الباحث القرآني
قوله تعالى ذكره: ﴿فَجَآءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى ٱسْتِحْيَآءٍ﴾، إلى قوله: ﴿لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ﴾،
أي فجاءته موسى إحدى المرأتين تمشي على استحياء.
قيل: أتته مستترة بكم ذرعها، واضعة يدها على وجهها.
وقيل: على استحياء منه، وفي الكلام حذف. والتقدير: فذهبتا إلى أبيهما قبل وقتهما، فخبرتاه بخبر موسى وسقيه، فأرسل وراءه بإحداهما فجاءته تمشي على استحياء، فقالت له: ﴿إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ﴾، أي ليثيبك أجر سقيك غنمنا.
﴿فَلَمَّا جَآءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ ٱلْقَصَصَ﴾، أي فمضى موسى معها، فلما جاءه وأخبره خبره مع فرعون وقومه من القبط، قال له شعيب: ﴿لاَ تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ ٱلْقَوْمِ ٱلظَّالِمِينَ﴾، ولم يكن لفرعون يومئذ سلطان على مدين وناحيتها.
وقيل: إنه لم يكن شعيباً، إنما كان مؤمناً جد أهل ذلك الماء والأول أشهر، وفيه اختلاف سنذكره.
قال ابن عباس: استنكر شعيب سرعة صدورهما بغنمهما، فقال: إن لكما اليوم لشأناً، فأخبرتاه الخبر، فأرسل إحداهما خلفه.
قال السدي: أتته تمشي على استحياء منه فقالت له:
* * *
﴿إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا﴾، فقام معها، وقال لها: امشي فمشت بين يديه، فضربتها الريح، فنظر إلى عجيزتها، فقال لها موسى: امشي خلفي ودليني على الطريق إن أخطأت، فلما جاء الشيخ، وقص عليه خبره قال له: ﴿لاَ تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ ٱلْقَوْمِ ٱلظَّالِمِينَ﴾.
وروي: أنه قال لها: إنا لا ننظر في أدبار النساء، فأخبرت أباها بقوله.
قال مالك: مشى خلفها ثم قال لها: امشي خلفي، فإني عبراني لا أنظر في أدبار النساء، فإن أخطأت فصفي لي الطريق، فمشى بين يديها وتبعته، ثم قالت إحداهما لأبيها ﴿يٰأَبَتِ ٱسْتَأْجِرْهُ﴾، أي لرعي غنمك، والقيام عليها ﴿إِنَّ خَيْرَ مَنِ ٱسْتَأْجَرْتَ ٱلْقَوِيُّ ٱلأَمِينُ﴾.
وروي عن ابن عباس: أنه قال: لما قالت له ﴿ٱلْقَوِيُّ ٱلأَمِينُ﴾ اختطفته الغيرة فقال لها أبوها: وما يدريك ما قوته، وأمانته؟ فقالت له: أما قوته فما رأيت منه حين سقى لنا لم أر رجلاً ، قط أقوى في ذلك السقاء منه، وأما أمانته فإنه نظر حين أقبلت إليه، وشخصت له، فلما علم أني امرأة صوب برأسه فلم يرفعه، ولم ينظر إلي حين بلغته رسالتك، ثم قال لي: امشي خلفي، وانعتي لي الطريق، فلم يفعل ذلك إلا وهو أمين، فسري عنه وصدقها، فمعناه القوي على حفظ ماشيتك وإصلاحها، الأمين عليها، فلا تخاف منه فيها خيانة.
وقيل: إنه رفع عن البئر حجراً لا يرفعه إلا فئام من الناس، فتلك قوته. قاله مجاهد.
وقيل: استقى بدلو لم يكن يرفعه إلا جملة من الناس.
واسم إحدى المرأتين "ليا" والأخرى "صفور" وهي امرأة موسى، وهي الصغيرة.
وقيل: اسمها صوريا.
قال ابن إسحاق: اسم إحداهما صقورة والأخرى شرقا.
ويقال: ليا، واختلف في أبيهما. فقال الحسن: يقولون هو شعيب النبي ﷺ.
وقال أبو عبيدة: هو بيرون بن أخي شعيب.
وعن ابن عباس: أن اسمه يثرى.
* * *
ثم قال تعالى: ﴿قَالَ إِنِّيۤ أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ٱبْنَتَيَّ هَاتَيْنِ﴾.
أي قال أبو المرأتين لموسى: إني أريد أن أزوجك إحدى ابنتي هاتين ﴿عَلَىٰ أَن تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ﴾، أي على أن تثيبني من تزويجكها رعي ماشيتي ثماني سنين، فجعل صداقها خدمته ثمانية أعوام، وقد استشهد بعض العلماء على أن الاختيار أن يقال في الصدقات أنكحه إياها بقوله: ﴿أُنكِحَكَ إِحْدَى ٱبْنَتَيَّ﴾، وهو عنده أولى من أنكحها إياه. ومنه قوله تعالى: "زوجناكها" ولم يقل زوجناها إياك. وقد قال مالك: إن من غيره نكاح البكر ما في القرآن، قال الله عز وجل: ﴿إِنِّيۤ أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ٱبْنَتَيَّ﴾ ولم يذكر في هذا استشاراً.
ثم قال له: ﴿فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْراً فَمِنْ عِندِكَ﴾، أي إن زدتني في الخدمة عامين حتى تصير إلى عشر فبإحسان منك، وليس مما اشترطه عليك ﴿وَمَآ أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ﴾، باشتراطي ذلك عليك ﴿سَتَجِدُنِي إِن شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ﴾، أي ستجدني في إتمام ما قلت لك والوفاء به، وفي حسن الصحبة من الصالحين.
وفي هذا النكاح أشياء هي عند أكثر العلماء خصوص لموسى ومن زوجه، من ذلك قوله ﴿إِحْدَى ٱبْنَتَيَّ﴾، ولم يعينها، وهذا لا يجوز إلا بالتعيين. ومن ذلك أن الأجرة لم تعين في خدمة ثمانية أعوام أو عشرة فهذا خصوص لموسى ومن زوجه عند أهل المدينة.
وكذلك النكاح على عمل البدن لا يجوز لأنه غرر، وفيه أنه دخل ولم ينقد شيئاً وقد أجازه مالك إذا وقع، والأحسن أن ينقد شيئاً من جملة الصداق المعلوم المتفق عليه.
* * *
ثم قال تعالى: ﴿قَالَ ذَلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ أَيَّمَا ٱلأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلاَ عُدْوَانَ عَلَيَّ﴾، ما من "أيما" زائدة أي مضافة إلى الأجلين، ومعناه أي قال موسى لأبي المرأتين ذلك واجب علي في تزويجي إحدى ابنتيك، فما قضيت من هذين الأجلين فليس لك علي مطالبة بأكثر منه: ﴿وَٱللَّهُ عَلَىٰ مَا نَقُولُ وَكِيلٌ﴾، هذا من قول أبي المرأة، والتقدير: والله على ما أوجبه كل واحد منا على نفسه شهيد وحفيظ. قال ابن عباس: الجارية التي دعته هي التي تزوج.
قال السدي: أمر أبو المرأتين إحدى ابنتيه أن تعطي موسى عصاً، فأتته بعصاً كان قد استودعها عنده ملك في صورة رجل، فلما رآها الشيخ قال: لا، إيتيه بغيرها، فألقتها تريد أن تأخذ غيرها، فلا يقع في يدها إلا هي، وجعل يرددها فلا يخرج في يدها غيرها، فأعطاها له، فخرج موسى معه فرعى بها، ثم إن الشيخ ندم وقال: كانت وديعة، وخرج يتلقى موسى، فلما لقيه قال: أعطيني العصا، فقال موسى: هي عصاي، فأبى أن يعطيه فاختصما، فرضيا أن يجعلا بينهما أول رجل يلقاهما، فأتاهما ملك يمشي يقضي بينهما، فقال: ضعوها في الأرض، فمن حملها فهي له، فعالجها الشيخ فلم يطقها، وأخذها موسى بيده فرفعها فتركها له الشيخ فرعاها له عشر سنين.
قال ابن عباس: كان موسى أحق بالوفاء.
قال كعب: تزوج موسى التي أتت تمشي على استحياء وقضى أوفى الأجلين.
وقال ابن زيد: قال أبو الجارية لموسى: ادخل ذلك البيت، فخذ عصاً تتوكأ عليها، فدخل موسى، فلما وقف على باب البيت، طارت إليه تلك العصا فأخذها، فقال ، الشيخ: أرددها وخذ أخرى مكانها، فردها ثم ذهب ليأخذ أخرى فطارت إليه كما هي، فقال: أرددها حتى فعل ذلك ثلاثاً، فقال: أرددها، فقال: لا آخذ غيرها اليوم، فالتفت إلى ابنته، فقال: يا بنية إن زوجك لنبي.
قال عكرمة: كان آدم قد خرج بعصا موسى من الجنة، ثم قبضها بعد ذلك جبريل ﷺ فلقي بها موسى ليلاً، فدفعها إليه.
* * *
ثم قال تعالى: ﴿فَلَمَّا قَضَىٰ مُوسَى ٱلأَجَلَ﴾، أي العشر سنين. وروي: أنه زاد مع العشر عشراً. قاله مجاهد، وابن جريج.
وروى ابن عباس أن النبي ﷺ قال: سألت جبريل عليه السلام: أي الأجلين قضى موسى؟ قال: أتمهما وأكملهما. ومعنى ﴿وَسَارَ بِأَهْلِهِ﴾ أي انصرف بامرأته شاخصاً إلى مصر ﴿آنَسَ مِن جَانِبِ ٱلطُّورِ نَاراً﴾، أي أحس وأبصر من جانب الجبل الذي اسمه الطور ناراً ﴿قَالَ لأَهْلِهِ ٱمْكُثُوۤاْ﴾، أي تمهلوا وانتظروا لعلي آتيكم من النار بخبر، أي أعلم لم أوقدت ﴿أَوْ جَذْوَةٍ مِّنَ ٱلنَّارِ﴾، أي قطعة غليظة من الحطب فيه نار لكم. ﴿لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ﴾، أي تتسخنون من البرد الذي بكم.
وروي أن موسى عليه السلام كان رجلاً غيوراً لا يصحب الرفاق، فأخطأ الطريق بالليل للأمر الذي أراده الله، فرأى بالليل ناراً فقال لأهله: أقيموا لعلي آتيكم من عند هذه النار بخبر يدلنا على الطريق ﴿أَوْ جَذْوَةٍ مِّنَ ٱلنَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ﴾، كان بهم برد بالليل، ﴿فَلَمَّآ أَتَاهَا نُودِيَ... يٰمُوسَىٰ إِنِّيۤ أَنَا ٱللَّهُ رَبُّ ٱلْعَالَمِينَ﴾ [القصص: ٣٠]، وأمر أن يلقي عصاه على ما أعلمنا الله به.
{"ayahs_start":25,"ayahs":["فَجَاۤءَتۡهُ إِحۡدَىٰهُمَا تَمۡشِی عَلَى ٱسۡتِحۡیَاۤءࣲ قَالَتۡ إِنَّ أَبِی یَدۡعُوكَ لِیَجۡزِیَكَ أَجۡرَ مَا سَقَیۡتَ لَنَاۚ فَلَمَّا جَاۤءَهُۥ وَقَصَّ عَلَیۡهِ ٱلۡقَصَصَ قَالَ لَا تَخَفۡۖ نَجَوۡتَ مِنَ ٱلۡقَوۡمِ ٱلظَّـٰلِمِینَ","قَالَتۡ إِحۡدَىٰهُمَا یَـٰۤأَبَتِ ٱسۡتَـٔۡجِرۡهُۖ إِنَّ خَیۡرَ مَنِ ٱسۡتَـٔۡجَرۡتَ ٱلۡقَوِیُّ ٱلۡأَمِینُ","قَالَ إِنِّیۤ أُرِیدُ أَنۡ أُنكِحَكَ إِحۡدَى ٱبۡنَتَیَّ هَـٰتَیۡنِ عَلَىٰۤ أَن تَأۡجُرَنِی ثَمَـٰنِیَ حِجَجࣲۖ فَإِنۡ أَتۡمَمۡتَ عَشۡرࣰا فَمِنۡ عِندِكَۖ وَمَاۤ أُرِیدُ أَنۡ أَشُقَّ عَلَیۡكَۚ سَتَجِدُنِیۤ إِن شَاۤءَ ٱللَّهُ مِنَ ٱلصَّـٰلِحِینَ","قَالَ ذَ ٰلِكَ بَیۡنِی وَبَیۡنَكَۖ أَیَّمَا ٱلۡأَجَلَیۡنِ قَضَیۡتُ فَلَا عُدۡوَ ٰنَ عَلَیَّۖ وَٱللَّهُ عَلَىٰ مَا نَقُولُ وَكِیلࣱ","۞ فَلَمَّا قَضَىٰ مُوسَى ٱلۡأَجَلَ وَسَارَ بِأَهۡلِهِۦۤ ءَانَسَ مِن جَانِبِ ٱلطُّورِ نَارࣰاۖ قَالَ لِأَهۡلِهِ ٱمۡكُثُوۤا۟ إِنِّیۤ ءَانَسۡتُ نَارࣰا لَّعَلِّیۤ ءَاتِیكُم مِّنۡهَا بِخَبَرٍ أَوۡ جَذۡوَةࣲ مِّنَ ٱلنَّارِ لَعَلَّكُمۡ تَصۡطَلُونَ"],"ayah":"قَالَتۡ إِحۡدَىٰهُمَا یَـٰۤأَبَتِ ٱسۡتَـٔۡجِرۡهُۖ إِنَّ خَیۡرَ مَنِ ٱسۡتَـٔۡجَرۡتَ ٱلۡقَوِیُّ ٱلۡأَمِینُ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق