الباحث القرآني

يَقُولُ تَعَالَى مُمْتَنًّا عَلَى قُرَيْشٍ فِيمَا أَحَلَّهُمْ مِنْ حَرَمِهِ، الَّذِي جَعَلَهُ لِلنَّاسِ سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِي، وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا، فَهُمْ فِي أَمْنٍ عَظِيمٍ، وَالْأَعْرَابُ حَوْلَهُ يَنْهَبُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا وَيَقْتُلُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿لإيلافِ قُرَيْشٍ إِيلافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ. فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ. الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ﴾ [قُرَيْشٍ: ١-٤] . * * * وَقَوْلُهُ: ﴿أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَكْفُرُونَ﴾ أَيْ: أَفَكَانَ شُكْرُهُمْ عَلَى هَذِهِ النِّعْمَةِ الْعَظِيمَةِ أَنْ أَشْرَكُوا بِهِ، وَعَبَدُوا مَعَهُ [غَيْرَهُ مِنَ] [[زيادة من أ.]] الْأَصْنَامِ وَالْأَنْدَادِ، وَ ﴿بَدَّلُوا نِعْمَةَ اللَّهِ كُفْرًا وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ﴾ [إِبْرَاهِيمَ: ٢٨] ، وَكَفَرُوا بِنَبِيِّ اللَّهِ وَعَبْدِهِ وَرَسُولِهِ، فَكَانَ اللَّائِقُ بِهِمْ إِخْلَاصَ الْعِبَادَةِ لِلَّهِ، وَأَلَّا يُشْرِكُوا بِهِ، وَتَصْدِيقَ الرَّسُولِ وَتَعْظِيمَهُ وَتَوْقِيرَهُ، فَكَذَّبُوهُ وَقَاتَلُوهُ وَأَخْرَجُوهُ مِنْ بَيْنِ ظَهْرِهِمْ؛ وَلِهَذَا سَلَبَهُمُ اللَّهُ مَا كَانَ أَنْعَمَ بِهِ عَلَيْهِمْ، وَقُتِلَ مَنْ قُتِلَ مِنْهُمْ بِبَدْرٍ، وَصَارَتِ الدَّوْلَةُ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ، فَفَتَحَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مَكَّةَ، وَأَرْغَمَ آنَافَهُمْ وَأَذَلَّ رِقَابَهُمْ. ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: ﴿وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُ﴾ أي: لا أحد أشد عُقُوبَةً مِمَّنْ كَذَبَ عَلَى اللَّهِ فَقَالَ: إِنَّ اللَّهَ أَوْحَى إِلَيْهِ شَيْءٌ، وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ. وَمَنْ قَالَ: سَأُنْزِلُ مِثْلَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ. وَهَكَذَا لَا أَحَدَ أَشَدُّ عُقُوبَةً مِمَّنْ كَذَّبَ بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُ، فَالْأَوَّلُ مُفْتَرٍ، وَالثَّانِي مُكَذِّبٌ؛ وَلِهَذَا قَالَ: ﴿أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْكَافِرِينَ﴾ . ثُمَّ قَالَ ﴿وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا﴾ يَعْنِي: الرَّسُولَ، صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ، وَأَصْحَابَهُ وَأَتْبَاعَهُ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ ﴿لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا﴾ ، أَيْ: لنُبَصرنهم سُبُلَنَا، أَيْ: طُرُقَنَا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ. قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ أَبِي الحَواري، حَدَّثَنَا عَبَّاسٌ الْهَمْدَانِيُّ أَبُو أَحْمَدَ -مِنْ أَهْلِ عَكَّا -فِي قَوْلِ اللَّهِ [[في ت، أ: "قوله تعالى".]] : ﴿وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ﴾ قَالَ: الَّذِينَ يَعْمَلُونَ بِمَا يَعْلَمُونَ، يَهْدِيهِمْ لِمَا لَا يَعْلَمُونَ. قَالَ أَحْمَدُ بْنُ أَبِي الْحَوَارِيِّ: فَحَدَّثْتُ بِهِ أَبَا سُلَيْمَانَ الدَّارَانِيَّ فَأَعْجَبَهُ، وَقَالَ: لَيْسَ يَنْبَغِي لِمَنْ أُلْهِمَ شَيْئًا مِنَ الْخَيْرِ أَنْ يَعْمَلَ بِهِ حَتَّى يَسْمَعَهُ فِي الْأَثَرِ، فَإِذَا سَمِعَهُ فِي الْأَثَرِ عَمِلَ بِهِ، وَحَمِدَ اللَّهَ حِينَ وَافَقَ مَا فِي نَفْسِهِ [[في أ: "قلبه".]] . * * * وَقَوْلُهُ: ﴿وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ﴾ ، قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ جَعْفَرٍ -قَاضِي الرَّيِّ -حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ الرَّازِيُّ، عَنِ الْمُغِيرَةِ، عَنِ [[في ت: "وروى ابن أبي حاتم بإسناده إلى".]] الشَّعْبِيِّ قَالَ: قَالَ عيسى بن مَرْيَمَ، عَلَيْهِ السَّلَامُ: إِنَّمَا الْإِحْسَانُ أَنْ تُحْسِنَ إِلَى مَنْ أَسَاءَ إِلَيْكَ، لَيْسَ [[في ت: "وليس".]] الْإِحْسَانُ أَنْ تُحْسِنَ إِلَى مَنْ أَحْسَنَ إِلَيْكَ. [وَفِي حَدِيثِ جِبْرِيلَ لَمَّا سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ عَنِ الْإِحْسَانِ قَالَ: "أَخْبِرْنِي عَنِ الْإِحْسَانِ". قَالَ: "أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ". [انْتَهَى تفسير سورة العنكبوت، ولله الحمد والمنة [[في هـ: "والله أعلم".]] ] [[زيادة من ت.]]
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب