الباحث القرآني

قَوْلُهُ تَعالى: ﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنّاسِ﴾ سَبَبُ نُزُولِها أنَّ مالِكَ بْنَ الضَّيْفِ ووَهْبَ بْنَ يَهُوذا اليَهُودِيَّيْنِ، قالا لِابْنِ مَسْعُودٍ وسالِمٍ مَوْلى أبِي حُذَيْفَةَ [وَأُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ، ومُعاذُ بْنُ جَبَلٍ ]: دِينُنا خَيْرٌ مِمّا تَدْعُونا إلَيْهِ، ونَحْنُ أفْضَلُ مِنكم، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الآَيَةُ، هَذا قَوْلُ عِكْرِمَةَ ومُقاتِلٍ. وفِيمَن أُرِيدَ بِهَذِهِ الآَيَةِ، أرْبَعَةُ أقْوالٍ. أحَدُها: أنَّهم أهْلُ بَدْرٍ. والثّانِي: أنَّهُمُ المُهاجِرُونَ. والثّالِثُ: جَمِيعُ الصَّحابَةِ. والرّابِعُ: جَمِيعُ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ ﷺ، نُقِلَتْ هَذِهِ الأقْوالُ كُلُّها عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ. وقَدْ رَوى بَهْزُ بْنُ حَكِيمٍ عَنْ أبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ، أنَّهُ قالَ: « "إنَّكم تُوَفُّونَ سَبْعِينَ أُمَّةً أنْتُمْ خَيْرُها، وأكْرَمُها عَلى اللَّهِ تَعالى"» قالَ الزَّجّاجُ: وأصْلُ الخِطابِ لِأصْحابِ النَّبِيِّ ﷺ، (p-٤٣٩)وَهُوَ يَعُمُّ سائِرَ أُمَّتِهِ. وَفِي قَوْلِهِ تَعالى: ﴿كُنْتُمْ﴾، قَوْلانِ. أحَدُهُما: أنَّها عَلى أصْلِها، والمُرادُ بِها الماضِي، ثُمَّ فِيهِ ثَلاثَةُ أقْوالٍ. أحَدُها: أنَّ مَعْناهُ: كُنْتُمْ في اللَّوْحِ المَحْفُوظِ. والثّانِي: أنَّ مَعْناهُ: خُلِقْتُمْ ووُجِدْتُمْ. ذَكَرَهُما المُفَسِّرُونَ. والثّالِثُ: أنَّ المَعْنى: كُنْتُمْ مُذْ كُنْتُمْ، ذَكَرَهُ ابْنُ الأنْبارِيِّ. والثّانِي: أنَّ مَعْنى كُنْتُمْ: أنْتُمْ، كَقَوْلِهِ تَعالى: ﴿وَكانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا﴾ [ النِّساءِ: ٩٦ ] . ذَكَرَهُ الفَرّاءُ، والزَّجّاجُ. قالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ: وقَدْ يَأْتِي الفِعْلُ عَلى بِنْيَةِ الماضِي، وهو راهِنٌ، أوْ مُسْتَقْبَلٌ، كَقَوْلِهِ تَعالى: (كُنْتُمْ) ومَعْناهُ: أنْتُمْ، ومِثْلُهُ: ﴿وَإذْ قالَ اللَّهُ يا عِيسى﴾ [ المائِدَةِ: ١١٦ ]، أيْ: وإذْ يَقُولُ. ومِثْلُهُ: ﴿أتى أمْرُ اللَّهِ﴾ [ النَّحْلِ: ١ ]، أيْ: سَيَأْتِي، ومِثْلُهُ: ﴿كَيْفَ نُكَلِّمُ مَن كانَ في المَهْدِ صَبِيًّا﴾ [ مَرْيَمَ: ٢٩ ]، أيْ: مَن هو في المَهْدِ، ومِثْلُهُ: ﴿وَكانَ (p-٤٤٠)اللَّهُ سَمِيعًا بَصِيرًا﴾ [ النِّساءِ: ١٣٤ ] . أيْ: واللَّهُ سَمِيعٌ بَصِيرٌ، ومِثْلُهُ: ﴿فَتُثِيرُ سَحابًا فَسُقْناهُ﴾ [ فاطِرٍ: ٩ ]، أيْ: فَنَسُوقُهُ. وَفِي قَوْلِهِ تَعالى: ﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنّاسِ﴾ قَوْلانِ. أحَدُهُما: أنَّ مَعْناهُ: كُنْتُمْ خَيْرَ النّاسِ لِلنّاسِ. قالَ أبُو هُرَيْرَةَ: يَأْتُونَ بِهِمْ في السَّلاسِلِ حَتّى يُدْخِلُوهم في الإسْلامِ. والثّانِي: أنَّ مَعْناهُ: كُنْتُمْ خَيْرَ الأُمَمِ الَّتِي أُخْرِجَتْ. وَفِي قَوْلِهِ تَعالى: ﴿تَأْمُرُونَ بِالمَعْرُوفِ وتَنْهَوْنَ عَنِ المُنْكَرِ﴾ قَوْلانِ. أحَدُهُما: أنَّهُ شَرْطٌ في الخَيْرِيَّةِ، وهَذا المَعْنى مَرْوِيٌّ عَنْ عُمَرَ بْنَ الخَطّابِ، ومُجاهِدٍ، والزَّجّاجِ. والثّانِي: أنَّهُ ثَناءٌ مِنَ اللَّهِ عَلَيْهِمْ، قالَهُ الرَّبِيعُ بْنُ أنَسٍ. قالَ أبُو العالِيَةِ: والمَعْرُوفُ: التَّوْحِيدُ. والمُنْكَرُ: الشِّرْكُ. قالَ ابْنُ عَبّاسٍ: وأهْلُ الكِتابِ: اليَهُودُ والنَّصارى. قَوْلُهُ تَعالى: ﴿مِنهُمُ المُؤْمِنُونَ﴾: مَن أسْلَمَ، كَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلامٍ وأصْحابِهِ. ﴿وَأكْثَرُهُمُ الفاسِقُونَ﴾، يَعْنِي: الكافِرِينَ، وهُمُ الَّذِينَ لَمْ يُسْلِمُوا.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب