الباحث القرآني
ثم قال تعالى: ﴿مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ﴾ أصنامًا يرجون نفعها ﴿كَمَثَلِ الْعَنكَبُوتِ﴾ [العنكبوت ٤١].
(مَثَل ومِثْل) هي كـ(شَبَه وشِبْه)، وزْنًا ومعْنًى، فالمَثَل بمعنى الشَّبَه، وهو عبارة عن تشْبِيه شيء معقُول بشَيء محسوس؛ لأنَّ تَمْثِيل المعقولات بالمحسُوسَات يزيدها وضوحًا وبيانًا وتصوُّرًا، مفهوم؟ وإن كانت لا تتَسَاوى مِن كلِّ وجه، لكنَّها مِن هذا الوجه الذي شُبِّهَتْ به تتسَاوَى.
وقوله: ﴿مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ﴾ أي: جعلَوا أولِياءَ، والمراد بالأولياء: الأصنَام، وسُمُّوا أولياء؛ لأن عابِدِيهَا يرجُون نفعَها، كالوليّ الذي ينفَعُك بالنُّصْرَة والدِّفاع وجلْب الخير، وما أشبه ذلك، وأيضًا أولياء؛ حيث إنَّهم هم ..
.. ولهذا قال قوم إبراهيم: ﴿حَرِّقُوهُ وَانْصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ﴾ [الأنبياء ٦٨]، فهم ينصرونها ويرجون النصر منها، ولهذا سُمِّيَت هذه الأصنام بـ(أولياء).
وقوله: ﴿مِنْ دُونِ اللَّهِ﴾ أي: غيره، والدليل على أن المراد دون الغير أن ذلك جاء في آيات متعددة كقوله: ﴿مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ﴾ [الأعراف ٥٩]، والتعبير بالدُّون لِدُنُوِّ مرتبته بالنسبة إلى مَن؟ إلى الله عز وجل ﴿مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ﴾ [العنكبوت ٤١] مثلُهم إذن مَن المراد بالذين اتخَذُوا مِن دون الله أولياء؟ المراد بهم المشركون مثلُهم ﴿كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ﴾ [العنكبوت ٤١]؛ أي: كشبه العنكبوت، والعنكبوت معروفة دويبة معرُوفة تتَّخذ لها بيتًا مِن العُشّ، وهذا البيت مِن العش هي التي تنسجه يخرج منها، والله سبحانه وتعالى على كلِّ شيء قدير، هذه العنكبوت إذا سقطَت من علٍ هي فورًا تفرز هذا العش، وتتعَلَّق به حتى لا تقع على الأرض، ثم مع ذلك تفرِزُه وتتعلق به، وتجدها مُتَدَلِّية بهذا الخيط، وإذا شاءَت أن تصعَد به صعدَت تنقلب وتجعَل رأسَها هو الأعلى وتصْعَد مع هذا الخيط الذي أفرزته هي في الحال، ثم هي أيضًا عند صيدَتِها -وأكثر مَا تصيد الذباب- ماذا تصنع به؟ تقيدُه بهذه الخيوط حتى تقضِي عليه، وهذا بعض مِن قوله تعالى: ﴿رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى﴾ [طه ٥٠] هدى هذا الخلق لِمَا هو مِن مصالِحِه، الشاهد أنَّ هذه العنكبوت اتَّخَذَت بيتًا أي جعلت لها بيتًا، مِنين؟ مِن العش الذي تنسِجُه.
قال المؤلف: (﴿اتَّخَذَتْ بَيْتًا﴾ [العنكبوت ٤١] لنفسِها تأوي إليه) وهذا مشاهد ﴿وَإِنَّ أَوْهَنَ﴾ [العنكبوت ٤١] أضعَفَ ﴿الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ﴾ [العنكبوت ٤١]، هذا كلامُ الله عز وجل، وهو العالِمُ بما لم نُحِطْ به علمًا ما أكثرَ مخلوقات الله تعالى التي لها بيْت، ونحن لا نعلَم عن هذه البُيُوت إلا ما نشاهِدُه منها، وما أكثرَ الغائبَ عنَّا والله عزَّ وجل يقول: أَوْهَنَ الْبُيُوتِ بَيْتُ الْعَنْكَبُوت، وأَكَّد هذه الجملة ﴿وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ﴾ بـ(إن) واللام مِن أجل تأكيد ضَعْف هؤلاء الأولياء، كما أنَّ هذه البيوت التي تأوي إليها العناكب ضعِيفَة، بل هي أوهَن البيوت وأضعفُها فإنَّ هؤلاء الأولياء أيضًا أضعفُ ما يكون مِن الأولياء فإنَّها لا تنفَع عابديها، بل إنَّ الله يقول في القرآن: ﴿إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ (٩٨) لَوْ كَانَ هَؤُلَاءِ آلِهَةً﴾ -حقًّا- ﴿مَا وَرَدُوهَا وَكُلٌّ فِيهَا خَالِدُونَ﴾ [الأنبياء ٩٨، ٩٩] ﴿مَا وَرَدُوهَا﴾ أي: الآلهة أو المتَأَلِّهِين لَها؟
تشْمَل هذا وهذا فهم لو كانوا آلهة حقًّا لمنَعُوا أنفسَهم مِن دخول النار، ولَمنَعُوا عابديهم مِن دُخُول النار، ولكنَّها آلهةٌ باطلة ما تنفَع فهذا وجه المشابهة في قوله: ﴿وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ﴾ هذا التشبيه تشبِيه يُسَمِّيه البَيَانِيُّون يسَمُّونَه التشبيه التمثيلي؛ يعني أنَّه مكَوَّن مِن جملة أنت إذا قلت: فلان كالبحر في الكرم هذا تشبيه، لكنَّه تشبيه إفرادِي شبَّهْت فردًا بفَرْد، إنما لو أتيت بشيء تُشبِّه قصة بقصة أو قضية بقضية، فإنَّ التشبيه هنا تمثيلِي مركَّب مِن عدة أوجه مِن مُشَبَّه، ومشَبَّه به متَعَدِّد، وأوْجُه الشبه متعدِّدَة أيضًا، فهذا التشبيه نسميه تشبيهًا تمثيليًّا؛ لأنَّه مركَبٌ مِن قِصَّة متكَامِلَة؛ يعني ما قُصد أن يُشَبَّه العابدون بالعنكبوت وحدَها والمـعبُودُون بالبيوت وحدَها، قُصِد أن تُشَبَّهَ القضيَّة كاملة بالقضية كاملَةً حتى تتَّضِح الصورة أمام المخاطَب.
قوله: ﴿وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ﴾ قال المؤلف في بيان هذا الوهم: (لا يدفع عنها حرًّا ولا بردًا) إي نعم، لا يدفُع الحَرّ ولا البرْد ولا يقِيها أيضًا مِن الآفات كأن يَسْقُطَ عليها شيء أو نحو ذلك، هذا البيت أوهَن البيوت؛ إذن يكُون هذه الأصنام لا تَنْفَع عابِدِيها، فعلى هذا نقُول: إنَّ هؤلاء الذين عبدوا هذه الأصنام، ما لجؤوا إلى ملجأ نافع، بل إلى ملجأ، ليس بنافع ولا مَانع ولا دَافع، ولهذا شبه الله ذلك ببيت العنكبوت، وفي آية أخرى شبه هذه الأصنام ودعاءها برجلٍ باسط كفيه إلى الماء لِيبلُغَ فَاه هل يبلغُه؟
إنسان أمامه الماء وهو عطشان فبسَطَ كفَّيْه إلى الماء، هكذا يُريد أن يصِل إلى الفَم يمكِن يصِل؟ لا يمكن أن يصِل أبدًا، فهذي أيضًا الأصنام لا تنفَعُ عابديها كما لا يصِلُ هذا الماء إلى فمِ هذا العطشان، قال الله عز وجل: ﴿لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ﴾ [العنكبوت ٤١] ذلك ما عبدُوها.
﴿لَوْ﴾ هذه شرطِيَّة وفعل الشرط قولُه: ﴿كَانُوا﴾، وجوابُه مقدَّر على كلام المؤلف ويش تقديره؟ ما عبدوها، ولا ينبغِي أن تُوصَل هذه الجملة بالتي قبلَها؛ لأنَّك لو وصلْتَها بما قبلَها لكَان وهَنُ بيتِ العنكبوت مشروطًا بعلْمِهم مع أنَّه أوهَن البيوت سواءٌ عَلِمُوا أم لم يَعلَمُوا، ولهذا ينبغي أن نقف على قوله: ﴿لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ﴾. ثم نقول: ﴿لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ﴾، المؤلف يقول: ما عبدُوها، ويحتمل أن يكون الجواب: ﴿لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ﴾ أي: لو كانوا مِن ذوي العِلْم النافع ما خفِيَ عليهم هذا الأمْر، فإذا لم يخْفَ عليهم هذا الأمر، لم يقومُوا بالعبادة، وعلى كل حال فإن هذا يدُلُّ على جهلِ هؤلاء العابدين مهما بلغُوا من الذكاء، ومِن حُسْنِ التصرُّف في الدنيا فإنَّهم مِن هذه الناحية سُفَهَاء ليس عندهم علم ولا عقْل، هذه الآية تذَكِّرنا بآية يغلَط فيها كثيرٌ من الناس أيضًا في سورة التكاثر ﴿كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ﴾ [التكاثر ٥]، بعض الناس يصِل ويقول: ﴿كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ (٥) لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ﴾ [التكاثر ٥، ٦]، وهذا خطَأ؛ لأنَّ المعنى يفسُد به فسَادًا واضِحًا؛ لأنَّك لو وصلْت لكان ﴿لَتَرَوُنَّ﴾ جواب ﴿لَوْ تَعْلَمُونَ﴾، والأمْر ليس كذلك، بل ﴿لَتَرَوُنَّ﴾ جملة مستأنَفَة مستقِلَّة أخبر الله تعالى فيها أنَّنا سنرَى الجحيم، فيجبُ الوقوف على قولِه: ﴿كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ﴾.
* طالب: شيخ، لو قال قائل أن العنكبوت تنتفع من بيتها بنسبة ما كما هو الواقع، وعباد الأصنام ما ينتفعون بها قطعًا؟
* الشيخ: نعم، هذا صحيح، قد يرد علينا، لكن المقصود أن هذه الأصنام مثل هذا البيت؛ لأنَّه لا ينفَع، هم الآن ينتفعُون بهذه الأصنام نوعًا من الانتفاع لا سيما الانتفاعُ المادي، فإنَّ الوافدين إليها لعبادتها والتبرُّك بها يحصُل فيهم منفعة مادية، لكن النَّفْع الحقيقي الذي هم يرْجُون، وهو الدفع ما ينفعهم.
* طالب: يا شيخ، ما يقال: إن (...) ما يلزم الدخول في الواجب، فقد يطلب منك الشيء، ولا يلزم..؟
* الشيخ: لا، هو المقصود بالتشبيه هنا عدم الانتفاع أنَّها ما تنفعهم ولا تمنعهم، وهو حقيقة حتَّى بيت العنكبوت ما ينفعُه ولا يمنعُه يأتِيها الهواء، ويأتِيها البرد، ويأتيها المطر، ويعلَقُ به التراب، ولا تنتفعُ به الانتفاع الكامل.
* الطالب: تصطاد به.
* الشيخ: لا، ما تصطَاد به، تصطَاد بالعش اللي يخرج منها هذه الخيوط هي التي تصطَاد بها، أما نفْس البيت ما تصطَادُ به لكن هذا الذي نرَاه عليه هي التي جاءَت به تأتي به وتضعه فيه.
قال تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ [العنكبوت ٤2] ﴿إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا﴾ ﴿مَا﴾ يقول المؤلف: (بمعنى الذي). فتكون اسمًا موصولًا، وهذا الإعراب الذي سلكَه المؤلف هو المتبادِر من الآية، وبعض المعربين، يقول: ﴿مَا﴾ استفهامِيَّة، والوقْفُ على قولِه: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ﴾ ما الذي يدعون من دونه مِن شيء هل يستفيدون؟ ولكنَّ هذا بعِيد مِن اللفظ فإعراب المؤلف هو الصواب، ﴿يَعْلَمُ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ﴾ يبقى على إعراب المؤلف أن نقول: أين العائد عائِدُ الموصول الجواب؟
* طالب: الهاء.
* الشيخ: وين؟
* طالب: من دونه.
* الشيخ: ﴿مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ﴾ الهاء هذه تعود على الله ما هي تعود على ﴿مَا﴾؟
* طالب: محذوف.
* الشيخ: محذوف، وهذا مطَّرِد، حذفُ العائد المنصوب مطَّرد، فيقول: التقدير: إنَّ الله يعلم ما يدعونَه مِن شيء.
وقوله: ﴿يَدْعُونَ﴾ قال: (يعبدون)، فالدعاء هنا دُعَاء عبادة، وكما يكون الدعاء دعاء عبادة فهو دعاءُ مسألة ودعاءُ عبادة، أمَّا دعاء المسألة ففي قوله تعالى: ﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ﴾ [البقرة ١٨٦] إنَّك تقول: يا ربي، اغفر لي، يا ربي ارحمني وما أشبه ذلك، دعاءُ العبادة ويش معناه؟ أن تتعَبَّدَ للهِ سبحانه وتعالى بما أمرَك به، وإنَّما كان ذلك دعاءً؛ لأن حقيقة حالِ العابد ما هي؟ طلب مغفِرَة الله ورحمَتِه فهو في الحقيقة داعٍ ضِمْنًا، ودليلُه قوله تعالى: ﴿وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ﴾ [غافر ٦٠].
وقوله: ﴿مَا يَدْعُونَ﴾ يعبدون، ينبغي أن نجعَل الدعاء هنا شاملًا لِلعبادة ولِدُعَاء المسألة، هم يدعون هذه الأصنام دعاءَ مسألة ولَّا لا؟
* طالب: يدعونها.
* الشيخ: يدعونها هذه الأصنام دعاء مسألة أيضًا، يسألونها، وشاهدٌ ظاهر في هذا أولئك الذين يشرِكُون بالأنبياء والأولياء فإنَّهم يدعونهم دعاءَ مسألة، يقول: يا رسول الله، اغفرْ لي، ويا رسول الله، يسِّرْ أمري، وما أشبهَ ذلك.
وقوله: (بالياء والتاء) كيف بالياء والتاء؟ يعني ﴿يَدْعُونَ﴾ و﴿تَدْعُونَ﴾ قراءتان سبعيتان ﴿مِنْ دُونِهِ﴾ غيرِه ﴿مِنْ شَيْءٍ﴾ هذه بيانٌ لـ﴿مَا﴾؛ يعني أي شيء يدعونه، فإنَّ الله تعالى عالم به.
علمُه به ويش معنى علمُه به؟ أنَّه يعلم حال هذا المدعُوّ المعبُود، وهي كالتعليل لقوله: ﴿مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ﴾ [العنكبوت ٤١]، تؤيد أنَّ هذا المثلَ مطابِقٌ للواقع؛ لأنَّه صادرٌ ويش؟
عن عِلْم ﴿إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ﴾ فإنه لما ذكر أنهم كالعنكبوت بيَّنَ أنَّ هذا عن علم مِن الله ﴿إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ﴾، وأنَّ هذا الشيء الذي يُدعَى لا ينفَع.
وقوله: ﴿وَهُوَ الْعَزِيزُ﴾ في مُلْكِه ﴿الْحَكِيمُ﴾ في صُنعِه.
لو قال قائلٌ: إن المناسب أن يقال: (وهو السميع العليم)؛ لأن الله يقول: ﴿يَعْلَمُ﴾ فمقتضى الظاهر أن تُختَم الآية بالعِلْم؟
قلنا: هذا حقّ بالنِّسْبة لِظاهِر الكَلَام لكن عند التأَمُّل تجد أن ختامَه بالعزة والحكمة أبلَغ فإنهم يريدون الاستنصار بهذه الأصْنَام والغلبَة والظهور، وأكبر شاهدٍ لذلك قول أبي سفيان يوم أحُد حيث قال: «اعْلُ هُبَل»[[أخرجه البخاري (٤٠٤٣) من حديث البراء.]]. هذه الأصنام واعتزازُهم بها مقابَلٌ بعزةِ مَن لا يُغلَب وهو الله، ولهذا قال: ﴿وَهُوَ الْعَزِيزُ﴾ الغالِب لهذه الأصنام ولعابدي هذه الأصنام واضِح؟
إذن مناسبة ﴿الْعَزِيزُ﴾ أبلغ مِن مناسبة (العليم)؛ لأنَّ هؤلاء يستنصرون بأصنامهم ويريدون أن تظهَر وتغلب، فبيَّنَ الله أنَّه هو صاحب العزة، وسبق لنا أن العزيز مِن أسماء الله عز وجل، وأنه يتضَمَّن العزة من ثلاثة وجوه: عزة القَدْر، وعزة القهْر، وعزة الامتناع؛ أما عزةُ القدر فمعناه سبحانه وتعالى أنَّه لا يشبهه أحد في عظمته وجلاله وقَدْرِه، وأما عزة القهر فمعناه أنَّه لا أحد يشبهُ الله عز وجل في قهْره وسلطانه وملكه، وأمَّا عزة الامتناع فمعناه أنَّه سبحانه وتعالى ممتنع عن كلِّ نقص وعن كلِّ عيب فهو عزيزٌ أن يُنَالَ بعيبٍ أو نقص، وقوله: ﴿الْحَكِيمُ﴾ دائمًا يقرِن الله سبحانه وتعالى العزة بالحكمة أتدرُون لماذا؟
لأن بعض الأعزَّاء مِن الخلق تحمِلُهم العزَّة على التَّهَوُّر، وعَدم التثَبُّت، وعدم تنزيل الأشياء منازلها، واذكروا قول الله تعالى: ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ﴾ [البقرة ٢٠٦]، وكون العزة تأخُذُه بالإثم حِكمة ولَّا لا؟
ليس بحكمة خلاف الحكمة، فلهذا يقرِنُ الله تعالى دائمًا العزيز بالحكيم إشارةً إلى أنَّ عزتَه تبارك وتعالى مقرونَة بالحكمة، فهو وإن كان عزيزًا غالبًا قاهرًا له السلطان الكامل فإنَّه سبحانه وتعالى لا يدبِّر الأمر إلا على وجه الحكمة البالغة، ثم إنَّه أيضًا على تفسيرنا فيما سبق ﴿الْحَكِيمُ﴾ بأنَّه ذو الحُكْم، ويش بعد؟ والحِكْمَة، ظاهر جدًّا أن عزتَه مقرونَة بحُكْمِه، وأنَّ له الحكم المطلق في عباده سبحانه وتعالى فلهذا يُقرَنُ هذا الاسم بهذا الاسم دائمًا، واعلم أنَّ أسماء الله سبحانه وتعالى لها معانِي عند إفرادِها، وإذا قُرِنَت مع غيرِها ترَكَّب مِن هذا الاقتران معنًى آخر فوق المعنى الإفرادي لكل اسم، وهذه مسألة تأمَّلُوها، فمثلًا العزيز له معنى عند انفرادِه والحكِيم له معنى عند انفراده، لكن إذا اقترنا جميعًا حصل منهما معنًى آخر ثالث زائد على المعنى الانفرادي، وهو ما يحصل باجتماع هذين الاسمين من المعنى الكامل، وسبق لنا أن الحكيم ذُو الحُكْم والحِكْمة، وأنَّ الحُكْم ينقَسِم إلى كَونِيّ وشرعي، ومثَّلْنَا للكوني بقوله تعالى: ﴿فَلَنْ أَبْرَحَ الْأَرْضَ حَتَّى يَأْذَنَ لِي أَبِي أَوْ يَحْكُمَ اللَّهُ لِي﴾ [يوسف ٨٠]، وللشرعي بقوله تعالى في سورة الممتحنة: ﴿ذَلِكُمْ حُكْمُ اللَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ﴾ [الممتحنة ١٠]، ولما يشمَلُهما جميعًا ﴿إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ﴾ [المائدة ١]، وما أشبه ذلك.
أمَّا الحكمة فإنها ثابتة لله عز وجل، وهي تنْزِيل الأشياء في منازلها، وتكون في الحكم الكوني والحكم الشرعي، هذا باعتبار موضعها، وتكون أيضًا حكمة غائية، وحكمة صورية، صورية؛ بمعنى أن كونَ الشيء على هذه الصورة المعينة موافِقٌ للحكمة، ثم الغاية منه حكمة أيضًا فتكون الحكمة في الغاية، وفي الهيئة التي كان عليها هذا الأمر، وهذا شامل لجميع أحكام الله سبحانه وتعالى الكونية والشرعية، قال تعالي: ﴿وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾.﴾ ﴿وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ﴾ [العنكبوت 43] في القرآن ﴿نَضْرِبُهَا﴾ نجعلها ﴿لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا﴾ أي: يفهمها، ﴿إِلَّا الْعَالِمُونَ﴾ المتدبِّرُون. ﴿تِلْكَ الْأَمْثَالُ﴾ أتى بـ﴿تِلْكَ﴾ الدالَّة على البُعْد، ولَّا على القرب؟ على البعد؛ لأنَّه لم يقل: وتلك الـمَثَل حتى نقولَ إنه عدَلَ بالكلام عن ظاهره أو عن مقتَضَى سياقِه؛ لأنّ المثل المضروب الآن قرِيب ولَّا بعيد؟
قريب، لكن قال: ﴿تِلْكَ الْأَمْثَالُ﴾، والأمثال الأخرى غير مثَل متَّخِذِي الأصنام بعيدة بالنسبة لهذا المكان؟ إي نعم؛ لأنها متوَزِّعة في القرآن فلهذا جاءت الآية بـ﴿تِلْكَ الْأَمْثَالُ﴾، ولم يقل هذا المثل فهو شامِل لكُلِّ الأمثال الواردة في القرآن، والأمثال الواردة في القرآن كثيرة متعدِّدة، وقد ألَّفَ فيها بعض أهل العلم الكتب المستقلة، وأفردَها السيوطي في الإتقان بفصل مستَقِلّ، وبيَّن فوائد الأمثال التي يُضرب المثل مِن أجلها، والفائدة الملموسة منها القريبة جدًّا هو تقرِيب المعقول إلى الأذهان إذ إن المثل هو ضَرْبُ شيءٍ معقُول قد يَبْعُد على الإنسان تصَوُّره بشيءٍ محسُوس يسهُل تصَوُّرُه، قال: ﴿تِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ﴾ إذا قلت: ضرب ذلك مثلًا المعنى جعل ﴿ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلًا مِنْ أَنْفُسِكُمْ﴾ [الروم ٢٨] أي: جعَل لكم، فالضرب إذن يأتي بمعنى الجعل إذا أُضِيف إلى المثل كلَّما وجدت ﴿ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا﴾ [إبراهيم ٢٤]، وما أشبهَه فاعلم أن المراد به المراد بالضرب هنا الجعل، فمادة (ضرَب) ليسَت خاصة بالضرب الذي هو الضَّرْب باليد، تشْمَل الضَّرْب بمعنى الجعل، وتشمل الضرب بمعنى تحويل النُّقُود مِن سِكَّة إلى سِكَّة وغير ذلك حسب السياق الذي يبينها.
وقوله: ﴿نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ﴾ أي: نجعلها أمثالًا للناس عمومًا فالله تعالى ضربَ المثل لجميع الناس في التوراة والإنجيل والقرآن، ولكن مَن الذي يعقلها وينتفِعُ بها؟ العالِمُون ﴿وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ﴾، العالمون أي: ذَوُو العِلْم، والفهم الذين ينتفعون بفهمهم وعلمهم، ولهذا قال المؤلف: (المتدبرون)، وهذا التفسير فيه نظر؛ لأن العلم بعد التدبر، لكن لما كان العلم لا يحصل إلا به فسّره المؤلف به، والحقيقة أن المراد بالعالمين المراد بهم ذوو العلم والفهم الذين يعقلون الأشياء ويفهمونها احترازًا من أهل الجهل المعرضين الذين لا ينتفعون بما أعطاهم الله تعالى من الفهوم فإنهم لا يعقلون هذه الأمثال، وإذا لم يعقلوها ينتفعون بها ولَّا لا؟ ما ينتفعون بها، هل من الممكن أن نحصر الأمثال الموجودة في القرآن؟ ما هو في هذا المكان، ما يمكن في هذا المكان، فنأخذ به بحثًا ولا ما يمكن؟
* طالب: كتاب لابن القيم حصر (...).
* الشيخ: أنا لا أريد منكم أنكم تنقلون من الكتاب أولًا الإنسان، هذا بينكم وبين الله أنتم بأنفسكم تدبّرون القرآن، كلنا في رمضان الحمد لله نقرأ القرآن، كلما مر على الإنسان مثل يقيده، ثم بعد ما يقيد هذه الأمثال يشوف عاد يرجع إلى الكتب المؤلفة، هل نقص ولا ما نقص، ولا معلوم أن.. أنا ما ودي أنك علمت الإخوان، لكن أن الإنسان يستطيع أنه يروح لأي كتاب مؤلف في هذا وينقله لكن..
* طالب: لا، يمكن يا شيخ نقرأ كتاب ابن القيم نقرأ بس قراءة يساعدني (...).
* الشيخ: لا، أنا أرى أن الإنسان أولًا يبدأ هو بنفسه، يبدأ في القرآن يقيد الأمثال، ثم بعد ذلك يرجع إلى الكتاب ما فيه مانع، قال تعالى: ﴿وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ﴾ إذن عمم في ضرب المثل، وخصّص في عقل المثل، أين التعميم في ضرب المثل؟ ﴿نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ﴾،﴾ والتخصيص: ﴿وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ﴾، وهذا أسلوب كثير في القرآن التعميم ثم التخصيص؛ ﴿وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلَامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ [يونس ٢٥]، فعمَّم في الدعوة، وخصّ في الهداية. قال الله تعالى: ﴿خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ﴾ [العنكبوت ٤4] أي: محقًّا ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً﴾ دالة على قدرته تعالى ﴿لِلْمُؤْمِنِينَ﴾، ﴿خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ﴾ ما معنى خلق؟ أي: أوجدها، والله تعالى خالق السماوات والأرض.
و﴿بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ [البقرة ١١٧] قال أهل العلم: بديع بمعنى (مُبدع)، والإبداع إيجاد الشيء على غير مثالٍ سبق، ومنه البئر البدع التي حفرت الآن جديدة، فالخلق أعم من البدع، لكن قد بيَّن الله عز وجل في آية أخرى أنه خالق وبديع، فهو الذي أوجد السماوات والأرض وهو بديع السماوات والأرض.
وقوله: ﴿خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ﴾ يعني بما فيهما، والذي فيهما بالنسبة لبني آدم منهما، وكذلك النبات فإن الإنسان خلق من طين من الأرض والنبات أيضًا من الأرض كما هو ظاهر.
وقوله: ﴿بِالْحَقِّ﴾ قال المؤلف: (أي محقًّا)، فالجار والمجرور في موضع نصب على الحال من فاعل (خلق) أي محقًّا ويجوز أن يكون حالًا قصدي مفعولًا من أجله؛ يعني بمعنى المفعول من أجله؛ أي: خلقها للحق كما قال تعالى: ﴿وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلًا﴾ [ص ٢٧]، وإنما هي حق، وتفسير المؤلف يؤيده قوله تعالى: ﴿وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ﴾ [الدخان ٣٨]، فإذا لم يكن لاعبًا سبحانه وتعالى كان محقًّا.
وقوله: ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً﴾ ﴿فِي ذَلِكَ﴾ المشار إليه الخلق، فيشمل كل ما تطور من خلق السماوات والأرض فإنه آية، فنفس السماوات والأرض خلقهما آية دالة على الله؛ لأن آية الشيء ما كان دالًّا عليه دون غيره، هنا السماوات والأرض دالة على الله؛ لأنه لا أحد يستطيع أن يخلق مثل هذه السماوات والأرض، أليس كذلك؟
إذن فهي آية له، فوجود هذه السماوات والأرض دال على القدرة وما فيهما من الانتظام، وعدم الاضطراب والتناقض دال على الحكمة، ولو تأملت أشياء كثيرة من حوادث السماوات والأرض لوجدت كل واحد منها يدل على القدرة، وطبعًا على العلم ﴿أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ﴾ [الملك ١٤]، وعلى الحكمة، وله أيضًا دلالة خاصة على ما يدل عليه بنفسه، وهذا شيء تأمله يظهر لك آيات كثيرة ﴿لَآيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ﴾ يقول: دالة على قدرة الله فقط؟
لا، على قدرة الله، وعلى علمه، وعلى حكمته، وعلى رحمته، وعلى قوته، وكل حوادث السماوات والأرض كل شيء منها يدل على تلك الصفة الخاصة به.
وقوله: ﴿لِلْمُؤْمِنِينَ﴾ قال المؤلف: (خصوا بالذكر لأنهم المنتفعون بها في الإيمان بخلاف الكافرين) صحيح، الآيات الكونية لا ينتفع بها إلا المؤمن والكافر ما ينتفع، الكافر يقول: هذه طبيعة تدبر بنفسها، وتنتقم من الناس بنفسها، وتجلب الخير للناس بنفسها ولا ينتفع، والمؤمن ينتفع بذلك، كذلك أيضًا الآيات الشرعية المؤمن ينتفع بها وغير المؤمن لا ينتفع ﴿وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ (١٢٤) وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ وَمَاتُوا وَهُمْ كَافِرُونَ﴾ [التوبة ١٢٤، ١٢٥]، فالآيات إذن الآيات الكونية والشرعية ما تنفع إلا المؤمن.
فإذا قال قائل: المؤمن مؤمن، كيف ينتفع؟
قلنا: نعم، ينتفع بأي شيء؟ بزيادة الإيمان ﴿فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا﴾، وزيادة الإيمان لا شك أنه انتفاع نفع عظيم؛ لأن الإيمان إما أن يزيد، وإما أن ينقص، وإما أن يبقى على ما هو عليه، والأخير هذا قد يكون نادرًا أن يكون الإيمان لا يزيد ولا ينقص؛ فهو إما في زيادة، وإما في نقصان، هذا في الغالب الكثير، على أن التقسيم الحاصل هذا أنا أشك في وجود القسم الثالث منه، وهو أن يكون لا يزيد ولا ينقص؛ لأن عدم زيادة الإيمان يؤدي إلى نقصه؛ إذ إن الإيمان يزيد بالطاعة كما هو مفهوم للجميع إذا فقدت الطاعة حصل النقص، إنما القسمة العقلية هو أن يكون إما زائدًا أو ناقصًا أو باقيًا على حاله، وتصور أو وقوع القسم الثالث الله أعلم به. قال: ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ (٤٤) اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ﴾. [العنكبوت: ٤4، 45]
* طالب: أيش الذين قالوا: (...) والذين قالوا: الإيمان لا يزيد ولا ينقص؟
* الشيخ: ما عندهم دليل؛ يعني عندهم تعليل عليل الذين يقولون: الإيمان لا يزيد ولا ينقص، يقولون: هم المرجئة الذين يقولون: إن الإيمان هو إقرار القلب والإقرار لا يتفاوت أو المعتزلة والخوارج، الذين يقولون: الإيمان ما يتبعض إما أن يوجد كله كاملًا وإما أن يعدم كله. قال: ﴿اتْلُ مَا أُوحِيَ﴾..
* طالب: لكن الآية ما ترجع للخلق بالحق جميعًا؟
* الشيخ: إلا ترجع لهما جميعًا، وخلق السماوات بالحق بهذا القيد ترجع لهما جميعًا.
* طالب: يا شيخ، فيه بعض العلماء يقول على نقص الإيمان وزيادته، يقول: إن من ترك ما ينفعه لا بد أن يبتلى بما يضره، وهذا من العوائد القدسية. منين أخذوا هذا الكلام بعض المفسرين (...)، يذكر هذا فما أدري منين؟ يقول: دائمًا إن الإنسان إذا ترك أي شيء ينفعه فلا بد أن يبتليه الله سبحانه وتعالى بما يضره، (...) وجه (...).
* الشيخ: أيش وجهه؟! من ترك ما ينفعه ابتلي بما يضره، وجه ذلك يا إخواننا؟
* الطالب: عقوبةً يعني؛ لأن الله سبحانه تعالى يقول: ﴿يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ﴾ [الانشقاق ٦] الإنسان لا بد أن يفعل شيئًا.
* الشيخ: نعم، هذا وجهه، الإنسان لا بد أن يكون حارثًا وهمامًا، كل إنسان لا بد له من همة وعمل، هذا العمل إذا لم يكن فيما ينفع لزم أن يكون فيما يضر.
فإذا قال قائل: هذا القول يستلزم إبطال القول بقسم المباح في باب التكليف كما يذكر عن أحد المعتزلة -فيما أظن الكعبي، هو يسمى الكعبي، وأظنه من المعتزلة- يقول: ما فيه قسم مباح في الشريعة؛ لأنه لازم أن هذا الشيء المباح الذي تشتغل به يكون كافًّا لك عن المحرم فيكون واجبًا، فالأشياء إما واجبة وإما محرمة، لكن أهل العلم ردوا عليه بأدلة العقل والنقل وقالوا: هذا ليس بصحيح، فإن ضرر فعل المباح إذا تضمن ترك الواجب ما هو لأنه مباح، ولكن لترك الواجب، لو فعل المباح بدون أن يترتب عليه ترك واجب وفعل محرم ما صار عليه إثم، فالمهم أنا نقول: أن وجه الكلام أن الإنسان لا بد أن يكون فعالًا، فإما فيما ينفعه وإما فيما يضره. أستغفر الله!
* طالب: ما هناك مباحث يتعلق بموضوع الأسماء والصفات وشرحها، الأسماء فقط وشرحها (...) محققة في كتب؟
* الشيخ: ما رأيت إلا كلام ابن القيم في النونية، والشيخ عبد الرحمن السعدي شرحها توضيح توحيد الأنبياء، وفيه أيضًا كتاب شرح أسماء الله لأحد علماء اللغة.
* طالب: الزجاج؟
* الشيخ: والزجاج.
* طالب: تفسير الأسماء.
* الشيخ: إي هو شرحه، لكنه بس ما عاد أدري عن ثقتي بهذا الرجل. (...).
في هذه الآية ضرب الأمثال للناس أو نخليها في الآية التي بعدها؟ ﴿وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا﴾ الآية التي بعدها أوضح.
* في هذه الآية الكريمة: دليل على سفه أولئك المشركين حيث اعتمدوا على ما لا معتمد عليه في عبادة الأصنام؛ يؤخذ من قوله: ﴿كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا﴾.
* ومِن فوائدها أيضًا: تقبيح هؤلاء المشركين وتنزيل مرتبتهم حيث شبهوا بأيش؟ بالعناكب؛ لأن هذا لا شك أن تشبيه الإنسان بالحيوان أنه إذلال له وتنزيل له عن مرتبته؛ لأن الله تعالى يقول: ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا﴾ [الإسراء ٧٠].
* ومن فوائِد الآية: أن هذه الأصنام لا تنفع عابديها أبدًا، لا تنفعهم، ولا تدفع عنهم فهي لا تجلب الخير ولا تدفع الضرر من أين يؤخذ؟ حيث شبّهت ببيت العنكبوت.
* ومنها: جواز ضرب المـثل بالدون حسب ما تقتضيه الحال منين نأخذه؟
* طالب: (...).
* الشيخ: لا، ﴿كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ﴾، فإنها من أدنى ما يكون من المخلوقات، وقد قال الله تعالى في سورة البقرة: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا﴾ [البقرة ٢٦]، وقد ضرب الله المثل بالذباب، وبالحمار، وبالكلب، وبالبعوضة، وبالعنكبوت، كل هذا حسب ما يقتضيه المقام.
* ومن فوائد الآية: أن أوهن البيوت وأضعفها بيت العناكب، ومن هنا نأخذ أنه لا ينبغي أن يقال: هذا أوهى من بيت العنكبوت أو لا؟
* طالب: نعم.
* الشيخ: تأملوه أوهى من بيت العنكبوت.
* طالب: لأن لا شيء أوهى من بيت العنكبوت.
* طالب آخر: (...).
* الشيخ: لا، الله المستعان (...) أوهى من بيت العنكبوت ليش نقول ما يصلح؟ لماذا؟ لأنه قال: ﴿أَوْهَنَ الْبُيُوتِ﴾ فأنت ما يمكن تقول لبيت من البيوت: إنه أوهى من بيت العنكبوت، بيت تقول: أوهى من بيت العنكبوت ما يصلح؛ لأن الله يقول: أوهن البيوت بيت العنكبوت، لكن إذا كان غير بيت تقول مثلًا: حجة هذا الرجل أوهى من بيت العنكبوت فما رأيكم؟
* طالب: لا بأس.
* الشيخ: هذا لا بأس، ما فيه تكذيب للقرآن، اللي فيه معارضة للقرآن أن تقول عن بيت: إنه أوهى من بيت العنكبوت.(...) سبيل الهداية ولكن لاحظوا ما المراد بالعلم الذي هو سبيل الهداية هل هو العلم بطبائع الأشياء وما خلقَ الله في الكون أو العلم بالله عز وجل؟
العلمُ بالله وآياتِه الكونية والشرعية وليس مجرَّد أن يطَّلِع الإنسان على ما في هذا الكون لأنَّه قد يطَّلِع ولا ينتَفِع، ومن هنا نأخذ خطَأَ كثيرِ مِن الناس الذين يقولون في قوله تعالى: ﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ﴾ [فاطر ٢٨] أنهم العلماء بالكون، لو كان الأمر كذلك لكان أصحابُ علوم الفلك وطبقات الأرض الجيولوجيا وغيرِها هم الذين يخشَون الله، وأصحابُ العلم بشريعة الله دونَهم في الخشية وهذا مُحَال ثم قال الله سبحانه وتعالى: ﴿خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ﴾ [العنكبوت ٤٤].
* يستفاد مِن هذه الآية الكريمة: أنَّ الخالق للسماوات والأرض هو الله.
قال: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ هذه الآية فيها أنَّ الله لم يحكُم على هؤلاء المشركين بمشابهتِهم للعنكبوت إلَّا عن عِلْم فالآية كالتعليل لِمَا قبلها يعني أنَّه سبحانه وتعالى ما قال: كمثل العنكبوت إلَّا عن علم هو يعلَم هذه الأصنام وأنها لا تنفع ولا فائدة منها.
* ومنها: إثباتُ العلم لله فيما يتعلَّق بالخلْق إثبات علم الله تعالى فيما يتعلَّق بالخلق فيكونُ فيه ردٌّ على من؟ على غُلَاةِ القدرية الذين قالوا: إن الله لا يعلَم الأشياء المتعلقة بالخلْق إلا بعد وقوعِها. نعوذ بالله، لكن هؤلاء الغلاة يقول شيخ الإسلام في وقته: إنهم كانوا قليلين، إنَّهم قَلُّوا؛ لأنَّهم رأوا أنَّ إنكارهم العلم نداءٌ على أنفسهم بالكفر فتركوا هذا وصاروا ينكرون الكتابة والمشيئة.
* ومِن فوائد الآية: إثبات هذين الاسمين الكريمين العزيز والحكيم وإثباتُ ما تضمناه مِن صفة وهي العزة والحكمة، وكذلك ما تضمنَّاه من صفة على سبيل دَلَالة الالتِزَام؛ لأنَّ دلالة اللَّفظ على معناه تكون بالمطَابقَة والتضَمُّن والالتزام، فما يستلزمه هذان الوصْفَان مِن الصفات فإنَّه ثابت، أنتم فاهمين هذا؟
دلالة اللفظِ على مدلوله تكون بدلالة المطابقة والتضَمُّن والالتزام، ما مرَّت علينا هذه؟ نضرِب مثلًا لذلك: كلمة (دار)، تعرفون الدار المسكُونة كلمة (دار) تدُلّ على هذه الكتْلة مِن البناء المتضَمِّنَة للغُرَف والحُجَر والسُّطُوح والرَّحْبَات تدُلُّ على ذلك بالمطابَقَة، أنت بمجرَّد ما أقول: كلمة (دار) تفهم أن (دار) فيها حُجَر وغُرَف وأسْطِحَة ورحَبَات فدلالَتُها على هذا دلالَة مطابقة تدُلُّ على كل حجرةٍ بمفردها أو غرفةٍ بمفردها أو سطحٍ بمفرده أو رحبة بمفردها تدل عليها بالتضَمُّن يعني أنه متضَمِّنَ لكذا وكذا واضح؟ تدلُّ على أنَّ لها بانيًا بأيش؟ بالالتزام؛ لأنَّه ما تقوم الدار إلا ببانِي هذا معنى قولهم إنَّ الدلالة مطابقة وتضمن والتزام، فمثلًا العزة العزيز يدل على العزة دلالة مطابقة، مِن لازم العزة أن يكون العزيز عالمـًا قادرًا قويًّا دلالته على هذه المعاني بالالتزام، ودلالة العزيز على الذَّات والصفة دلالة مطابقة، وعلى الذات وحدَها أو الصفة وحدها دلالة تضَمُّن.
* طالب: ما قلت يا شيخ دلالته على الذات؟
* الشيخ: لا؛ لأن العزيز اسم، فهو دلالته على الذات وحدَها أو الصفة وحدها دلالة تضمن، وعليهما جميعًا دلالة مطابقة، وعلى ما تستلزمه العزة مِن العلم والقدرة والقوة، وما أشبه ذلك التزَام، ولهذا اسم الحي القيوم تضَمَّن جمِيع الصِّفَات، هذان الاسمان تضمَّنَا جميعَ الصفات؛ لأنَّ الحي مستَلْزِم لجميع صفات الكمال، والقَيُّوم مستلزم لجميع صفات السلطان والمـُلْك والتدبير وما إلى ذلك، ولهذا ورد في الحديث أنَّهما اسمُ الله الأعظم[[أخرجه أبو داود (١٤٩٦) من حديث أسماء بنت يزيد.]].
العزيز الحكيم قلنا: فيها إثبات العزة، والحكِيم فيها إثبات الحُكْم والحِكْمَة، وفي الجمع بينهما يظهَر صفة ثالثة، وهي أنَّ عزةَ الله مقرونَة بالحكمة ليست كعزةِ العزيز غيرِه فإنَّها قد تكونُ خاليةً من الحكمة.
* ومِن فوائد الآية: أنَّه ينبغي التَّأَمُّل إذا خُتِمَت الآيات بما يكون مُخالفًا لِظَاهِر الحال؛ يعني فلا ترُدَّها إذا وجدت آية مختومة بخِلَاف ما يقتضيه ظاهر الحال أو السياق، فتأمَّل فيها فإنَّ الخطأ منك ﴿إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ [المائدة ١١٨]، مقتضى ظاهر السياق أن يقول: فإنك أنت الغفور الرحيم، لكن عَدَل عنه، لا تقل إن هذا خلل أبدًا، الخلل منك أنت فإن هذا كلام الله عز وجل ما فيه خلل، فآياته الكونية ليس فيها خلل، وآياته الشرعية كذلك، فيجب أن تتَأَمَّل وتتوقف، هنا في الآية التي معنا، قد يتبادَر للإنسان أن تخُتَم بالعلم، ولكن عند التأمل يكون ختمُها بالعزة والحكمة أولى. ثم قال تعالى: ﴿وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ﴾ [العنكبوت ٤٣].
* في هذه الآية الكريمة فائدة: ضرْب الأمثال، وأنَّه نوْع من التعليم والتوجيه؛ لقوله: ﴿وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا﴾.
* ومِن فوائدِها: إثباتُ عظمةِ الله عز وجل، منين تؤْخَذ؟
* طالب: ﴿نَضْرِبُهَا﴾.
* الشيخ: ﴿نَضْرِبُهَا﴾ مِن نون العظمة ﴿نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ﴾، واعلم إن كنت لا تعلم مِن قبل أنَّ ما أضافه الله تعالى إلى نفسه بلفظ العظَمة فإنه يدُلُّ على عظمة نفسه سبحانه وتعالى، وقد يُرادُ به ملائكته لا نفسه، وهذا في القرآن كثير، وكذلك الأول في القرآن كثير، فمِمَّا أراد الله به ملائكتَه مثل قوله تعالى: ﴿فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ﴾ [القيامة ١٨]، الضمير هذا يعود على مَن؟ ضمِير الفاعل؟ على جبْرِيل، لكن أضافَه الله إلى نفسِه؛ لأنَّ جبريل رسولُه. وكذلك قوله تعالى: ﴿فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ الرَّوْعُ وَجَاءَتْهُ الْبُشْرَى يُجَادِلُنَا فِي قَوْمِ لُوطٍ﴾ [هود ٧٤] ﴿يُجَادِلُنَا﴾ وهو لا يُجادِلُ الله إنما يجادِل الرُّسل، لكن حمل ما أضيفَ إلى الله بصيغة العظمة على رسلِه وملائكتِه لا بُدَّ له مِن دليل، وإلَّا فالأصل أنَّه يعود إلى الله، أمَّا ما أضافَه الله تعالى إلى نفسه بصيغة الإفراد فهو له نفسه، ونضرِب لهذا مثلَيْن؛ الأَوَّل: قوله تعالى: ﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ﴾ [البقرة ١٨٦] هذه الضَّمَائِر كلُّها بصيغة الإفراد. فعلى هذا يكون قوله تعالى: ﴿فَإِنِّي قَرِيبٌ﴾ المراد قربُه نفسه مِن داعِيه، ولكنَّ هذا القُرْب لا يلزمُ منه أن يخلُوَ منه العرش أو ينتفِيَ عنه العُلُوّ كما أنه ينزل إلى السماء الدنيا ولا يلزم منه أن يخلُو من العرش أو أن ينافي ذلك علُوَّه، لكن قوله تعالى: ﴿فَلَوْلَا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ (٨٣) وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ (٨٤) وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلَكِنْ لَا تُبْصِرُونَ﴾ [الواقعة ٨٣ - ٨٥] فإن ﴿أَقْرَبُ﴾ فيها ضمير يعود على ﴿نَحْنُ﴾ و﴿نَحْنُ﴾ الضمير لمن؟ الضمير لله، لكنَّه أقربُ إليه منَّا بِـملائكتِه ويش الدليل؟
الدليل قوله تعالى: ﴿وَلَكِنْ لَا تُبْصِرُونَ﴾ فإنَّ الملائكة تحضُر إلى الميت لقبض روحه، وتجلس منه مَدَّ البصر لكن ما نُبصِرُها نحن، فهنا القرب لِمَن؟
القرب للملائكة؛ لأنَّ الله أضافَه إلى نفسه بصيغة العظمة ووُجِدَ الدليل، وهذه الفائدة مهمة جدًّا تنفعُك في بابِ الصفات وغيرها أنَّ ما أضافه الله إلى نفسه بصيغَة الإفراد فهو له، وما أضافَه إلى نفسِه بصيغة الجمع فهو له، لكن قد يكون لِملائكته بقرينَة، وهذا غيرُ ممتنع كما عرفْتُم.
هنا قال: ﴿تِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا﴾ له ولَّا للملائكة؟ لَه؛ لأن ما فيه قرينة تدل على أنه للملائكة.
و﴿نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ﴾ الفائدة الأولى: قلنا: فيها فائدة ضرب الأمثال.
* وفيها أيضًا من فوائد الآية: رحمةُ الله تعالى بالخلق بضربِ الأمثال لهم؛ لأنَّ ضربَ الأمْثَال كما قلنا: يُقَرِّبُ المعقول إلى الأذهان، وتصَوُّرُ الإنسان للمحسوس أقْوَى مِن تصَوُّرِه للمعقول، أليس كذلك؟
الآن لو أشرَح لكم صفة الحج شرحًا بيِّنًا ظاهرًا وافيًا أو أذهب بكم إلى الحج إلى المناسِك، أيهن أبلغ؟
الأخير أبْلغ؛ لأنَّكم تُحِسُّونَه بأعينكم، لكن الأول تتصَوَّرُونه بقلوبكم فلا تدركونه جيدًا، فإذن ضرب الأمثال فيه رحمة للخلق حيث إنَّه سبحانه وتعالى يقرب لنا المعقولات بالمحسوسات.
* ومن فوائد الآية: أنَّه ينبغي التأمل في الأمثال؛ لقوله: ﴿وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ﴾ فالعالم هو اللي يتَأَمَّل وينظر حتى يعقل.
* ومِن فوائد الآية: الثناء على العقل؛ لقوله: ﴿وَمَا يَعْقِلُهَا﴾، والمراد بالعقل هنا عقْلُ الإدراك أو عقل الرُّشْد؟
* الطلبة: عقل الرشد.
* الشيخ: عقل الرُّشْد، العقل الذي ينفع هو الذي يُثْنَى عليه.
* ومنها أيضًا: فضيلة العلم؛ لقوله: ﴿وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ﴾ فاللي غير عالِم بالله سبحانه وتعالى وآياتِه ما يعقِل هذه المعاني، ويقول: هذه أشياء ليس لها معنى، لكن العالم هو الذي يعقِلُها ويعرِف مغْزَاها ومعنَاها، وأوجُه الشبه بينها حتى يصل إلى درجة الكمال.
قال الله تعالى: ﴿خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ﴾.
* في هذه الآية فوائِد: أولًا: أنَّ خالقَ السماوات والأرض هو الله أو لا؟ ﴿خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ﴾ لأنا ما نعرف.
لو قال قائل: ما في الآية حصر حتى تقولوا: إنَّ الخالق هو الله؟
نقول: نعم، ما فيها حصر بالطرق المعروفة، لكن في حصر من حيث إنَّه لا يوجد إلا سماوات وأرض واحدة إذا كان الخالق لها هو الله انتفى أن يكون غيرُه خالقًا لها.
* ومنها: الردُّ على أهل الطبيعة -والعياذ بالله- الذين يقولون: إنَّ السماوات والأرض ليس لها خالق، إنَّها أشياء تتفاعل وتتحَوَّل وتتَقَلَّب، وأنَّ الخلق لا أول له ولا نهاية.
* ومنها: إثبات حدوث السماوات والأرض، وأنَّها ليست قديمة، مِنين نعرفه؟ خلق السماوات فهي مُوجدة بعد العدم، وكلُّ ما سوى الله فهو موجود بعد العدم.
* ومنها: أنَّ السماوات عِدَّة، كم؟
* طلبة: سبع سماوات.
* الشيخ: نعم، بُيِّنَت في آيات أخر بسبْع.
* ومنها أيضًا: أن الأرض واحدة؟
* طلبة: لا، هذا الجنس.
* الشيخ: المراد الجنس، طيب في القرآن ما جُمعت الأرض أبدًا أو لا؟ لكنَّه أُشير إلى جمعِها في قوله تعالى: ﴿اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ﴾ [الطلاق ١٢] المماثلة هنا في الوصف متعَذِّرة أو لا؟ لأنَّه ما فيه مقارنة بين السماوات والأرض إذا تعذّرَت المماثلة في الوصف رجَعْنا إلى المماثلة في العدد، وقد جاءت السنة صريحةً في ذلك مثل قوله ﷺ: «طُوِّقَهُ مِنْ سَبْعِ أَرَضِينَ»[[أخرجه البخاري (٢٤٥٢) من حديث سعيد بن زيد بن عمرو، ومسلم (١٦١٢ / ١٤٢) من حديث عائشة.]].
* ومِن فوائد الآية: أنَّ هذه السماوات والأرض خَلْقُها بالحَقّ ليس عبثًا ولا لهوًا ولا باطِلًا؛ لقولِه: ﴿بِالْحَقِّ﴾.
* ومنها أيضًا: أنها مشتملة على الحق، فخلْقُها أصل إيجادِها بالحق، وهي أيضًا مشتملة على الحَقّ، ما يمكن يحدث في السماوات والأرض شيء إلا بحَقّ.
* مِن فوائدها أيضًا: اطمئنان الإنسان لِمَا يُحْدِثُه الله في السماوات والأرض أو بعثُ الاطمئنان، ما وجْهُ ذلك؟ هذا السؤال أنا ذكرت الفائدة فما وجهُها؟ طيب ما وجهُ كونِها تبعَث على الاطمئنان؟
* طالب: بالحق.
* الشيخ: أنَّها بالحق، كلُّ شيء يحدث ما دام عرفت أنَّه بالحق أطمئن ما أقول: ليش حدث؟ وليش ما حدث؟ حدث على الناس جُوع ومرض وزلَازِل وفيضانات، أعرف أنَّ ذلك بالحق فأطمَئِنّ وأرضَى وأُسَلِّم، ولا راحَة في الحقيقة للإنسان إلَّا بهذا ما يمكن يستريح الإنسان إلَّا بهذا إذا آمَن بقضَاء الله وقدرِه، وأنَّه الحق وهو يطمئن تمامًا، وإلَّا فإنه سيتكَدَّر؛ لأنَّه ما من ساعَةٍ إلا ويجِدُ فيها ما يسُوؤه إمَّا في نفسِه أو أهلِه أو صحبِه أو بلدِه أو البلاد الإسلامية عامَّة، ولا يمكن أنَّ الإنسان يطمئن ويستَقِرّ حتى يؤمِن بأنّ هذه الأشياء كلها حق.
* طالب: المنازعة في الأقدار؟
* الشيخ: منازعة الأقدار بالشرع هذه واجبَة، طيب فيه أيضًا.
* الطالب: يعني تطمَئِن وتُنَازِع؟
* الشيخ: تنازع بالشرع، ما هو بالقضاء.
* الطالب: لا، أنا قصدي الجمع بينهم؟
* الشيخ: أنه هذا الجمع بينه، نحن مثلًا أي إذا جاءَنا القدَر ما يسوؤنا ننازعُه بالشرع بالصبر إذا صبرنا ما ساءنا ذلك، وهكذا منازعة القدَر بالشرع، هذا شيءٌ واجِب أن تُقَابِل القدر بما يقتضِيه الشرع، لكن منازَعة القدر بالقدر هذا ما يجوز، أنت تجيب دائمًا كلمات صوفية ما أدري ويش..
* الطالب: لا، ما صوفية يا شيخ لنحذر (...) أنا اللي خلاني أجيب هذا..
* الشيخ: أنا ما وُدِّي أنك جبت هذا؛ لأنه تحتاج إلى.. لاحظ يمكن بعض الناس ينفُر مِن كلمة منازعَة، والمرادُ بالمنازعة المقابلة.
* مِن فوائد الآية: أن خلْقَ السماوات والأرض آية دالة على ما يقتضيه هذا المخلوق من صفات الله عز وجل، وقد ذكرْنا أنَّ منه ما يقتضِي الدلالة على قدرة الله، والدلالة على حكمة الله، والدلالة على عزَّتِه حسب ما تقتضيه الآية.
* ومنها: أنه لا ينتَفِع بالآيات إلا من؟ إلا المؤمنون؛ لقوله: ﴿لِلْمُؤْمِنِينَ﴾.
* نستفيد مِن هذه الفائدة فائدة تتفَرع: أنه كلَّما كمُلَ إيمان العبد ازدَاد انتفاعًا بالآيات، هذه الفائدة الطريق إلى الحُصُول عليها هو ما سبقَ لنا غيرُ مرَّة مِن أنَّ الحكم إذا عُلِّقَ بوصْف ازدَاد قوةً بقُوَّتِه وضعفًا بضعفِه، كل حكم يعلق على وصف فإنه يزداد قوةً بقوة هذا الوصف وضعفًا بضعفه، فنقول: إذن كلما كان الإنسان أكمَل إيمانًا ظهرَ له من آيات الله في هذه المخلوقات ما لم يظْهَر لِمَن دونَه، مفهوم هذا يا جماعة؟
{"ayahs_start":41,"ayahs":["مَثَلُ ٱلَّذِینَ ٱتَّخَذُوا۟ مِن دُونِ ٱللَّهِ أَوۡلِیَاۤءَ كَمَثَلِ ٱلۡعَنكَبُوتِ ٱتَّخَذَتۡ بَیۡتࣰاۖ وَإِنَّ أَوۡهَنَ ٱلۡبُیُوتِ لَبَیۡتُ ٱلۡعَنكَبُوتِۚ لَوۡ كَانُوا۟ یَعۡلَمُونَ","إِنَّ ٱللَّهَ یَعۡلَمُ مَا یَدۡعُونَ مِن دُونِهِۦ مِن شَیۡءࣲۚ وَهُوَ ٱلۡعَزِیزُ ٱلۡحَكِیمُ","وَتِلۡكَ ٱلۡأَمۡثَـٰلُ نَضۡرِبُهَا لِلنَّاسِۖ وَمَا یَعۡقِلُهَاۤ إِلَّا ٱلۡعَـٰلِمُونَ","خَلَقَ ٱللَّهُ ٱلسَّمَـٰوَ ٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ بِٱلۡحَقِّۚ إِنَّ فِی ذَ ٰلِكَ لَـَٔایَةࣰ لِّلۡمُؤۡمِنِینَ"],"ayah":"إِنَّ ٱللَّهَ یَعۡلَمُ مَا یَدۡعُونَ مِن دُونِهِۦ مِن شَیۡءࣲۚ وَهُوَ ٱلۡعَزِیزُ ٱلۡحَكِیمُ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق