الباحث القرآني

قال تعالى: ﴿وجاءَ رَجُلٌ مِن أقْصى المَدِينَةِ يَسْعى قالَ يامُوسى إنَّ المَلأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فاخْرُجْ إنِّي لَكَ مِنَ النّاصِحِينَ ۝﴾ [القصص: ٢٠]. ائتمَرَ فرعونُ وشاوَرَ قومَه في قتلِ موسى، وتواطَؤُوا على ذلك، ولم يكنْ ذلك مُعلَنًا، حتى لا يَعلَمَ موسى، فيَهْرُبَ وينجوَ مِن ظُلْمِهم، فجاء رجلٌ فأخبَرَ موسى بأمرِهم. وفي هذا: أنّه لا حُرْمةَ للأسرارِ إنْ كانتْ تُضِرُّ بمظلومٍ، فيجبُ إفشاؤُها لِمَن بُغِيَ عليه ومَن له حقُّ النُّصْرةِ، حتى يُدفَعَ الظُّلْمُ عن المظلومِ. حِفْظُ الأسرارِ وإفشاؤُها: وقصدُ فرعونَ ومَن معه قَتْلَ موسى كان سِرًّا، كما في ظاهرِ السياقِ وما يَقتضيهِ الحالُ. وإفشاءُ الأسرارِ التي تَنطوي على ظُلْمٍ وبغيٍ وحربٍ للهِ ومُحادَّةٍ للهِ ـ واجبٌ، ويدُلُّ على وجوبِه أمرانِ: الأولُ: أنّ حِفْظَ الأسرارِ واجبٌ، ولا يَنتقِضُ الوجوبُ إلاَّ بما هو مِثْلُهُ أو آكَدُ منه، وذلك أنّ مَنِ اؤْتُمِنَ على شيءٍ، وجَبَ عليه حِفظُهُ وعدمُ الخيانةِ فيه، كما ثبَتَ في «الصحيحَيْنِ»، مِن حديثِ أبي هريرةَ، أنّ رسولَ اللهِ ﷺ قال: (آيَةُ المُنافِقِ ثَلاثٌ: إذا حَدَّثَ كَذَبَ، وإذا وعَدَ أخْلَفَ، وإذا اؤْتُمِنَ خانَ) [[أخرجه البخاري (٣٣)، ومسلم (٥٩).]]. الثاني: أنّ دفعَ الظُّلْمِ والبَغْيِ واجبٌ على الكفايةِ، ويتعيَّنُ الدفعُ على مَن لا يَقدِرُ عليه إلاَّ هو، فمَن عرَفَ سرًّا فيه بغيٌ وظُلْمٌ وعُدْوانٌ على الناسِ في أنفُسِهم أو أموالِهم أو أعراضِهم أو دِينِهم، تعيَّنَ عليه دفعُهُ بإفشاءِ ما يَعلَمُ إلى مَن يستطيعُ الاحترازَ مِن ظُلْمِ الظالمِ وبَغْيِ الباغي. وقولُه تعالى على لسانِ الرجُلِ: ﴿إنِّي لَكَ مِنَ النّاصِحِينَ ۝﴾ دليلٌ على أنّ فِعلَه بِرٌّ وإحسانٌ ونصحٌ، لا خيانةٌ للأمانةِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب