام العرب-: تضعف. وهي رواية خصيف عن مجاهد. أو لا تضعف عن تبليغ الرسالة، وتستكثر ما حملناك من ذلك. ذكره ابن جُزَي.
- وقيل: لا تمنن بالنبوة والقرآن على الناس، تستكثرهم به، تأخذ عليه عوضًا من الدنيا. وهو قول ابن زيد.
انظر: "تفسير الطبري" 29/ 148 - 150، "وتفسير ابن جزي" 806، و"تفسير ابن كثير" 4/ 466.]]. و (المَنَّانُ) -في صفة الله- تعالى-؛ معناه: المُعْطِي ابتداءً [[انظر هذه المعاني لـ (المن) في: "الزاهر" 2/ 355 - 357، و"تهذيب اللغة" 4/ 3459 - 3460، و"مفردات ألفاظ القرآن" 777، و"قاموس القرآن" للدامغاني 444، و"بصائر ذوي التمييز" 4/ 527 - 528.]].
فمعنى قوله: ﴿لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ﴾؛ أي: أنعَمَ عليهم، وأحسَنَ إليهم، إذ بَعَثَ فيهم رَسُولًا.
واختلفوا في المراد بـ (المؤمنين) في قوله: ﴿عَلَى الْمُؤْمِنِينَ﴾.
فقال بعضهم [[من قوله: (قال بعضهم ..) إلى (.. على النصرانية): نقله -بتصرف- عن "تفسير الثعلبي" 3/ 143 - ب.]]: هذا خاصٌّ في العرب، لأن النبي ﷺ، كانَ مِنَ العَرَبِ، ولم يكُنْ حَيٌّ مِن أحياء العرب، إلّا [و] [[ما بين المعقوفين زيادة من (ج)، و"تفسير الثعلبي".]] قد وَلَدَهُ، وله فيهم نَسَبٌ، غير بني تَغْلِب؛ لأنهم كانوا نَصَارَى [[هم بنو تَغْلب بن وائل بن قاسط. ينتهي نسبهم إلى مَعَدّ بن عدنان. ومساكنهم بالجزيرة الفُرَاتية، وتعرف بديار بكر. وبينهم وبين بني بكر بن وائل دارت حرب (البَسُوس) المشهورة التي استمرت (40) سنة.
انظر: "جمهرة أنساب العرب" 303، 469، و"صبح الأعشى" 1/ 338، و"معجم القبائل العربية" 1/ 120.]]، فطَهَّرَهُ [[في (أ)، (ب): (فظهره). والمثبت من (ج)، و"تفسير الثعلبي"، وكذا جاءت في "تفسير القرطبي" 4/ 264، 18/ 92. وهي الصواب.]] اللهُ منهم؛ لأنهم ثَبَتوا على النصرانية [[أورد هذا القول القرطبيُّ في "تفسيره" 18/ 92 ونسبه لابن إسحاق، وكذا أورده أبنُ عطية في "المحرر" 3/ 409 ونسبه للنقاش.]]. وعلى هذا دلّ كلام ابن عباس -في رواية عطاء- [[لم أقف على مصدر هذه الرواية عنه.]]، فإنه قال: يعنى المهاجرين والأنصار.
وعلى هذا التفسير، معنى قوله: ﴿مِنْ أَنْفُسِهِمْ﴾؛ أي: مِنْ نَسَبِهم. قال ابن عباس [[لم أقف على مصدر قوله؛ وقد ذكره ابن الجوزي في "الزاد" 1/ 494.]]: يريد: نَسَبه نَسَبهم، هو مِن وَلَدِ إسماعيل. وبه قال الكلبيُّ [[لم أقف على مصدر قوله.= وممن ورد عنه أن هذا خاصٌّ في العرب: عائشةُ -رضي الله عنها-. فقد أخرج عنها ابن أبي حاتم في "تفسيره" 3/ 808 أنها قالت -بعد أن قرأت هذه الآية-: (هذه للعرب خاصة). وأورده القرطبي في: "تفسيره" 4/ 264، ونسب إخراجه لأبي محمد عبد الغني، بسنده عنها.
وأورده السيوطي في "الدر" 2/ 165 وزاد نسبة إخراجه إلى ابن المنذر، والبيهقي في "الشعب".
وهو اختيار الطبري في "تفسيره" 4/ 163حيث قال: (﴿مِنْ أَنْفُسِهِمْ﴾ نبيًا من أهل لسانهم، ولم يجعله من غير أهل لسانهم، فلا يفقهوا عنه ما يقول).]].
ومعنى (المِنَّة) -على هذا التفسير-: أنه بُعِثَ واحدًا منهم؛ ليكونَ ذلك شَرَفًا لهم [[انظر: "بحر العلوم" لأبي الليث 1/ 313، و"النكت والعيون" 1/ 434.]]. ففيه إنعامٌ مِنْ وجهين:
أحدهما: أنه أنقذهم به من النار، وهداهم. والثاني: أنْ جعله منهم. ودليل هذا التأويل، قولُه: ﴿هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ﴾ [الجمعة: 2].
وقال آخرون [[ممن قال هذا: الزجاج -كما سيأتي-، وذكره الثعلبي في "تفسيره" 3/ 143 ب، ولم يعزه لقائل.]]: أراد المؤمنين كلَّهم، وعلى هذا معنى قوله: ﴿مِنْ أَنْفُسِهِمْ﴾؛ أي: إنه واحدٌ منهم، يعرفونه، ويعرفون نَسَبَهُ، ليس بِمَلَكٍ، ولا أحد مِن غيرِ بني آدم.
ومعنى (المِنّة) -على هذا القول-: أنّه [[من قوله: (أنه) إلى (من قبله) نقله -بتصرف- عن "معاني القرآن" للزجاج 1/ 487.]] مَنَّ على المؤمنين، بإرساله واحدًا منهم، عُرِفَ أمرُهُ، وخُبِرَ صِدْقُهُ وأمانَتُهُ، فكانَ تَنَاوُلُ [[في (أ)، (ب): (يتأول). والمثبت من (ج)، و"معاني القرآن".]] الحُجّةِ والبرهانِ [[في (أ): (البرهانُ) بضم النون. وفي (ب)، (ج): مهملة، وما أثبته هو الصواب.]] سَهْلًا مِنْ قِبَلِهِ [[في (ب): (قبل).]].
وهذا القول اختيار الزجّاج؛ لأنه قال [[في "معاني القرآن" له 1/ 487. نقله عنه بتصرف يسير.]]: لو كانت المنّةُ فيه [أنه] [[ما بين المعقوفين زيادة ليستقيم بها السياق.]] مِنَ العرب، لكانَ [[في (ب): (لكانت).]] العَجَمُ لا مِنَّة عليهم فيهِ، ولكن المِنَّة [[في (ب): (أمانته).]] فيه: أنَّهُ قد خُبِرَ أمْرُه، وشأنُه، وعُلِمَ صدقُهُ، بعد أنْ عَلِمُوا أنه كان واحدًا منهم، وإذا كان واحدًا منهم، كانَ أيْسَرَ عليهم معرِفةُ أحوالِهِ مِنَ الصِّدقِ والأمانة.
وعلى هذا التفسير: خُصّ المؤمنون بالذكر، وإنْ كانَ جميعُ المُكَلَّفِينَ في هذا سواء؛ لأن المِنّة على المُؤْمِنِ في هذا أعظمُ منها على الكافر؛ لانتفاع المؤمن ببعثته، فصار كقوله: ﴿إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرُ مَنْ يَخْشَاهَا﴾ [النازعات: 45]، وهو كان منذرًا لجميع البَشَرِ، ولكنْ لَمَّا كان المؤمنُ يخشَى الساعةَ دون الكافرين، وكان للمؤمن الانتفاعُ بإنذاره، أُضِيفَ إليه.
وباقي الآية مفسَّرَةٌ في سورة البقرة [[انظر: تفسير الآية 129، والآية 151 من سورة البقرة.]].
وقوله تعالى: ﴿وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ﴾ قيل: معناه: وقد كانوا [[لم أقف على من قال بهذا القول، إلا أنه يُخَرَّج على قول الكسائي -من الكوفيين- أنَّ (إنْ) إنْ دخلت على جملة فعلية، تكون بمعنى (قد)، واللام زائدة للتوكيد، وإن دخلت على جملة اسمية، فتكون (إنْ) هي النافية، واللام بمعنى (إلَّا).
انظر: "تفسير الطبري" 4/ 163، و"اللامات" للزجاجي 115، و"الجنى الداني" 214، و"الدر المصون" 2/ 334.]].
وقيل: معناه: وما كانوا مِنْ قَبْلِهِ؛ أي [[(من قبله أي): ساقط من (ج).]]: مِنْ قبل محمد، إلَّا في ضلال مبين. ومثله قوله: ﴿وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ﴾ [[هذا رأي الكوفيين، ومنهم: الفراء، أنَّ (إنْ) -هنا- نافية، بمعنى (ما)، واللام بمعنى: (إلا)، بينما مذهب أهل البصرة أنَّ (إنْ) هي المخففة من الثقيلة، واللام هي الفارقة بينها وبين (إنْ) النافية.
انظر: المصادر السابقة، و"الفريد في إعراب القرآن المجيد" 1/ 656، و"الجنى الداني" 209، و"المغني" لابن هشام 306.]] [البقرة: 198].
{"ayah":"لَقَدۡ مَنَّ ٱللَّهُ عَلَى ٱلۡمُؤۡمِنِینَ إِذۡ بَعَثَ فِیهِمۡ رَسُولࣰا مِّنۡ أَنفُسِهِمۡ یَتۡلُوا۟ عَلَیۡهِمۡ ءَایَـٰتِهِۦ وَیُزَكِّیهِمۡ وَیُعَلِّمُهُمُ ٱلۡكِتَـٰبَ وَٱلۡحِكۡمَةَ وَإِن كَانُوا۟ مِن قَبۡلُ لَفِی ضَلَـٰلࣲ مُّبِینٍ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق