الباحث القرآني
ثم قال الله تعالى: ﴿هَذَا بَيَانٌ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ﴾ [آل عمران ١٣٨]، هذا المشار إليه هل هو القرآن أو ما ذكر من قوله: ﴿وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ﴾ إلى آخره [آل عمران: ١٣٣]؟
في هذا قولان للمفسرين؛ منهم من قال: إنه عائد للقرآن؛ لجريان ذلك كثيرًا في كتاب الله، كقوله تبارك وتعالى: ﴿وَهَذَا ذِكْرٌ مُبَارَكٌ أَنْزَلْنَاهُ﴾ [الأنبياء ٥٠] وما أشبه ذلك من الآيات التي فيها الإشارة التي تعود إلى القرآن نفسه، فيكون هذا - أي القرآن- بيانًا للناس.
ومنهم من قال: إنه عائد إلى أقرب مذكور، إلى ما ذُكِر؛ لأن اسم الإشارة والضمير كلاهما يعودان على أقرب مذكور، ولكن الأولى الأول؛ أن يكون عائدًا إلى القرآن كله، ومنه هذه الآية؛ لأن هذه الآية من القرآن، فإذا جعلنا هذا يعود على القرآن كله صارت من ضمنه ما ذكر في قوله: ﴿وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ﴾ إلى آخره.
وقوله: ﴿بَيَانٌ لِلنَّاسِ﴾، ﴿بَيَانٌ﴾ مصدر، بل اسم مصدر (بَيَّن، يُبَيِّن)، المصدر (تبيينًا)، مثل بدّل يبدّل تبديلًا، ولكن البيان اسم مصدر، مثل كلّم يكلّم تكليمًا، واسم المصدر كلام، وقوله: ﴿هَذَا بَيَانٌ﴾ إذا قلنا إنه اسم مصدر فقد عبر باسم المصدر الذي هو البيان عن الموصوف بالبيان، وهذا من باب المبالغة أن يجعل الموصوف هو الصفة نفسها، حطوا بالكم، إذا عبرنا بالصفة عن الموصوف فهذا من باب المبالغة كأننا سلبنا اتصافه بها حتى جعلناه هو نفس الصفة، ولهذا يقولون: إن قول القائل: فلان عدل، أبلغ من قولهم: فلان ذو عدل، كأنه جعل هذا الموصوف هو الصفة، إذن فالقرآن ليس فيه البيان، بل هو نفسه البيان، ﴿هَذَا بَيَانٌ لِلنَّاسِ﴾ مَن الناس؟ كل الناس، كل من قرأ القرآن تبين له ما دل عليه القرآن؛ ولكن هل كل من بان له ذلك يهتدي؟ لا، ولهذا قال: ﴿وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ﴾ هدى بمعنى دلالة يستدل به المتقي، ﴿مَوْعِظَةٌ﴾ بمعنى امتثال؛ لأن الموعظة هي تليين القلوب بذكر ما يُخاف منه، أو ذكر ما يُرغب فيه، فهو ﴿هُدًى﴾ يعني دلالة، ﴿مَوْعِظَةٌ﴾ يعني امتثالًا.
فوصف الله القرآن بثلاثة أوصاف: وصف عام، ووصفان خاصان؛ الوصف العام هو: بيان للناس، والخاصان: هدى وموعظة؛ فإنه لا يهتدي به إلا المتقون، ولا يتعظ به إلا المتقون، أما من ليس كذلك فهو عليهم عمى - والعياذ بالله - عليهم عمى، ولا يزدادون به اتعاظًا، بل يقول الله عز وجل: ﴿وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ﴾، أي نجاسة إلى نجاستهم، ﴿وَمَاتُوا وَهُمْ كَافِرُونَ﴾ [التوبة ١٢٥]، فسبحان الله كلام واحد يكون له هذا التأثير المتباين؛ في قوم هدى وموعظة، وعلى قوم عمى ورجس؛ لأن القلوب بمنزلة الأراضي، الأراضي منها أرض طيبة تقبل الماء وتنبت الكلأ وينتفع بها الناس، ومنها أرض صلبة لا تشرب الماء ولكن تحفظ الماء فينتفع به الناس، ومنها أرض سبخة قيعان تشرب الماء ولكنها لا تنبت، فيزيدها الماء ضررًا؛ لأنها إذا كانت يابسة أمكن السير عليها، وإذا كانت رطبة لا يمكن السير عليها تكون زلقًا ودحرًا، ومع ذلك لا ينتفع بها الناس لا بماء تحبسه ولا بنبات تخرجه، فهكذا القرآن، القرآن بالنسبة للناس منهم من ينتفع به ويزداد هدى وتقوى، ومنهم من لا ينتفع به بل لا يزداد إلا عمى وضلالة؛ لأنه كلما كذب بآية ازداد إثمًا وعقوبة.
﴿وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ﴾ [آل عمران ١٣٩]، (لا) هذه ناهية، والفعل بعدها مجزوم بها بحذف النون (تهنوا)، وأصله (تهنون)، فحذفت النون من أجل الجزم، ﴿وَلَا تَهِنُوا﴾ الخطاب لهذه الأمة وعلى رأسها نبينا ﷺ وأصحابه، والوهن الضعف، يعني لا تضعفوا، كما قال الله تعالى: ﴿وَلَا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ﴾ [النساء ١٠٤] لا تضعفوا وتجبنوا، ﴿وَلَا تَحْزَنُوا﴾ على ما أصابكم، ﴿وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ﴾، فذكر الله سبحانه وتعالى حال إقدامهم وحال إدبارهم؛ حال إقدامهم نهاهم عن الضعف، وهذا يعطيهم قوة وإقدامًا، وحال إدبارهم نهاهم عن الحزن، وهذا يعطيهم إعراضًا عما وراءهم وعدم التفات إليه، ومعلوم أن الحزن يكون فيما يسوء، والحزن على ما مضى لا يفيد الإنسان بل يفتر عزيمته ويقلق راحته ولا يستفيد منه بشيء، فلهذا نهاهم النبي عليه الصلاة والسلام عما يعوقهم حال الإقبال وعما يعوقهم حال الإدبار، كيف ذلك؟ أقول ﴿لَا تَهِنُوا﴾ هذا ما يعوق حال الإقبال والإقدام، فنهاهم عن الضعف، يعني أَقْدِموا لا تجبنوا لا تتأخروا، ﴿لَا تَحْزَنُوا﴾ عما يكون سببًا لتوقفهم في حال الإدبار؛ لأن الإنسان إذا حزن على ما مضى بقي قلقًا لا يحسن التصرف، فنهاهم عن هذا وهذا.
ثم قال: ﴿وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ﴾، وقد اختلف المفسرون في الواو هنا هل هي حال أو استئنافية، ماذا ترون؟ إذا قلنا إنها حال صار هذا النهي منحطًّا على الأمة ما دامت هي العليا، يعني فإذا انخفضت فلها أن تهن ولها أن تحزن؛ لأنها ضعيفة، لا يمكنها أن تتقدم ولا يمكنها أن تتسلى عما مضى؛ لأنها تتسلى بأي شيء؟ أعرفتم إذا جعلناها حالًا ماذا يترتب عليه؟ إذا جعلناها الواو استئنافية، ولا تهنوا ولا تحزنوا فأنتم الأعلون صار فيها تشجيع للأمة بأن لا يضعفوا ولا يحزنوا لأنهم هم الأعلون، حتى لو أصيبوا بما يصابون به فيما تقتضيه حكمة الله بمداولة الأيام بين الناس فإن العاقبة لهم، وعلى هذا فيكون هذا الوجه الثاني أقرب إلى الصواب وإن كان الوجه الأول محتملًا.
وقوله: ﴿وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ﴾ فيه إشكال من جهة الإعراب؛ لأن المعروف أن واو الجماعة يُضَمّ ما قبلها، فيقال: مسلمُون، ولا يقال: مسلمَون، وهنا قال: ﴿وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ﴾ ولم يقل: وأنتم الأعلُون؟
* طالب: الواو حُذِف الذي مضموم قبله، لأنه أصله أعلَوُون وبعده حُذف الواو، وبعد بُدل الواو الأول بالألف والألف حُذف لالتقاء الساكنين واللام مفتوحة فيدل على حذف الواو، لهذا يكون أعلَوْن.
* الشيخ: سمعتم؟ يقول: إن (الأعلَوْن) أصلها (الأعلى)، حُذفت الألف لالتقاء الساكنين، فالألف ساكنة والواو ساكنة، إذا حذفت الألف لالتقاء الساكنين يجب أن تبقى الحركة التي قبلها على ما هي عليه، والحركة اللي قبلها ما هي؟ فتحة؛ لأنك لو ضممتها لم يتبين أن هناك ألفًا محذوفة، لو ضممت اللام (الأعلُون) ما تبين أن هناك ألفًا محذوفة، فلا بد من إبقاء الفتحة لتكون دالة على الألف المحذوفة لالتقاء الساكنين، إذن زال الإشكال، كذا ؟ ﴿وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ﴾.
* طالب: قوله تعالى: ﴿فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ﴾ فيه بعض الناس يستدل بهذه الآية على جمع آثار السابقين، وينفق الأموال على الآثار ويسافر (...)؟
* الشيخ: يقول إن قوله تعالى: ﴿فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ﴾ يستدل به بعض الذين مغرمون بجمع الآثار، فيأخذون القطعة الأثرية التي لا تساوي قرشًا بدراهم كثيرة، فهل يدخل في ذلك؟ الجواب: لا، لا يدخل فيه، حتى إن هؤلاء الذي يجمعون الآثار لا يقصدون بها الاعتبار وأن عاقبة من كانوا على هذا الوجه الدمار والهلاك، لكنها أشياء تميل إليها نفوسهم، كما أنّا سمعنا ونسمع كثيرًا أن من الناس من يجمع (...) أو طوابع البريد حتى إنه يشترى الطابع اللي بخمسة قروش يمكن بخمسين ريال.
* الطالب: ملايين الجنيهات الإسترلينية إذا اختلف الطابع عن.. الكامل يعني، ستين مليون جنيه إسترليني يا شيخ.
* الشيخ: لا حول ولا قوة إلا بالله؛ طيب على كل حال، اللي نرى أن هذه إن كان فيها مصلحة شرعية فلا بأس، وإلا فإن تركها أولى.
* طالب: شيخ، أحسن الله إليك، ما الفرق بين السياحة والسير؟
* الشيخ: لا فرق بينهما.
* الطالب: السياحة هي السير؟
* الشيخ: إيه، السياحة في الأرض يعني السير فيها.
* الطالب: يعني ما فيها تقييد بأربعة أشهر إذا كانت هي نفسها؟
* الشيخ: لا لا، كما أقول سيروا في الأرض أربعة أشهر
* الطالب: شيخ، أحسن الله إليك، من سار في الأرض لغرض شرعي كعلاج مثلًا لكن صاحبه أمر محرم هل يُمنع من السير؟
* الشيخ: إذا كان لا يمكن أن يسير للعلاج إلا بارتكاب هذا المحرم صار هذا حرامًا، وذلك لأن العلاج بالمحرم حرام، العلاج بالمحرم حرام؛ لأن ارتكاب المحرم ضرر محقق، والشفاء من المرض مصلحة متوقعة غير متيقنة، ولولا هذا لقلنا: إن من احتاج إلى أكل لحم الخنزير للعلاج جاز له أن يأكله مع أنه لا يجوز، وهذا هو الفرق بين جواز أكل لحم الخنزير للجوع وأكل لحم الخنزير للاستشفاء، فالثاني حرام والأول جائز؛ لأن أكل اللحم عند الجوع يفيد قطعًا، فإنه يدفع الجوع ويسد رمق الإنسان، لكن علاجه بالمحرم قد ينجح وقد لا ينجح، فهو يرتكب مفسدة محققة لتوقع مصلحة موهومة، وإن شئت فقل راجحة أيضًا، لكن ليس الراجح كالمتيقَّن، ولهذا جاء في الحديث: «إِنَّ اللهَ لَمْ يَجْعَلْ شِفَاءَكُمْ فِيمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ»[[أخرجه عبد الرزاق (١٧٠٩٧)، وابن أبي شيبة (٢٣٨٣٩) من قول ابن مسعود.]]، وهذا حق، لكن لو فرض أن بعض الأدوية فيها شيء من لحم الخنزير إلا أنه لا يؤثر لا طعمًا ولا رائحة فهل يجوز أو لا؟
* طالب: يجوز.
* الشيخ: يجوز؟
* طالب: هل يعرف أن هذه الأدوية فيها لحم الخنزير؟ ما يجوز.
* الشيخ: إي يعرف، يعرف، لكنه جزء يسير لا يؤثر، ما يجوز أبدًا في أي حال من الأحوال؟
* طالب: يجوز.
* طالب: ما يؤكل هذا الدواء، يستعمل كصمامات للقلب، يوضع فقط ما يؤكل.
* الشيخ: إي نعم، قصدك النجس يعني.
* الطالب: هذا اللي نعرفه بالنسبة للخنزير، يستعمل منه للعلاج فقط يعني أنسجة للصمام بس توضع وضع، لا تؤكل يعني، يعني ما فيه دواء يوضع فيه أكل.
* الشيخ: أنا ضربته مثلًا، ولنفرض أن دواء فيه كحول، دعونا من لحم الخنزير، لكن هذه الكحول لا يظهر أثرها ولا طعمها، فهل تجوز؟ نقول: نعم، ونستدل لهذا بقول النبي عليه الصلاة والسلام: «إِنَّ الْمَاءَ طَهُورٌ لَا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ إِلَّا مَا غَلَبَ عَلَى طَعْمِهِ وَلَوْنِهِ وَرِيحِهِ»[[أخرجه أبو داود (٦٦)، والترمذي (٦٦)، من حديث أبي سعيد الخدري بدون الجملة الأخيرة المتضمنة الاستثناء، والاستثناء أخرجه ابن ماجه (٥٢١) من حديث أبي أمامة الباهلي.]]، وإن كان هذا الاستثناء ضعيفًا لكنه متفق عليه، متفق بين العلماء على حكمه أن الماء طهور لا ينجسه إلا ما غيّر ريحه، فإذا كان الماء لا ينجس ويجوز تتوضأ به وتشربه فكذلك غيره، لكن استعمال لحم الخنزير أو شحم الخنزير على وجه لا يتعدى، يعني لا يأكله الإنسان، هل هو جائز؟ نقول: نعم يجوز، فلو فُرِض أن شخصًا وُصِف له أن يدّهن بشحم الخنزير وادهن به، ولكنه إذا أراد الصلاة سوف يغسله، فإن ذلك جائز، وقد نص على هذا شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في كتاب الفتاوى وهو صحيح، لأنه ما يضر، مثل دهن السفن بالشحم النجس وما أشبهه.
* * *
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، قال الله سبحانه وتعالى: ﴿قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ﴾ ما المراد بالسنن هنا؟
* طالب: السنن يعني الذي اتخذ الله (...) الرسول ﷺ.
* الشيخ: السنن يعني مثل صلاة التطوع وصيام التطوع.
* طالب: الأمم السابقة.
* الشيخ: الأمم السابقة، يعني السنن تطلق على الأمم، هذا رأي، الرأي الثاني؟
* طلبة: الطريق.
* الشيخ: الطرق، يعني مضت طرق الله عز وجل في المكذِّبين للرسل.
قوله: ﴿سِيرُوا فِي الْأَرْضِ﴾ هل المراد سير القدم أو القلب؟
* طالب: كليهما.
* الشيخ: نعم كلاهما؛ سير القلب وسير القدم، طيب هل يؤخذ من هذه الآية أنه ينبغي للإنسان قراءة التاريخ؟
* الطالب: نعم.
* الشيخ: نعم؛ لأن قراءة التاريخ سير في الأرض في الحقيقة، طيب قوله: ﴿سِيرُوا فِي الْأَرْضِ﴾، (في) هنا بمعنى؟
* طالب: بمعنى (على).
* الشيخ: بمعنى (على) ولا تكون (في) للظرفية؟
* الطالب: للظرفية لكن أجمع المفسرون على أنها بمعنى (على)؛ لأنه لا يمكن السير في داخل الأرض.
* الشيخ: يعني إذن هي للظرفية في الأصل، وتأتي لغير الظرفية بحسب السياق.
ما تقول في قوله ﷺ: «دَخَلَتِ النَّارَ امْرَأَةٌ فِي هِرَّةٍ حَبَسَتْهَا»؟[[متفق عليه؛ البخاري (٣٣١٨)، ومسلم (٢٢٤٢ / ١٥١) من حديث عبد الله بن عمر.]]
* الطالب: من أجل.
* الشيخ: للسببية؟
* طالب: نعم.
* طالب: تختلف حسب السياق.
* الشيخ: تمام.
قوله تعالى: ﴿فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ﴾ أين مفعول (انظروا)؟
* طالب: جملة (كيف كان).
* الشيخ: جملة (كيف)، وأين خبر (كان)؟
* الطالب: خبر (كان) مقدم عليها.
* الشيخ: أين هو؟
* الطالب: كيف.
* الشيخ: (كيف) مقدم، وهل التقديم هنا واجب أو جائز؟
* الطالب: واجب.
* الشيخ: واجب، لماذا؟
* الطالب: لأن (كيف) اسم استفهام، وأسماء الاستفهام لها الصدارة.
* الشيخ: نعم، صحيح، (كيف) خبرها مقدم وجوبًا؛ لأنه اسم استفهام، والاستفهام له صدر الكلام.
قوله تعالى: ﴿هَذَا بَيَانٌ لِلنَّاسِ﴾، (هذا) المشار إليه؟
* طالب: القرآن.
* الشيخ: القرآن؛ فيها رأي آخر؟
* طالب: هناك رأي آخر أن الكلام الذي سبق هو بيان، والرأي الأول أنه القرآن بشكل عام.
* الشيخ: القرآن عمومًا؛ وأيهما أولى؟
* الطالب: الأقرب القرآن.
* الشيخ: الأولى أن نقول: القرآن؛ لأنه أعم، كلما كان أعم فهو أولى؛ لأنه أشمل، طيب لماذا فرق بقوله: ﴿بَيَانٌ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ﴾؟
* طالب: لأن البيان وصف عام فهو للمؤمن ولغير المؤمن، ولكن الله سبحانه وتعالى من يهديه يكون له هدى وموعظة، ومن لا يهديه يكون له بيانًا.
* الشيخ: إيه، يعني لأنه بيان للجميع، ولكن لا يهتدي به ويتعظ به إلا المتقون.
هنا أطلق البيان ﴿هَذَا بَيَانٌ لِلنَّاسِ﴾، إذا قلنا إنه القرآن في أي شيء يكون البيان، هل هو في كل شيء ولّا في مسائل العبادات فقط؟
* طالب: في جميع الأشياء في القصص وفي الأحكام وفي العقائد.
* الشيخ: في كل شيء، هل عندك دليل من القرآن على أنه عام في كل شيء؟
* الطالب: نعم.
* طالب: قوله تعالى: ﴿وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ﴾ [النحل ٨٩].
* الشيخ: قوله تعالى: ﴿وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ﴾ واضح.
طيب، قال الله تعالى: ﴿هَذَا بَيَانٌ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ﴾.
* يستفاد من هذه الآية الكريمة: أن القرآن بيان للناس في كل شيء؛ فهو عام من حيث التبيين، عام من حيث المبيَّن له، المبين له نأخذ العموم من قوله: ﴿لِلنَّاسِ﴾، والتبيين من كونه حذف المتعلَّق، وحذْف المتعلق يدل على العموم، هذا بيان للناس في كل شيء، ويؤيد هذا الآية التي ذكرناها آنفًا وهي قوله تعالى: ﴿وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ﴾.
* من فوائدها: أن القرآن صالح للهداية من المؤمن والكافر؛ كقوله: ﴿لِلنَّاسِ﴾ فهو يشمل المؤمن والكافر.
* من فوائدها أيضًا: أنه علم لكن للمتقين، يعني لا ينتفع به إلا المتقون؛ لقوله: ﴿وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ﴾.
* ومن فوائدها أيضًا: أن من لم يتعظ بالقرآن فليتهم نفسه، من أين تؤخذ؟ من قوله: ﴿لِلْمُتَّقِينَ﴾، فإذا لم تتعظ بالقرآن فاتهم نفسك؛ فإن فيك بلاءً، كما أن من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر فليتهم نفسه، فإن صلاته قاصرة؛ لأن الذي أخبر بأن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر هو الله عز وجل، وخبره صدق مطابق للواقع، فإذا علم الإنسان من واقع نفسه أن صلاته لا تنهاه عن الفحشاء والمنكر فليتهم نفسه؛ لأن خبر الله لا يُتهم، ولهذا قال بعض السلف: «من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر فإنها لا تزيده من الله إلا بُعدًا».[[أخرجه سعيد بن منصور في التفسير (١٧٠٥)، وأبو داود في الزهد (١٣٤) عن عبد الله بن مسعود.]] نسأل الله العافية ونسأل الله أن يعيننا.
هنا إذا لم تتعظ بالقرآن فاتهم نفسك بأنك غير متقي؛ لأن المتقي لا بد أن يتعظ بالقرآن.
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: فضيلة التقوى، وأنها سبب للاهتداء والاتعاظ بالقرآن.
* ومن فوائدها: أنه كلما ازداد الإنسان تقوى ازداد هدى وموعظة، وجهه؟ أن الحكم المعلق بوصف يقوى بقوته ويضعف بضعفه، فإذا كان الهدى والموعظة معلق بالتقوى فإنه لا بد أن يزداد ويقوى بالتقوى، ويضعف وينقص بعدم التقوى، واضح؟
ثم قال الله تعالى: ﴿وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾.
* في هذه الآية: نهي المؤمنين عن الوهن، ﴿وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ﴾ الإنسان في الحقيقة بين زمنين: زمن ماض وزمن مستقبل، فإذا فاته الخير أو حصل له الشر في الزمن الماضي فحاله الحزن، يحزن على ما مضى، في المستقبل إذا ضعف وجبن فاته من الخير بقدر ضعفه وجبنه، ولهذا قال: ﴿لَا تَهِنُوا﴾ يعني عن العمل في المستقبل، ﴿وَلَا تَحْزَنُوا﴾ عما جرى عليكم في الماضي، فما جرى عليكم في الماضي لا تحزنوا؛ لأنكم أنتم الأعلون، ومن كان الأعلى فستكون العاقبة له، ما كان مستقبلًا لا تضعفوا فيه ولا تجبنوا فيه؛ لأن العاقبة لكم حيث إنكم أنتم الأعلون.
وقوله: ﴿لَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ﴾ ذكرنا أن هذه الجملة تصلح أن تكون حالية، يعني: والحال أنكم أنتم الأعلون؛ لأن الأعلى لا يليق به أن يضعف أو يحزن، وذكرنا أنه يحتمل أن تكون استئنافية يقرر الله فيها علو المؤمنين، وإذا تقرر علوهم فإن حالهم تقتضي أيش؟ أن لا يهنوا ولا يحزنوا، والمعنيان متلازمان؛ لأن من اعتقد أنه الأعلى فسوف لا يجبن ولا يحزن، وأما من كانت حاله العلو فإنه كذلك لن يضعف ولن يحزن.
وقوله: ﴿إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ هذه شرط، شرط للعلو، يعني: أنتم الأعلون في حال كونكم مؤمنين، والإيمان كما تعلمون أخص من الإسلام؛ لأن الإسلام يقع من المنافق ومن ضعيف الإيمان، والإيمان لا يكون إلا من كامل الإيمان، من المؤمن حقًّا، ولهذا قال الله تعالى: ﴿قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا﴾، شوف الأعراب البادية تقول: آمنّا، ﴿قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا﴾، لماذا؟ قال: ﴿وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ﴾ [الحجرات ١٤] حتى الآن لم يدخل الإيمان في القلب، عندكم إسلام لكن ليس عندكم إيمان، إلا أن الإيمان قريب منكم؛ لأن قوله: (لما)، حرف نفي يدل على قرب المنفي، يعني أن الإيمان قريبًا ما يدخل قلوبكم أما الآن فلا.
إذن نحن نقول: هذه الأمة هي العليا بشرط، أيش؟ بشرط الإيمان، أما إذا لم يكن لديها إيمان فليس لها عهد عند الله بنصر؛ لأن العهد الموثّق بين الله وبين عباده في النصر هو أن يكون النصر متبادلًا: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ﴾ [محمد ٧]، ﴿وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ﴾ [الحج ٤٠]، أما إذا لم يكن منا نصر لله عز وجل فإن نصر الله قد يتخلف، يعني ليس بمضمون.
طيب إذن أنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين، علامة الإيمان أو علامات الإيمان كثيرة، منها: أن لا يخاف الإنسان في تنفيذ حكم الله أحدًا من الخلق، أن لا يخاف الإنسان في تنفيذ حكم الله أحدًا من الخلق، فإن خاف أحدًا من الخلق فليس بمؤمن، ودليل ذلك قوله تعالى: ﴿إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ [آل عمران ١٧٥]، ﴿يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ﴾ يعني يوقع الخوف على أوليائه؟
* طالب: لا.
* الشيخ: إيه، ولهذا نقول: إن قوله: ﴿أَوْلِيَاءَهُ﴾ مفعول ثاني لـ(يخوف)، والمفعول الأول محذوف، وتقدير الكلام: يخوفكم أولياءه يعني يوقع الخوف في قلوبكم من أوليائه، واضح؟ قال تعالى: ﴿فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾، ﴿الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ﴾، فماذا قالوا؟ قالوا: ﴿حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ﴾ [آل عمران ١٧٣]، فإذا خوّف الإنسان أولياءه وهم الكفار فإنه لا يجوز لنا أن نخافهم، لا يجوز أن نخافهم، بل نفعل ما أمرنا الله به، ولكن أمْر الله سبحانه وتعالى لنا بقتال الكفار إنما يكون حين يكون لدينا قوة نستطيع أن نقاتلهم بها، أما أن نقاتلهم بسلاح دون سلاحهم وأقل من سلاحهم بكثير فإن هذا يعتبر تهورًا، ولهذا لم يؤمر المؤمنون بالجهاد إلا حين صار لهم شوكة وقوة، فأما إذا لم يكن فلا، لكن هذا يستلزم أنه يجب علينا أن نتسلح لقتالهم حتى يكون الدين لله، والخطاب هنا في إيجاب التسلح لولاة الأمر لا لأفراد الناس؛ لأن أفراد الناس لا يستطيعون القيام بهذا، لكن ولاة الأمور من المسلمين يجب عليهم أن يكوّنوا جيشًا عرمرمًا مسلحًا بأحدث الأسلحة من أجل أن يقاتل ﴿الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ﴾ [التوبة ٢٩]، لكن مع الأسف أننا اليوم فقدنا حتى السلاح الدعوي، حتى الدعوة لدين الإسلام لا نجد أحدًا يدعو كما ينبغي، بينما نجد النصارى على قدم وساق في الدعوة إلى ما هم عليه من الباطل، يبذلون الأموال الكثيرة، ويغرّرون بأنفسهم في المجاهيل، في الطرقات، في البراري، يحمل القسيس منهم كسرة خبز وجرة ماء ويضرب الفلوات من أجل أن يدعو واحدًا من المسلمين إلى أن يكون نصرانيًّا، أما نحن فمع الأسف الشديد أننا لا نحمل هذه القوة المعنوية في نفوسنا مع أننا نحن إذا دعونا إلى الحق فإن ديننا ولله الحمد إذا عُرض عرضًا صحيحًا في الدعوة وعرضًا صحيحًا في التطبيق فإن ذلك كفيل بأن يدخل الناس في دين الله أفواجًا، أما إذا كنا ندعو إلى الصدق مثلًا ونحن من أكذب عباد الله أيش هذا؟ هذه دعوة؟
* الطلبة: لا.
* الشيخ: ليش؟ كيف تدعو إلى الصدق وأنت تكذب؟ إذا كنا ندعو للوفاء بالعهد ونحن من أغدر الناس، نعم هذا تلاعب، إذا كنا ندعو لحفظ الأمانة ونحن من أخون الناس ليس هذا بصحيح، إذا كان ديننا ينهى عن الربا ومنا من يرابي، كيف الدعوة؟ أين الدعوة؟ إذا لم تمثل الدعوة بحال الداعي تطبيقًا تامًّا بقدر المستطاع فإنه سينقص من قبول الناس بمقدار ما نقص من أيش؟ من تطبيقه؛ ولهذا نقول: إن الله شرط قال: ﴿َأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾، وصدق الله ورسوله، هل الأمة الإسلامية اليوم هي العليا؟
* الطلبة: لا.
* الشيخ: لا؟ تعرفون كلمة (لا) ويش معناها؟ هل الأمة الإسلامية اليوم هي العليا؟ لا؛ ليش؟ لأن الإيمان ناقص، واشتراط أن تكون الأمة العليا اشتراط الإيمان، فإذا لم يوجد الإيمان فسنتأخر، وسيكون من سوانا ممن لديه قوة مادية هو الأعلى، أنا أقول لكم: إن الإنسان إذا كان عنده إيمان وفعل ما يجب عليه من الاستعداد المادي كما فعل الرسول وأصحابه عليه الصلاة والسلام فسيُنصرون على عدوهم بقوة لا طاقة لهم ولا لعدوهم بها، لكن بشرط أن يبذلوا الجهد بالسلاحين: سلاح الإيمان والسلاح المادي بقدر المستطاع، وإذا شئتم مثلًا على ذلك فانظروا إلى غزوة الخندق، غزوة الخندق اجتمع على رسول الله ﷺ وهو في المدينة عشرة آلاف مقاتل من مختلف العرب، وبأقوى السلاح، ومعهم القوة العظيمة التي لا تقابلها قوة المسلمين من حيث القوة المادية، ففعل المسلمون كل ما يستطيعون من الدفاع عن أنفسهم إلى حد أنهم حفروا خندقًا، قاموا بالواجب، ولكن مع ذلك حوصروا نحوًا من شهر، فما الذي حصل؟ أتى الله عز وجل بقوة لا قِبَل للكفار فيها ولا للمسلمين أيضًا، ليس لهم فيها حول، ما هي؟ الريح، ريح شديدة باردة، وهي الريح الشرقية التي قال عنها النبي ﷺ: «نُصِرْتُ بِالصَّبَا وَأُهْلِكَتْ عَادٌ بِالدَّبُورِ» »[[متفق عليه؛ البخاري (١٠٣٥)، ومسلم (٩٠٠ / ١٧) من حديث عبد الله بن عباس.]]، ريح شديدة باردة، وجنود من الملائكة تلقي الرعب في قلوب هؤلاء حتى رحلوا بين غروب الشمس وشروقها، كانت الريح تكفؤ قدورهم وتهدم خيامهم وتقلقهم إقلاقًا عظيمًا، حتى إن أبا سفيان وكان قائد الجيش في ذاك الوقت كان يتصلّى على النار مع أن النار غير مستقرة من شدة الهواء، وكان حذيفة بن اليمان قريبًا منه يقول: لو شئت لرميته بالسهم حتى يموت، لكن النبي ﷺ قال له: «لَا تُحْدِثْ شَيْئًا» »[[أخرجه مسلم (١٧٨٨ / ٩٩)، وأحمد (٢٣٣٣٤) واللفظ له من حديث حذيفة بن اليمان.]]، شوف لو كان من هؤلاء الشباب كان هذا جابه الله ورماه، لكن امتثال أمر النبي عليه الصلاة والسلام الذي هو الحكمة منعه، وإلا كان قتله سهلًا، «فقال أبو سفيان: لينظر كل واحد منكم جليسه من هو.» خاف أن يكون أحد من الناس من غير الجيش، «يقول حذيفة: فأمسكت بيد رجل قريب مني وقلت: من أنت؟»[[أخرجه مسلم (١٧٨٨ / ٩٩)، وأحمد (٢٣٣٣٤) من حديث حذيفة بن اليمان.]]، هذا من ذكائه، لماذا؟ لئلا يسبق ذاك ويقول لحذيفة: من أنت؟ فالمهم على كل حال إني أقول: إن المسلمين إذا بذلوا ما يستطيعون من القوة المعنوية وهي الإيمان، والقوة المادية وهي ما أُمِر أن يعدوه للكفار فإنهم سيُنصرون بقوة لا قبل لهؤلاء بها، عرفتم؟
سمع رجل شخصًا يقول: ﴿وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (٤٠) الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ﴾ [الحج ٤٠، ٤١] فقال له: هذه الأوصاف الأربعة: ﴿أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ﴾، هذه الأوصاف كيف تقابل القنابل الذرية والهيدروجينية والكيماوية وغير ذلك؟ ماذا نجيب؟ ختم الآية: ﴿وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ﴾، من الذي يملك عواقب الأمور؟ من الذي يملك عواقب الأمور؟ الله عز وجل، ولهذا قدّم الخبر: ﴿وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ﴾، إذا كان الذي يملك عاقبة الأمور هو الله فما أيسر هذه الأسلحة على الله عز وجل! قادر سبحانه وتعالى على أن يزلزل أرضهم بهم وبسلاحهم، رجفة تفنيهم عن آخرهم، أليس كذلك؟ فيضانات تدمرهم، رياح تحملهم مثلما حملت قوم هود، فيجب على الإنسان أن يعلم أنه إذا بذل ما يجب بذله من الإيمان والقوة المادية حسب ما أمر أنه سينتصر مهما كان، لكن مع الأسف إن اليقين عندنا ضعيف، بل الإيمان ضعيف، فقد فقدنا الإيمان والعمل الصالح والحكمة وتأخرنا هذا التأخر، واضح يا جماعة؟
إذنْ ﴿أَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ﴾ متى؟ ﴿إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾.
* الفوائد: ينهى الله سبحانه وتعالى عباده المؤمنين عن الوهن عن العمل في المستقبل، وعن الحزن على ما مضى؛ لأن هذا في الحقيقة كما أنه خلاف الشرع فهو خلاف العقل، وجهه؟ أن الحزن على ما فات لا يرد الفائت، أليس كذلك؟ لو تحزن ليلًا ونهارًا على ما مضى لم تغير شيئًا، اللي مضى وقع كما هو لن يتغير، ولهذا كان من الحزم أن لا يحزن الإنسان على شيء مضى، بل يقول: قدّر الله وما شاء فعل، كذلك الضعف عن المستقبل والوهن والخور كما أنه خلاف الشرع فهو خلاف العقل؛ لأن العقل يقتضي أن تقابل الأمور بجد وحزم، وفي الحديث: «الْكَيِّسُ مَنْ دَانَ نَفْسَهُ وَعَمِلَ لِمَا بَعْدَ الْمَوْتِ وَالْعَاجِزُ مَنْ أَتْبَعَ نَفْسَهُ هَوَاهَا وَتَمَنَّى عَلَى اللهِ الْأَمَانِيَّ» »[[أخرجه الترمذي (٢٤٥٩)، وابن ماجه (٤٢٦٠) من حديث شداد بن أوس.]].
* من فوائد هذه الآية: أنه ينبغي للإنسان في غير أعمال الحرب والجهاد أن يكون قوي العزيمة، لا يضعف ولا يجبن، وكم من إنسان ضعف وجبن ففاته خير كثير، ولو أقدم لحصل على خير كثير؛ لأن المستقبل لا تدري ما النتيجة فيه.
* ومن فوائد هذه الآية: أن هذه الأمة هي العليا بشرط أن تؤمن؛ لقوله: ﴿وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾.
* ومن فوائدها: التلميح بالتوبيخ إذا حصل الوهن أو الحزن، لا سيما إذا قلنا: إن الواو هنا واو الحال، يعني: كيف يليق بكم أن تهنوا وتحزنوا وأنتم الأعلون؛ لأن الأعلى لا يليق به أن يهن أو أن يحزن.
* ومن فوائد هذه الآية: أنه كلما ازداد إيمان الأمة ازدادت علوًّا، من أين تؤخذ؟ لأنه رتب العلو على الإيمان، والمرتب على الشيء يزيد بزيادته وينقص بنقصه، وهذه الآية قريب منها قوله تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ﴾ [التوبة ٣٣]، يظهره يعني؟ يبيّنه ويعليه، ومنه قولهم: ظهر على الجبل، يعني: علا عليه، ومنه ظهْر الحيوان وهو أعلى الحيوان، إذن ﴿لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ﴾ يعليه، فإذا أردت أن تعلو على البشر فخذ بهذا الدين؛ لأن هذا الدين لا بد أن يكون هو الدين العالي على كل شيء.
{"ayahs_start":138,"ayahs":["هَـٰذَا بَیَانࣱ لِّلنَّاسِ وَهُدࣰى وَمَوۡعِظَةࣱ لِّلۡمُتَّقِینَ","وَلَا تَهِنُوا۟ وَلَا تَحۡزَنُوا۟ وَأَنتُمُ ٱلۡأَعۡلَوۡنَ إِن كُنتُم مُّؤۡمِنِینَ"],"ayah":"هَـٰذَا بَیَانࣱ لِّلنَّاسِ وَهُدࣰى وَمَوۡعِظَةࣱ لِّلۡمُتَّقِینَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق