الباحث القرآني

وَقَوْلُهُ: ﴿فَلَبِثَ فِيهِمْ ألْفَ سَنَةٍ إلا خَمْسِينَ عامًا﴾، فالِاسْتِثْناءُ مُسْتَعْمَلٌ في كَلامِ العَرَبِ، وتَأْوِيلُهُ عِنْدَ النَّحْوِيِّينَ تَوْكِيدُ العَدَدِ، وتَحْصِيلُهُ، وكَمالُهُ، لِأنَّكَ قَدْ تَذْكُرُ الجُمْلَةَ ويَكُونُ الحاصِلُ أكْثَرَها، فَإذا أرَدْتَ التَّوْكِيدَ في تَمامِها قُلْتَ: ”كُلُّها“، وإذا أرَدْتَ التَّوْكِيدَ في نُقْصانِها أدْخَلْتَ فِيها الِاسْتِثْناءَ، تَقُولُ: ”جاءَنِي إخْوَتُكَ“، يَعْنِي أنَّ جَمِيعَهم جاءَكَ، وجائِزٌ أنْ تَعْنِيَ أنَّ أكْثَرَهم جاءَكَ، فَإذا قُلْتَ: ”جاءَنِي إخْوَتُكَ كُلُّهم“، أكَّدْتَ مَعْنى الجَماعَةِ، وأعْلَمْتَ أنَّهُ لَمْ يَتَخَلَّفْ مِنهم أحَدٌ، وتَقُولُ أيْضًا: ”جاءَنِي إخْوَتُكَ إلّا زَيْدًا“، فَتُؤَكِّدُ أنَّ الجَماعَةَ تَنْقُصُ زَيْدًا، وكَذَلِكَ رُؤُوسُ الأعْدادِ مُشَبَّهَةٌ بِالجَماعاتِ، تَقُولُ: ”عِنْدِي عَشَرَةٌ“، فَتَكُونُ ناقِصَةً، وجائِزٌ أنْ تَكُونَ تامَّةً، فَإذا قُلْتَ: ”عَشَرَةٌ إلّا نِصْفًا“، أوْ ”عَشَرَةٌ كامِلَةٌ“، حَقَّقْتَ، وكَذَلِكَ إذا قُلْتَ: ”ألْفٌ إلّا خَمْسِينَ“، فَهو كَقَوْلِكَ: ”عَشَرَةٌ إلّا نِصْفًا“، لِأنَّكَ إنَّما اسْتَعْمَلْتَ الِاسْتِثْناءَ فِيما كانَ أمْلَكَ بِالعَشَرَةِ مِنَ التِّسْعَةِ، لِأنَّ النِّصْفَ قَدْ دَخَلَ في بابِ العَشَرَةِ، ولَوْ قُلْتَ: ”عَشَرَةٌ إلّا واحِدًا“، أوْ ”إلّا اثْنَيْنِ“، كانَ جائِزًا، وفِيهِ قُبْحٌ، لِأنَّ تِسْعَةً، وثَمانِيَةً، يُؤَدِّي عَنْ ذَلِكَ العَدَدِ، ولَكِنَّهُ جائِزٌ مِن جِهَةِ التَّوْكِيدِ أنَّ هَذِهِ التِّسْعَةَ لا تَزِيدُ، ولا تَنْقُصُ، لِأنَّ قَوْلَكَ: ”عَشَرَةٌ إلّا واحِدًا“، قَدْ أخْبَرْتَ فِيهِ بِحَقِيقَةِ العَدَدِ، واسْتَثْنَيْتَ ما يَكُونُ نُقْصانًا مِن رَأْسِ العَدَدِ، والِاخْتِيارُ في الِاسْتِثْناءِ في الأعْدادِ الَّتِي هي عُقُودٌ الكُسُورُ، والصِّحاحُ جائِزٌ أنْ يُسْتَثْنى، فَأمّا اسْتِثْناءُ نِصْفِ الشَّيْءِ، فَقَبِيحٌ (p-١٦٤)جِدًّا، لا يَتَكَلَّمُ بِهِ العَرَبُ، فَإذا قُلْتَ: ”عَشَرَةٌ إلّا خَمْسَةً“، فَلَيْسَ تَطُورُ العَشَرَةُ بِالخَمْسَةِ، لِأنَّها لَيْسَتْ تَقْرُبُ مِنها، وإنَّما تَتَكَلَّمُ بِالِاسْتِثْناءِ كَما تَتَكَلَّمُ بِالنُّقْصانِ، فَتَقُولُ: ”عِنْدِي دِرْهَمٌ يَنْقُصُ قِيراطًا“، ولَوْ قُلْتَ: ”عِنْدِي دِرْهَمٌ يَنْقُصُ خَمْسَةَ دَوانِيقَ“، أوْ ”تَنْقُصُ نِصْفَهُ“، كانَ الأوْلى بِذَلِكَ: ”عِنْدِي نَصِفُ دِرْهَمٍ“، ولَمْ يَأْتِ الِاسْتِثْناءُ في كَلامِ العَرَبِ إلّا ”قَلِيلٌ مِن كَثِيرٍ“، فَهَذِهِ جُمْلَةٌ كافِيَةٌ. وَقَوْلُهُ: ﴿فَأخَذَهُمُ الطُّوفانُ وهم ظالِمُونَ﴾، ”اَلطُّوفانُ مِن كُلِّ شَيْءٍ“: ما كانَ كَثِيرًا مُطِيفًا بِالجَماعَةِ كُلِّها، كالغَرَقِ الَّذِي يَشْتَمِلُ عَلى المُدُنِ الكَبِيرَةِ، يُقالُ فِيهِ: ”طُوفانٌ“، وكَذَلِكَ القَتْلُ الذَّرِيعُ، والمَوْتُ الجارِفُ، طُوفانٌ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب