الباحث القرآني
﴿فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ﴾ [القصص: ٢٤].
قوله: ﴿فَسَقَى لَهُمَا﴾، ما معناه؟
* طالب: ﴿فَسَقَى لَهُمَا﴾ أي: هو الذي جلب لهما الماءَ من البئر لأغنامهما.
* الشيخ: لأغنامهما، نعم، إذَن ﴿لَهُمَا﴾ أي: من أجْلهما، وليس معناه أنه سقى المرأتين، لكن سقى غَنَمهما من أجْلهما، فاللام هنا للتعليل وليست للتعدية.
قوله: ﴿إِلَى الظِّلِّ﴾، ما المراد بـ﴿الظِّلِّ﴾؟
* طالب: هو أن يقف بشجرةٍ أو يقف (...).
* الشيخ: أو بالجبل أو أكمةٍ.
* الطالب: الراجح أنه على (...).
* الشيخ: (...)، نعم.
وقوله: ﴿إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ﴾، لماذا لم تتعدَّ بـ(إلى)، والله يقول: ﴿يَاأَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ﴾ [فاطر ١٥]؟
* طالب: لأن (...).
* الشيخ: إي نعم، يعني لو أضيفَ الفقر إلى الله؟
* الطالب: عُدِّي بـ(إلى).
* الشيخ: عُدِّى بـ(إلى)، وإذا أضيفَ إلى الشيء المحتاج إليه عُدِّي؟
* الطالب: باللام.
* الشيخ: باللام، (...) فقيرٌ للمال، ولا تقل: فقيرٌ إليه؛ لأن المال ليس مبلغ (...) المفتقِرين، وإنما فيه زوال فقرهم، وأمَّا الله سبحانه وتعالى فهو (...).
قوله: ﴿مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ﴾، لماذا ﴿خَيْرٍ﴾ بالجر ونُعِت بالرفع، ليش؟
* طالب: (...).
* الشيخ: ليس نعتًا له؟
* الطالب: نعم.
* الشيخ: ولكنه؟
* الطالب: وصْف لموسى.
* الشيخ: وصْف موسى. لكنه أيش محله من الإعراب؟
* الطالب: خبر.
* الشيخ: خبر أيِّ شيء؟
* الطالب: (إنَّ).
* الشيخ: خبر (إنَّ).
قوله: ﴿فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ﴾ [القصص ٢٥]، ماذا ﴿تَمْشِي﴾ من الإعراب؟
* طالب: (...).
* الشيخ:
؎وَلَسْتُ بِنَحْوِيٍّ يَلُوكُ لِسَانَهُ ∗∗∗ وَلَكِنْ سَلِيقِيٌّ أَقُولُ فَأُعْرِبُ
من يعرف؟
* طالب: في موضع نصب على الحال.
* الشيخ: منين؟ ﴿فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ﴾.
* الطالب: (...) من (جاءته).
* الشيخ: الفعل (...).
* الطالب: ﴿إِحْدَاهُمَا﴾.
* الشيخ: إي، من ﴿إِحْدَاهُمَا﴾.
طيب، وقوله: ﴿عَلَى اسْتِحْيَاءٍ﴾؟
* طالب: (...) ﴿عَلَى اسْتِحْيَاءٍ﴾، ﴿تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ﴾.
* الشيخ: ﴿تَمْشِي﴾، وقوله: ﴿عَلَى اسْتِحْيَاءٍ﴾ أيش محله من الإعراب؟
* الطالب: حال (...).
* الشيخ: حال من أي؟
* الطالب: حال من..
* الشيخ: ﴿فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ﴾؟
* الطالب: (...).
* الشيخ: لا، (...) ما هي جملة حال، الحال تأتي من الفاعل، ومن المفعول به، ومن (...).
* الطالب: تأتي.
* الشيخ: (...).
* الطالب: (...).
* الشيخ: لا، من يعرف؟
* طالب: من (...).
* الشيخ: لا.
* طالب: من فاعل ﴿تَمْشِي﴾.
* الشيخ: نعم، من فاعل ﴿تَمْشِي﴾، يعني من الضمير المستتر في ﴿تَمْشِي﴾؛ تمشي حال كونها على استحياء.
طيب، أيهما التي جاءت، الكبيرة ولَّا الصغيرة؟
* طالب: ﴿إِحْدَاهُمَا﴾.
* الشيخ: القرآن ما بَيَّن، ﴿إِحْدَاهُمَا﴾ الكبيرة أو الصغيرة، الله أعلم، نعم.
* * *
* يستفاد من الآية الكريمة أولًا: بيان (...) رأفة نبيِّ الله موسى بهاتين القاصرتين؛ لقوله: ﴿فَسَقَى لَهُمَا﴾ [القصص ٢٤].
* ثانيًا يُستفاد منها: توقي الأمور الضارة (...).
(...) الاقتصار في الدعاء على ذِكر حال الداعي بدون طلب. من أين تؤخذ؟ (...) إيجاز الاقتصار في الدعاء على ذِكر حال الداعي فقط؛ من قوله: ﴿رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ﴾ [القصص ٢٤].
* وفيها أيضًا ..
* طالب: (...).
* الشيخ: ما يخالف، هذا دعاء (...).
* الطالب: (...).
* الشيخ: إي، (...) كبير ووحيد وخائف.
* الطالب: (...).
* الشيخ: سأل الله أن يسُدَّ فقره ويزيل حاجته.
* وفيها أيضًا من فوائدها: أنَّه ينبغي تصدير الدعاء بذِكْر الرَّبِّ، ربوبيَّة؛ لقوله: ﴿رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ﴾، وقد ذكرنا أمس أنَّ هذا هو أكثر ما يُصدَّر به الدعاء -أي: وصْف الربوبية- لأن بالربوبية يكون الخلْق والتقدير للإنسان.
* ويستفاد من هذه الآية أيضًا: حاجة الإنسان إلى ربِّه تبارك وتعالى وأنَّه في غاية ما يكون من الضرورة إلى الخير النازل إليه من الله.
* ويستفاد منها: علوُّ الله. أو لا؟ لقوله: ﴿لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ﴾؛ فإنه لا يكون الإنزال من الشيء إلا إذا كان عاليًا، فهو سبحانه وتعالى عالٍ بذاته وصفاته، فعلوُّه نوعان: علوُّ ذاتٍ، وعلوُّ صفةٍ. ولا يلزم من إثبات علوِّ الذات التجسيمُ كما يقوله المعطِّلون، ولا أنَّ المكان يحيط به كما قالوه أيضًا مُتوصِّلين بذلك إلى إنكار علوِّه؛ لأن هؤلاء المعطِّلة يتوصَّلون إلى تعطيله بمثْل هذا الكلمات؛ لأن إثبات هذا يستوجب (...)، من الأمور التي ليست بلازمة، لكنْ هم يرونها بعقولهم لازمةً فيُلزمون بها غيرهم ثم يتوصَّلون بها إلى أيش؟ إلى إنكار الصفات التي وَصَف الله بها نفسَه ووَصَفه بها رسوله ﷺ.
ثم قال: ﴿فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ﴾ [القصص ٢٥].
* يستفاد من هذا أولًا: بيانُ الوقار الذي جعله الله لموسى، هذه كانت جاءت إليه على استحياءٍ تعظيمًا له؛ لأنه كلَّما كان الإنسانُ أشدَّ وقارًا كان الحياءُ منه أكثر، ولذلك الرجلُ الذي ليس بوَقور تجد الناس لا يستحيون منه ولا يُبالون به، يتفوَّهون عنده بالكلام الذي لا يليق، ويفعلون عنده ما لا يليق لأنه ليس وقورًا، ولهذا يقال: احتَشِم تُحْتَشَم.
* ومنه أيضًا: بيانُ كمالِ خُلُق هاتين المرأتين؛ حيث جاءت تمشي، وليست تُسرع وتهرول، بل تمشي بهدوء، وهذا دليلٌ على كمال أدبها، وكذلك كونه على استحياءٍ فهو أيضًا من كمال الأدب.
* وفي قولها: ﴿إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ﴾ [القصص ٢٥] أيضًا كمالُ أدبٍ؛ حيث نسبت الدعوةَ إلى مَن؟ إلى الأب دون نفسها، وهو أيضًا من كمال الذكاء؛ لأنَّ نسبة الدعوة إلى الأب أقربُ إلى إجابة موسى للدعوة؛ حيث يكون الداعي له رجلًا، وقد وصفتْه من قبل بأنه شيخٌ كبيرٌ، فيكون توجيه الدعوة منه إلى موسى أقرب إلى الإيجاب.
* وفيه أيضًا: دليلٌ على ذكائها من وجهٍ ثانٍ؛ لقولها: ﴿لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا﴾ [القصص ٢٥]، لو قالت: ﴿إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ﴾ ولم تقل: (...)، من أجْل أن يوجَّه إليه تهمة، أو من أجْل أن (...) أو ما أشبه ذلك، لكنها قالت: ﴿لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا﴾ ليطمئنَّ، وليكون أدعى إلى إجابة الدعوة.
* ويستفاد من الآية أيضًا: أنه ينبغي للإنسان كمالُ الأدب في الأساليب وإزالةُ الوحشة؛ لقوله: ﴿إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا﴾، فإنَّ في هذا إزالة الوحشة، وأنَّه ينبغي للإنسان أن يُزيل الوحشة عن المخاطَب، لا سيَّما في المكان الذي يقتضي الوحشة. فهمتم؟
وكما ينبغي أن يكون ذلك في اللفظ ينبغي أن يكون ذلك في الحال -في حال المرء- بحيث يقابل غيره بالبِشْر والسَّماحة وطلاقة الوجه، ولهذا كان من أوصاف النبي عليه الصلاة والسلام أنه كان دائم البِشْر[[أخرجه الترمذي في الشمائل (٣٥١) من حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه.]] كثير التبسُّم، وضدُّ ذلك أيش؟ العبوس والتقطيب وعدم الانشراح؛ فإنَّ هذا يوجب لغيرك أن يَنْفر منك، وكذلك أيضًا يوجب ألَّا يأنس بك أحد، حتى لو جلس عندك ما يأنس، لكن إذا رآك الإنسانُ .. ففضْل الله يؤتيه من يشاء، هذا الأمر قد يكون بالتكسُّب وقد يكون غريزة؛ فإنَّ من الناس مَن يَهَبُه الله سبحانه وتعالى مثْل هذه الخصلة الطيبة، ومن الناس مَن يُحرَم منها، ومن الناس مَن يحاول أن يتخلَّق بها، ولهذا قال النبي عليه الصلاة والسلام لأَشَجِّ عبد القيس: «إِنَّ فِيكَ خَصْلَتَينِ يُحِبُّهُمَا اللَّهُ: الْحِلْمُ وَالْأَنَاةُ». (...)، قال: يا رسول الله، أَخُلُقينِ تخلَّقتُ بهما أمْ جَبَلني الله عليهما؟ فقال: «بَلْ جَبَلَكَ اللَّهُ عَلَيْهِمَا»[[أخرجه أبو داود (٥٤) بسنده عن زارع رضي الله عنه بلفظ: «بل الله جَبَلك عليهما».]]. فهذا يؤخذ منه أنَّ مثْل هذه الأخلاق تكون بالتخلُّق وتكون بالجِبِلَّة، وأيهما أَثْبت؟
* طالب: الجِبِلَّة أَثْبت.
* الشيخ: الجِبِلَّة أَثْبت، ولهذا قال رسول الله: «بَلْ جَبَلَكَ اللَّهُ عَلَيْهِمَا»؛ لأنَّ التخلُّق قد ينسى الإنسان أحيانًا، ينساه ولا يتخلق ويكون على جبلته (...)، لكن الجِبِلَّة لا شك أنها أَكْمل، إنما من الممكن الإنسان بالتعوُّد والتخلُّق على الشيء يكون ذلك خُلُقًا له.
* طالب: (...)؟
* الشيخ: إي، ما يصلح، وإلا الجِبِلَّة أكمل، أنه (...) أتخلَّق بالأخلاق الفاضلة (...)، هذه جِبِلَّة، وإلا الآن (...)، وكم من أناسٍ تغيَّرت طِباعُهم وحسنتْ أخلاقُهم بما مَنَّ الله به عليهم.
* * *
قال: (﴿عَلَى اسْتِحْيَاءٍ﴾ أي: واضعةً كُمَّ دِرعها على وجهها حياءً منه).
هذا ذكره ابن كثير عن عمر رضي الله عنه وقال: إن إسناده صحيح[[أورد ابن كثير الأثر المذكور في تفسيره (٦ / ٢٢٨) عن أبي حاتم بسنده عن عمر رضي الله عنه قال: جاءت تمشي على استحياء قائلةً بثوبها على وجهها. ثم قال: هذا إسنادٌ صحيح.]]، ومثل هذا عن عمر قد يكون على سبيل التوقُّع؛ أنَّه توقَّع منها رضي الله عنه أنَّ درعها على وجهها، لكن في الآية ليس ذلك بوارد.
كُم الدرع على الوجه، أيش هو الدرع؟ الدرع الذي يسمونه الناس (...)؛ لأنه مثل الدرع الذي يلبس في الحرب، لكن كيف واضعة كمَّها على وجهها؟ معنى ذلك أنه كذلك؟! إي نعم هكذا، (...) كذا، حياءً منه.
* طالب: (...).
* الشيخ: لا، هي ذات الأكمام الواسعة، هذا ما يسمى درعًا، عند النساء لازم تكون واسعة جدًّا، ما يسمى درعًا (...).
طيب، قالت: ﴿إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ﴾، أنا عندي إشكال في ﴿أَبِي﴾، المعروف أنَّ الأسماء الخمسة تُنصب بالألف، هل هنا منصوبة بالألف في قولها: ﴿إِنَّ أَبِي﴾؟
* طالب: إي نعم.
* الشيخ: كيف؟
* الطالب: الله أعلم.
* الشيخ: الله أعلم.
* طالب: (...).
* الشيخ: إي، طيب، الدليل من كلام ابن مالك أنه يُشترط ألَّا تضاف إلى ياء المتكلم.
* الطالب: ما لم تُضَفْ أو (...).
* الشيخ: (...).
* طالب: قوله:
؎وَشَرْطُ ذَا الْإِعْرَابِ أَنْ يُضَفْنَ لَا ∗∗∗ لِلْيَا كَجَا أَخُو أَبِيكَ ذَا اعْتِلَا
* الشيخ: إي نعم.
؎وَشَرْطُ ذَا الْإِعْرَابِ أَنْ يُضَفْنَ لَا ∗∗∗ لِلْيَا كَجَا أَخُو أَبِيكَ ذَا اعْتِلَا
فهنا مضافة إلى الياء، ولهذا نقول: ﴿أَبِي﴾ اسم (إنَّ) منصوب بفتحة مقدَّرة على ما قبل ياء المتكلم، منع من ظهورها اشتغال المحلِّ بحركة المناسبة، فهمتم يا جماعة؟ أما كلام العوام يقول: قال أبوي، فهذا عامِّي، من الكلام العامِّي، ما هو بالعربية.
طيب، ﴿إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ﴾ اللام للتعليل؛ يعني: يدعوك لهذا الغرض، ومعنى (يجزيك) يكافئك، (...) المكافأة؛ من: جَزَى يَجْزِي.
وقوله: ﴿أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا﴾ [القصص ٢٥]، مفعولٌ ثانٍ لـ(يجزي)، ينال أجرَه أو عِوضَه، فالأجر هو العِوَض المأخوذ في مقابلة عمل.
وقوله: ﴿مَا سَقَيْتَ لَنَا﴾ أي: لأجْلنا، و﴿مَا﴾ في قوله: ﴿مَا سَقَيْتَ﴾ شرطية؟
* طالب: ليست شرطية.
* الشيخ: ليست شرطية. موصولة؟
* طالب: (...).
* الشيخ: ليست موصولة أيضًا، (...).
* طالب: مصدرية.
* الشيخ: نعم، مصدرية؛ يعني: ليجزيك أجر سَقْيِك. ولا تصلح: ليجزيك أجر الذي سقيتَ؛ لأنه إنما يريد أجر الذي سَقَى ولَّا أجر السَّقْي؟ أجر السَّقْي، وعلى هذا فـ﴿مَا﴾ مصدرية، لو قال: أجر الذي سقيتَ، لصار أجر الغَنَم، وهي لا تريد أن يعطيه أجر الغنم، إنما تريد أنَّ والدها يجزيه أجر سَقْيه للغنم، فيتعيَّن أن تكون هنا مصدرية.
واللام في قوله: ﴿لَنَا﴾ هي مثلها في قوله: ﴿فَسَقَى لَهُمَا﴾ أي إنها للتعليل وليست للتعدية.
(فأجابها) أجابها موسى؛ يعني أجاب دعوة أبيها (منكِرًا في نفسه أخْذ الأُجرة). يعني: أجابها وهو مضمرٌ أنه مو بآخذ الأجرة. منين علمنا هذا؟ قالوا: نعلم بأنَّ موسى فعل ذلك لله، ومَن فعل شيئًا لله ما يمكن يأخذ عليه أجرًا في الدنيا.
ولكن هذا لا يتعيَّن أو لا يُعيِّن أن يكون موسى يأخذ أجرًا، فإننا لو قيل لنا: هل تشهدون بأن موسى في تلك الحال عندما أجاب الدعوة قد أضمَر في نفسه أنه ما هو بآخذ الأُجرة؟ تشهدون ولَّا لا؟
* طالب: لا.
* الشيخ: ما نشهد، ما ندري، قد يكون موسى عليه الصلاة والسلام يأخذ الأجرة لأنه محتاجٌ فيأخذها لسدِّ حاجته، وقد لا يأخذها تكرُّمًا منه؛ إمَّا أنه ممنوعٌ أن الإنسان يأخذ أجرًا مقدَّمًا على ما يفعله لله، ثم لو كُوفِئ به فإنه لا مانع أن يأخذه، لو كُوفِئ به مكافأةً فإنه لا مانع أن يأخذ، بل «إنَّ الرسول عليه الصلاة والسلام لَمَّا بعث عمر عاملًا على الصدقة وأعطاه، قال: أعطِهِ أفقرَ منِّي، فقال: «مَا جَاءَكَ مِنْ هَذَا الْمَالِ وَأَنْتَ غَيْرُ مُشْرِفٍ وَلَا سَائِلٍ فَخُذْهُ»[[متفق عليه؛ البخاري (٧١٦٣)، ومسلم (١٠٤٥ / ١١٠)، من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه.]]، ومعلومٌ أنَّ عمر لم يكن يتطلَّع إلى أخذ عمالةٍ؛ بدليل أنه قال: أعطِهِ أفقرَ منِّي، ورغم ذلك قال الرسول: «خُذْهُ»، فالإنسان الذي يعمل عملًا لله إذا كُوفِئ عليه ما يَبطل أجره ما دامتْ نِيَّتُه في الأصل خالصةً لله.
إذَنْ فدعوى أنَّ موسى كان منكِرًا في نفسه أخْذَ الأُجرة ليس عليها دليل، وليس لنا الحقُّ أن نتكلَّم بهذا (...).
(كأنَّها قصدتْ المكافأة إنْ كان ممن يريدها، فمشتْ بين يديه).
(كأنَّها) المؤلف (...)، يعني ﴿أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا﴾ معروفٌ أنَّ الأجر لا يكون إلا بعقد إجارة.
وهل وقع بين موسى وبين المرأتين عقد إجارة على أن يسقي لهما؟
* طالب: لا، ما وقع.
* الشيخ: لا، لكن يقول: (كأنَّها قصدتْ المكافأة إنْ كان ممن يريدها)، فسَمَّت هذه المكافأة سَمَّتها أجرًا.
(فمشتْ بين يديه، فجعلتْ الرِّيح تضرب ثوبَها فتكشف ساقيها، فقال لها: امشي خلفي ودُلِّيني على الطريق). نقول: حكاية هذه القصة ما لها أَثَر، وهي قوله: (فمشتْ بين يديه)، لكن هم يأتون بها توطئةً لقولها: ﴿إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ﴾ [القصص ٢٦]، فقد سبق أنه نَزَع الصخرة العظيمة اللي ما يحملها إلا عشرة.
* طالب: هو قوي.
* الشيخ: لأجل القوة، وهنا لأجل الأمانة.
(ففعلتْ، إلى أنْ جاءَ أباها وهو شُعَيْبٌ عليه السلام وعنده عَشاء، فقال له: اجلس فتعشَّ. قال: أخاف أنْ يكون عِوَضًا مما سقيتُ لهما، وإنَّا أهل بيتٍ لا نطلب على عملِ خيرٍ عِوَضًا. قال: لا، عادتي وعادة آبائي نقري الضيفَ ونُطعم الطعامَ. فأكل وأخبره بحاله). كل هذا لا دليل عليه، ما فيه دليل، والذي عليه الدليل أنَّ موسى ﷺ أجاب الدعوة ومشى حتى وصل إلى الأب، وهذا يكفينا أن نعتقد ما دلَّ عليه القرآن من هذه القصة، أمَّا أن نأتي بشيءٍ لا ذِكْر له في الآية فلا.
يقول: ﴿فَلَمَّا جَاءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ﴾ [القصص ٢٥].
الفاعل في ﴿جَاءَهُ﴾ مَن؟ موسى. ﴿وَقَصَّ عَلَيْهِ﴾ أي: موسى.
﴿الْقَصَصَ﴾ (...) بمعنى المقصوص؛ لأن القَصص مصدر (...)؛ قال الله تعالى: ﴿فَارْتَدَّا عَلَى آثَارِهِمَا قَصَصًا﴾ [الكهف ٦٤] أي: يقُصَّان الأثر قَصَصًا. والقصص هو اللي يُقَص؛ لأنه يُقص المقصوص، وعلى هذا فهو مصدر بمعنى اسم المفعول، والمصدر بمعنى اسم المفعول يأتي كثيرًا؛ كقوله: ﴿وَإِنْ كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ﴾ [الطلاق ٦]؛ ﴿أُولَاتِ حَمْلٍ﴾ أي: محمول. وكذلك قوله ﷺ: «مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ»[[متفق عليه؛ البخاري (٢٦٩٧) بنحوه، ومسلم (١٧١٨ / ١٨) واللفظ له،من حديث عائشة رضي الله عنها.]]، مع أنَّ الآية (...) لأنه وصْف للمرأة.
على كل حال هنا ﴿الْقَصَصَ﴾ نقول: مصدرٌ بمعنى المقصوص. لماذا لا نجعله مصدرًا بمعناه الحقيقي؟
لأنَّ القصص فعلُ القاصِّ وليس هو شيئًا يُخبَر عنه، وإنما الذي يُخبَر عنه ويُقَصُّ هو الشيء المقصوص؛ يعني القضية أو القصة أو ما أشبه ذلك، هذا الذي يُقَصُّ.
ما هو القصص الذي قَصَّ عليه؟
قال: (من قتْلِهِ القبطيَّ، وقصْدِهم قَتْله، وخوفِهِ من فرعون). قصَّ عليه قضيَّته كلها؛ بأنَّه كان في مصر مثلًا، وأنَّه حصل كذا وكذا من قَتْل القبطي، وأنَّ رجلًا جاءه فنصحه أن يخرج وأنَّه خرج، ولهذا قال: ﴿الْقَصَصَ﴾.
﴿قَالَ لَا تَخَفْ﴾ هذه ﴿قَالَ﴾ جواب (لَمَّا)؛ ﴿فَلَمَّا جَاءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ ... قَالَ﴾ أي: صاحب مدين ﴿لَا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ﴾ [القصص ٢٥].
﴿لَا تَخَفْ﴾ اللام هنا ناهية، والمراد به (...) النهي، ولَّا المراد به تطمين هذا الرجل؟ تطمينه، وعلى هذا فيكون قوله: ﴿نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ﴾ تأكيدًا للجملة في المعنى، تأكيدًا للجملة في كل (...)؛ أي: لا خوف عليك لأنك نجوتَ من القوم الظالمين. وسبحان الله العظيم! جاء كلام هذا الرجل مطابقًا لسؤال موسى؛ موسى خرج منها ﴿خَائِفًا يَتَرَقَّبُ قَالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ﴾، فجاء الجواب هنا من هذا الرجل: ﴿لَا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ﴾، ﴿لَا تَخَفْ﴾ إجابةٌ لقوله: ﴿خَائِفًا يَتَرَقَّبُ﴾، ﴿نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ﴾ إجابةٌ لقوله: ﴿نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ﴾، فكان جواب هذا الرجل مطابقًا لسؤال موسى، وهكذا تكون إجابة الله تعالى للمضطرِّ مطابقةً تمامًا لسؤاله.
(إذْ لا سلطان لفرعون على مَدْين) وهذا هو الظاهر أنَّه يُطَمئنه بأنه نجا من القوم الظالمين؛ لأن سلطان فرعون وينه الآن؟ إنما هو في مصر وما حولها، أمَّا مَدْين فإنه لا سلطان لفرعون عليها؛ إذْ لو كان له سلطانٌ عليها ما نجا منهم، ما نجا من القوم الظالمين.
* طالب: (...).
* الشيخ: (...) قريبة من مصر، تقدَّم في كلام المؤلف أنها على ثمانية أيام من مصر.
* الطالب: (...)؟
* الشيخ: يمكن يكون، ولكن في الحدود، الحدود كما تعرفون ما هو بالشيء القليل، يحتاج إلى (...) مملكتان ليس بينهما إلا خط وهْمي.
﴿قَالَ لَا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ﴾ (﴿قَالَتْ إِحْدَاهُمَا﴾ [القصص ٢٦] وهي المرسَلة، الكُبرى أو الصُّغرى). يعني ما ندري الكبرى أو الصغرى القائلة، الله يقول: ﴿قَالَتْ إِحْدَاهُمَا﴾، وأمَّا كونها المرسَلة فهو بناءٌ على ما سبق من أنها جعلت تمشي أمامه وجعلت الريح تكشف عن ساقيها، فقال: كوني خلفي، فعرفت بذلك أن الرجُل أمينٌ، هذا السبب في قوله: (وهي المرسَلة)، ولكني أسألكم الآن: هل يتعيَّن أن تكون القائلة هي المرسَلة أو الباقية؟
* طالب: لا يتعيَّن.
* الشيخ: لا يتعيَّن هذا ولا هذا، قد تكون المرسَلة وقد تكون الباقية، المهم أننا حسبُنا أن نُبهِم ما أبهمه الله.
﴿قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ﴾ [القصص ٢٦] ﴿يَا أَبَتِ﴾، كيف ﴿يَا أَبَتِ﴾؟ تقول: يا أبي، أو التاء للتأنيث لأنها مؤنثة؟
* طالب: (...).
* الشيخ: يجوز إبدال الياء بالتاء، يجوز إبدالها بالتاء فيقال: (أبتِ) بدل (أبي).
قالت: ﴿يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ﴾ هنا أي: اجعلْه أجيرًا عندك. وهذا الأمر ليس بمعناه الحقيقي، ليس لطلب الفعل على وجه الفعل؛ لأن البنت ما يمكن أن تأمر أباها أمرًا، ولكنه؟
* طالب: للدعاء.
* الشيخ: للدعاء!
* طالب: (...).
* الشيخ: الدعاء، ما يصلح أن تقول: للدعاء، ولا للالتماس؛ لأن الالتماس يقولون: من النظير لنظيره.
* طالب: للترجِّي.
* الشيخ: ولكن .. نعم للترجِّي أو للسؤال، للسؤال؛ لأن الدعاء ما ينبغي أن يقال إلا في جانب الله سبحانه وتعالى.
* طالب: (...)؟
* الشيخ: لا، ما تأمره (...).
* طالب: حتى (...)؟
* الشيخ: لا، ما يتعيَّن، هل فيه دليل أنهم (...)؟ ما فيه دليل، لكن الغالب أنه ما يتعيَّن، وإلا ربما (...).
(﴿اسْتَأْجِرْهُ﴾ اتَّخِذْه أجيرًا يرعى غَنَمنا، أي: بَدَلنا).
(...)، والثاني: أنَّ الرجل قويٌّ وأمينٌ ونحن في طمأنينة منه، وكذلك نحن في طمأنينة من أنه سوف يسقي لنا سقيًا كاملًا لقُوَّته.
﴿اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ﴾ [القصص ٢٦] (أي: استأجِرْه لقُوَّته وأمانته).
قالت: ﴿اسْتَأْجِرْهُ﴾ هذا الحكم، و﴿إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ﴾ هذا التعليل؛ يعني: استأجِرْه لأنه قويٌّ أمينٌ، لكنها أتت بالتعليل على سبيل القاعدة العامة، لو قالت: استأجِرْه إنَّه قويٌّ أمينٌ، صار هذا تعليلًا لمسألةٍ خاصةٍ وهي استئجار موسى، لكنَّها أتت بهذه العِلَّة منطويةً تحت قاعدةٍ عامةٍ وهي: ﴿إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ﴾ سواء موسى ولَّا غيره، مَن؟ ﴿الْقَوِيُّ الْأَمِينُ﴾، وهذان الوصفان هما رُكنان في كلِّ عمل، فكلُّ عملٍ لا بدَّ فيه من هذين الأمرين، ما يكون إلا بهما، وهما: القوة والأمانة، فبالقوة يكون الفعل، وبالأمانة يكون تمام الفعل، وأمَّا مَن ليس قويًّا لا يفعل، ومن ليس أمينًا لا يُتمِّم الفعل وقد لا يفعله أصلًا، ولذلك إذا كان الإنسان قويًّا أمينًا حصل به تمام الفعل.
طيب، في غير المستأجَر؟ يعني هذا خاص بالإجارة أنَّنا نتطلب القويَّ الأمين أمْ في جميع الأعمال؟
* طالب: في جميع الأعمال.
* الشيخ: إي نعم، في جميع الأعمال؛ لو وكَّلنا شخصًا على بيعٍ فخيرُ مَن نوكِّل مَن؟ القوي الأمين، أمَّرنا شخصًا على قريةٍ فخير من نُؤمِّر القوي الأمين، ولَّينا شخصًا على قضاء بلدٍ فخير مَن نولِّي على القضاء القوي الأمين، ولهذا قال الجنِّيُّ لَمَّا قال لسليمان: أنا آتيك بعرش ملكة سبأٍ قبل أن تقوم من مقامك قال: ﴿وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ﴾ [النمل ٣٩]، ﴿لَقَوِيٌّ أَمِينٌ﴾، وهذا ما هو بأجير، هذا ليس بأجير.
المهمُّ أنَّ القوة والأمانة شرطانِ أساسيانِ في كل عملٍ، مَن ليس قويًّا لا يُمكن أن يفعل، ومَن ليس أمينًا لا يؤتَمن ولا يُكمِّل الفعل ولا يتمِّمه. ﴿إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ﴾، وموسى قويٌّ أمينٌ.
(فسألها عنهما فأخبرتْه بما تقدَّم من رَفْع حَجَر البئر ومن قوله لها: امشي خلفي، وزيادة أنها لَمَّا جاءته وعَلِم بها صوَّب رأسَه فلم يرفعه، فرغب في إنكاحه).
قوله: (فسألها) أي: أبوها. (عنهما) أي: عن القوة والأمانة؛ منين عرفتِ أنَّ الرجل قويٌّ أمينٌ؟ فذكرتْ له؛ (أخبرتْه بما تقدَّم من رَفْع حَجَر البئر) رَفَع حجرَ البئر، وعادةً لا يرفعه إلا عشرة أنفس، وهذا دليلٌ على قوَّته. كانت تمشي أمامه والريح تكشف ساقيها فقال: كوني ورائي، وهذا دليلٌ على أمانته. كذلك أيضًا -زيادة من الأمانة- أنَّه لَمَّا علم بها موسى (صوَّب رأسه) أي نَزَّله (فلم يرفعه)، وهذا من الأمانة.
لكن نحن لا نحتاج إلى هذه الثلاث القضايا، بل هما عرفتَا أنه قويٌّ لنَزْعه الدلوَ وسَقْيِه لهما، وأنَّه أمينٌ بحيث إنه سقى سقيًا تامًّا ولم يأخذ شيئًا من الغنم، وهذا يدلُّ على أمانته؛ فالأمانة والقوة أُخِذتَا من سَقْيه، ولا يلزم أن نصطنع شيئًا لأجْل أننا نُثبت لكونه قويًّا أمينًا، ما حاجة لهذا الاصطناع، فالإنسان يُعرف بقوَّته من نَزْعه الدلو، الإنسان (...)، وكونه أيضًا يسقي سقيًا كاملًا يَدَع الغنم حتى تروَى يدلُّ على أنَّه أمين؛ لأنَّ غير الأمين ما يسقي سقيًا كاملًا، ينزع (...) دَلْوًا أو دَلْوين، لكن (أمين) هو الذي يأتي بالشيء على وجهه، فهذا وجه معرفتهما لقوَّته وأمانته.
* طالب: شيخ، الفرق بين (...)؟
* الشيخ: إي، لأن اللي حصل لموسى مع المرأتين ما حصل إلا أنه سقى لهما ثم تولَّى إلى الظل.
* الطالب: قد يقال: إنه عرف (...) من طريق آخر (...).
* الشيخ: ما ذُكر لنا، الأصل عدم وجود ما لم يُفعل، الأصل عدمه، نستنبط من القصة فقط، أمَّا مثلًا (...) ما تتعين هذه، الإنسان يأتي بكلامه على ظاهره، والاحتمال الوارد لا يقبل.
* الطالب: طيب، هل يتعين (...)؟
* الشيخ: وهذا الذي حصل، ما اتَّفقتا مع موسى إلا بالسقي (...).
قال: (فرغب في إنكاحه).
* طالب: (...).
* الشيخ: هذه مشورة، من باب المشورة عليه، (...)، وفيه فائدتان: أولًا (...) وأنه قوي وأمين، والثاني (...) بدلأ من انهم يروحوا يزاحموا الرجال و يتعبوا (...).
* طالب: (...).
* الشيخ: (...).
* طالب: (...).
* الشيخ: واضح، لما يعرف الإنسان رجل واحد يسقي لك الغنم هذا (...).
* الطالب: (...).
* الشيخ: (...) حقه، فإذا عُلِم أنها أعطته حقه عُلِم أنه قوي وأنه أمين، إنسان استُؤجر (...)، ما لم يعرف أن الإنسان الذي يؤدي ما عمل على وجه التمام إلا أمين. وليس هذا (...) الإجارة، حتى لو تبرع لك إنسان، قد يجي واحد تلقاه يتبرع لك (...).
* طالب: يعني (...).
* الشيخ: ربما يكون هذا، لكن بس الشيء اللي ما هو موجود في القرآن، (...) الذي نعتقده (...)، لكن في هذه كثيرًا ما تقع، قد (...).
* طالب: ولكن لا تقع (...).
* الشيخ: لا، هذه الفكرة غلط (...).
* طالب: قد (...).
* الشيخ: نعم، على أن الأمانة (...).
* * *
(...) ﴿نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ﴾ [القصص ٢٥] أظن هذا مبتدأ المناقشة والفوائد.
* طالب: (...).
* الشيخ: نعم، قوله: ﴿وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ﴾، ﴿الْقَصَصَ﴾ ما هو موقعه في الإعراب؟
* الطالب: مصدرٌ بمعنى المقصوص.
* الشيخ: بمعنى المقصوص. وهي تصح مصدرًا على حقيقته؟ مَن يعرف؟
* طالب: (...).
* الشيخ: القَصص فعل؛ قصصتُ على فلانٍ قَصَصًا؛ يعني: فعلتُ ذلك. فالفعل ما هو يُقَصُّ، فإنَّ الذي يُقَصُّ المفعول؛ الأخبار المقصوصة. أمَّا من حيث الإعراب فإنَّ محلَّه مفعولٌ به؛ مفعولٌ لـ(قَصَّ).
قوله: ﴿نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ﴾، ما معنى ﴿نَجَوْتَ﴾؟
* طالب: (...).
* الشيخ: النجاة من الشيء أيش معناها؟
* الطالب: (...).
* الشيخ: إي، يعني الخلاص منه.
طيب، ثم إنَّ هذه الجملة مطابقةٌ لسؤال موسى ولحاله أيضًا، تدري ذلك؟
* طالب: لأنه دعا الله سبحانه وتعالى وكان خائفًا يترقَّب: ﴿رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ﴾.
* الشيخ: نعم، فأبدل الله الخوف؟
* الطالب: فأبدل الله الخوف بالأمن.
* الشيخ: بقوله: ﴿لَا تَخَفْ﴾ [القصص ٢٥].
* الطالب: ﴿لَا تَخَفْ﴾.
* الشيخ: طيب.
* الطالب: وقوله: ﴿نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ﴾ مطابق لما سأله.
* الشيخ: لما سأله؛ ﴿رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ﴾.
لماذا قال له: إنك نجوتَ من القوم الظالمين؟
* طالب: لأن (...).
* الشيخ: قوله: ﴿إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ﴾ [القصص ٢٦]، أيش محلها مما قبلها في المعنى؟
* طالب: تعليلية.
* الشيخ: تعليلية؛ كأنها تقول: استأجِره فإنَّه قويٌّ أمينٌ.
طيب، هذان الوصفان هما الوصفان الأساسيان في الأعمال. أو لا؟ لأنَّ ضدَّ القوة الضعف، والضعيف ما يستطيع يعمل، وضدَّ الأمانة الخيانة، والخائن لا يُتمِّم العمل، كذا؟
وهذان الوصفان أساسيَّان في كل ولاية؛ في الخلافة، والإمارة، والإدارة، والوكالة، والوصيَّة، وغير ذلك، كل ولاية لازم فيها من الأمرين: القوة والأمانة.
* طالب: (...)؟
* الشيخ: القوة في العمل؛ فالعمل الذي يقتضي طاقةً جسميَّةً لا بدَّ أن يكون قويَّ الجسم، والعمل الذي يقتضي طاقةً فكريةً كالأعمال الحسابية وما أشبهها لا بدَّ أن يكون قويًّا في ذلك، فالمراد القوة في العمل حسب طبيعة العمل.
* * *
نرجع الآن إلى فوائد الآيات.
فمن فوائد الآيات .. ذكرنا أدب هاتين المرأتين، وذلك بالحياء، (...) ولَّا ما ذكرناها؟ كمال أدب المرأتين؟
* طالب: إي، ذكرناها.
* الشيخ: وذكرنا كمالَ ذكائهما أيضًا من وجوهٍ ثلاثة.
قوله: ﴿فَلَمَّا جَاءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ قَالَ لَا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ﴾ [القصص ٢٥].
* يُستفاد من الآية: أنَّ قصَّ الأخبارِ لا يُعتبر شِكاية؛ لو قصصتَ على إنسانٍ ما جرى عليك من المصائب فإنَّه لا يُعتبر ذلك من الشكاية إليه، ولهذا يُقال: إخبارٌ .. المريض يقول مثلًا لمن سأله عن حاله: إخبارٌ لا شكوى. والفرق بينهما: أن الشكوى تتضمَّن طلب إزالة الشيء والتضجُّر منه، التضجُّر من الشيء وطلب إزالته، وأمَّا الخبر فإنه مُجرد عن ذلك، مُجرَّد إخبار عن أمرٍ وقع.
* طالب: (...)؟
* الشيخ: لا ما أعرف (...).
* وفيه أيضًا: دليل..
* الطالب: (...).
* الشيخ: (...) الإنسان الذي أخبر عن حاله (...) وكذا وكذا وكذا، ما هو طيِّب.
* الطالب: (...).
* الشيخ: إن تعلق بالغير يُنظر؛ إذا كان مظلومًا فالله يقول: ﴿لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ﴾ [النساء ١٤٨]، ولا يمكن دفع ظُلم الظالم إلا بذكر ظُلمه ولو كان يكره ذلك.
* الطالب: لكن في (...).
* الشيخ: يُنظَر، المهمُّ أن الكلام على أنَّ الإنسان إذا أَخبر عمَّا يقع عليه -نحن نتكلم بهذا- فإنَّه لا يُعتبر ذلك شكاية، حتى في الأمور المكروهة التي جرتْ عليه فإنه لا يُعتبر ذلك من الشكاية؛ لذلك قصَّ الخبر.
* وفيه أيضًا: دليل على فقه صاحب مدين؛ حيث طمأنه مع ذكر السبب فقال: ﴿لَا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ﴾؛ لأن قوله: ﴿لَا تَخَفْ﴾ يفيد طمأنينة الرجل، و﴿نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ﴾ يفيد العِلَّة في ذلك، لو قال: ﴿لَا تَخَفْ﴾ ولم يقل: ﴿نَجَوْتَ﴾ فقد يظن الظانُّ أنه أراد أن يُهَوِّن عليه الأمر وإن كان فيه احتمال ألَّا ينجو منه، فإذا قال: ﴿نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ﴾ صار هذا بيانًا للحكم مع العِلَّة.
* وفيه: دليلٌ على أنَّ آل فرعون معروفون بالظلم عند الناس في ذلك الوقت؛ لقوله: ﴿نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ﴾.
* وفيه أيضًا: دليلٌ على أنَّ جنود الظالم ظَلَمة؛ لأنه ما قال: نجوتَ من الظالم، قال: ﴿مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ﴾، وهو كذلك؛ فإنَّ جنود الظالم ظَلَمة، ولهذا لو أمرك..
الشيخ: أصل وجوب طاعة ولي الأمر، ولم يوجد ما يمنع هذا الأصل؛ إذ إنك لا تدري هل هو ظالم أم لا، ولأنه من المشقة أن الجندي مثلًا إذا أمره مَن فوقه أن يضرب أو يحبس، أن يقول: ليش أضرب؟ وليش أحبس؟ ولأن هذا يؤدي إلى الفوضى وتفكك الحُكومة والدولة، نعم، فلهذا يقول: يجب عليك التنفيذ ما لم تعلم أنه معصية، نعم.
وقال بعض أهل العلم بالتفصيل، وهو أنه إذا كان الآمر معروفًا بالظلم، فإنه لا يجوز الإقدام على موافقته، إلا إذا علمتَ انتفاء الظلم في هذه القضية المعينة، تقديمًا للظاهر على الأصل، أيش هو الظاهر؟
* طالب: أنه ظالم.
* الشيخ: ظاهر هذا الأمير مثلًا أنه ظالم، فيُقَدم على الأصل، وهو عدم الظلم ووجوب الطاعة. وهذا التفصيل لا بأس به، نعم، فيه ثقل أيضًا؛ لأنه وإن كان ظالمًا فقد لا يظلم في كل شيء.
ومعلوم أن -يعني نسأل الله ألا يبتلينا ولا إياكم- أن الجندي يصعب عليه جدًّا أن يقول لآمره: ما وجه ضربه؟ ما وجه حبسه؟ ولهذا مِن قواعد الدِّراسة عندهم في الجندية وفي الجيش: أن الصغير يُطيع مَن فوقه طاعة عمياء، حتى إنَّ بعضهم يرى أنه يجب طاعته ولو في معصية الله. ولكن هذا غير مُسلَّم، إنما أقصد أنهم يطيعون طاعة عمياء، كأن الإنسان أصم أعمى.
فعلى كل حال، هذه المسألة، مَن أخذ بالقول بوجوب الطاعة مُطلقًا ما لم تعلم أنه ظلم، فقد أخذ بالأصل وكان معه سعة، ومن أمكنه أن يستفهم عند أمر الأمير عن هذا الأمر، الأمير الذي ظاهره الظلم، والعادل اللي لم (...) ظالم، تجب طاعته، ولا يحتاج إلى التفصيل، فهذا لا بأس به.
المهم أننا نأخذ من هذه الآية: أن جنود الظالم ظلمة، نعم، طبعًا إذا وافقوه على بينة ﴿نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ﴾ [القصص ٢٥].
* طالب: هل يجوز للإنسان أن يكون جنديًّا لإنسان معروف بالظلم؟
* الشيخ: إي نعم يجوز، بل قد يجب أحيانًا، إذا كان وجوده في هذا يخفف بعض الأشياء.
* الطالب: قال تعالى: ﴿وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا﴾ [هود ١١٣]؟
* الشيخ: نعم، ﴿وَلَا تَرْكَنُوا﴾ لا تميلوا إليهم بمساعدتهم في الظلم، أما أنا أصير جنديًّا لأخفف من ظلمهم، هذا ما فيه شيء، وأما الإنسان ينضم إليهم ليساعدهم أو يُقَوِّي جانبهم ولو معنويًّا، هذا ما يجوز.
* الطالب: إذا لم يكن (...)؟
* الشيخ: كلهم (...) قلَّ من يكون عمله لله، أكثر الناس يريدون الدنيا والمال.
طيب، ﴿قَالَ لَا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ﴾ [القصص ٢٥].
﴿قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ﴾ [القصص ٢٦].
* يُستفاد من هذا: جواز تَكلم المرأة بحضور الأجنبي، انتبهوا إلى هذه الفائدة، هل نوافق على هذا ولَّا لا؟
* طالب: (...).
* الشيخ: لا، (...)، لا، هو الحال من حاله، لكن بس موسى إلى الآن ما كان نبيًّا ولَّا لا؟ فشريعته لم تكن قائمة.
* طالب: (...).
* الشيخ: (...)، هذا خبر لأنه بعد ذكر المشركون وغيرهم كلامه.
* طالب: نقول: تكلمت بحضرة موسى يعني؟
* الشيخ: إي هو الظاهر، الظاهر أنه في حياة موسى، ولهذا قال: ﴿قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ﴾ [القصص ٢٧] في الحال.
فهذه قد لا نُسلم أن هذا دليل على الجواز؛ لأن شريعة موسى في ذلك الوقت لم تكن قائمة، نعم إن كان شعيب على دِين، وأقول هذا لأننا لا نوافق مَن قال: إن المراد به شعيب النبي، وأقول: إن كان صاحب مدين -أحسن بعدُ من كلمة شعيب- إن كان صاحب مدين على دِين، فنعم يمكن يستفاد من هذا جواز كلام المرأة بحضرة الأجنبي (...)، مع أن هذه المسألة لا إشكال فيها من الناحية الشرعية في شريعتنا: أن المرأة يجوز أن تتكلم بحضور الرجال، النساء (...) الرسول ﷺ بحضور الرجال، ما لم يُخش أيش؟
* طالب: الفتنة.
* الشيخ: الفتنة، إن خُشيت الفتنة، فالفتنة ممنوعة حتى في الأمور المباحة.
* طالب: هذا يرد عليه أن (...)؟
* الشيخ: ويش هي؟
* الطالب: (...).
* الشيخ: مثل أيش؟ (...)، مثل أي شيء؟
* الطالب: مثل (...) أنه من باب تصدير الدعاء بالربوبية، مثل اللي قاله موسى، بجواز الاقتصار في الدعاء (...).
* الشيخ: هذا من فعل موسى، والله سبحانه وتعالى ذكرها على وجه الثناء عليه، ما ذكرها هكذا فقط. ثم هذا أيضًا جاءت به السنة من دليل آخر (...).
* كذلك أيضًا يُستفاد من هذه الآية: ﴿قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ﴾ [القصص ٢٦] يمكن يُستفاد أنه مشورة الأدنى للأعلى؛ لقولها: ﴿اسْتَأْجِرْهُ﴾؛ لأن الأمر هنا ليس للإلزام، ولكن للمشورة والعرض، فقد يكون الأدنى أعلم من الأعلى في بعض الأمور، ولَّا لا؟ كما أن المفضول قد يكون أفضل من الفاضل في بعض الأمور.
* ويُستفاد من الآية الكريمة: الرجوع في الأعمال إلى هذين الوصفين، وهما: القوة والأمانة.
* ويستفاد منها أيضًا: أنه ينبغي أن يتحرى الإنسان في جميع أحواله مَن كان قويًّا أمينًا؛ لقولها: ﴿إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ﴾ [القصص ٢٦]. والقوة هنا القوة في العمل بحسَبه، فالقوة على الأعمال البدنية معناها قوة البدن، والقوة في الأمور الفكرية قوة الفكر في هذا الشيء، والقوة في الأمور الحربية نفس الحرب، فكل شيء قوته بحسَبه، وباختلال أحد الوصفين يختل العمل، إذا اختلت القوة وصار الإنسان ضعيفًا ما أمكنه أن يقوم بالعمل ولو كان مِن آمن الناس، ولهذا قال النبي عليه الصلاة والسلام لأبي ذر: «إِنَّكَ رَجُلٌ ضَعِيفٌ، فَلَا تَوَلَّيَنَّ إِمَارَةً وَلَا عَلَى مَالِ يَتِيمٍ»[[أخرج مسلم (١٨٢٦/١٧) عن أبي ذر رضي الله عنهم، أن رسول الله ﷺ، قال: «يا أبا ذر، إني أراك ضعيفا، وإني أحب لك ما أحب لنفسي، لا تأمرن على اثنين، ولا تولين مال يتيم».]]، فقوله: «إِنَّكَ رَجُلٌ ضَعِيفٌ»، هنا الضعف هو ضد الأمانة ولّا لا؟ أو ضد القوة؟
* طالب: ضد القوة.
* الشيخ: ضد القوة، الرجل أمين، لكنه ضعيف في تولي الأعمال.
فعليه نقول: إن الإنسان قد تختلط فيه القوة أو الأمانة، والكمال وجود القوة ووجود الأمانة.
* * *
﴿قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ﴾ [القصص ٢٧]
* طالب: (...)؟
* الشيخ: لا، قد (...).
﴿قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ﴾ [القصص ٢٧]، الآن مدين يتكلم: ﴿أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ﴾، هل هذا عقد نكاح ولَّا وعد بعقد نكاح؟
* طالب: وعد.
* الشيخ: ﴿أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ﴾ وليس عقدًا، وعلى هذا فلا يكون فيه دليل على جواز العقد على المبهَمة؛ لأنه يقول: ﴿أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ﴾ ومعنى ﴿أُنْكِحَكَ﴾: أُزوجك؛ لأن (النكاح) أصله الضم والجمع، فمعنى ﴿أُنْكِحَكَ﴾: أزوجك؛ لأن الرجل يضم زوجته إليه ويجتمع إليها.
وقوله: ﴿إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ﴾.
قوله: ﴿إِحْدَى ابْنَتَيَّ﴾ هذا مبهم، ما ندري هي الكبرى أو الصغرى، ولهذا يقول: (وهي الكبرى أو الصغرى).
وقوله: ﴿ابْنَتَيَّ﴾ أصلها: (ابنتين لي)، فحُذفت النون من أجل الإضافة. ولهذا نقول: إن ﴿ابْنَتَيَّ﴾ مجرورة بالياء نيابة عن الكسرة؛ لأنه مثنى، وحُذفت النون من أجل الإضافة.
وقوله: ﴿هَاتَيْنِ﴾ اسم إشارة لتعيين البنتين، فهمنا من ذلك أن له بنات أخريات؛ لأن الإشارة تخرج مَن عداهما، أو أن المعنى أن موسى عليه الصلاة والسلام قد لا يعلم أن هاتين البنتين له، قد يقول: ﴿إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ﴾ ولا يدري هو مِن بين بناته إلا ليست هنا. وهذا هو الأفضل؛ لأن تعيينهما بالإشارة لئلا يَتوهم المخاطَب بأن له بناتٍ أخرى، نعم، وليس المعنى أنه يعيِّن هاتين ليُخرج بقية البنات. والغريب أن بعض المفسرين قال: إن هذا لإخراج بقية البنات، وأن البنات سبع، وهاتان أخرجهما بالتعيين. فيقال: ليس كذلك، وليس في الآية ما يدل عليه، ولكن لما قال.. الآن لو أقول لشخص: أنا أريد أن أنكحك إحدى ابنتي، وعندي امرأتان، هل يفهم أنهما منهن؟
* طالب: لا.
* الشيخ: ما يفهم حتى أقول: هاتين، فيَفهم أن هذه بناتي، فهنا نقول: ﴿هَاتَيْنِ﴾ على هذا المعنى.
﴿عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي﴾ [القصص ٢٧]، ﴿تَأْجُرَنِي﴾ يعني: تأجرني نفسك ﴿ثَمَانِيَ حِجَجٍ﴾ [القصص ٢٧] (تكون أجيرا لي في رعي غنمي ﴿ثَمَانِيَ حِجَجٍ﴾ أي: سنين)، وهي جمع؟
* طالب: حِجة.
* الشيخ: حِجة، و(﴿فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا﴾ أي رعي عشر سنين ﴿فَمِنْ عِنْدِكَ﴾ [القصص ٢٧] التمام) يعني: وليس بواجب.
أخبره أنه يريد أن يزوجه إحدى ابنتيه، ويكون المهر على أن يرعى الغنم ثماني سنين. فمن أين يُعرف أن المراد رعي الغنم؛ إذ قد يقول له: تأجرني نفسك لأجل تكون بنَّاءً عندي أو حرَّاثًا أو ما أشبه ذلك؟
* طالب: من سؤال البنات (...).
* الشيخ: إي، مِن سياق القصة: ﴿يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ﴾ [القصص ٢٦]، والقضية كلها العمل الذي أمامه الآن هو رعي الغنم، فعُلم بذلك أنه أراد -أي: صاحب مدين- أن يستأجر موسى ﷺ لرعي الغنم ثماني سنوات، فإن أتم عشرًا فمن عنده، يعني: السنتان تكونان تبرعًا، والعقد على ثماني سنوات.
قوله: (﴿وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ﴾ [القصص ٢٧] باشتراط العشر)، هذا فيه نظر ظاهر؛ لأن اشتراط العشر لو قبِله موسى فيه مشقة؟
* طالب: لا.
* الشيخ: ما فيه مشقة، وإلا لقلنا: إن اشتراط الثماني بدل الست فيه مشقة، ولكن ﴿وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ﴾ في حال معاملتك في تنفيذ العقد. يعني معناه: أني سأتساهل لو فات يوم ولَّا أيام ما رعيت أو ما أشبه ذلك، أو حصل عليك خطر من مال أو غيره، فإنني لا أشق عليك بهذا، فتكون عدم المشقة في أي شيء؟ في تنفيذ الإجارة، أما في زيادة المدة فليس هذا بمشقة (...)، وإلا لو قلنا: إن الثماني بالنسبة للست تكون مشقة، فالصواب بلا ريب: لا أريد أن أشق عليك حال تنفيذ العمل؛ لأن بعض الناس يقول: عندك مشقة في المعاملة، في حال تنفيذ العقد تجده مثلًا ما يسمح له ليتأخر، وإذا حصل له مرض يُلزِمه أو يقول: عوضني عن هذا اليوم أو أسقط لي من الأجرة أو ما أشبه ذلك.
فهو يقول: ﴿وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ﴾، ولهذا قال: ﴿سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ﴾، فوعده في قوله: ﴿سَتَجِدُنِي﴾ الآن ولَّا في المستقبل؟
* طالب: في المستقبل.
* الشيخ: في المستقبل؛ لأن السين هذه تُحَوِّل المضارع إلى المستقبل، وهي -كما مر علينا- تفيد التحقيق والتقريب، ففيها ثلاث فوائد إذا دخلت على المضارع: تحويله إلى مستقبل، وتحقيقه، وتقريبه. فهمتم؟
وقوله: ﴿سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ﴾، من (وجَد يجِد) إذا أدرك الشيء.
ولكنه قال: ﴿إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ﴾، وهذا يدل على أن صاحب مدين مؤمن؛ لأن كلامه هذا يدل على إيمانه وأنه على ملة.
وقوله: ﴿إِنْ شَاءَ اللَّهُ﴾ تعليق، فهل هو تعليق يُراد به حقيقته؟
يقول المؤلف: إنه (للتبرك)، والذي حمل المؤلفَ على ذلك هو أن قوله: ﴿سَتَجِدُنِي﴾ وعد منه، والوعد إذا عُلِّق لم يكن مجزومًا به؛ فلهذا قال: (﴿إِنْ شَاءَ اللَّهُ﴾ للتبرك) لئلا ينافي الوعد.
ولكنه في الحقيقة لا ينبغي أن نحمله على التبرك، بل نحمله على التعليق الحقيقي بالمشيئة؛ لأن عزم الإنسان على الشيء مجزوم به، لكن تنفيذ الشيء ما يستطيع أن يجزم به الإنسان أبدًا مهما كان العمل: ﴿وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا (٢٣) إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ﴾ [الكهف ٢٣، ٢٤]، فالذي نرى أن هذا التعليق على حقيقته ليس للتبرك، لماذا؟ لأن تنفيذ هذا الشيء ليس بيد صاحب مدين، أو لا؟ ليس بيده، فإن الأمور قد تُطلق.
وقوله: ﴿إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ﴾، هذه جملة محلها من الإعراب يسمونها جملة مُعترضة بين الفعل ومفعوله؛ لأن ﴿سَتَجِدُنِي﴾ تنصب مفعولين؛ المفعول الأول الياء، والمفعول الثاني ﴿مِنَ الصَّالِحِينَ﴾ الجار والمجرور، وهنا جاءت الجملة المعترضة بين الفعل ومفعوليه.
وقوله: (﴿مِنَ الصَّالِحِينَ﴾ الوافين بالعهد)، نعم؛ لأن صلاح كل شيء بحسبه، فهنا المسألة عقد إجارة، والصلاح فيها يكون بالوفاء، وفي كل موضع بحسبه، الصلاح في الدين هو القيام بطاعة الله، وصلاح الطعام ألا يكون متغيرًا برائحة كريهة أو (...)، فالصلاح في كل موضع بحسبه.
﴿قَالَ ذَلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ﴾ [القصص ٢٨].
(﴿قَالَ﴾ موسى ﴿ذَلِكَ﴾ الذي قلته ﴿بَيْنِي وَبَيْنَكَ﴾ )، شوف: ﴿ذَلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ﴾ في الحقيقة أن هذا القبول؛ لأنه عندنا كل عقد يحتاج إلى إيجاب وقبول، إيجاب من الباذل وقبول من الآخذ، أو لا؟ إيجاب من الباذل سواء بايع أو مُؤَجِّر أو مزوج أو ما أشبه ذلك، وقبول من الآخذ، الإيجاب من صاحب مدين قوله: أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي، والقبول من موسى: ﴿ذَلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ﴾، معناه: إني موافق وقابِل.
مع أنه بالأول صاحب مدين يقول: أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ عَلَى، ولَّا قال: (أنكحتك على أن تأجرني)، مما يدل أيضًا على أن العقود تنعقد بما دل عليها؛ لأن الإرادة عن الشيء ليست هي الشيء، إرادة الشيء ليست هي الشيء، ولذلك لو قال الرجل لامرأته: أريد أن أُطَلِّقك أو أبغي أطلقك، صار طلاقًا؟
* طالب: لا.
* الشيخ: لا؛ لأن الإرادة غير الفعل.
لكنَّ هذا يدل على.. القول الراجح في هذه المسألة التي نتعرض لها إن شاء الله في ذكر الفوائد، وهي أن العقود تنعقد بما دل عليها، ما لها صيغة معينة، نعم، حتى إنها ربما تنعقد بالفعل كما في انعقاد البيع بأيش؟ بالمعاطاة.
قال: (﴿قَالَ ذَلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ﴾ [القصص ٢٨] الثمان أو العشر، و(ما) زائدة، أي: رعيه).
﴿أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ﴾ [القصص ٢٨]، يقول المؤلف: إن (ما) زائدة للتوكيد، وعليه فـ(أيَّ) مفعول مقدم لـ﴿قَضَيْتُ﴾، أو لا؟
* طالب: نعم.
* الشيخ: ولا تصح من باب الاشتغال؟ ما تصح؛ لأن باب الاشتغال لا بد أن يكون في العامل ضمير، إذا لم يكن فيه ضمير فالسابق مفعول، تقول مثلًا: (زيدٌ أكرمتُه) هذا من باب الاشتغال؛ لأن فيه ضميرًا، لكن (زيدًا أكرمتُ) بدون ضمير، هذا من باب المفعول المقدم وليس من باب الاشتغال، الذي معنا الآن يناسب (زيدًا أكرمتُ) ولا يناسب (زيدٌ أكرمتُه)؟
* طالب: يناسب (زيدًا أكرمتُ).
* الشيخ: يناسب (زيدًا أكرمتُ)؛ لأنه قال: ﴿أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ﴾، ولم يقل: ﴿أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ﴾ قضيتُه، فليست المسألة من باب الاشتغال، لكنها من باب المفعول المقدم.
وقوله: ﴿الْأَجَلَيْنِ﴾، يقول المؤلف: (أي رعيه) لأنه نعم، في الحقيقة هذا ما فيه حاجة إلى تقديره؛ لأنه معروف من السياق، فموسى سيقضي الأجلين ولَّا سيقضي الرعي؟
* طالب: الرعي.
* الشيخ: ويش هو عمله؟
* طالب: الرعي.
* الشيخ: الرعي، إذن سيقضي الرعي في الأجلين؛ ولهذا قال المؤلف: (أي رعيه).
لكن هذا صائر في اللغة العربية، وكثير أنه يُطلَق الأجل على العمل، نعم، فالمعنى: ﴿أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ﴾ [القصص ٢٨]، يعني: المدتين قضيتها بالرعي. فالصواب أن يبقى (...) على ظاهره، ويقال: إن ﴿أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ﴾ بالرعي، فيكون (بالرعي) حُذف لأنه معلوم. أما أن نقدر أن المفعول (رعيه)، وإن هذا على سبيل التوسع والمجاز، ففيه نظر.
وقوله: ﴿أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ﴾، الأجلان عندنا الآن ثماني سنين، وهي واجبة، وعشر، وهي نفلٌ لموسى، ولهذا قال: ﴿فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِنْدِكَ﴾ [القصص ٢٧].
قال: (﴿أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ﴾ به، أي: فرغت منه).
القضاء بمعنى الفراغ من الشيء، ومنه قوله تعالى: ﴿فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ﴾ [فصلت ١٢]، أي: أتمهن وانتهى منهن، وهذا هو معناها في اللغة العربية.
وأما في الاصطلاح فإن القضاء ما فُعل بعد فواته، عند الفقهاء: القضاء ما فعل بعد فواته، ولهذا يقولون: الرجل إذا صلى الصلاة بعد الوقت تُسمى قضاءً، والرجل إذا فاته بعد الصلاة مع الإمام وقام يُتَمِّم، يسمونه قضاء، ولهذا يقولون: إنه يقرأ فيه سورة مع الفاتحة ويستفتح ويتعوذ كأنه الآن دخل في صلاة. ولكن الصواب أن القضاء بمعنى الإتمام والانتهاء من الشيء، وتكون مسألة الصلاة يُفسره قول الرسول ﷺ في رواية أخرى: «مَا فَاتَكُمْ فَأَتِمُّوا»[[أخرج البخاري (٦٣٦) ومسلم (٦٠٢/١٥٣) عن أبي هريرة، عن النبي ﷺ قال: «إذا سمعتم الإقامة، فامشوا إلى الصلاة وعليكم بالسكينة والوقار، ولا تسرعوا، فما أدركتم فصلوا، وما فاتكم فأتموا». ]].
﴿أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلَا عُدْوَانَ عَلَيَّ﴾. (لا) نافية؟
* طالب: لا، ناهية.
* الشيخ: ناهية؟! تأمَّل.
* الطالب: (...).
* الشيخ: ويش تقول؟
* طالب: (لا) نافية.
* الشيخ: ناهية؟
* الطالب: نافية.
* الشيخ: أيش يدل أنها نافية؟
* الطالب: لأن (لا) (...) الفعل.
* الشيخ: إي نعم، (لا) الناهية تختص بالأفعال. وهذه أيضًا (ما) نافية فقط، نافية للجنس، ولهذا بُيِّن اسمها معها، فقال: ﴿فَلَا عُدْوَانَ عَلَيَّ﴾.
ومعنى العدوان: الظلم والاعتداء، يعني: فإذا قضيت هذه الأشياء فإنه لا عدوانَ عليَّ بذلك؛ لأنني أتممتُ العقد، ومَن أتم العقد فإنه لا اعتداء عليه.
لكن ما الذي تتصورون من العدوان في مثل هذا العقد؟
* طالب: (...).
* الشيخ: المؤلف يقول: (بطلب الزيادة عليه)، وهذا صحيح، أن يقول له المستأجر: زِد، هذا عدوان. كذلك ﴿فَلَا عُدْوَانَ عَلَيَّ﴾ في إلزامي بما لا يستطيعه العقل، كما لو طَلَب منه مثلًا أن يرعى الغنم ليلًا ونهارًا. كذلك لا عدوان عليه بمماطلته في الأجرة، نعم، فإذا قضيت الأجل يَتم العقد.
فالمهم أن العدوان لا يختص بطلب الزيادة فقط، بل بكل ما يتصور مما ينافي مطلق العقد.
(﴿وَاللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ﴾ أنا وأنت ﴿وَكِيلٌ﴾ [القصص ٢٨] حفيظ أو شهيد، فتم العقد بذلك).
قوله: ﴿وَاللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ﴾، ﴿وَاللَّهُ﴾ مبتدأ، و﴿وَكِيلٌ﴾ خبره، والمراد بالوكالة هنا: الحفظ والشهادة جميعًا، فقوله: (أو شهيد) هذه للتنويع وليست للشك، ولكن الأصح أنها عامة؛ لأن وكالة الله سبحانه وتعالى للشيء معناها: الحفظ والشهادة.
* طالب: ما هي حفيظ بمعنى (...)؟
* الشيخ: وشهيد (...) طيب، هنا عندي بـ(أو).
وقوله هنا: ﴿عَلَى مَا نَقُولُ﴾، تقديمُها على عاملها -وهو ﴿وَكِيلٌ﴾ - المعروف أنه يفيد الحصر، ومعلوم أن الله سبحانه وتعالى على كل شيء وكيل، ما هو على ما نقول فقط، ولكنه حُصِر في هذا لزيادة الاهتمام به، وإلا فلا شكَّ أن الله وكيل على كل شيء، ولكن كأنه يقول: لو لم يكن الله شاهدًا على شيء لكان شاهدًا على ما نقول من العقد الذي جرى بيننا.
وفي هذا دليل على أن موسى ﷺ كان عارفًا بالله وعنده الفطرة، وإن لم يكن قد نُبِّئ الآن؛ لأن قوله: ﴿وَاللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ﴾ [القصص ٢٨] هذا اعتراف منه بالله سبحانه وتعالى وبما له من الصفات، بكونه سبحانه وتعالى وكيلًا على كل شيء.
ظاهر الحال أنه ما فيه شهود؟
* طالب: نعم.
* الشيخ: أو لا؟ لأنه قال: ﴿وَاللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ﴾، يعني ما عندهم شهود يُثبتون هذا العقد، فهل مثلًا يكفي مثله في شرعنا وأن نتفق مع شخص ونكتب: وَاللهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ أو شهيد، يكفي ولَّا ما يكفي؟
* طالب: ما يكفي.
* الشيخ: ما يكفي، ولهذا بعض الناس الآن يحتج عليك ويقول: الله شاهد على هذا. نقول: نعَم، الله شاهد، ونِعْم الشاهد، لكن خله يدلي بشهادته في آية تدل على صدق ما قلتَ، أو لا؟ نحن نقول: نعم الله سبحانه لا شك أنه نِعْم الشاهد؛ لأن شهادته فوق كل شيء: ﴿قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً قُلِ اللَّهُ﴾ [الأنعام ١٩]، ولكننا نقول: أين الآية من الله سبحانه وتعالى التي تشهد بأنه حصل كذا وكذا؟ دائمًا حينما مثلًا بما أنه يأتينا بعض الزكوات يجينا مثلًا فقير يقول: أنا والله ما عندي شيء، الله شاهد على ذلك أنه ما عندي شيء، ما (...)، يقول: والله شاهد على ذلك، يقول: ما تقبل الله؟ أيش الجواب؟
* طالب: بلى.
* الشيخ: أقبله، أقبل الله، لكن هات آيةً تدل على أن الله شاهد بذلك، أما مُجرد كلامك فهذا غير موجود، كل واحد يقول: الله الشاهد، نعم، والنبي عليه الصلاة والسلام يقول: «لَوْ يُعْطَى النَّاسُ بِدَعْوَاهُمْ لَادَّعَى رِجَالٌ دِمَاءَ قَوْمٍ وَأَمْوَالَهُمْ، وَلَكِنِ الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي»[[متفق عليه؛ البخاري (٤٥٥٢) ومسلم (١٧١١/١)، والبيهقي (٢١٢٠١) واللفظ له، كلهم من حديث ابن عباس رضي الله عنهما. ]]، فأنت هات مثلًا إذا أنزل الله وحيًا بهذا أو جاءتك آية تدل على صدقك، فنحن نقبل شهادة الله، وهي فوق كل شهادة، أما أنك تقول: إن هذا في ظنك، فهذا ما يصلح.
قال: (فتم العقد بذلك، وأمر شعيب ابنته أن تعطي موسى عصا يدفع بها السباع عن غنمه، وكانت عصي الأنبياء عنده، فوقع في يدها عصا آدم من آس الجنة، فأخذها موسى بعلم شعيب).
هذه من الإسرائيليات اللي ما تُصدق. هل نأخذ من الآية أن موسى عليه الصلاة والسلام أخذ عصا؟ ما في الآية دليل أنه أخذ عصا ولا شيء، تم العقد بهذا وصار يعمل له.
* طالب: (...)؟
* الشيخ: إي نعم، شرطية.
* الطالب: (...).
* الشيخ: هي ﴿قَضَيْتُ﴾ [القصص ٢٨] متعد، مفعولها (أي)، مثل قوله تعالى: ﴿أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى﴾ [الإسراء ١١٠]، ﴿أَيًّا مَا تَدْعُوا﴾، لكن هنا (ما) ما ندري نفي؟ ما ندري.
* الطالب: (...)؟
* الشيخ: لا، ما قال: مفعول الآن، مفعولها (أي).
* طالب: فيه كذلك ﴿أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ﴾ [القصص ٢٨]؟
* الشيخ: ما بعد جاءت الآية: ﴿فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الْأَجَلَ﴾ [القصص ٢٩]، ما بعد وصلنا إليها، تجيئنا إن شاء الله.
* طالب: (...)؟
* الشيخ: بيجينا في الفوائد إن شاء الله. وهل يجوز أنه يشرط المهر من الأب، أو نقول: إن هذا حقيقته عائد على البنت؛ لأنه حصل لها فائدة، وهي أن تسلم من رعي الغنم والتعب فيه.
(...)
* الشيخ: ..على الألف منع من ظهورها التعذر.
طيب، يقول: ﴿هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ﴾ [التوبة ٥٢]، ما قال: إلا إحدى الحسنيين. نعم، واضح هذه المسألة ما فيها إشكال.
طيب، قوله: ﴿إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ﴾ [القصص ٢٦] (...) تعيين لأي فعل؟
* طالب: فعل لقوله: ﴿اسْتَأْجِرْهُ﴾ [القصص ٢٦].
* الشيخ: ﴿اسْتَأْجِرْهُ﴾.
قوله: ﴿إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ﴾ [القصص ٢٧]، هل هذا عقد أو وعد به؟ ﴿إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ﴾ هل هو عقد أو وعد بالعقد؟
* طالب: وعد بالعقد.
* الشيخ: وعد؟
* الطالب: نعم.
* الشيخ: ويش الدليل أنه وعد وليس عقدًا؟
* الطالب: ما قال: إني أَنْكَحْتُ إحدى ابنتي.
* الشيخ: إني أنكحتك؟
* الطالب: إي نعم.
* الشيخ: بل قال: ﴿أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ﴾، والمُريد للشيء قد يفعله.
* الطالب: إي، وقد لا يفعله.
* الشيخ: وقد لا يفعله، كذا؟ إذن فليس في الآية أنه عَقَدَ له.
طيب، لكن قوله: ﴿ذَلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ﴾ [القصص ٢٨]، ما يدل على العقد؟
* الطالب: يدل على القبول.
* الشيخ: على أنه قَبِل أن يزوجه؟
* الطالب: إي نعم.
* الشيخ: طيب، ما الفائدة من قوله: ﴿هَاتَيْنِ﴾ [القصص ٢٧]؟
* طالب: (...) فإذا قال مثلًا: ﴿هَاتَيْنِ﴾.
* الشيخ: تَعَين المراد في الحاضرتين.
* الطالب: إي نعم.
* الشيخ: لئلا يُظن أن هاتين ما هما من بناته.
* الطالب: إي نعم.
* الشيخ: طيب، وقوله: ﴿ثَمَانِيَ حِجَجٍ﴾ [القصص ٢٧]، ما هي الحجج؟
* طالب: يعني (...).
* الشيخ: ﴿حِجَجٍ﴾ يعني من الحج إلى بيت الله الحرام؟
* الطالب: لا، (حِجَّة) يعني سنة.
* الشيخ: سنة؟ إذن ﴿ثَمَانِيَ حِجَجٍ﴾، يعني ثماني؟
* الطالب: سنين.
* الشيخ: ثماني سنين.
طيب، قوله: ﴿وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ﴾ [القصص ٢٧]، بماذا؟
* طالب: (...).
* الشيخ: إذا قلنا هكذا يمكن أن نقول بعد: إن الثماني بالنسبة للست مشقة.
* الطالب: قوله: ﴿أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ﴾ (...).
* الشيخ: إي نعم، ﴿أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ﴾ في التنفيذ، وليس المعنى في زيادة السنين؛ لأن هذا ينتقض بأن الثماني بالنسبة للست زيادة، وأيضًا العشر قَبِلَها موسى.
* طالب: ما يرد عليه أنه (...).
* الشيخ: إي، ما شق عليه، ما دام (...) موسى ما فيه مشقة من الأصل.
قوله: ﴿سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ﴾ [القصص ٢٧]، هذا التعليق ما المراد به؟
* طالب: قد نعلق أن المراد به الإخبار يعني بأنه (...)، لكن الصحيح أنه على ظاهره؛ لأن الإنسان لا يدري هل يتم أمره ولَّا ما يتم.
* الشيخ: نعم، إي نعم.
قوله: ﴿أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ﴾ [القصص ٢٨]، أيش إعراب ﴿أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ﴾؟ (...) ما المراد بـ﴿الْأَجَلَيْنِ﴾؟
* طالب: العشر أو الثماني.
* الشيخ: العشر أو الثماني، و(ما) في قوله: ﴿أَيَّمَا﴾ نافية ولَّا زائدة؟
* الطالب: زائدة للتوكيد.
* الشيخ: زائدة للتوكيد، ويكون التقدير: (أيَّ الأجلين)؟
* الطالب: قَضَيْتُ.
* الشيخ: و(أي) هنا شرطية ولَّا استفهامية؟
* الطالب: شرطية.
* الشيخ: شرطية.
قوله: ﴿عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ﴾ [القصص ٢٨]، ما المراد بالوكالة هنا؟
* طالب: الوكالة: الحفظ.
* الشيخ: الحفظ. والشهادة؟
* الطالب: والشهادة.
* الشيخ: طيب، تقديم المعمول يدل على الحصر: ﴿عَلَى مَا نَقُولُ﴾.
* الطالب: نعم.
* الشيخ: مع أن الله سبحانه وتعالى على كل شيء وكيل.
* الطالب: نعم، يكون أبلغ في الوكالة هنا، ومعلوم أن الله على كل شيء وكيل لكن أبلغ.
* الشيخ: أبلغ في المحافظة على العقد.
* الطالب: إي.
* الشيخ: إي، أبلغ في المحافظة على العقد، كأنه يقول: لو لم يكن الله وكيلًا لكان وكيلًا على ما نقول.
نعم، نرجع الآن إلى الفوائد.
قوله تعالى: ﴿قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ﴾ [القصص ٢٦]، نعم؟
* طالب: هل الزواج وقع في أول العقد أو في آخر العقد؟
* الشيخ: في أوله.
* الطالب: في أول العقد؟
* الشيخ: إي نعم.
* يُستفاد من الآية الكريمة أولًا: بيان أن مشورة الإنسان على أبيه لا تُعد من التَنَقُّص له؛ لقولها: ﴿قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ﴾.
* ويُستفاد منه: تلطف هذه المرأة في مخاطبة أبيها؛ لقولها: ﴿يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ﴾، ولهذا قالوا: ما ينبغي للإنسان أن ينادي والده باسمه، فيقول مثلًا: يا عبد الرحمن، يا عبد العزيز، وما أشبه ذلك، حتى إن بعضهم يقول: إذا نادى أباه باسمه يُعَزَّر؛ لأنه نوع من الاحتقار له. وأما الخبر عنه باسمه فلا بأس، الخبر عنه باسمه مثل أن يقول: (قال فلان) فلا حرج، ولهذا كثيرًا ما نسمع في الأحاديث ابن عمر يقول: قال عمر، فقال عمر، وما أشبه ذلك، هذا لا بأس به. بخلاف النداء، فالنداء له حال والخبر له حال أخرى.
* ويُستفاد من الآية الكريمة: أنه ينبغي في القائم على الشيء سواءٌ كان متبرعًا أو بأجرة، المهم كل قائم على عمل ينبغي أن يُراعى فيه هذان الوصفان، وهما القوة والأمانة.
* طالب: (...).
* الشيخ: إي، ما فيه شك، يمكن يجيء، هذا إن كان ما كتبناه بالأول تكتبوه.
* طالب: ذكرنا (...).
* الشيخ: إي.
* يستفاد من هذا: أنه ينبغي أن يُراعَى في القائم على الشيء هذان الأمران: القوة والأمانة؛ لأن بالقوة القدرة على التنفيذ، وبالأمانة الإتمام والإكمال.
* ويُستفاد من الآية الكريمة: أن موسى ﷺ كان متصفًا بهذين الوصفين: القوة والأمانة؛ لأنا قلنا: إن الجملة هذه تعليل لقولها: ﴿اسْتَأْجِرْهُ﴾ [القصص ٢٦].
ثم قال: ﴿إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ﴾ [القصص ٢٧].
* طالب: (...)؟
* الشيخ: ما أعرف، لكنه لا ينبغي أن يناديه إلا بوصف الأبوة.
* الطالب: (...).
* الشيخ: (...) الذي ينبغي أنه يناديه باسمه، مع أنه أهون من أن ينادى بالاسم، كذلك النداء باللقب فلا بأس به، مثل أن يقول: يا أمير المؤمنين مثلًا، هذا لا بأس به.
* طالب: بعضهم يقول: الشايب، جاء الشايب، راح الشايب؟
* الشيخ: إي، هذا غلط في الحقيقة؛ لأن هذا نوع من الاحتقار، هو خبر لا بأس، لكن فيه نوع من الاحتقار بوصفه بالشايب.
* الطالب: (...).
* الشيخ: (...) هذه، لكن الظاهر أنه عند البادية ما تعتبر عقوقًا.
* الطالب: لا ما تعتبر، تعتبر يعني تشريفًا.
* الشيخ: عجيب!
* الطالب: إي نعم.
* الشيخ: إي.
* الطالب: يعتبر الشايب يعني...
* الشيخ: كبير القوم.
* الطالب: إي نعم.
* الشيخ: طيب.
* الطالب: أو (...) أبي فلان يعني مثل واحد من أخوالي أبغي أقول له: يا أبا فلان.
* الشيخ: هي الكنية اللي جابها، هي اللي سأل عنها، أنا أقول: إن الكنية أهون من الاسم.
طيب، أقول: ﴿قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ﴾ [القصص ٢٧].
* يُستفاد من هذه الآية الكريمة: نُصْح هذا الوالد لبناته؛ لأنها لما وصفته بالأمانة والقوة اختاره، وهكذا ينبغي للإنسان أنه يختار لبناته مَن يتصف بالقوة والأمانة.
* ويُستفاد من هذا: جواز خِطبة الزوج، يعني أنك أنت تخطب الزوج لبنتك، مع أن العادة العكس، لكن هذا جائز، ويدل له أيضًا أن أمير المؤمنين (...) تعدى على نشاطه من أنه كان يسمع النبي ﷺ يذكرها، فلم يشأ أن يتقدم بين يديه، تعرفون، ثم خطبها النبي ﷺ[[أخرج الطبراني في الكبير (١٠٣٠٥) عن عبد الله بن مسعود، عن رسول الله ﷺ قال: «إن الله أمرني أن أزوج فاطمة من علي».]]. المهم أن خطبة الإنسان الرجل لابنته، هذا أمر مشروع ومعروف فيما سبق وفي هذه الأمة.
* ويستفاد من هذا أيضًا: كرم هذا الرجل، ووجهه أنه خَيَّر موسى، خَيَّره بالبنتين، قال: اختر إحداهما. وهذا من الكرم؛ لأنه في الحقيقة أن التخيير أوسع للإنسان وأطيبُ لنفسه بحيث يختار ما يراه أنسب. لكن لو قال: إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ هذه البنت، فقد يكون الرجل لا رغبة له فيها، أما ﴿إِحْدَى ابْنَتَيَّ﴾ فالتخيير يدل على الكرم، وأنه جعله في سَعَة.
* ويستفاد من ذلك: جواز العقد على المبهمة إيجابًا، لا قَبُولًا، يعني معناه أنه يقول: زوجتك إحدى ابنتي، فيقول الزوج: قبلت نكاح فلانة. وهذه المسألة لها ثلاث صور: إما أن يحصُل التعيين بالإيجاب والقبول، فيقول: زوجتك بنتي عائشة، فيقول: قبلت، هذا.
* طالب: فيه خلاف.
* الشيخ: لا، ما فيه خلاف، هذا تعيين في الإيجاب وفي القبول، فالإيجاب: الولي قال: زوجتك بنتي عائشة، عَيَّنها، والزوج قال: قبلت زواج هذه المرأة.
وإما أن يكون الإبهام في الإيجاب والقبول، فلا يصح، مثل أن يقول: زوجتك إحدى ابنتيّ، فيقول: قبلت نكاح إحداهما. فهنا لا يجوز، لا ينعقد النكاح؛ لأننا ما ندري أيتهما التي انعقد نكاحها.
وإما أن يكون التعيين في الإيجاب دون القبول، فيقول مثلًا: زوجتك بنتي عائشة، فيقول الزوج: قبلت نكاحَ إحدى بناتك، أيش الحكم؟
* طالب: لا يجوز.
* الشيخ: لا يجوز، لا ينعقد.
بقينا في الصورة الرابعة، قلنا: ثلاث صور، والواقع أنها أربع صور.
الصورة الرابعة أن يقول: زوجتك إحدى بناتي، فيقول: قبلت نكاح فلانة، يُسَمِّيها، فهنا الإبهام في الإيجاب، والتعيين في القبول، فهل يصح ولَّا ما يصح؟
* طالب: يَصح.
* الشيخ: المذهب: لا يصح؛ لأنه لا بد أن يكون التعيين في الإيجاب والقبول، ولكن الذي يظهر أنه يصح؛ لأنه لما قال: زوجتك إحدى بناتي، فقال: قبلت عائشة، معناه حصل التعيين ولَّا لا؟ حصل، لكن الموجِب اللي هو الولي أراد أن يفسح له المجال في الاختيار، فهذا الظاهر صحة العقد، لا سِيَّمَا إذا قال: زوجتك إحدى بناتي هؤلاء، وعَيَّنَهم، وقال: قبلت عائشة، وهي من المعينات، فهذا أيضًا أقرب إلى الصِّحة؛ لأنه هنا حصل تعيين بأي شيء؟ بالإشارة، ثم عَيَّن واحدةً منهن بالقبول. هل نقول: في القصة هذه دليل على هذه المسألة؟ ﴿إِحْدَى ابْنَتَيَّ﴾ [القصص ٢٧]، وموسى على كل حال بيقبل إحداهما، هو قبل (...)، فهل في القصة دليل؟
* طالب: لا، ما فيها دليل.
* الشيخ: لماذا؟
* الطالب: حصلت قبل أن يكون نبيًّا.
* الشيخ: ولأنه لم يعقد، قال: ﴿أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ﴾ [القصص ٢٧]، يعني: فتخير، وربما يكون العقد وقع بعد ذلك عقد جديد، وقد تقدم لنا قبل قليل أن الإرادة للشيء غيرُ فعل الشيء.
هل يستفاد من هذه الآية الكريمة أن الزوج يملك العقد على ابنته بدون رضاها؟
* طالب: الأب.
* الشيخ: قصدي الأب إي، الأب يملك العقد على ابنته بدون رضاها؟
* طالب: نعم يجوز.
* الشيخ: اصبر، الآية ما فيها دليل، الآية نفسها ما فيها دليل؛ إذ من الممكن أن يكون الأب قد استأذن منهما قبل ذلك، أو أنه فَهم منهما الرضا لكونها عَرضَتْ عليه ووصفتْه بالقوة والأمانة. وعلى كل تقدير، حتى لو فرضنا احتمال أنه لم يستأذن، فإن شريعتنا وردت بخلاف ذلك: أنه لا يجوز للإنسان أن يُزوِّج ابنته بدون رضاها، وأن العقد إذا زَوَّج ابنته بدون رضاها يعتبر باطِلًا ليس بصحيح.
* ويستفاد من الآية الكريمة: جواز اشتراط الأب شيئًا من الصَّداق له، يجوز؟ جائز ولَّا لا؟
* طالب: في شرع من يا شيخ؟
* الشيخ: لا، نريد: هل يستفاد من الآية أنه يجوز للأب أن يشترط شيئًا من المهر له؟
* طالب: (...).
* الشيخ: الغنم لمن هي؟
* الطالب: للأب.
* الشيخ: للأب، ورعيها؟
* الطالب: له.
* الشيخ: له، وهنا بِيزَوِّجه على أن يأجره ثماني حجج برعي الغنم، فيكون فيه دليل على أنه يجوز أن يَشترِط الأبُ مهر ابنته له. وهذا فيه إشكال بالنسبة لشريعتنا؛ لأن الله يقول: ﴿وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ﴾ [النساء ٤]، وقال: ﴿فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ﴾ [البقرة ٢٣٧]. وهاتان الآيتان تدلان على أن المهر لمن؟ للزوجة، وهي التي تملك التصرف فيه بالعفو والإعطاء، وليس للأب حق في ذلك، وهو الذي دلت عليه السنة أيضًا: أن ما كان من شرط أو حِبَاء قبل العقد فهو للزوجة، وما كان بعده فأحق ما يُكرم عليه المرء ابنته وأخته[[أخرج أبو داود (٢١٢٩) عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: قال رسول الله ﷺ: «أيما امرأة نكحت على صداق أو حباء أو عدة، قبل عصمة النكاح، فهو لها، وما كان بعد عصمة النكاح، فهو لمن أعطيه، وأحق ما أكرم عليه الرجل ابنته أو أخته». ]].
فالمهر الذي قبل العقد كله يجب أن يكون للزوجة، وهذا القول هو الصحيح: أن المهر لمن؟ للزوجة، لا يُشاركها فيه أحد؛ لأنه في مُقَابلة بضعها، فيكون لها، وليس للأب أن يشترط منه لنفسه شيئًا، نعم للأب إذا ملكته الزوجة أن تملك.
* طالب: تعطيه.
* الشيخ: لا، هي لم تعطه، تعطيه (...) أن يتملك منها؛ لأن الأب له أن يتملك من مال ولده ما لا يحتاجه ولا يضره؛ لقول النبي ﷺ: «أَنْتَ وَمَالُكَ لِأَبِيكَ»[[أخرجه ابن ماجه (٢٢٩١) من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما. ]]، فأما أن يشترط منه شيئًا لنفسه فكَلَّا، فإن الشرع لا يُجيزه، وهو أيضًا سبب للفساد وملاحظة الأب للمهر، يبغي يزوِّج من يشترط له أكثر، وإن لم يكن كفئًا، ويمنع من لا يشترط له، وإن كان كفئًا فالمصلحة والشرع كلاهما يقتضي أنه لا يجوز للأب أن يشترط لنفسه شيئًا من المهر.
طيب والأم والأخ؟
* طالب: من باب أولى.
* الشيخ: من باب أولى، الآن البادية -والعياذ بالله- على خلاف هذا، يَشترِط الأب له شيئًا، والأم شيئًا، والأخ شيئًا، والمُرضعة شيئًا، والكلب شيئًا، والحمار اللي عندهم شيئًا... وهكذا، ويبقى للمرأة ما من المهر مثل ما للحمار والكلب، فهذا ما يجوز، حرام، يجب أن يكون المهر كله لمن؟ للزوجة، ولا لأحدٍ عليه سلطة، إلا الأب فله سلطة عليه، متى؟
* طالب: بعدما تملكه.
* الشيخ: بعدما تَملِكه، ويدخل في مُلكها، فللأب أن يتملك من مال ولده ما لا يضره ولا يحتاجه.
طيب هذه الآية استدل بها بعض العلماء على أنه يجوز للإنسان أن يشترط من مهر ابنته شيئًا، المهرَ كلَّه أو بعضَه. نقول له: لا يصح هذا؛ لأن شرعنا ورد بأيش؟
* طالب: بخلافه.
* الشيخ: بخلافه، استدل به بعض العلماء أيضًا على أنه يجوز أن يكون المهر منفعة تستحلها الزوجة من زوجها، يعني أن يكون يعمل لها بناء، يبني لها بيتًا، يأتي لها بشيء غائب، والاستدلال واضح ولَّا لا؟
* طالب: (...).
* الشيخ: لأن رعي الغنم منفعة عنها؛ إذ لو لم يرعها موسى مَن يقوم برعيها؟ هاتان البنتان، فهو في الحقيقة منفعة لها. ثم إن شرعنا ورد بوفاقه، قال النبي عليه الصلاة والسلام للرجل الذي لم يجد عنده شيئًا: «زَوَّجْتُكَهَا» » بأيش؟ «بِمَا مَعَكَ مِنَ الْقُرْآنِ»[[متفق عليه؛ البخاري (٥٨٧١) ومسلم (١٤٢٥/ ٧٦) من حديث سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنهما. ]]، وهذا منفعة. لكن لو اشترطَت عليه أن يخدمها، أن يكون مهرها خدمتها، مثلًا هذه امرأة عجوز كبيرة خطبها إنسان ما عنده مال أو عنده مال، وقالت: المهر أنك تخدمني، تشيلني مثلًا لأتوضأ، وكذلك أيضًا (...) حذائي وتغسل ثوبي وما أشبه ذلك، يجوز ولَّا لا؟
* طالب: لا يجوز.
* الشيخ: فيه خلاف بين أهل العلم، منهم من يقول: إنه لا يجوز؛ لأن مقام الزوج أن يكون أعلى من مقام الزوجة، فإن الزوج سيد كما قال الله تعالى: ﴿وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ﴾ [يوسف ٢٥]، والزوج رجل، فهو قوَّام على المرأة: ﴿الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ﴾ [النساء ٣٤]، والمرأة أسير عند الزوج، أسيرة: «اتَّقُوا اللهَ فِي النِّسَاءِ فَإِنَّهُنَّ عَوَانٌ عِنْدَكُمْ»[[أخرجه الترمذي (١١٦٣) من حديث عمرو بن الأحوص رضي الله عنه بلفظ «ألا واستوصوا بالنساء خيرا، فإنما هن عوان عندكم». ]]، وإذا قلنا: إنه يجوز أن يكون المهر خدمتها انعكست القضية، صار الأعلى هو الأسفل، فلا يجوز. ولكنَّ المذهب جوازُ ذلك، مذهبنا جواز هذا الشيء؛ لأنها منفعة، وكما يجوز أن تتزوجه على أن يبني بيتها ويرعى غنمها، فكذلك أن يقوم بخدمتها، والتعليل هذا لا يمنع، نعم، يكون زوج يخدمها فيما اشترطت عليه، وتخدمه فيما يجب عليها، فتكون خادمة مَخدُومة، كحرف الجر يعمل فيه الفعل وهو يجر الاسم، هو عامل معمول.
* طالب: (...)؟
* الشيخ: يمكن عندها مال ويترقب أنها تموت قبله ويرثها!
* الطالب: نعم (...).
* الشيخ: المهم.
* الطالب: قد يموت هو قبلها؟
* الشيخ: نعم، قد يموت قبلها، لكن حسب الحال، هذا رجل شاب وفقير، وهذه امرأة عجوز كبيرة عندها أموال عظيمة وقال: ربما إنها تموت قبلي فأرثها، ما يخالف أنا أخدمها.
* طالب: شيخ.
* الشيخ: نعم.
* الطالب: جواز اشتراط الأب.
* الشيخ: وقد يكون أيضًا لغير هذا السبب، قد يكون لرفع حسبه؛ أن هذه امرأة مثلًا من قبيلة مشهورة ويحب أن يرتفع حسبه؛ لأنه عند الناس مثلًا قد يكون عند الناس غير قبيلي، فإذا تزوج هذه المرأة المعروفة بأنها من قبيلة معينة عُلِم بذلك، المهم فيه اعتبار.
* الطالب: جواز اشتراط الأب شيئًا من مهر ابنته.
* الشيخ: نعم.
* الطالب: ما هو يرد عليه أنه (...)؟
* الشيخ: (...) ما هو بصحيح، لأن غنمها الآن إذا تزوجت المرأة (...) لزوجها الرعي تضيع الغنم، المهم الحمد لله أنه في شرعنا يخالف هذا لا يجيزه.
* ويستفاد من هذه الآية: أنه يجوز أن يجعل الإنسان العمل عملين؛ عملًا واجبًا وعملًا تبرعًا، يجوز؟ يعني يقول: أبغي أستأجر منك هذه السيارة عشر سنوات، واثنتا عشرة سنة من عندك، يجوز ولَّا لا؟ يجوز، ما فيه مانع، يقول: أؤجر لك بيتي خمس سنين هذه المدة (...) خمس سنوات، والسنة السادسة تبرُّع: إن شئتُ أعطيتك إياها وإن شئت طَلَّعْتك، فلا بأس به.
ونظيره من بعض الوجوه أن يقول القائل لشخص: خذ هذا الشيء بعه بمئة، وما زاد فلك، فإن هذا جائز بشرط أن يكون عند كل من الطرفين معرفة بالسعر، لئلا ينخدع أحدهما، أخذتم بالكم؟ واحد مثلًَا عنده حاجة يبغي يبيعها، وجاء إلى الدلَّال وقال: خذ هذه الحاجة بعها بمئة وما زاد فهو لك، يجوز؟ نقول: نعم جائز، يبيعها بمئة وعشرين يأخذ عشرين، بمئة وخمسة يأخذ الخمسة، بمئة وعشرة يأخذ العشرة، ولكنه يُشترط في هذا أن يكون لدى كلٍّ من الوكيل والمُوَكِّل علمٌ بالسعر، لئلا ينخدع أحدهما. أفهمتم يا جماعة؟
* طالب: أي سعر؟
* الشيخ: سعر هذه السلعة، يعرف أنها مثلًا تساوي مئة قد تزيد قليلًا وقد تنقص قليلًا، أما أنه ما يدري، ويش تسوى؟ يقول: بعه بمئة، يقوم يروح ذاك يبيعها بأربع مئة مثلًا، يكون سعرها أربع مئة وهو ما يدري، أو يكون مثلًا يعرف أن سعرها ما تساوي خمسين، والوكيل ما يدري، مَن الذي يغتر هنا؟ الوكيل، وفي المسألة الأولى المُوكِّل (...)؟
* طالب: إي نعم.
* الشيخ: زين.
* الطالب: طيب، لو الوكيل إذا شرط (...)؟
* الشيخ: إي معلوم.
* الطالب: الإعلال على ظاهره.
* الشيخ: المهم أنه إذا صار السعر معروفًا، أنها هي قيمتها من المئة تزيد قليلًا أو تنقص قليلًا ما يخالف، يعرفون هذا، لكن إذا قُدر أن الوكيل ما يدري عن السعر، والمُوكِّل يدري أن ها السلعة ما يمكن تصل إلى المئة، وجاء يبغي (...) ها الرَّجَّال قال: تعال خذ هذه بعها بمئة والزود لك، ذاك ما يدري المسكين يحسب أنها بتجيب أكثر من مئة، فأخذها وتعب في الحراج عليها وباعها، ما بيعت إلا بثمانين أو بتسعين مثلًا، يكون في هذا؟
* الطالب: غرر على المُوَكِّل.
* الشيخ: على الوكيل.
* الطالب: إي، على الوكيل.
* الشيخ: على الوكيل. وبالعكس: إذا كان المُوَكِّل ما يعرف ويش القيمة، نعم، وقال له الوكيل: أنا ببيعها لك بمئة واللي يزيد لي. هذا بحسب أنه (...)، فوافق على هذا فإننا نقول: لا يجوز؛ لأن فيه تغريرًا بمن؟ بالمُوَكِّل.
* ويستفاد من هذه الآية: حُسن معاملة صاحب مدين من وجهين؛ أولًا: أنه فسح له في الأجل، ويش قال؟ ﴿ثَمَانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِنْدِكَ﴾ [القصص ٢٧]. وثانيًا: أنه وعده بالتيسير في المعاملة؛ حيث قال: ﴿وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ﴾، فهذان دليلان على أنه كان سمحًا في معاملته.
* ويستفاد من قوله: ﴿سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ﴾ أنه لا ينبغي للمرء أن يَعْزِم على فعل الشيء إلا مقرونًا بالمشيئة؛ لقوله: ﴿سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ﴾، بل إن الله سبحانه وتعالى نهى نبيه أن يعزِم على فعل الشيء بدون قرنه بالمشيئة، فقال تعالى: ﴿وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا (٢٣) إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ﴾ [الكهف ٢٣، ٢٤].
والقرن بالمشيئة يا جماعة فيه فائدتان:
الفائدة الأولى: تفويض المرء الأمرَ إلى الله، وهذا هو تحقيق التوكل.
والثاني: تيسير الأمر له، ولهذا قال النبي عليه الصلاة والسلام في قصة سليمان: «لَوْ قَالَ: إِنْ شَاءَ اللَّهُ لَمْ يَحْنَثْ، وَكَانَ دَرَكًا لِحَاجَتِهِ»[[متفق عليه؛ البخاري (٦٧٢٠) ومسلم (١٦٥٤/٢٣) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. ]]، فهمتم يا جماعة؟ وترى هذا إذا كان الإنسان يريد أن يُخبِر عن الفعل، أما إذا كان يريد أن يُخبر عن عزيمته على الفعل فلا يلزمه قوله: إن شاء الله، إذا كان يخبر عن العزيمة أنه سأفعل غدًا، يعني هذه نيتي وعزيمتي، فإنه لا يلزمه القرن بالمشيئة، ليش؟ لأن العزيمة حاصلة، فقد شاءها الله، وإذا كانت حاصلة وقد شاءها الله ما حاجة أن يقول: إن شاء الله؛ لأن الله شاءها.
ففرق بين أن يقول الإنسان: سأزورك غدًا، وهو يريد وقوع الفعل، وبين أن يقول: سأزورك غدًا، وهو يريد أن يخبر عما في قلبه من النية والعزيمة. هل ما بينهما فرق؟
بينهما فرق، ففي الأولى لا بد أن يقول: إن شاء الله، وفي الثانية لا يحتاج أن يقول: إن شاء الله، والفرق بينهما أن العزيمة أمر واقع، وأما الفعل فأمر مُسْتَقبَل قد يقع وقد لا يقع.
* طالب: لكن ما يُستحب في العزيمة؟
* الشيخ: ما أظن، ما يستحب، إلا إذا كان على سبيل التعليم فلا بأس، كما قال الرسول عليه الصلاة والسلام: «وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللهُ بِكُمْ لَاحِقُونَ»[[أخرجه مسلم (٩٧٥/١٠٤) من حديث بريدة بن الحصيب رضي الله عنه. ]] مع أنه محقق، وقال الله تعالى: ﴿لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ﴾ [الفتح ٢٧].
* ويستفاد منه، من قوله: ﴿سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ﴾ [القصص ٢٧]، يستفاد منه: أن صاحب مدين مؤمن؛ لأن مثل هذه الصيغة ما تأتي إلا من مؤمن ملتزم بالشريعة ﴿سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ﴾.
* ويستفاد منها: أن الصلاح في كل موضع بحَسَبه، ففي العبادة ويش الصلاح في العبادة؟
* طالب: الإخلاص والمتابعة.
* الشيخ: إي، القيام بما يجب من الإخلاص والمتابعة لله وترك المنهيات وفعل المأمورات، والصلاح في المعاملة: الوفاء بما يقتضيه العقد، هذا الصلاح في المعاملة: الوفاء بما يقتضيه العقد.
هنا ﴿سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ﴾، أي الأمرين أليق؛ صلاح العبادة ولَّا المعاملة؟
* طالب: لا، المعاملة.
* الشيخ: المعاملة؛ لأن المسألة جاءت تعقيبًا على عقد.
قال الله تعالى بعده: ﴿قَالَ ذَلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلَا عُدْوَانَ عَلَيَّ وَاللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ﴾ [القصص ٢٨].
* يستفاد من هذه الآية: أن العقود ليس لها صيغ معينة، فتنعقد بما دل عليها، العقود تنعقد بما دل عليها، وكذلك الفسوخ، وكذلك الولايات، كل التصرفات من عقود وفسوخ وولايات فإنها تكون تنعقد بما دل عليها، فإنها تصح، ما هو بتنعقد، تصح بما دل عليها، فهمتم؟ ولا يُشترَط لها لفظ معين، ما يُنسب لها لفظ معين، بل تُجرَى على ما يتعارفه الناس بينهم، حتى عقد النكاح؟
* طالب: نعم.
* الشيخ: حتى عقد النكاح على القول الراجح، ما يُشترط له صيغة معينة، يقول: زوجتك، لو قال: زوجتك، أنكحتك، ملكتك، جوزتك، عقدتُ لك على بنتي، كل هذا يَنعقِد به النكاح، ما دام أن الأمر معروف في عُرف الناس أن هذه الكلمة تدل على هذا العقد، فهمتم؟
الأوقاف، الوقف والسبيل وما أشبه ذلك، مثله؟
* طالب: نعم.
* الشيخ: تسبيل الإنسان بيته مثلًا مثله، ينعقد بما دل عليه، فإذا كان الأمر مُحتمِلًا لأن يَدُل على العقد أو لا يدل، حينئذٍ نرجع إلى اللفظ اللغوي؛ لأنه إذا لم يكن هناك عُرْف رجعنا إلى الحقيقة اللغوية، كما ذكروا في الأَيمان وغيرها، فإذا كان هذا اللفظ إن قال: والله الناس أحد يريد به هذا وواحد ما يريد، نرجِع إلى مقتضاه في اللغة العربية ما لم يكن بين المتعاقدَين نية مُسبقة بأنهما يريدان هذا العقد، فإذا كان بينهما نية معروفة واتفقا عليها عُمِل بها.
الفقهاء رحمهم الله استثنوا بعض العقود وجعلوا لها صيغًا مُعينة، النكاح قالوا: ما ينعقد إلا بلفظ: زوجتك أو أنكحتك، فلما قيل لهم: «إن النبي ﷺ تزوَّج صَفِيَّةَ وجعل عِتْقَها صَدَاقَها»[[متفق عليه؛ البخاري (٥٠٨٦) ومسلم (١٣٦٥/٨٥) من حديث أنس رضي الله عنه.]]؛ قال: أعتقتُكِ وجعلتُ عِتقَكِ صَدَاقَكِ، قالوا: هذه المسألة تُستثنَى، فيقال لهم: ما الدليل على الاستثناء؟ بل هذه المسألة تدل على أن النكاح ينعقد بما دل عليه.
منين أخذنا من هذه الآية أن العقود تنعقد بما دل عليها؟
من قوله: ﴿ذَلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ﴾ [القصص ٢٨]، ما قال: قبلت النكاح، ولا قال: قبلت الإجارة، ولا شيء، ﴿ذَلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ﴾.
* ويستفاد من إشارة قوله: ﴿بَيْنِي وَبَيْنَكَ﴾: أن العقود عهود في الحقيقة، وهو كذلك؛ لأن كل إنسان يعقد مع شخص فقد التزم ألا يخونه، والتزم أن يفيَ له بمُقتضى هذا العقد، فيكون بذلك عهدًا. في سورة الإسراء يقول الله تعالى: ﴿وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا﴾ [الإسراء ٣٤]، قبل هذه الآية (...) أيش يقول؟
* طالب: ﴿وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾ [الإسراء ٣٤].
* الشيخ: إي، ﴿وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا﴾ [الإسراء ٣٤]. الولاية على اليتيم نوع من العقد، وجعلها الله تعالى عهدًا، فقال: ﴿وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا﴾.
* ويستفاد من الآية الكريمة: أن موسى ﷺ قبِل ما جعله له صاحبُ مدين من اختيار أحد الأجلينِ، حينما قال: ﴿أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلَا عُدْوَانَ عَلَيَّ﴾ [القصص ٢٨]. وبقي العقد مفتوحًا ولَّا معينًا؟ مفتوحًا، يعني: إن أتممت العشر ما تقول لي: روح اطلع عني، ما تعتدي علي بإخراجي من بيتي وطردي عن عملي إن أردت العشر، وإن أوفيتُ بالثمان ما تلومني وتقول: هذا الرجل ما وفى. وهذا معنى قوله: ﴿فَلَا عُدْوَانَ عَلَيَّ﴾، يعني: لا اعتداء علي، إن أتممتُ ما تقول: اطلع، خلاص كمل الثماني، روح في أمان الله، وإن اقتصرتُ على الثماني ما تقول: هذا الرجل ما وفى وتكلم فيَّ بين الناس فلا تعتد علي. وهذا في الحقيقة يتوجه؛ لأنه ربما يسأل سائل ويقول: كيف يقول: ﴿أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلَا عُدْوَانَ عَلَيَّ﴾؟ كيف يسري عليه عدوان والرجل وفَى بما عاهد عليه؟
نقول: ربما أنه يكون عدوان، بمعنى أنه إذا أراد الإتمام للعشر يقول له: لا (...)، أو أنه إذا اقتصر على التمام يبدأ يتكلم به في المجالس. والمؤلف يقول: (﴿فَلَا عُدْوَانَ عَلَيَّ﴾ بطلب الزيادة عليه)، وهذا تقدم أنه ما هو بصحيح؛ لأن أصل طلب الزيادة غير وارد.
* ويستفاد من الآية الكريمة: أن الله سبحانه وتعالى حفيظ على كل أحد؛ لقوله: ﴿وَاللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ﴾ [القصص ٢٨].
* ويستفاد منه: جواز تخصيص العموم لغرض، يعني: جواز تعليق الشيء العام بأمر خاص بغرض.
من أين يؤخذ؟
* طالب: ﴿عَلَى مَا نَقُولُ﴾.
* الشيخ: من قوله: ﴿عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ﴾؛ فإن هذا يقتضي تخصيص وكالة الله سبحانه وتعالى بما قالاه فقط. ولكن الأمر ليس كذلك، إنما خُصِّص هذا لغرض العناية به.
هل يستفاد منه جواز إشهاد الله على العقد والاقتصار عليه؟
* طالب: لا.
* الشيخ: ﴿وَاللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ﴾؟
* طالب: لا يا شيخ (...).
* الشيخ: لا، الشهادة لله، نقول: تشهد لله لا لغرض آخر.
هي في الحقيقة شرعًا ما يُكتفى به، لكن باطنًا فيما بينهما وبين الله يُكتفى به، وفائدة ذلك إذا أشهد الله أو جعله الوكيل الحفيظ المراقب، فائدته كأنه يقول: ينتقم الله تعالى ممن نقض العهد، ويكون هذا فيه عُرضة عظيمة للعقوبة عند نقض هذا العقد. لاحظ أنك إذا جعلت الله شاهدًا ثم خنت، فهذه استهانة بالله ولَّا لا؟
* طالب: نعم.
* الشيخ: استهانة بالله، مثل ما لو جعلت واحدًا من المخلوقين شاهدًا ثم خنت، فهذا استهانة بشهادته وتحدٍّ لله.
* طالب: الله شاهد لو ما قيل: إنه شاهد.
* الشيخ: إي، لكن استشهاده أعظم، وإلا الله شاهد سواء قلنا ولَّا ما قلنا، لكن استشهاده أعظم، والتزام الإنسان بمقتضى هذه الشهادة يكون أعظم، فيكون إذن فيه التوكيد للعقد ولَّا لا؟ إذا قلنا: الله شاهد علينا (...) أن الله سبحانه وتعالى هو الشاهد، إذا وافق هذا يكون أبلغ في التأكيد؛ لأن مخالفته عُرضة للعقوبة، ولهذا قَلَّ من يحلف بالله كاذبًا إلا أُصيب، كل إنسان يحلف بالله كاذبًا في (...) فإنه يصاب في الدنيا قبل الآخرة، في الآخرة إصابته واضحة، وهو أنه يلقى الله وهو عليه غضبان والعياذ بالله، لكن الغالب أنه سبحان الله تُعجل له العقوبة في الدنيا.
والقصص على هذا كثيرة: حدثني إنسان أنه كان بينه وبين شخص في الخَرْج خصومة، فتخاصموا عند القاضي، وأنكر حقه وحلف المُدَّعى عليه، لكنه في اليوم التالي خرَج هو وعائلته إلى الرياض، فحصل عليهم حادث، وماتت العائلة كلها، ما بقي إلا هو، أعوذ بالله، وهذا واضح، عقوبة معجلة والعياذ بالله.
وقد ذكر بعض السلف أن اليمين الغموس تدع الديار بلاقِع، بلاقع يعني: خالية من أهلها، تدمر وتهلك والعياذ بالله.
(...)
وإنما قال المؤلف: (أي رعيه)؛ لأن نفس الأجل -وهو الزمان- ليس بيد موسى، بل الذي بيده هو الرعي، يرعى. لما قضى الرعي في أجله، و﴿قَضَى﴾ [القصص ٢٩] بمعنى: فرغ، قال الله تعالى: ﴿فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ﴾ [فصلت ١٢]، أي: فرغ منهن.
{"ayahs_start":24,"ayahs":["فَسَقَىٰ لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّىٰۤ إِلَى ٱلظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّی لِمَاۤ أَنزَلۡتَ إِلَیَّ مِنۡ خَیۡرࣲ فَقِیرࣱ","فَجَاۤءَتۡهُ إِحۡدَىٰهُمَا تَمۡشِی عَلَى ٱسۡتِحۡیَاۤءࣲ قَالَتۡ إِنَّ أَبِی یَدۡعُوكَ لِیَجۡزِیَكَ أَجۡرَ مَا سَقَیۡتَ لَنَاۚ فَلَمَّا جَاۤءَهُۥ وَقَصَّ عَلَیۡهِ ٱلۡقَصَصَ قَالَ لَا تَخَفۡۖ نَجَوۡتَ مِنَ ٱلۡقَوۡمِ ٱلظَّـٰلِمِینَ","قَالَتۡ إِحۡدَىٰهُمَا یَـٰۤأَبَتِ ٱسۡتَـٔۡجِرۡهُۖ إِنَّ خَیۡرَ مَنِ ٱسۡتَـٔۡجَرۡتَ ٱلۡقَوِیُّ ٱلۡأَمِینُ","قَالَ إِنِّیۤ أُرِیدُ أَنۡ أُنكِحَكَ إِحۡدَى ٱبۡنَتَیَّ هَـٰتَیۡنِ عَلَىٰۤ أَن تَأۡجُرَنِی ثَمَـٰنِیَ حِجَجࣲۖ فَإِنۡ أَتۡمَمۡتَ عَشۡرࣰا فَمِنۡ عِندِكَۖ وَمَاۤ أُرِیدُ أَنۡ أَشُقَّ عَلَیۡكَۚ سَتَجِدُنِیۤ إِن شَاۤءَ ٱللَّهُ مِنَ ٱلصَّـٰلِحِینَ","قَالَ ذَ ٰلِكَ بَیۡنِی وَبَیۡنَكَۖ أَیَّمَا ٱلۡأَجَلَیۡنِ قَضَیۡتُ فَلَا عُدۡوَ ٰنَ عَلَیَّۖ وَٱللَّهُ عَلَىٰ مَا نَقُولُ وَكِیلࣱ"],"ayah":"قَالَتۡ إِحۡدَىٰهُمَا یَـٰۤأَبَتِ ٱسۡتَـٔۡجِرۡهُۖ إِنَّ خَیۡرَ مَنِ ٱسۡتَـٔۡجَرۡتَ ٱلۡقَوِیُّ ٱلۡأَمِینُ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق