الباحث القرآني
قال الله عز وجل: ﴿وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ﴾ [آل عمران ١٠٧]، الواو حرف عطف، و(أما) تفصيلية كما مر في الأولى، ﴿الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ﴾ وهم المؤمنون، وهذا البياض يكون على قسمين: بياض عام لكل مؤمن، وبياض خاص لهذه الأمة، حيث قال النبي ﷺ: «سِيمَا لَيْسَتْ لِغَيْرِكُمْ»[[متفق عليه؛ البخاري (١٣٦)، ومسلم (٢٤٦ / ٣٧) واللفظ له من حديث أبي هريرة.]]، يعني: فيكم، «إِنَّكُمْ تُدْعَوْنَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ غُرًّا مُحَجَّلِينَ مِنْ أَثَرِ الْوُضُوءِ»[[متفق عليه؛ البخاري (١٣٦)، ومسلم (٢٤٦ / ٣٥) من حديث أبي هريرة بلفظ «إِنَّ أُمَّتِي يُدْعَوْنَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ غُرًّا مُحَجَّلِينَ مِنْ آثَارِ الْوُضُوءِ».]]، فهذه الأمة تكون وجوهها بيضاء، ولكن لها نورًا بخلاف غيرهم، أيضًا هذه الأمة يكون النور لها حيث يبلغ الوضوء، يعني يكون في اليدين وفي الرجلين، ولهذا قال: «غُرًّا مُحَجَّلِينَ»، وأما من سواها فلم نعلم إلا أن وجوههم فقط هي التي تكون بيضاء، ﴿الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ﴾ هم المؤمنون، ﴿فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ﴾ (في) للظرفية، و(رحمة الله) هنا ليست هي الرحمة المذكورة في قوله: ﴿وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ﴾ [الكهف ٥٨]؛ لأن هذه صفة الله، أما هنا ﴿فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ﴾ فهي مخلوق الله، والمراد بها الجنة، كما جاء في الحديث الصحيح أن الله قال لها أي للجنة: «أَنْتِ رَحْمَتِي أَرْحَمُ بِكِ مَنْ أَشَاءُ»[[متفق عليه؛ البخاري (٤٨٥٠)، ومسلم (٢٨٤٦ / ٣٤) من حديث أبي هريرة.]]، ويمتنع أن يكون المراد بها الصفة؛ لأن الصفة لا تكون ظرفًا للبشر، الصفة لا تكون ظرفًا للبشر، وإذا امتنع أن تكون ظرفًا للبشر امتنع أن يراد بالرحمة هنا الرحمة التي هي صفة الله، بل هي الرحمة المخلوقة لله، وأطلق عليها اسم الرحمة؛ لأنها كانت برحمة الله، يرحم الله بها من يشاء من عباده.
وقوله: ﴿فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾ [آل عمران ١٠٧]، (هم) مبتدأ وليست ضمير فصل، بل لها محل من الإعراب، و﴿خَالِدُونَ﴾ خبر المبتدأ، و(فيها) جار ومجرور متعلق بـ(خالدون)، ﴿هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾ أي: ماكثون، وقد دلت الآيات على أن هذا الخلود مؤبَّد، فذكر الله التأبيد في عدة آيات من كتابه على أن هذا الخلود خلود أبدي.
ثم قال الله تعالى: ﴿تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ﴾ [آل عمران ١٠٨] (تلك) المشار إليه ما سبق من الآيات التي ذكر الله سبحانه وتعالى، ويحتمل أن يكون المراد بها كل القرآن، وربما يرشَّح هذا، أي: يقوَّى بالإشارة، حيث جاءت بصيغة البعد، فتكون الإشارة هنا شاملة لجميع القرآن، وقوله: ﴿آيَاتُ اللَّهِ﴾، أي: العلامات الدالة على الله عز وجل، على وجوده وعلى ما تضمنته من الأسماء والصفات والأفعال، وهنا المراد بالآيات الآيات الشرعية.
وقوله: ﴿نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ﴾ [آل عمران ١٠٨] أي: نقرؤها عليك، وهل المراد أن الله سبحانه وتعالى يقرؤها على النبي ﷺ مباشرة أو بواسطة جبريل؟
* الطلبة: الثاني.
* الشيخ: الثاني، وربما يقع الأول أيضًا، ربما يُلقى في قلب النبي عليه الصلاة والسلام الوحي إلقاء، ولكن الأول هو الأكثر، بل قد يكون بالنسبة للقرآن هو المتعين؛ لأن الله تعالى يقول: ﴿وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ (١٩٢) نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ (١٩٣) عَلَى قَلْبِكَ﴾ [الشعراء ١٩٢ - ١٩٤]، وظاهر الآية أن جميع القرآن نزل به جبريل، وعلى هذا فتكون إضافة التلاوة إلى الله في هذه الآية يراد بها أيش؟ يراد بها تلاوة جبريل، ونسبت إلى الله؛ لأنه - أي جبريل- أرسل بها من عنده، وهذا كقوله تعالى: ﴿لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ (١٦) إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ (١٧) فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ (١٨) ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ (١٩)﴾ [القيامة ١٦ - ١٩]، ﴿فَإِذَا قَرَأْنَاهُ﴾ والقارئ هو جبريل كما ثبت به الحديث أن الرسول عليه الصلاة والسلام إذا سمع قراءة جبريل تعجل في القراءة خوفًا من أن ينسى شيئًا، فكان يتعجل، فقال الله تعالى: ﴿لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ (١٦) إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ (١٧) فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ﴾ حتى لو نزل آيات كثيرة في آن واحد فلن تنساه، ولهذا قال: ﴿إِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ﴾ فسيبقى ولا تنسى منه شيئًا، ﴿ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ﴾ لا بد أن نبيّنه للناس بلفظه ومعناه.
يقول: ﴿نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ﴾، ﴿بِالْحَقِّ﴾ هل الباء هنا للمصاحبة، يعني أنها مصحوبة بالحق ونازلة بالحق، صدق في الأخبار وعدل في الأحكام؟ أو أن المعنى أنها نزلت من عند الله حقًّا، فالباء هنا للملابسة، يعني متلبّسة بالحق، أي أنها نزلت من عند الله نزولًا حقًّا لا شبهة فيه ولا باطل؟
* الطلبة: يشمل المعنيين.
* الشيخ: يشمل المعنيين جميعًا، فهي نازلة من عند الله حقًّا بلا شك، وهي أيضًا نازلة بالحق، والقاعدة في علم التفسير أن الآية إذا تضمنت معنيين لا يتنافيان فالواجب حملها على المعنيين، فإن كانا يتنافيان طُلب المرجِّح، فما ترجح منهما فهو المراد.
قال الله تعالى: ﴿وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِلْعَالَمِينَ﴾ [آل عمران ١٠٨] (ما) نافية، وهي حجازية.
* الطلبة: ليست حجازية.
* الشيخ: (ما) نافية وهي حجازية، (ما) نافية وهي حجازية.
* الطلبة: تميمية.
* الشيخ: لا حجازية؛ لأن الشروط تامة، الشروط تامة، لكن اسمها مفرد كما هو العادة في المبتدأ أن يكون مفردًا، وخبرها جملة ﴿يُرِيدُ﴾، خبرها جملة والترتيب موجود، ولم ينتقض النفي، ولم تقترن بـ(إن)، فالشروط تامة، إذن هي حجازية، وليس مرادنا بقولنا: حجازية، أنه لا يتكلم بها إلا أهل الحجاز، بل يتكلم بها جموع العرب، لكن أهل الحجاز يُعملونها عمل (ليس)، وبنو تميم يهملونها، فمثلًا إذا خاطبك شخص وقال: ما زيد موجودًا، تعرف أنه حجازي، وإذا خاطبك شخص آخر فقال: ما زيد موجودٌ، عرفت أنه تميمي، عرفت؟ والمراد لو خاطبك أحد بلسان الحجازيين الأول، أما لسان الحجازيين الآن فليس بحجة، عرفتم؟ طيب يقول الشاعر:
؎وَمُهَفْهَفِ الْأَعْطَافِ قُلْتُ لَهُ انْتَسِبْ ∗∗∗ فَأَجَــــابَ مَــــا قَتْــــلُ الْمُحِــــبِّحَــــــــــــــــرَامُ
* الشيخ: هذا تميمي ولا حجازي؟
* الطلبة: تميمي.
* الشيخ: لأيش؟ لأنه قال: ما قتل المحب حرامُ، لو كان حجازيًّا لقال: حرامًا، تمام.
الآية الكريمة: ﴿وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِلْعَالَمِينَ﴾ [آل عمران ١٠٨] (ما) هذه لا شك أنها حجازية، والاسم الكريم اسمها، وجملة: (يُرِيدُ) خبرها.
يقول الله عز وجل ينفي عن نفسه سبحانه وتعالى أن يريد ظلمًا للعالمين، فهؤلاء الذين ابيضت وجوههم أو اسودت وجوههم لم يُظلَموا، الذين ابيضت وجوههم نالوا هذا بعملهم أي: بسببه، والذين اسودت وجوههم نالوه أيضًا بعملهم، فالأولون عملوا صالحًا فأثيبوا هذا الثواب، والآخرون عملوا سيئًا فأثيبوا هذا الثواب؛ لأن الله لا يمكن أن يظلم أحدًا.
وقوله: ﴿وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِلْعَالَمِينَ﴾ (العالمين) المراد بهم كل من سوى الله، فـ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا وَلَكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ﴾ [يونس ٤٤].
ثم قال: ﴿وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ﴾ [آل عمران ١٠٩]، الخبر هنا مقدم لفائدة وهي الحصر، يعني التخصيص؛ لأنك إذا قدّمت ما حقه التأخير كان بذلك حصر، كلما قدمت شيئًا حقه التأخير فهذا حصر، سواء كان خبرًا أو مفعولًا به أو جارًّا ومجرورًا، فمثلًا: ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾ [الفاتحة ٥] قُدِّم المفعول به لإفادة الحصر، يعني: لا نعبد إلا إياك ولا نستعين إلا إياك، وهنا: ﴿لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ﴾ يعني لا لغيره، فقُدِّم الخبر لأجل الحصر، ﴿لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ﴾ (ما) اسم موصول يشمل كل ما في السماوات من بشر وجن وشجر وأنهار وبحار وغير ذلك، صح؟
* طالب: خطأ يا شيخ، ما في السماوات إنس.
* الشيخ: لأن السماوات ما فيها بشر ولا حجر ولا شجر فيما نعلم، والعلم عند الله، إنما ﴿مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ﴾ يشمل كل هذا، ما فيها من الملائكة، وما في الأرض من البشر والجن والأشجار والأحجار وكل شيء ﴿مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ﴾، وأتى بـ(ما) تغليبًا لغير العاقل؛ لأنهم الأكثر، فغُلِّبوا، هذا من وجه، من وجه آخر أنه إذا أريدت الصفة فإنه يعبر بـ(ما) بدل (مَن) ولو في العاقل، انتبه، إذا أريدت الصفة عُبِّر بـ(ما) بدلًا عن (مَن) ولو في العاقل، ومثّلوا لذلك بقوله تعالى: ﴿فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ﴾ [النساء ٣]، ولم يقل: مَن طاب؛ لأنه لم يقصد عين الشخص العاقل بل قُصد الوصف والجنس والكم، انكح ما طاب من جميل وقبيح وواحد ومتعدد من النساء.
﴿وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ﴾ أظنكم تعلمون أن صلة الموصول تأتي جملة وتأتي شبه جملة، تأتي جملة اسمية وجملة فعلية وجارًّا ومجرورًا وظرفًا، أربعة أنواع، فالجملة الاسمية والفعلية ظاهرة، تقول: يعجبني الذي خُلُقه حسن، هذا أيش؟ اسمية، وتقول في الجملة الفعلية: يعجبني الذي كان شجاعًا، هذه جملة فعلية، وتقول في الظرف: يعجبني الذي فوق السطح، وتقول في الجار والمجرور: يعجبني الذي في المسجد، في هذه الآية من أي الأنواع؟ الجار والمجرور، طيب، يقولون: إن الجار والمجرور بنفسه ليس جملة؛ لأنه يحتاج إلى عامل، فكيف يكون جملة؟ قالوا: لأنه متضمن لشيء محذوف، ولهذا نقول في الإعراب: جار ومجرور متعلق بمحذوف، قدِّر المحذوف في الاسم الموصول فعلًا، وقدِّره في خبر المبتدأ اسمًا، انتبه! يقدَّر في صلة الموصول فعلًا، ويقدر في خبر المبتدأ اسمًا، فإذا قلت: يعجبني الذي عندك، فالتقدير: الذي استقر عندك، وإذا قلت: زيد عندك، التقدير: زيد مستقر عندك، فهمتم يا جماعة؟ لأيش؟ لأن الأصل في خبر المبتدأ أن يكون مفردًا غير جملة، والأصل في صلة الموصول أن تكون جملة، فنقدرها فعلًا في صلة الموصول، ونقدرها اسمًا في خبر المبتدأ، هذه هي القاعدة.
قال: ﴿مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ﴾ هو مُلك لله خلقًا وإيجادًا وتصريفًا وتدبيرًا، وقوله: ﴿وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ﴾ [البقرة ٢١٠] هذه أيضًا مفيدة للحصر بتقديم الجار والمجرور على المتعلَّق، وهي ﴿تُرْجَعُ﴾، وقوله: ﴿تُرْجَعُ الْأُمُورُ﴾ يعم كل أمر، والأمور جمع (أمر) بمعنى الشأن؛ لأن كلمة (أمر) يراد بها الشأن كما قال تعالى: ﴿وَمَا أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ﴾ [هود ٩٧] أي: ما شأنه، ويراد بالأمر الخطاب الموجه على وجه طلب الفعل على وجه الاستعلاء، جمع أمر الأول: أمور، وجمع أمر الثاني: أوامر، وعلى هذا فيكون (الأمور) جمع (أمر) وهي الشئون، كل الشئون تعود إلى الله عز وجل وترجع إليه؛ لأنه الخالق الذي ابتدأها فوجب أن ترجع إليه.
* في هذه الآيات فوائد، نبدأ بالآية الأولى، وهي قوله تعالى: ﴿يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ﴾.
* طلبة: أخذناها.
* الشيخ: أخذنا منها الفوائد؟ طيب، قال: ﴿وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُون﴾. * من فوائد هذه الآية الكريمة: أن أهل الإيمان الذين ابيضت وجوههم في الجنة؛ لقوله: ﴿فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ﴾.
* ومن فوائدها: خلود أهل الجنة فيها؛ لقوله: ﴿هُمْ فِيهَا خَالِدُون﴾.
* ومن فوائدها: أن هذا الخلود دائم؛ لأنه جاء بالصيغة الاسمية ﴿هُمْ فِيهَا خَالِدُون﴾ الدالة على الثبوت والاستمرار.
* ومن فوائدها: أن الرحمة تطلق على غير صفة الله، بل على مخلوقاته، كما أسلفنا في التفسير أن المراد بالرحمة هنا الجنة، وأما قوله: ﴿وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ﴾ [الكهف ٥٨] فالمراد الصفة، طيب، رحمة الله التي هي صفته مخلوقة ولّا غير مخلوقة؟ غير مخلوقة، كل صفات الله غير مخلوقة، ورحمة الله التي هي الجنة مخلوقة.
قال الله تعالى: ﴿فَانْظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَتِ اللَّهِ﴾ [الروم ٥٠] لما ذكر نزول المطر وأنه يحيي به الأرض قال: ﴿فَانْظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَتِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا﴾، ما المراد بالرحمة هنا؟
* الطلبة: الصفة.
* الشيخ: المخلوق الذي هو المطر أو الصفة؟
* الطلبة: الصفة.
* الشيخ: تحتمل، يحتمل أن المراد آثار رحمة الله هي المطر فيكون مخلوقًا، أو آثار رحمة الله التي هي صفته والتي من آثارها وما ينشأ عنها هذا المطر، طيب، ﴿وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ﴾ [الشورى ٢٨].
* الطلبة: المخلوقة.
* الشيخ: المخلوقة؟ المخلوقة؛ لأنها هي التي تُنْشَر، المهم الآن انتبهوا أن الرحمة قسمان: قسم مخلوق وهو ما كان بائنًا عن الله، وقسم غير مخلوق وهو ما كان صفة له.
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: أن الله سبحانه وتعالى أكرم من الخلق؛ لأن عمل الذين ابيضت وجوههم لو نُسِب إلى الثواب لم يكن شيئًا، ومع ذلك يُجزون في الرحمة التي يخلدون فيها أبدًا أبد الآبدين، وهذا تصديق قوله تعالى: ﴿مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا﴾ [الأنعام ١٦٠].
ثم قال الله تعالى: ﴿تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ﴾ إلى آخره [آل عمران: ١٠٨]. * من فوائد هذه الآية: أن القرآن كلام الله؛ لأن الله تعالى أضافه إلى نفسه فقال: ﴿آيَاتُ اللَّهِ﴾، وما أضيف إلى الله ولم يكن عينًا قائمة بنفسها فهو من صفاته؛ لأنه لا بد أن يكون هذا المضاف قائمًا بشيء، فإذا كان صفة فلن يكون إلا صفة لله عز وجل، فإذا قلنا: كلام الله، فهذا إضافة صفة، وإذا قلنا: هذا مخلوق الله، فهذا ليس إضافة صفة، لماذا؟ لأن المخلوق عين قائمة بنفسها، طيب ناقة الله صفة ولّا غير صفة؟ غير صفة؛ لأنها عين قائمة بنفسها، بيت الله؟ كذلك غير صفة؛ لأنه عين قائمة بنفسها، طيب ﴿فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي﴾ [الحجر ٢٩]؟
* طلبة: عين.
* طلبة: نفس.
* الشيخ: عين، ﴿مِنْ رُوحِي﴾ هل هي صفة ولّا غير صفة؟
* الطلبة: غير صفة.
* الشيخ: غير صفة، كذا؟ مخلوقة؛ لأنها لو كانت صفة الله ما بانت منه، وهنا بانت الرحمة، بانت من الله، أين حلت؟ في آدم، في جسد آدم، إذن فليست صفة من صفات الله؛ لأنها بائنة منه، فإضافة الروح إلى الله هنا من باب إضافة المخلوق إلى الخالق، ولهذا لا يمكن أن نقول: هذه جزء من روح الله التي هي صفته، هذا شيء مستحيل؛ إذ لو قلنا بهذا لحل شيء من الله في مخلوقاته، طيب، الرحمة هنا التي في الآية: ﴿فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ﴾ من قسم المخلوق، لو أن أحدًا جادل وقال: بل هي صفة من صفات الله؟ لأجبناه بأن هذا مستحيل؛ لأن صفة الله لا تكون ظرفًا للبشر، وهنا قال: ﴿فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ﴾، إذن نأخذ من هذا أن الرحمة المضافة إلى الله تنقسم إلى قسمين، مخلوقة وغير مخلوقة، فما كان بائنًا عن الله فهو مخلوق، وما لا فهو صفة من صفاته، فإن قال قائل: لماذا أطلق الله عليه الرحمة؟ تقول: لأنها من آثار رحمة الله.
* ومن فوائد هذه الآية: أن أهل الجنة مخلَّدون فيها؛ لقوله: ﴿هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾، والخلود هنا أبدي كما ذكره الله تعالى في آيات كثيرة، فإن قال قائل: إذا قلت: إنه أبدي، فما جوابك عن قوله تعالى: ﴿وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ﴾ [هود ١٠٨]، فاستثنى فقال: ﴿إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ﴾.
* طالب: الجواب؟
* الشيخ: نعم.
* الطالب: أن الخلود بمشيئة الله عز وجل.
* الشيخ: طيب هذا وجه.
* طالب: نقول: إن الخلود ربما يكون سبقه عذاب لعصاة المؤمنين فيكون هذا مستثنى من المشيئة.
* الشيخ: يعني مستثنى عائد على ما سبق؟
* الطالب: على ما سبق.
* الشيخ: إي، هذا الثاني.
* طالب: يا شيخ أحسن الله إليك، نقول: إن هذا قد يكون من المتشابه أو هو من المتشابه، وأمرنا الله سبحانه وتعالى أن نرد المتشابه إلى المحكم، وهو خلودهم خلودًا أبديًّا.
* الشيخ: يعني إذن لا نعارض الآيات الدالة على التأبيد بهذه الآية؛ لأنها من المشكل فيجب ردها إلى المحكم، طيب هذه ثلاثة.
* طالب: يكون الاستثناء منقطعًا، يعني: لكن ما شاء ربك، ولا يتعلق هذا بما قبله.
* الشيخ: طيب، لكن ما شاء ربك وأيش النتيجة؟ طيب (...) نجعله القول الرابع ونناقش الأقوال الآن.
* طالب: أن السماوات والأرض ما تبقى دائمة، فالاستثناء (إلا ما شاء ربك) أن يزيد.
* الشيخ: طيب، هذه خمسة.
* طالب: الاستثناء هذا بُيِّن في هذه الآية وفي آية أخرى وهو قوله: ﴿عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ﴾ وفي قوله: ﴿إِنَّ هَذَا لَرِزْقُنَا مَا لَهُ مِنْ نَفَادٍ﴾ [ص ٥٤].
* الشيخ: يعني هذا من المشكل وفيه آيات بيّنة، يعني حتى الآية اللي معنا: ﴿عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ﴾ تدل على أنه مستمر.
* طالب: ﴿إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ﴾ وقد شاء الله عز وجل أن أهل الجنة يخلدون.
* الشيخ: ﴿إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ﴾ وقد شاء الله، ما هذا أظنه القول الثالث.
* الطالب: يا شيخ، كما فُهِم بأن الخلود يعني للأذهان تبادر أن الخلود بغير مشيئة الله أتى الله عز وجل بمشيئته ليعلم أن الخلود هذا بمشيئته عز وجل.
* الشيخ: إي نعم، على كل حال العلماء لهم في هذا أقوال، لكن القول الذي يريح الإنسان ويجعل هذا القيد والقيد الذي في أهل النار ﴿خَالِدِينَ فِيهَا﴾ ﴿إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ﴾، يجعله من الأمور المتشابهة فيحمل على النصوص المحكمة، يستريح ويقول: إن الله قال: ﴿إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ﴾، مع أنه قد شاء أن يبقى هذا أبد الآبدين، هو كقول الرسول عليه الصلاة والسلام في زيارته للقبور: «وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ بِكُمْ لَاحِقُونَ»[[أخرجه مسلم (٢٤٩ / ٣٩) من حديث أبي هريرة. ]] فعلقه بالمشيئة مع أن اللحوق بهم لا بد منه، هذا يستريح به الإنسان ولا يعترض عليه معترض كما اعترض ابن القيم رحمه الله بأن الله قال في أهل النار: ﴿خَالِدِينَ فِيهَا﴾ ﴿إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيد﴾ وقال في أهل الجنة: ﴿عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ﴾، قال: فاختلاف ختم الآيتين يدل على أن أهل النار ليس خلودهم أبديًّا بخلاف أهل الجنة؛ لأنه قال في أهل الجنة: ﴿عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ﴾، وقال في أهل النار: ﴿إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ﴾، وهذا في الحقيقة يدلك على أن الإنسان مهما بلغ في العلم والذكاء فلن يسلم من الغلط، والفرق بين الآيتين ظاهر؛ لأن آية السعادة فضل، فقال: ﴿عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ﴾، وآية النار الشقاء عدل، فقال: ﴿إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ﴾ وهذا من فعله الذي أراد، وليس المعنى ﴿إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ﴾ سيفعل في المستقبل خلاف ذلك كما فهمه ابن القيم رحمه الله، فإن هذا فهم غير سديد بلا شك، بل إن مناسبة ختم الآية بقوله: ﴿إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ﴾ هو أنه لما كان الشقاء غير محمود، قال: هذا من فعل الله، والله تعالى يفعل ما يريد مع أنه لم يظلمهم.
قال تعالى: ﴿تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ﴾، ومن فوائد هذه الآية أن من كان وكيلًا عن الغير فله حكم ذلك الذي وكله؛ لأن الله أضاف التلاوة إليه مع أن التالي رسوله، فدل هذا على أن حكم ما نفذه الرسول بما أُرسل به حكم ما قاله المرسِل.
* ومن فوائد هذه الآية: أن كتاب الله عز وجل كله حق ليس به باطل، وإذا أخذنا هذه الكلمة على عمومها قلنا: جميع أحكامه حق، وجميع أخباره حق، وليس به تناقض ولا اختلاف؛ لأنه لو كان فيه تناقض أو اختلاف لكان أحد المتناقضين باطلًا، والقرآن ليس فيه شيء باطل، كله حق.
* ومن فوائدها: إثبات رسالة النبي ﷺ، حيث قال: ﴿نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ﴾، فيكون المتلوّ عليه هذه الآيات يكون قطعًا رسولًا لله رب العالمين.
* ومن فوائد الآية الكريمة: إثبات إرادة الله؛ لقوله: ﴿وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِلْعَالَمِينَ﴾، فإن قال قائل: الآية هنا نفي ﴿وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ﴾، فكيف تقول: إنها دالة على إثبات؟
نقول: هذا النفي ليس مطلقًا، بل هو نفي لإرادة شيء معين وهو الظلم، إذن فغير الظلم يريده أو لا يريده؟ يريده.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أن الظلم ممكن في حق الله، لكنه لا يريده لكمال عدله، وجهه؟ قال: ﴿وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِلْعِبَادِ﴾ [غافر ٣١]، ولم يقل: وما يمكن أن يريد الله ظلمًا، على أنه لو قال: وما يمكن، ما يدل على انتفاء الظلم لو أراده، وحينئذ يكون فيه رد على القائلين بأن الظلم في حق الله محال لذاته، وهم الجهمية، يقولون: إن الظلم في حق الله مستحيل لذاته، لا لأنه غير مراد لله، بل لذاته. وعلى قولهم يكون تمدح الله سبحانه وتعالى بنفي الظلم عنه لغوًا لا فائدة منه؛ لأن ما لا يمكن لا يصح أن يكون مدحًا أو أن يتمدح به من كان ممتنعًا عليه، فالظلم في حق الله ممكن عقلًا ولكنه ممتنع شرعًا وعدلًا، لو شاء الله تعالى أن يعذب المطيع لأمكن أو لا؟ لأمكن، لكنه لكمال عدله لا يمكن أن يعذبه؛ لأنه ظلم، هم يقولون: لا يمكن أن يظلم الله أحدًا أبدًا، الظلم مستحيل، لماذا؟ أليس يمكن أن الله يعذب المطيع الذي أمضى طول عمره بطاعة الله؟ قالوا: نعم يمكن، لكن هذا ليس بظلم؛ لأنه فعلَه فيما يملكه، فالعبد ملك لله لو فعل به أي شيء فليس بظالم له، أفهمتم الآن؟ هذا وجهة نظرهم، لكنها وجهة فاسدة؛ لأنه لو قال لك قائل: افعل كذا فأثيبك، لا تفعل كذا فإن فعلت عاقبتك، ثم فعلت ما أمرك به وما وعدك الإثابة عليه، ثم عذبك أشد العذاب، هل هذا ظلم عقلًا أو غير ظلم؟ ظلم، هذا ظلم حتى لو كان مالكًا لك، لو أن السيد قال لعبده: يا عبدي صلّح الغداء واجعل فيه كذا وكذا وكذا وكذا وقدِّمه لي في الساعة الفلانية، ففعل ما أمر، فعله على الوصف الذي قال وأتى به في الزمن الذي قال، ثم أخذ خشبة وجعل يضربه بها، وأيش يكون؟ ظالم، ولو كان عبده؟ ولو كان عبده، عقلًا يكون ظالِمًا، هم يقولون: يجوز أن الإنسان يمضي عمره كله في طاعة الله امتثالًا لأمر الله وإذا مات يخلّده في النار، وإذا فعل ذلك فليس بظالم، لأيش؟ قال: لأنه إنما فعله في ملكه، نقول: إذا كان الأمر كذلك وكان الظلم على زعمكم محالًا فإن الله تعالى لا يصح أن يقال: إنه ينفي الظلم عن نفسه تمدحًا بذلك.
* من فوائد هذه الآية: أنه إذا انتفت إرادة الظلم انتفى الظلم، وجه ذلك؟ أن الله لا مُكْرِهَ له، فإذا كان لا يريد الظلم فلا يمكن أحدًا أن يجبره على الظلم، إذن نفي إرادة الظلم نفي للظلم، وحينئذ لا يكون بين هذه الآية وبين قوله تعالى: ﴿وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ﴾ [فصلت ٤٦]، لا يكون بينهما أيش؟ تعارض؛ لأن نفي إرادة الظلم تستلزم نفي الظلم، ونفي الظلم يستلزم نفي إرادة الظلم؛ لأنه لو أراد أن يظلم لظلم، إذن لو أن أحدًا من الناس قال لي: كيف تجمع بين هذه الآية ﴿وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِلْعَالَمِينَ﴾، وبين قوله: ﴿وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ﴾، وأيش تقول؟ أقول: لا منافاة؛ لأنه إذا انتفت إرادة الظلم لزم انتفاء الظلم، وإذا انتفى الظلم لزم انتفاء إرادته؛ لأن الله قادر لو أراد أن يظلم لظلم.
* ومن فوائد هذه الآية: إثبات الصفات السلبية؛ لأن ما وصف الله به نفسه ينقسم إلى قسمين: ثبوتي، وانتفائي، أو إن شئتم قولوا: سلبي، فالثبوتي كله صفات كمال، كل صفة أثبتها الله لنفسه فهي صفة كمال، والانتفائي كله صفات نقص لكنه متضمن لثبوت كمال، ففي قوله تعالى: ﴿وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ﴾ [البقرة ٧٤] نفي الغفلة، لأيش؟ لكمال علمه ومراقبته، ﴿وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِلْعِبَادِ﴾؛ لكمال عدله، ﴿وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ﴾ [ق ٣٨]؛ لكمال قوته، كذا؟ ﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ﴾ [فاطر ٤٤]؛ لكمال قدرته وعلمه، وهلم جرّا.
* * *
* طالب: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ﴿وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ (١٠٩) كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ (١١٠) لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذًى وَإِنْ يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الْأَدْبَارَ ثُمَّ لَا يُنْصَرُونَ (١١١) ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ﴾ [آل عمران ١٠٩ - ١١٢]
* الشيخ: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، قال الله تعالى: ﴿وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ﴾، وقبل أن نبدأ بالشرح أو بالتفسير نحب أن ننبه على قراءة يتبعها بعض الناس، لما وقف على ﴿وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ﴾ بقي ﴿الْمَسْكَنَةُ﴾ فقط، وقف ثم عاد وقال: ﴿وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ﴾، مع أنه لو أتبع ﴿الْمَسْكَنَةُ﴾ ما قبلها لأمكنه ذلك ولم ينقطع نفَسُه، كذلك لما قال: ﴿وَيَقْتُلُونَ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ﴾، ﴿وَيَقْتُلُونَ الْأَنْبِيَاءَ﴾ ووقف، ثم قال: ﴿وَيَقْتُلُونَ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ﴾، مع أن كلمة ﴿بِغَيْرِ حَقٍّ﴾ لو أضافها لما سبق لم ينقطع نفسه، وهذه موضة يفعلها بعض القراء وهي في الحقيقة خطأ؛ لأن الترداد بدون سبب لا ينبغي، ثم إنه إذا قال: ﴿وَيَقْتُلُونَ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ﴾ أو ﴿وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ﴾ قطعها عن ما قبلها، فيحتاج على هذا أن يعيد الآية من أولها، فينقطع نفسه عند ﴿وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ﴾ ثم يعيدها من جديد، وينقطع نفسه عند قوله: ﴿وَضُرِبَتْ﴾ ثم يعيد من جديد، وينقطع في الثالث عند قوله ويعيد من جديد، وهكذا، ما هو صحيح، فأنا قلت لكم قبل هذا إنه إذا كان بقي كلمة أو كلمتان أتبعها ولو أنه حصل عليك شيء من ضيق النفس؛ لئلا تحتاج إلى إعادة الكلام مرة ثانية.
يقول الله عز وجل: ﴿وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ﴾ الجملة هنا خبرية تقدم خبرها لإفادة الحصر ﴿لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ﴾.
وفي قوله تعالى: ﴿وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ﴾ من الفوائد أولًا: * من فوائد هذه الآية: عموم ملك الله عز وجل؛ لقوله: ﴿مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ﴾، و(ما) موصولة تفيد العموم.
* ومن فوائدها: انفراد ملك الله سبحانه وتعالى بذلك، أي أن الله وحده هو المالك لها، وهذا يؤخذ من تقديم الخبر؛ لأن القاعدة المقررة عند البلاغيين وأصحاب الأصول أن تقديم المعمول يفيد الحصر.
* ومن فوائد هذه الآية: إثبات السماوات والأرض، وهو أمر معلوم ولا يُنْكَر، لكن الفائدة من هذه الفائدة: بيان عظمة الله سبحانه وتعالى بخلق هذه المخلوقات العظيمة التي قال الله عنها: ﴿لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ﴾ [غافر ٥٧].
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: أن مرجع الأمور إلى الله وحده؛ لقوله: ﴿وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ﴾.
* ومن فوائدها: أن من حاول أن يشرِّع للخلق شيئًا سوى ما شرعه الله فقد شارك الله، أو فقد جعل نفسه شريكًا مع الله، وجه ذلك: أن الله حصر مرجع الأمور إليه، فقال: ﴿وَإِلَى اللَّهِ﴾، فمن حاول أن يشرع للناس أمورًا لم يشرعها الله فقد جعل نفسه شريكًا مع الله سبحانه وتعالى.
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: بيان سعة الله سبحانه وتعالى، حيث كانت جميع الأمور ترجع إليه؛ لأن الأمور جمع (أمر) وهو محلّى بـ(أل) فيفيد العموم، فكل الأمور ترجع إليه الدقيقة والجليلة، قال الله تعالى: ﴿مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا﴾ [هود ٥٦]، كل الدواب صغيرها وكبيرها فالله سبحانه وتعالى آخذ بناصيتها، هو الذي يوجهها ويدبرها، العاقل منها وغير العاقل.
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: إثبات أن السماوات جمع، وقد جاءت آيات أخرى تبين أن عددها سبع سماوات، أما الأرض فجاءت في القرآن مفردة، ولكن الله أشار إلى عددها في قوله: ﴿اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ﴾ [الطلاق ١٢]، وجاءت السنة صريحة في ذلك في قول النبي عليه الصلاة والسلام: «مَنِ اقْتَطَعَ شِبْرًا مِنَ الْأَرْضِ ظُلْمًا طَوَّقَهُ اللَّهُ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ سَبْعِ أَرَضِينَ»[[متفق عليه؛ البخاري (٣١٩٨)، ومسلم (١٦١٠ / ١٣٧)، واللفظ له من حديث سعيد بن زيد.]].
{"ayahs_start":107,"ayahs":["وَأَمَّا ٱلَّذِینَ ٱبۡیَضَّتۡ وُجُوهُهُمۡ فَفِی رَحۡمَةِ ٱللَّهِۖ هُمۡ فِیهَا خَـٰلِدُونَ","تِلۡكَ ءَایَـٰتُ ٱللَّهِ نَتۡلُوهَا عَلَیۡكَ بِٱلۡحَقِّۗ وَمَا ٱللَّهُ یُرِیدُ ظُلۡمࣰا لِّلۡعَـٰلَمِینَ","وَلِلَّهِ مَا فِی ٱلسَّمَـٰوَ ٰتِ وَمَا فِی ٱلۡأَرۡضِۚ وَإِلَى ٱللَّهِ تُرۡجَعُ ٱلۡأُمُورُ"],"ayah":"وَلِلَّهِ مَا فِی ٱلسَّمَـٰوَ ٰتِ وَمَا فِی ٱلۡأَرۡضِۚ وَإِلَى ٱللَّهِ تُرۡجَعُ ٱلۡأُمُورُ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق