الباحث القرآني
﴿فَأَصْبَحَ فِي الْمَدِينَةِ خَائِفًا يَتَرَقَّبُ﴾ [القصص: ١٨].
﴿أَصْبَحَ﴾ أي: موسى، ومعنى (أصبح) أي: دخل في الصباح؛ يعني: باتَ ليلتَه، ولكنَّه في صباحها أصبح خائفًا يترقَّب.
وقوله: ﴿فِي الْمَدِينَةِ﴾، (أل) هنا للعهد الذِّكري؛ لأنه سبق ذكرها.
وقوله: ﴿خَائِفًا﴾ هذا خبر (أصبح)، (أصبح) من أخوات كان، ترفع الاسم وتنصب الخبر، فـ﴿خَائِفًا﴾ خبرُ (أصبح).
وقوله: ﴿يَتَرَقَّبُ﴾ هذا خبرٌ ثانٍ، أو حالٌ من الضمير في ﴿خَائِفًا﴾؛ خائفًا حال كونه يترقَّب. أو: أصبح خائفًا أصبح يترقَّب. فعلى الإعراب الثاني -أنَّها خبر- يكون هذا من باب تعدُّد الخبر مع الاختلاف؛ لأنه يجوز تعدُّد الخبر سواءٌ تعدَّد بلفظ المفرد أو تعدَّد بلفظ الجملة أو تعدَّد بلفظ المفرد والجملة.
وقوله: ﴿يَتَرَقَّبُ﴾ يقول المؤلف: (ينتظر ما يناله من جهة القتيل)؛ لأن هذا القتل إجرام، فكلُّ إنسان يَقتل شخصًا في بلدٍ، يُعتبر هؤلاء الشيعة -شيعة موسى عليه الصلاة والسلام- يُعتبرون مستضعفين، لا بدَّ أن يخاف. وهذا الخوف من طبيعة البشر، وليس خوفَ عبادة، فالخوف نوعان: خوف عبادةٍ يقتضي التقرُّبَ إلى الْمَخُوف والتزامَ طاعته وما أشبه ذلك، وخوفٌ طبيعيٌّ مما يُخاف منه. فالثاني لا بأس به لأنه من طبيعة البشر، لكنَّه يكون مذمومًا إذا أدَّى إلى تَرْك واجبٍ أو فِعْل محرَّم: ﴿إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ [آل عمران ١٧٥].
قال: ﴿فَإِذَا الَّذِي اسْتَنْصَرَهُ بِالْأَمْسِ يَسْتَصْرِخُهُ﴾ [القصص ١٨].
قوله: ﴿فَإِذَا الَّذِي﴾ (إذا) فجائية، يعني: فاجأه في الصباح وهو خائِفٌ يترقَّب، فاجأه أنَّ صاحبه الإسرائيلي الذي استنصره بالأمس، اليومَ يستصرخه. والاستصراخ معناه طلب الإنقاذ من الشِّدة (...).
فهنا عندنا (استغاث) و(استنصر) و(استصرخ)، أيُّها أبلغ؟ (...) الاستصراخ ﴿يَسْتَصْرِخُهُ﴾.
و(الاستنصار) ظاهر الآية الكريمة أنَّه بمعنى الاستغاثة؛ لأنه قال: ﴿فَاسْتَغَاثَهُ﴾، ثم قال: ﴿فَإِذَا الَّذِي اسْتَنْصَرَهُ﴾، فظاهره أنَّ الاستغاثة والاستنصار بمعنًى واحد، ولكنها في الحقيقة (الاستنصار) أعمُّ؛ لأنك قد تستنصر الإنسان لينصرك وإن لم تكن في شِدَّة، والاستغاثة أخصُّ، إلا أن الآية الكريمة تدلُّ على أنَّ استغاثته من باب الاستنصار.
﴿يَسْتَصْرِخُهُ﴾ قال: (يستغيث به على قبطيٍّ آخَر).
﴿قَالَ لَهُ مُوسَى إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُبِينٌ﴾ [القصص ١٨]، ﴿قَالَ لَهُ﴾ لمن؟ للإسرائيلي الذي استنصره، وزعم بعض المفسرين أنَّ الضمير في ﴿لَهُ﴾ يعود إلى القبطي، وأنَّ موسى عليه الصلاة والسلام عاقَب القبطيَّ وقال له: ﴿إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُبِينٌ﴾. ولكن هذا بعيدٌ من السياق، والصواب أنَّ الضمير في ﴿لَهُ﴾ يعود إلى الإسرائيلي الذي استنصره.
(﴿إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُبِينٌ﴾ بَيِّن الغواية؛ لِمَا فعلْتَه أمس واليوم). (غَوِيٌّ) على وزن (فَعِيل) بمعنى (فاعل)، أو على أنها صفة مشبَّهة، والغَوِيُّ ضدُّ المرشد، وهو الذي يتصرَّف على وجه الإساءة؛ قال الله تعالى: ﴿قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ﴾ [البقرة ٢٥٦]، والرُّشد معناه معروف أنَّه إحسان التصرُّف، وعلى هذا فيكون الغيُّ سوء التصرُّف. فمعنى قوله: ﴿إِنَّكَ لَغَوِيٌّ﴾ أي: ذو غواية، وهي سوء التصرُّف، وقوله: ﴿مُبِينٌ﴾ أي: بَيِّنُها، ووجْه ذلك -وجْه سوءِ تصرُّفك- أن أمس القريب كان يتخاصم مع قبطيٍّ، واليوم الثاني الذي يليه كان يتخاصم أيضًا مع قبطيٍّ آخَر.
* طالب: صاحب مشاكل.
* الشيخ: نعم، صاحب مشاكل، فلهذا قال له: ﴿إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُبِينٌ﴾، يمكن لو بقي لليوم الثالث والرابع كل يوم يجيب فتنة، يسوي مشكلة، فلهذا قال: ﴿إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُبِينٌ﴾.
(﴿فَلَمَّا أَنْ﴾ [القصص ١٩] زائدة) يعني أنَّ كلمة ﴿أَنْ﴾ زائدة، وهي زيادةٌ لفظية إعرابية، وليست زيادةً معنوية؛ لأنها تفيد التوكيد، وجميع الحروف الزائدة في القرآن لفظًا هي أصليةٌ معنًى؛ لأنها تفيد معنى التوكيد.
وتَطَّرِد زيادة (أنْ) بعد (لَمَّا)، وكذلك قبل (لو)، كما في قول الشاعر:
؎وَأُقْسِمُ أَنْ لَوِ الْتَقَيْنَا وَأَنْتُمُ ∗∗∗ ......................
ومثل قوله تعالى: ﴿وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ﴾ [الجن ١٦]، على أنَّ ﴿وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا﴾ تقدَّم أنها تكون مخفَّفة من الثقيلة؛ يعني: وأنَّهم لو استقاموا.
هنا يقول: (﴿فَلَمَّا أَنْ﴾ زائدة ﴿أَرَادَ أَنْ يَبْطِشَ بِالَّذِي هُوَ عَدُوٌّ لَهُمَا﴾ لِموسى والمستغيثِ به ﴿قَالَ﴾ المستغيث).
﴿لَمَّا أَنْ أَرَادَ أَنْ يَبْطِشَ ... قَالَ أَتُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي﴾، كيف عرف أنَّه يريد والإرادة عملٌ قلبيٌّ؟
تهيَّأ وأراد أن يفعل، وهو لا بدَّ أنه استند في هذا العلم، استند إلى أمرٍ ظاهر، وإلا فالإرادة محلُّها القلب.
وقوله: ﴿أَرَادَ﴾ أي: موسى. ﴿أَنْ يَبْطِشَ﴾ أيش معنى البطش؟ هو الأخذ بقوة. أراد أن يبطش به (﴿﴿قَالَ﴾ ﴾ المستغيث ظانًّا أنَّه يبطش به لما قال له ﴿يَامُوسَى أَتُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي كَمَا قَتَلْتَ نَفْسًا بِالْأَمْسِ﴾ ﴾ [القصص: ١٩]).
قوله: (﴿قَالَ﴾ المستغيث)، جعل الفاعل في ﴿قَالَ﴾ المستغيث، وهذا يُبعده أمران: أمرٌ معنويٌّ، وأمرٌ لفظيٌّ.
أمَّا الأمر اللفظي؛ فإنَّ ﴿قَالَ﴾ ضميرها يعود إلى أقرب مذكور، وأقرب مذكور ما هو؟ القبطي؛ ﴿بِالَّذِي هُوَ عَدُوٌّ لَهُمَا﴾.
والثاني أنه ﴿قَالَ يَا مُوسَى أَتُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي﴾ والله يقول: ﴿فَلَمَّا أَنْ أَرَادَ أَنْ يَبْطِشَ بِالَّذِي هُوَ عَدُوٌّ لَهُمَا﴾، فنحن نفسر الإرادة الثانية بالإرادة الأولى؛ لأن القبطي هو الذي قال: ﴿أَتُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي كَمَا قَتَلْتَ نَفْسًا بِالْأَمْسِ﴾.
فإذا قال قائل: هذا يُبعده أنَّ القبطي لا علم له بذلك، من أين علِم؟
قلنا: إنه استنتج ذلك من قوله للإسرائيلي: ﴿إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُبِينٌ﴾، وقصة القتل اشتهرت في المدينة وبانت، وصار الناس يتحدثون عنها، فهذا القبطي عرف أنَّ الإسرائيلي عدوٌّ له، أليس كذلك؟ وهذا لامَه -موسى- قال: ﴿إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُبِينٌ﴾، فاستنتج من ذلك أنَّ الذي قَتل القبطيَّ بالأمس هو موسى، فقال: ﴿أَتُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي كَمَا قَتَلْتَ نَفْسًا بِالْأَمْسِ﴾. وهذا القول هو الراجح من قولَيِ المفسرين، والمفسرون لهم في ذلك قولان:
أحدهما: أنَّ الذي قال ذلك الإسرائيليُّ، مع أنَّ موسى تهيَّأ للبطش بالقبطي، لكن هو ظنَّ أنه سيبطش به حين قال: ﴿إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُبِينٌ﴾.
والقول الثاني الذي ذكرناه: أنَّ القائل هو القبطي، ويُرجِّح ذلك أنه لَمَّا قال: ﴿إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُبِينٌ﴾ وقد عُلِم أن الإسرائيليِّين أعداء للأقباط، عَلِم بأنَّ موسى عليه الصلاة والسلام هو الذي .. أو استنتج من هذه القصة أنه هو الذي قتل القبطيَّ بالأمس، فلهذا قال: أتريد أنْ تقتلني لأني قبطيٌّ مثلما قتلتَ نفسًا بالأمس.
* طالب: (...) ﴿إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُبِينٌ﴾؟
* الشيخ: أيش؟
* الطالب: لما قال له موسى: ﴿إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُبِينٌ﴾ (...)؟
* الشيخ: إي، لكن ما قال: القبطي، قال: ﴿أَتُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي﴾ (...).
* الطالب: (...) ﴿إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُبِينٌ﴾ فاستنتج القبطيُّ أنه قتل القبطيَّ الآخَر (...).
* الشيخ: نعم، هو بيستنتج هذا، لكن لما تهيأ موسى للقتل وهذا قد استصرخه، علِم أن اللي يقتله موسى، وأن هذا استصرخه بالأمس فحصل القتل.
* طالب: ما يحتمل أن الذي أخبره الإسرائيلي؟
* الشيخ: أخبر مَن؟
* الطالب: يمكن لَمَّا أخبر قبل ما يأتي، أو لَمَّا رأى موسى قال: إنه سيقتلك كما قتل نفسًا بالأمس بسببي.
* الشيخ: على كل حالٍ هذا ما هو موجود في القرآن أنَّ الإسرائيلي أخبر القبطي بأنَّ موسى سيقتله أو تهدَّده بذلك، هذا ما هو موجود، لكن الذي يمكن هو الاستنباط.
* الطالب: طيب، ما يلزم منه أنه قتل.
* الشيخ: لا، هو لما قال: ﴿إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُبِينٌ﴾ عَلِم أن هناك شيئًا سابقًا، اللي هو القبطي، عَلِم أن هناك شيئًا سابقًا لهذا الإسرائيلي، والقضية مشتهرة، والمعروف بالعداوة للأقباط هم الإسرائيليون، وكون هذا الإسرائيلي يستغيث بموسى وموسى يتهيَّأ للقتل، استنتج القبطي من ذلك أنَّ الذي قَتل الرجلَ القبطي بالأمس هو موسى، لأنَّ القضية مشابِهة لقضية اليوم.
* الطالب: شيخ، لا مناسبة بين قوله: ﴿إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُبِينٌ﴾ وأنَّه تهيَّأ ليقتله؛ لأنَّ مقتضى ﴿إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُبِينٌ﴾ ألَّا يُجيبه إلى الإغاثة واستغاثته.
* الشيخ: هو على كل حالٍ من شِيعته، فهو لامَه وإنْ كان يُعينه، كما يجري الآن؛ الآن لو تشوف أحدًا من أقاربك أو من أصحابك عمل مشكلة ثم عملها في اليوم الثاني تلومه ومع ذلك تنصره، يلومه إذَن وينصره، ما يمنع هذا، فيلومه وينصره، ولهذا جاء مَن يقول: هذا الولد أشقانا، أتعبَنَا. وهو يروح مثلًا للسلطات يشفع له، وهو يلومه أو يعيبه.
* طالب: (...)؟
* الشيخ: إي نعم.
* الطالب: ما هما؟
* الشيخ: الأمر الأول: أن الضمير يعود على أقرب مذكور. هذه قاعدة في اللغة العربية؛ ﴿فَلَمَّا أَنْ أَرَادَ أَنْ يَبْطِشَ بِالَّذِي هُوَ عَدُوٌّ لَهُمَا قَالَ﴾، ﴿قَالَ﴾ مَن أُرِيدَ أن يُبطَش به: ﴿أَتُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي كَمَا قَتَلْتَ نَفْسًا بِالْأَمْسِ﴾.
والأمر الثاني في قوله: ﴿أَتُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي﴾ أنَّ الرجل قال: ﴿أَتُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي كَمَا قَتَلْتَ نَفْسًا بِالْأَمْسِ﴾، والله يقول: ﴿فَلَمَّا أَنْ أَرَادَ أَنْ يَبْطِشَ بِالَّذِي هُوَ عَدُوٌّ لَهُمَا﴾؛ ﴿أَرَادَ أَنْ يَبْطِشَ﴾ هو قال: ﴿أَتُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي﴾، فإرادة القتل ما توجَّهت للإسرائيلي أصلًا، فالقرآن يدلُّ على أن إرادة القتل توجَّهت إلى مَن؟ إلى القبطي، فقال القبطي هذا الكلام: ﴿أَتُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي كَمَا قَتَلْتَ نَفْسًا بِالْأَمْسِ﴾.
قال: ﴿إِنْ تُرِيدُ إِلَّا أَنْ تَكُونَ جَبَّارًا فِي الْأَرْضِ وَمَا تُرِيدُ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْمُصْلِحِينَ﴾ [القصص ١٩].
قال: (﴿إِنْ﴾ ما). ويش معنى (﴿إِنْ﴾ ما)؟ يعني أنَّ (إِنْ) بمعنى (ما)، فهي نافية.
وقوله: ﴿تُرِيدُ إِلَّا أَنْ تَكُونَ جَبَّارًا فِي الْأَرْضِ﴾ الجبار معناه: المتعاظم المترفِّع على غيره، وهو من أسماء الله سبحانه وتعالى، ويُوصَف به غيره، ولكنَّه من أسماء الله له ثلاثة معانٍ، الجبار من أسماء الله سبحانه وتعالى له ثلاثة معانٍ:
أحدها: المتعاظم وذو القوة والبطش.
والثاني: بالعكس، الجبَّار الذي يَجبر الكسير ويرحمه ويعطف عليه.
والثالث: يقول ابن القيم في النونية:
؎وَلَهُ مُسَمًّى ثَالِثٌ وَهُوَ الْعُلُوُّ ∗∗∗ فَلَيْسَ يَدْنُو مِنْهُ مِنْ إِنْسَانِ
؎مِنْ قَوْلِهِمْ (جَبَّارَةٌ) لِلنَّخْلَةِ الْـ ∗∗∗ عُلْيَا....................
فـ(جَبَّار) بمعنى: ذو ارتفاع، ومنه قولهم: نخلةٌ جبَّارة؛ يعني طويلة مرتفعة.
لكن إذا جاءت في صفات غير الله فإنها للذَّمِّ؛ قال الله تعالى: ﴿كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ﴾ [غافر ٣٥].
﴿إِنْ تُرِيدُ إِلَّا أَنْ تَكُونَ جَبَّارًا فِي الْأَرْضِ وَمَا تُرِيدُ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْمُصْلِحِينَ﴾. هذه التهمة ﴿إِلَّا أَنْ تَكُونَ جَبَّارًا فِي الْأَرْضِ﴾، من أين استند إليها؟
* طالب: مِن قَتْله بالأمس.
* الشيخ: مِن قَتْله بالأمس وإرادة قَتْله اليوم.
ثانيًا: ﴿وَمَا تُرِيدُ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْمُصْلِحِينَ﴾ أخذها أيضًا من قَتْله بالأمس وسيَقتُل اليوم. والمصلِح عادةً لا يعتدي على أحد المتخاصمَينِ، ماذا يصنع؟ يحاول الإصلاح بينهما، فهو يقول: إنَّك بإرادتك القتلَ وقد قتلتَ بالأمس معناه أنَّك تريد أن تكون جبارًا ولا تريد الإصلاح؛ إذْ إنَّ مَن يريد الإصلاح يسعى بالإصلاح بين الناس، ما هو بيسعى يستعدي على أحدهم دون الآخر.
وهذا الذي قاله هل ينطبق حقًّا على موسى؟ لا، ما ينطبق عليه؛ لأن موسى عليه الصلاة والسلام ما أراد إلا الإصلاح، ولكنَّه -هذا الرجل- ظنَّ أنه لا يريد إلا الجبروت والاعتداء على مَن كان من غير شيعته.
(﴿﴿وَمَا تُرِيدُ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْمُصْلِحِينَ﴾ ﴾ [القصص: ١٩] فسمع القبطيُّ ذلك فعَلِم أنَّ القاتل موسى فانطلق إلى فرعون فأخبره بذلك فأمر فرعون الذبَّاحين بقتل موسى فأخذوا في الطريق إليه).
هذا الذي فسره بناء على ما اختاره مِن أنَّ الذي قال: ﴿أَتُرِيدُ﴾ هو الإسرائيلي، أمَّا على القول الثاني فإنَّ القبطيَّ لَمَّا رأى أنَّ موسى يريد أن يقتله واستنتج أنه قاتلٌ بالأمس ذهبَ؛ ترك المخاصمةَ وذهب إلى آل فرعون وأخبرهم، وإذا أخبرهم فسوف ينتقمون لأنفسهم، أرسلوا من يطلب موسى .. أو لم يرسلوا ولكن جعلوا يتشاورون كما هو ظاهر كلام الرجل، وعليه فلا نجزم بأنهم أرسَلوا إلى موسى مَن يذبحه؛ لأن الرجل الذي جاء وهو ناصحٌ لم يقُل: إن الملأ أرسلوا مَن يذبحك، ولكن قال: إنَّهم ﴿يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ﴾ [القصص ٢٠]؛ يعني: يتشاورون فيما بينهم ماذا يصنعون.
وهنا يقول: (﴿وَجَاءَ رَجُلٌ﴾ هو مؤمن آل فرعون). وهذا التأويل الذي قاله المؤلف لا يُجزَم به؛ لأن الله تعالى نكَّره ولم يقل: إنه مؤمن، بينما هو في قصة مؤمن آل فرعون قال: ﴿وَقَالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ﴾ [غافر ٢٨]، ولكنَّ هذا الرجل لا شك أنَّ عنده عطفٌ على موسى ورحمةً به، فلهذا جاء يخبره.
وقوله: ﴿وَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ﴾ [القصص ٢٠]، وفي سورة (يس) في قصة أخرى: ﴿وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ﴾ [يس ٢٠]، فما هي الحكمة في أنه قُدِّم في هذه الآية ﴿رَجُلٌ﴾ [القصص ٢٠] وأُخِّر في قصة المرسلين؟
لأنَّ قصة المرسلين؛ الاهتمام بكون هذا الرجل بعيدًا عن الرُّسُل ﴿وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ﴾ ليؤكِّد صحَّة ما جاؤوا به أَبْلغ، أمَّا هنا فهو خبر، هذا الذي جاء به الرجل خبرٌ من الأخبار، فاعتماده على ﴿رَجُلٌ﴾ أبْلغ من كون الرجل جاء من الأقصى أو من الأدنى، فلهذا قُدِّم لفظ الرجولة على وصْف المكان فقال: ﴿وَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ﴾.
وقوله (﴿وَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ﴾ آخِرها) يعني أبعدها، أبعدها منين؟ من مكان موسى.
قال: (﴿يَسْعَى﴾ يُسرع في مشيه من طريقٍ أقرب من طريقهم). هذا بناء على أنَّ الذبَّاحين خرجوا ليذبحوا موسى، ولكنْ ليس بلازم.
وقوله: ﴿يَسْعَى﴾ محلُّها من الإعراب؟
* طالب: صفة لـ﴿رَجُلٌ﴾.
* الشيخ: أو حال.
* طالب: ﴿رَجُلٌ﴾ نكرة.
* الشيخ: يجوز أن تكون صفةً ويجوز أن تكون حالًا؛ أمَّا جواز أن تكون صفةً فلأنَّ ﴿رَجُلٌ﴾ مُنَكَّر، وأمَّا جواز أن تكون حالًا فلأنَّ هذه النكرة وُصِفتْ بقوله: ﴿مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ﴾.
ومعنى ﴿يَسْعَى﴾ أي: (يُسرع في مشيه) كما قال المؤلف، وهذا الإسراع هل هو كما زعم أنه جاء من طريقٍ قريبٍ لئلَّا يُدركوا موسى فيقتلوه، أو أنه خاف أنهم بهذا الائتمار يُنفِّذون ما ائتمروا عليه؟ هذا هو الأقرب.
(﴿قَالَ يَا مُوسَى إِنَّ الْمَلَأَ﴾ من قوم فرعون ﴿يَأْتَمِرُونَ بِكَ﴾ يتشاورون فيك ﴿لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ﴾ [القصص ٢٠]).
﴿قَالَ يَا مُوسَى﴾ نداؤه بهذا يدلُّ على أنَّ هذا الرجل كان له معرفةٌ بموسى، ولهذا ناداه باسمه. في قصة مؤمن آل فرعون: ﴿وَقَالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا﴾ [غافر ٢٨] ما قال: أتقتلون موسى؛ لأن المقام يقتضي ألَّا يُبين أن له اتِّصالًا به ومعرفة، لو قال: أتقتلون موسى، لَقالوا: هذا الرجل يعرف موسى، فأخذوه. ولكنَّه قال: ﴿أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا﴾ كأنَّه لا يعرفه، ولكن يعرف ما جاء به من الدعوة الصحيحة السليمة.
أمَّا هنا فإنَّ الرجل يعرف موسى، ولهذا قال: ﴿يَا مُوسَى إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ﴾، وأكَّد له الخبر في قوله: ﴿إِنَّ الْمَلَأَ﴾ مع أن موسى كان خالي الذهن من ذلك لأن الأمر مهمٌّ، وقد ذكرنا فيما سبق أنَّ الأسباب التي تقتضي تأكيد الجملة الخبرية ليست هي حالَ المخاطَب فقط، ولكنَّها حال المخاطَب وحال الْمُخْبَر عنه؛ إذا كان مُهِمًّا فإنه يُؤكَّد.
قال: (﴿فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ﴾ في الأمر بالخروج).
﴿فَاخْرُجْ﴾ منين؟ (من المدينة) مثلما قال المؤلف، وقوله: (﴿إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ﴾ في الأمر بالخروج)، بل في الأمر بالخروج وفي مجيئه إليه أيضًا وإخباره بذلك، وأن الذي يأتمرون بشأنه ليس عامة الناس، بل الذين يأتمرون هم الملأ والكبراء الذين يُنفِّذون ما ائتمروا به؛ لأنه لو كان من عامَّة الناس يتشاورون في هذا ما كان له أهمية، ولكن الكبراء هم الذين يأتمرون.
{"ayahs_start":18,"ayahs":["فَأَصۡبَحَ فِی ٱلۡمَدِینَةِ خَاۤىِٕفࣰا یَتَرَقَّبُ فَإِذَا ٱلَّذِی ٱسۡتَنصَرَهُۥ بِٱلۡأَمۡسِ یَسۡتَصۡرِخُهُۥۚ قَالَ لَهُۥ مُوسَىٰۤ إِنَّكَ لَغَوِیࣱّ مُّبِینࣱ","فَلَمَّاۤ أَنۡ أَرَادَ أَن یَبۡطِشَ بِٱلَّذِی هُوَ عَدُوࣱّ لَّهُمَا قَالَ یَـٰمُوسَىٰۤ أَتُرِیدُ أَن تَقۡتُلَنِی كَمَا قَتَلۡتَ نَفۡسَۢا بِٱلۡأَمۡسِۖ إِن تُرِیدُ إِلَّاۤ أَن تَكُونَ جَبَّارࣰا فِی ٱلۡأَرۡضِ وَمَا تُرِیدُ أَن تَكُونَ مِنَ ٱلۡمُصۡلِحِینَ","وَجَاۤءَ رَجُلࣱ مِّنۡ أَقۡصَا ٱلۡمَدِینَةِ یَسۡعَىٰ قَالَ یَـٰمُوسَىٰۤ إِنَّ ٱلۡمَلَأَ یَأۡتَمِرُونَ بِكَ لِیَقۡتُلُوكَ فَٱخۡرُجۡ إِنِّی لَكَ مِنَ ٱلنَّـٰصِحِینَ"],"ayah":"وَجَاۤءَ رَجُلࣱ مِّنۡ أَقۡصَا ٱلۡمَدِینَةِ یَسۡعَىٰ قَالَ یَـٰمُوسَىٰۤ إِنَّ ٱلۡمَلَأَ یَأۡتَمِرُونَ بِكَ لِیَقۡتُلُوكَ فَٱخۡرُجۡ إِنِّی لَكَ مِنَ ٱلنَّـٰصِحِینَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق