الباحث القرآني
قوله تعالى: ﴿وَمَا رَبُّ العالمين﴾ إنما أتبى ب «مَا» دون «مَنْ» لأنها يسأل بها عن طلب الماهية، كقولك: ما العنقاء؟ ولما كان جواب هذا السؤال لا يمكن عدل موسى - عليه السلام - إلى جواب ممكن، فأجاب بصفاته تعالى، وخصَّ تلك الصفات لأنه لا يشاركه فيها أحد، وفيه إبطال لدعواه أنه إله.
وقيل: جهل السؤال فأتى ب «ما» دون «مَنْ» . وليس بشيء.
وليس بشيء، لأن أهل البيان نَصُّوا على أنها يطلب بها الماهيات، وقد جاء ب «من» في قوله: ﴿فَمَن رَّبُّكُمَا ياموسى﴾ [طه: 49] .
فصل
اعلم أن فرعون لم يقل: ﴿وَمَا رَبُّ العالمين﴾ إلا وقد دعاه موسى إلى طاعة رب العالمين، ويدل على ذلك قوله تعالى: ﴿فَأْتِيَا فِرْعَوْنَ فقولاا إِنَّا رَسُولُ رَبِّ العالمين﴾ [الشعراء: 16] فلا بد من أنهما قالا ذلك قين دخلا عليه، فعند ذلك قال فرعون: ﴿وَمَا رَبُّ العالمين﴾ يقول: أيّ شيء رب العالمين الذي تزعم أنك رسوله إليّ يستوصفه إلاهه الذي أرسل إليه؟ وهو سؤال عن جنس الشيء، والله منزَّه عن الجنسية. فأجابه موسى - عليه السلام - بذكر أفعاله التي يعجز الخلق عن الإتيان بمثلها، فقال: ﴿رَبُّ السماوات والأرض وَمَا بَيْنَهُمَآ إِن كُنتُمْ مُّوقِنِينَ﴾ أنه خلقهما.
قال أهل المعاني: كما توقنون هذه الأشياء التي تعاينوها، فأيثنوا أن إله الخلق هو الله عزَّ وجل.
قوله: «وَمَا بَيْنَهُمَا» عاد ضمير التثنية على جمعين اعتباراً بالجنسين، كما فعل ذلك في قوله:
3901 - بَيْنَ رماحَيْ مَالِكٍ وَنَهْشَلٍ ...
ولمّا ذكر موسى - عليه السلام - هذا الجواب الحق تحير فرعون في جواب موسى، فقال لمن حوله من أشراف قومه - قال ابن عباس: كانوا خمسمائة -: «ألا تَسْتَمِعُونَ» على سيبل التعجب من جواب موسى، يعني: أنا أطلب منه الماهية وهو يجيبني بالفاعلية. وقيل: استبعد جواب موصى وقال «أَلاَ تَسْتَمِعُونَ» لأنهم كانوا يعتقدون أن آلهتهم ملوكهم، فزادهم موسى بياناً فقال: ﴿رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَآئِكُمُ الأولين﴾ فعدل عن التعريف بخالقية السموات والأرض إلى التعريف بكونه تعالى خالقاً لنا ولآبائنا، وذلك لأنه يمكن أن يعتقد أن السموات والأرضين واجبة لذواتها، فهي غنية عن الخلق، ولا يمكن أن يعتقد في نفسه وفي آبائه وأجداده [كونهم واجبين لذواتهم، لأن المشاهدة دلَّت على أنهم وجدوا] بعد العدم، وعدموا بعد الوجود، وما كان كذلك استحال أن يكون واجباً لذاته، واستحال وجوده إلا بالمؤثر، فكان التعريف بهذا الأثر أظهر، فلهذا عدل موسى - عليه السلام - إليه فقال فرعون: ﴿إِنَّ رَسُولَكُمُ الذي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ﴾ يعني: أن المقصود من سؤالنا طلب الماهية والحقيقة، والتعريف بهذه الآثار الخارجية لا يفيد البتة تلك الخصوصية فهذا الذي يدعي الرسالة مجنون لا يفهم السؤال فضلاً عن أن يجيب عنه، فقال موسى - عليه السلام -: ﴿رَبُّ المشرق والمغرب وَمَا بَيْنَهُمَآ إِن كُنتُمْ تَعْقِلُونَ﴾ فعدل إلى طريق ثالث أوضح من الثاني، وذلك أنه أراد ب «المَشْرِق» كلوع الشمس وظهور النهار، وأراد ب «المَغْرِب» : غروب الشمس وزوالها، والامر ظاهر؛ لأن التدبير المستمر على الوجه العجيب لا يتم إلا بتدبير مدبر، وهذا بعينه طريقة إبراهيم - عليه السلام - مع نمروذ، فإنه استدل أولاً بالإحياء والإماتة، وهو الذي ذكره إبراهيم - عليه السلام - بقوله: ﴿رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَآئِكُمُ الأولين﴾ فأجابه نمروذ:
﴿أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ﴾ [البقرة: 258] فقال: ﴿﴾ وهو الذي ذكره موسى - عليه السلام - بقوله: ﴿رَبُّ المشرق والمغرب﴾ .
وأما قوله ﴿إِنْ كَنْتُم تَعْقِلُونَ﴾ فكأنه - عليه السلام - قال: إن كنت من العقلاء عرفت أنه لا جواب عن سؤالك إلا ما ذكرت، لأنك طلبت مني تعريف حقيقته، ولا يمكن تعريف حقيقته بنفس حقيقته، ولا بأجزاء حقيقته، فلم يبق إلا أن أُعرِّف حقيقته بآثار حقيقته، وقد عرّفت حقيقته، فمن كان عاقلاً يقطع بأنه لا جواب عن سؤالك إلا ما ذكرته. واعلم أن حقيقته غير معقولة للبشر، فيستحيل من موسى - عليه السلام - أن يذكر ما تعرف (به تلك) الحقيقة، إلا أن عدم العلم بتلك الخصوصية لا يقدح في صحة الرسالة، فلما انقطع فرعون عن الجواب ولزمته الحجة تكبر عن الحق، وعدل إلى التخويف، وقال: ﴿لَئِنِ اتخذت إلها غَيْرِي لأَجْعَلَنَّكَ مِنَ المسجونين﴾ : المحبوسين. قال الكلبي: كان سجنه أشد من القتل، لأنه كان يأخذ الرجل فيطرحه في مكان وحده فرداً لا يسمع ولا يبصر فيه شيئاً يهوي به في الأرض.
وقال: ﴿لأَجْعَلَنَّكَ مِنَ المسجونين﴾ ولم يقل: «لأَسْجُنَنَّكَ» وهو أخص منه؛ لأن فيه مبالغة ليست في ذاك، أو معناه: لأجعلنك ممن عرفت حاله في سجوني فعند ذلك ذكر موسى كلاماً مجملاً ليعلق قبله به فيعدل عن وعيده، فقال ﴿أَوَلَوْ جِئْتُكَ بِشَيءٍ مُّبِينٍ﴾ أي: هل يحسن أن يذكر هذا مع اقتداري على أن آتيك بدليلين يدلان على وجوه الله، وعلى أنِّي رسوله. فعند ذلك قال: ﴿فَأْتِ بِهِ إِن كُنتَ مِنَ الصادقين﴾ وإنما قال موسى ذلك لأن من أخلاق الناس السكون إلى الإنصاف والإجابة إلى الحق بعد البيان فقال فرعون: «فَأْتِ بِهِ» فإنا لن نسجنك حينئذ ﴿إِن كُنتَ مِنَ الصادقين﴾ فإن قيل: كيف قطع الكلام بما لا تعلق له بالأول، وهو قوله: ﴿أَوَلَوْ جِئْتُكَ بِشَيءٍ مُّبِينٍ﴾ أي: بآيةٍ بيِّنة، والمعجز لا يدل على الله لدلالة سائر ما تقدم؟
فالجواب: بل يدل على ما أراد أن يظهره من انقلاب العَصَا حَيَّةً على الله، وعلى توحيده، وعلى أنه صادق في ادعاء الرسالة، فالذي ختم به كلامه أقوى من كل ما تقدم. والواو في قوله: ﴿أَوَلَوْ جِئْتُكَ بِشَيءٍ﴾ واو الحال، دخلت عليها همزة الاستفهام، والمعنى: أتفعل بي ذلك ولو جئتُكَ بشيء مبين؟ أي: جائياً بالمعجزة وقال الحوفي: «هي واو العطف» . وقتدم تحرير هذا عند قوله: ﴿أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ﴾ [170] في البقرة، وغالب الجمل هنا تقدم إعرابها.
{"ayahs_start":23,"ayahs":["قَالَ فِرۡعَوۡنُ وَمَا رَبُّ ٱلۡعَـٰلَمِینَ","قَالَ رَبُّ ٱلسَّمَـٰوَ ٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ وَمَا بَیۡنَهُمَاۤۖ إِن كُنتُم مُّوقِنِینَ","قَالَ لِمَنۡ حَوۡلَهُۥۤ أَلَا تَسۡتَمِعُونَ","قَالَ رَبُّكُمۡ وَرَبُّ ءَابَاۤىِٕكُمُ ٱلۡأَوَّلِینَ","قَالَ إِنَّ رَسُولَكُمُ ٱلَّذِیۤ أُرۡسِلَ إِلَیۡكُمۡ لَمَجۡنُونࣱ","قَالَ رَبُّ ٱلۡمَشۡرِقِ وَٱلۡمَغۡرِبِ وَمَا بَیۡنَهُمَاۤۖ إِن كُنتُمۡ تَعۡقِلُونَ","قَالَ لَىِٕنِ ٱتَّخَذۡتَ إِلَـٰهًا غَیۡرِی لَأَجۡعَلَنَّكَ مِنَ ٱلۡمَسۡجُونِینَ","قَالَ أَوَلَوۡ جِئۡتُكَ بِشَیۡءࣲ مُّبِینࣲ","قَالَ فَأۡتِ بِهِۦۤ إِن كُنتَ مِنَ ٱلصَّـٰدِقِینَ"],"ayah":"قَالَ لَىِٕنِ ٱتَّخَذۡتَ إِلَـٰهًا غَیۡرِی لَأَجۡعَلَنَّكَ مِنَ ٱلۡمَسۡجُونِینَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











