الباحث القرآني

(p-١٧٥)قوله عزّ وجلّ: ﴿فَإذا انْشَقَّتِ السَماءُ فَكانَتْ ورْدَةً كالدِهانِ﴾ ﴿فَبِأيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ﴾ ﴿فَيَوْمَئِذٍ لا يُسْألُ عن ذَنْبِهِ إنْسٌ ولا جانٌّ﴾ ﴿فَبِأيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ﴾ ﴿يُعْرَفُ المُجْرِمُونَ بِسِيماهم فَيُؤْخَذُ بِالنَواصِي والأقْدامِ﴾ ﴿فَبِأيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ﴾ ﴿هَذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي يُكَذِّبُ بِها المُجْرِمُونَ﴾ ﴿يَطُوفُونَ بَيْنَها وبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ﴾ ﴿فَبِأيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ﴾ جَوابُ "إذا" مَحْذُوفٌ مَقْصُودٌ بِهِ الإبْهامَ، كَأنَّهُ تَعالى يَقُولُ: فَإذا انْشَقَّتِ السَماءُ فَما أعْظَمَ الهَوْلَ، وانْشِقاقُ السَماءِ انْفِطارُها عِنْدَ القِيامَةِ، وقالَ قَتادَةُ: السَماءُ اليَوْمَ خَضْراءُ وهي يَوْمَ القِيامَةِ حَمْراءُ، فَمَعْنى قَوْلِهِ تَعالى: "وَرْدَةً" أيْ: كَحُمْرَةِ الوَرْدِ، وهو النَوّارُ المَعْرُوفُ، وهَذا قَوْلُ الزَجّاجِ والرُمّانِيُّ. وقالَ ابْنُ عَبّاسٍ، وأبُو صالِحٍ، والضَحّاكُ: هي مِن لَوْنِ الفَرَسِ الوَرْدِ، فَأنَّثَ لِكَوْنِ السَماءِ مُؤَنَّثَةً. واخْتَلَفَ الناسُ في قَوْلِهِ تَعالى: "كالدِهانِ" - فَقالَ مُجاهِدٌ، والضَحّاكُ: هو جَمْعُ دُهْنٍ، قالُوا: وذَلِكَ أنَّ السَماءَ يَعْتَرِيها يَوْمَ القِيامَةِ ألْوانٌ وذَوْبٌ وتَمَيُّعٌ مِن شِدَّةِ الهَوْلِ، وقالَ بَعْضُهُمْ: شَبَّهَ لَمَعانَها بِلَمَعانِ الدُهْنِ، وقالَ جَماعَةٌ مِنَ المُتَأوِّلِينَ: الدِهانُ: الجِلْدُ الأحْمَرُ، وبِهِ شَبَهُها، وأنْشَدَ مُنْذِرُ بْنُ سَعِيدٍ: ؎ يَبِعْنَ الدِهانَ الحُمْرَ كُلَّ عَشِيَّةٍ بِمَوْسِمِ بَدْرٍ أو بِسُوقِ عُكاظِ وقَوْلُهُ تَعالى: "لا يُسْئَلُ" نَفْيٌ لِلسُّؤالِ، وفي القُرْآنِ الكَرِيمِ آياتٌ تَقْتَضِي أنَّ في القِيامَةِ سُؤالًا وآياتٍ تَقْتَضِي نَفْيَهُ كَهَذِهِ وغَيْرِها، فَقالَ بَعْضُ الناسِ: ذَلِكَ في مُواطِنَ دُونَ مُواطِنَ، وهو قَوْلُ قَتادَةَ وعِكْرِمَةَ، وقالَ ابْنُ عَبّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهُما - وهو الأظْهَرُ في ذَلِكَ-: أنَّ السُؤالَ مَتى أُثْبِتَ فَهو بِمَعْنى التَقْرِيرِ والتَوْبِيخِ، ومَتى نُفِيَ فَهو بِمَعْنى الِاسْتِخْبارِ المَحْضِ والِاسْتِعْلامِ؛ لِأنَّ اللهَ تَبارَكَ وتَعالى عَلِيمٌ بِكُلِّ شَيْءٍ، وقالَ الحَسَنُ، ومُجاهِدٌ: لا تَسْألُ المَلائِكَةُ عنهم لِأنَّهم يُعْرِفُونَهم بِسِيماهُمْ، والسِيما الَّتِي يُعْرَفُ بِها المُجْرِمُونَ هي سَوادُ الوُجُوهِ وزُرْقَةُ العُيُونِ في الكَفَرَةِ، قالَهُ الحَسَنُ، ويُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ غَيْرُ هَذا مِنَ التَشْوِيهاتِ. (p-١٧٦)واخْتَلَفَ المُتَأوِّلُونَ في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿فَيُؤْخَذُ بِالنَواصِي والأقْدامِ﴾ فَقالَ ابْنُ عَبّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهُما: يُؤْخَذُ كُلُّ كافِرٍ بِناصِيَتِهِ وقَدَمِهِ فَيُطْوى ويُجْمَعُ كالحَطَبِ، ويُلْقى كَذَلِكَ في النارِ، وقالَ النِقّاشُ: رُوِيَ أنَّ هَذا الطَيَّ عَلى ناحِيَةِ الصُلْبِ قَعَسًا، وقالَهُ الضَحّاكُ، وقالَ آخَرُونَ: بَلْ عَلى ناحِيَةِ الوَجْهِ، قالُوا: فَهَذا مَعْنى: ﴿فَيُؤْخَذُ بِالنَواصِي والأقْدامِ﴾، وقالَ قَوْمٌ في كِتابِ الثَعْلَبِيِّ: إنَّما يُسْحَبُ الكَفَرَةُ سَحْبًا، فَبَعْضُهم يُجَرُّ بِقَدَمَيْهِ، وبَعْضُهم بِناصِيَتِهِ، فَأخْبَرَ في هَذِهِ الآيَةِ أنَّ الأخْذَ يَكُونُ بِالنَواصِي ويَكُونُ بِالأقْدامِ. وقَوْلُهُ تَعالى: "هَذِهِ جَهَنَّمُ" قَبْلَها مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ: يُقالُ لَهم عَلى جِهَةِ التَوْبِيخِ والتَقْرِيرِ، وفي مُصْحَفِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ: "هَذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي كُنْتُما بِها تُكَذِّبانِ، تَصْلَيانِها لا تَمُوتانِ فِيها ولا تَحْيَيانِ". وقَرَأ جُمْهُورُ الناسِ: "يَطُوفُونَ" بِضَمِّ الياءِ وضَمِّ الطاءِ وسُكُونِ الواوِ، وقَرَأ طَلْحَةُ بْنُ مُصَرِّفٍ: "يُطَوَّفُونَ" بِضَمِّ الياءِ وفَتْحِ الطاءِ وشَدِّ الواوِ، وقَرَأ أبُو عَبْدِ الرَحْمَنِ: "يُطافُونَ"، وهي قِراءَةُ عَلِيِّ بْنِ أبِي طالِبٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ، والمَعْنى في هَذا كُلِّهِ أنَّهم يَتَرَدَّدُونَ بَيْنَ نارِ جَهَنَّمَ وجَمْرِها وبَيْنَ حَمِيمٍ، وهو ما غُلِيَ في جَهَنَّمَ مِن مائِعٍ عَذابُها، و"الحَمِيمُ": الماءُ السُخْنُ، وقالَ قَتادَةُ: إنَّ العَذابَ الَّذِي هو الحَمِيمُ يَغْلِي مُنْذُ خَلْقِ اللهِ تَعالى جَهَنَّمَ، وأنى الشَيْءَ: خَضُرَ، وأنى اللَحْمَ أو ما يُطْبَخُ أو يَغْلِي: نَضُجَ وتَناهى حَرُّهُ والمُرادُ مِنهُ، ويُحْتَمَلُ أنْ يَكُوَنَ مِن هَذا ومِن هَذا، وكَوْنُهُ مِنَ الثانِي أبْيَنُ، ومِنهُ قَوْلُهُ تَعالى: {غَيْرَ ناظِرِينَ إناهُ}، ومِنَ المَعْنى الآخَرِ قَوْلُ الشاعِرِ: ؎ ............ ∗∗∗ أنى ولِكُلِّ حامِلَةٍ تَمامُ (p-١٧٧)وَيُشْبِهُ أنْ يَكُونَ الأمْرُ في المَعْنَيَيْنِ قَرِيبًا بَعْضُهُ مِن بَعْضٍ، والأوَّلُ أعَمُّ مِنَ الثانِي.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب