الباحث القرآني

قال فرعون لموسى: ﴿لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَهًا غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ﴾ [الشعراء ٢٩] بعد أن قَطَع بالحجة والبرهان عدل إلى القوة؛ يعني: سلطان الحجة انقطع به، فعدل إلى سلطان القوة والتهديد؛ لأن هكذا العاجز عن رد الحجة بالحجة ويش يعمد إليه؟ إلى القوة إذا كان له سلطان، وهذا له سلطان على موسى؛ ولهذا هدَّدَه بقوله: ﴿لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَهًا غَيْرِي﴾ لم يقل: لئن دعوت إلى الله فقط؛ يعني: يريد منه أن يمتنع عن الدعوة إلى الله بالأولى وألا يتخذ إلهًا سواه، وفي هذا دليل على أن فرعون كان ينكر أن يكون هناك ربٌّ سواه. وأن قوله: ﴿أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى﴾ [النازعات ٢٤] صفة كاشفة وليست صفة مقيدة؛ لأنه لا يعتقد أن هناك ربًّا سواه. وقوله: ﴿لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَهًا غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ﴾ [الشعراء ٢٩] هذه فيها شيئان يحتاجان إلى جواب؛ الشرط والقسم، والموجود هنا جواب القسم ولَّا جواب الشرط؟ * طالب: القسم. * الشيخ: ويش الدليل؟ * طالب: (...). * الشيخ: الموجود الآن جواب الشرط ولَّا جواب القسم؟ * طالب: جواب الشرط. * الشيخ: لا، جواب القسم؛ لأن ﴿لَأَجْعَلَنَّكَ﴾ ما هي جواب شرط، هذه جواب قسم ولهذا أُكِّدت بالنون واللام فهو جواب القسم، وهذه هي القاعدة. يقول ابن مالك: ؎وَاحْذِفْ لَدَى اجْتِمَاعِ شَرْطٍ وَقَسَمْ ∗∗∗ جَــــــــوَابَ مَـــا أَخَّرْتَ فَـــــهْوَمَــــلْتَزَمْ وهنا اجتمع شرط وقسم؛ الشرط (إن) والقسم (والله) المحذوف. يقول: ؎وَاحْذِفْ لَدَى اجْتِمَاعِ شَرْطٍ وَقَسَمْ ∗∗∗ جَــــــــوَابَ مَــاأَخَّــــــرْتَ............... والمؤخر أيهن هنا؟ المؤخر الشرط فيكون الجواب الموجود للقسم وهو كذلك. وقوله: ﴿لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَهًا غَيْرِي﴾ إلهًا بمعني مألوه أي: معبود. والمراد بالمعبود هنا المعبود الذي يَسْتَحِقُّ أن يُعْبَد، وذلك لربوبيته فهو يعتقد أنه الرب فيجب أن يكون هو الإله الذي يعبد. ﴿لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ﴾ شوف ﴿مِنَ الْمَسْجُونِينَ﴾، ولم يقل: لأسجننك. كما قال الله تعالى في قصة يوسف: ﴿ثُمَّ بَدَا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا رَأَوُا الْآيَاتِ لَيَسْجُنُنَّهُ﴾ [يوسف ٣٥]، بل قال: ﴿لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ﴾ زيادة في تهديد موسى كأنه يقول: إن هناك سجناء، وأنا قادر على سجن الناس، فإذا لم تتخذْني إلهًا واتخذت إلهًا غيري جعلتك في جملة هؤلاء من المسجونين. (كان سجنه شديدًا؛ يحبس الشخص في مكان تحت الأرض وحده لا يبصر ولا يسمع فيه أحدًا) هذا ما هو شديد بالنسبة لما نعرف الآن من السجون؛ لأنها شيء أشد من هذا بكثير، وفرعون إنما قال: ﴿لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ﴾، أما كيف يسجنه فالآية لم تتعرض له، وأما أيضًا إذا كان معروفًا أن سجنه بهذه الكيفية فهذا السجن ليس شديدًا، بل في السجون من التعذيب ما هو أشد؛ نسمع أنهم -والعياذ بالله- يؤتى بالشخص ويجعل في مثل البرميل وفيه مسامير وتحته نار، هذا الرجل كيف يجلس؟! ما يستطيع، إن جلس خرقته المسامير الحارة، وإن اتكأ على أحد الجدران كذلك، فهذا -والعياذ بالله- من الأساليب التي يفعلونها، ونسمع أيضًا أنه من الأساليب أنهم يجوعون السباع الضارية ثم يرسلونها على السجناء تنهشهم ولا يستطيعون الدفاع؛ لأن ما عندهم قدرة؛ مثلما «فعل الحجاج بجحدر بن مالك فإنه كان من الخوارج فقبضه -وكان شجاعًا جدًّا- فلما قبضه حبسه وأتى به وقال: إنا ملقوك على الأسد، وإنا سنقيد يدك، وأنت والأسد (...)، فأتى بأسد فأجاعه ثلاثة أيام، ثم قال له: أعطني سيفًا وشد إحدى يدي بكيفك، فأعطاه السيف، وشد إحدى يديه، ثم ألقاه على الأسد، والأسد جائع ثلاثة أيام ما أكل، يقولون في ترجمته: فلما وثب عليه الأسد ضربه في نحره بالسيف بيد واحدة فخرَّ صريعًا الأسد، فأطلقه الحجاج لقوته وشجاعته»[[البداية والنهاية (١٢ / ٥٢٦).]]. فهذه الأساليب أيضًا مما يعمد إليه أهل الظلم -والعياذ بالله- بالسجناء. المهم أن الآية الكريمة ليس فيها ذكر ما يفعله به، إنما فيها أنه سيكون من المسجونين؛ من جملة مَنْ يسجن.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب