الباحث القرآني
قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ﴾ [العنكبوت ١٤] اللام موطِّئة للقَسَم، و(قد) للتحقيق، والجملة مؤكَّدة بثلاثة مؤكِّدات، وإنما أكَّد الله ذلك وإنْ كان الخطاب لغير مُنْكِرٍ، لكنْ تقدَّم لنا أنَّ الأمور الهامَّة تؤكَّد وإنْ لم يُخاطَب بها مَن يُنْكِر أو يَترَدَّد، كُلّ الأمور الهامَّة فإنها تُؤكَّد.
وقوله: ﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا﴾ أي: بعثناه برسالة، وكان هذا بعد مُدَّة طويلة من آدم؛ إذْ كان الناس بعد آدم على مِلَّةٍ واحدةٍ بدون رسالة؛ لأنَّ آدم نبِيٌّ وليس برسولٍ؛ إذْ إنَّه ليس هناك أحدٌ يُرسَل إليه، وإنما أُوحِي إليه بشرعٍ وجَعَل يتعبَّدُ به واتَّبعه بنوه على ذلك، ولكنْ لما كثُرَ بنو آدم اختلفَتْ آراؤهم وأهواؤهم فاحتاجوا إلى الرسالة؛ قال الله تعالى: ﴿كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ﴾ [البقرة ٢١٣]، فبَيَّن سبحانه وتعالى أنَّ الرُّسُل أُرْسِلوا متى؟ بعد أن اختلف الناس، ولهذا فيه قراءة: (كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَاخْتَلَفُوا فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ) وهذه القراءة دَلَّ عليها آخِر الآية: ﴿لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ﴾، فأرسل الله نوحًا، وهو أوَّل رسولٍ أُرسِل إلى البَشَريَّة.
* طالب: (...).
* الشيخ: نعم رُوي عن ابن عباس رضي الله عنهما، لكنَّه ما نَعْلم هل هذا صحيحٌ أو لا؛ لأنَّ ابن عباس مِمَّن تَلَقَّى عن بني إسرائيل.
﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ﴾ قال: (وعُمْره أربعون سَنَةً أو أكثر). (...) لو أكثر هان الأمر، فنحن لا نعلم بالتحديد كَمْ عمرُه، ما نعلم، لكنَّنا نعلم عِلم اليقين أنَّ الله أرسله وعُمْره قابلٌ لأنْ يكون أهلًا للرسالة سواء كان أربعين سنةً أو أكثر، ولا أظنُّه يكون أقلَّ.
وقوله: ﴿إلي قومِه﴾ هذا فيه شاهِدٌ للحديث الصحيح: «وَكَانَ النَّبِيُّ يُبْعَثُ إِلَى قَوْمِهِ خَاصَّةً وَبُعِثْتُ إِلَى النَّاسِ عَامَّةً»[[متفق عليه؛ البخاري (٣٣٥)، ومسلم (٥٢١ / ٣)، واللفظ للبخاري، من حديث جابر بن عبد الله . ]].
قال: (﴿فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا﴾ يدعوهم إلى توحيد الله فكذَّبوه).
﴿لَبِثَ فِيهِمْ﴾ أي: في دعْوتهم إلى دين الله.
﴿أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا﴾ كم؟ تسعَ مئةٍ وخمسين سنةً يدعوهم إلى عبادة الله، عُمْرٌ طويلٌ، وهو معهم في صِراعٍ، وفي سورة نوحٍ يقول الله تعالى: ﴿قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ (٢) أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ وَأَطِيعُونِ (٣) يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرْكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ أَجَلَ اللَّهِ إِذَا جَاءَ لَا يُؤَخَّرُ لَوْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (٤) قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهَارًا (٥) فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي إِلَّا فِرَارًا (٦) وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ﴾ لِئَلَّا يسمعوا ما أقول ﴿وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ﴾ تَغَطَّوْا بها لِئَلَّا يرَوْني -أعوذ بالله- يعني معناه أنهم يسُدُّون كُلَّ منافذ الوعي: السمْعَ والبصرَ ﴿وَأَصَرُّوا﴾ على ما هُمْ عليه من الباطل؛ من المعاصي ﴿وَاسْتَكْبَرُوا﴾ عن الواجبات ﴿اسْتِكْبَارًا (٧) ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهَارًا (٨) ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنْتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَارًا﴾ [نوح ٢ - ٩] شوف مراحل الدعوة العظيمة، ومع ذلك ما استفادوا شيئًا، ما آمَنَ معه إلا قليلٌ، فالـمُدَّة طويلةٌ، والدعوة متنوِّعةٌ، والمضادَّة والمحادَّة لنوحٍ شديدةٌ عظيمةٌ، يمرُّون به وهو يصنع السفينة ويسْخَرون منه، لكنه مؤمن بالله عز وجل ويقول: ﴿إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ (٣٨) فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُقِيم﴾ [هود ٣٨، ٣٩]، هذه الْمُدَّة الطويلة يقول الله تعالى في سورة هود: ﴿وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ﴾ [هود ٤٠]، حتى أحدُ أولاده ما آمَنَ، وهذا يُوجِب لنا أن نصبر ونحتسب.
الإنسان مِنَّا إذا دعا الناسَ لمدَّة ساعة ولم يستجِب أحدٌ زعِل وترك الدعوة، قال: ما فيه فائدة. هذا لَبِث ألْفَ سنةٍ إلا خمسين عامًا ومع ذلك ما آمَنَ معه إلا قليلٌ.
يقول الله عز وجل: ﴿فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ﴾ (...) لأن القصة تكون أحيانًا مختصَرة يُذكَر فيها السببُ والأثَرُ بدون تفصيل، إرسالٌ ومُكْثٌ طويلٌ، وبَعْد ذلك أَخْذٌ، لكنْ أخْذٌ بسببٍ وهو قوله: ﴿وَهُمْ ظَالِمُونَ﴾.
قال تعالى: ﴿فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ﴾ ﴿أَخَذَهُمُ﴾ أبلَغُ مِن قوله: فأغرقهم. والأخْذُ يكون في مقابلة عمَلٍ، فهو جزاء.
(﴿الطُّوفَانُ﴾ أي: الماء الكثير طافَ بهم وعَلاهم فغرقوا). طافَ بهم من كُلِّ جانبٍ والعياذ بالله، وقد ذكر الله تعالى شأنَ هذا الأمر فقال سبحانه وتعالى: ﴿فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ (١١) وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُونًا فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ﴾ [القمر ١١، ١٢] شوف ﴿أَبْوَابَ السَّمَاءِ﴾ كُلّ أبواب السماء فُتِّحت، إذا فُتِّحت أبواب السماء ستكون مثل القِرَب. ﴿بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ﴾ يعني نازِل بشِدَّة وقوَّة. ﴿وَفَجَّرْنَا الأَرْضَ عُيُونًا﴾ الأرض كُلّها تفجَّرتْ عيونًا، حتى قال تعالى: ﴿وَفَارَ التَّنُّورُ﴾ [هود ٤٠] وهو موضع النار البعيد عن الرطوبة. ﴿فَارَ﴾ بدأ يفور عيونًا. ويش رأيكم يعني سيكون الماء بين ساعاتٍ فوق قِمَم الجبال، وهكذا كان بإذْن الله، كان كذلك؛ الأرضُ كلُّها تَبُثُّ عيونًا، والسماء مُنهَمِرةٌ بالمياه العظيمة. ﴿فَالْتَقَى الْمَاءُ﴾ ماءُ الأرض وماءُ السماء ﴿عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ﴾ مَن ينجو مِن هذا؛ وَرَدَ في الحديث «أنَّه لو أَنْجَى اللهُ أحَدًا لَأَنْجَى أمَّ الصَّبِيِّ؛ امرأة معها صَبِيٌّ كُلَّما وَصَلَها الماء صعِدَتْ في الجبل، وكُلَّما وَصَلَها صعِدَتْ، حتى وَصَلَتْ إلى قِمَّة الجبل، فلمَّا ألْجَمَها الماءُ حملَتْ ولَدَها فوق لأجْلِ أن تَغْرَق قبْل ابنها»[[أخرجه الحاكم في المستدرك (٣٣٤٩) من حديث عائشة.]]، ولكنْ -والعياذ بالله- رحمةُ الله تعالى ما تدرك الكافرين بعد أن يروا العذاب؛ ﴿فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا﴾ [غافر ٨٥] المهم..
* طالب: السماء الحقيقية؟
* الشيخ: السماء اللِّي فوق، ما عَلاك فهو سماء.
(﴿فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ﴾ أي: الماء الكثير طافَ بهم وعَلاهم فغرقوا).
﴿وَهُمْ ظَالِمُونَ﴾، جُمْلةُ ﴿وَهُمْ ظَالِمُونَ﴾ في موضع نَصْبٍ على الحالِ مِن الهاء في قوله: ﴿فَأَخَذَهُمُ﴾؛ يعني: والحال أنَّهم ظالمون؛ أي: مُقيمون على الظُّلْم، ما آمَنوا؛ لأنه مَا آمَنَ مع نوحٍ إلا نفرٌ قليلٌ.
{"ayah":"وَلَقَدۡ أَرۡسَلۡنَا نُوحًا إِلَىٰ قَوۡمِهِۦ فَلَبِثَ فِیهِمۡ أَلۡفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمۡسِینَ عَامࣰا فَأَخَذَهُمُ ٱلطُّوفَانُ وَهُمۡ ظَـٰلِمُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق