الباحث القرآني
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿فَيَوْمَئِذٍ لا يُسْألُ عَنْ ذَنْبِهِ إنْسٌ ولا جانٌّ﴾ .
ذَكَرَ - جَلَّ وعَلا - في هَذِهِ الآيَةِ الكَرِيمَةِ أنَّهُ يَوْمَ القِيامَةِ لا يَسْألُ إنْسًا ولا جانًّا عَنْ ذَنْبِهِ، وبَيَّنَ هَذا المَعْنى في قَوْلِهِ تَعالى في القَصَصِ: ﴿وَلا يُسْألُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ المُجْرِمُونَ﴾ [القصص: ٧٨] .
وَقَدْ ذَكَرَ - جَلَّ وعَلا - في آياتٍ أُخَرَ أنَّهُ يَسْألُ جَمِيعَ النّاسِ يَوْمَ القِيامَةِ الرُّسُلَ والمُرْسَلَ إلَيْهِمْ، وذَلِكَ في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿فَلَنَسْألَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إلَيْهِمْ ولَنَسْألَنَّ المُرْسَلِينَ﴾ [الأعراف: ٦]، وقَوْلِهِ: ﴿فَوَرَبِّكَ لَنَسْألَنَّهم أجْمَعِينَ﴾ ﴿عَمّا كانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [الحجر: ٩٢ - ٩٣] .
وَقَدْ جاءَتْ آياتٌ مِن كِتابِ اللَّهِ مُبَيِّنَةً لِوَجْهِ الجَمْعِ بَيْنَ هَذِهِ الآياتِ الَّتِي قَدْ يَظُنُّ غَيْرُ العالِمِ أنَّ بَيْنَها اخْتِلافًا.
اعْلَمْ أوَّلًا أنَّ السُّؤالَ المَنفِيَّ في قَوْلِهِ هُنا ﴿فَيَوْمَئِذٍ لا يُسْألُ عَنْ ذَنْبِهِ إنْسٌ ولا جانٌّ﴾، وقَوْلِهِ: ﴿وَلا يُسْألُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ المُجْرِمُونَ﴾ [القصص: ٧٨] - أخَصُّ مِنَ السُّؤالِ المُثْبَتِ في قَوْلِهِ: ﴿فَوَرَبِّكَ لَنَسْألَنَّهم أجْمَعِينَ﴾ ﴿عَمّا كانُوا يَعْمَلُونَ﴾، لِأنَّ هَذِهِ فِيها تَعْمِيمُ السُّؤالِ في كُلِّ عَمَلٍ، والآيَتانِ قَبْلَها لَيْسَ فِيهِما نَفْيُ السُّؤالِ إلّا عَنِ الذُّنُوبِ خاصَّةً، ولِلْجَمْعِ بَيْنَ هَذِهِ الآياتِ أوْجُهٌ مَعْرُوفَةٌ عِنْدَ العُلَماءِ.
الأوَّلُ مِنهُما: وهو الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ القُرْآنُ، وهو مَحِلُّ الشّاهِدِ عِنْدَنا مِن بَيانِ القُرْآنِ بِالقُرْآنِ هُنا، هو أنَّ السُّؤالَ نَوْعانِ: أحَدُهُما سُؤالُ التَّوْبِيخِ والتَّقْرِيعِ وهو مِن أنْواعِ العَذابِ، والثّانِي هو سُؤالُ الِاسْتِخْبارِ والِاسْتِعْلامِ.
فالسُّؤالُ المَنفِيُّ في بَعْضِ الآياتِ هو سُؤالُ الِاسْتِخْبارِ والِاسْتِعْلامِ، لِأنَّ اللَّهَ أعْلَمُ (p-٥٠٤)بِأفْعالِهِمْ مِنهم أنْفُسِهِمْ كَما قالَ تَعالى: ﴿أحْصاهُ اللَّهُ ونَسُوهُ﴾ [المجادلة: ٦] .
وَعَلَيْهِ فالمَعْنى: لا يُسْألُ عَنْ ذَنْبِهِ إنْسٌ ولا جانٌّ سُؤالَ اسْتِخْبارٍ واسْتِعْلامٍ لِأنَّ اللَّهَ أعْلَمُ بِذَنْبِهِ مِنهُ.
والسُّؤالُ المُثْبَتُ في الآياتِ الأُخْرى هو سُؤالُ التَّوْبِيخِ والتَّقْرِيعِ، سَواءٌ كانَ عَنْ ذَنْبٍ أوْ غَيْرِ ذَنْبٍ. ومِثالُ سُؤالِهِمْ عَنِ الذُّنُوبِ سُؤالَ تَوْبِيخٍ وتَقْرِيعٍ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿فَأمّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهم أكَفَرْتُمْ بَعْدَ إيمانِكم فَذُوقُوا العَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ﴾ [آل عمران: ١٠٦]، ومِثالُهُ عَنْ غَيْرِ ذَنْبٍ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَقِفُوهم إنَّهم مَسْئُولُونَ﴾ ﴿ما لَكم لا تَناصَرُونَ﴾ ﴿بَلْ هُمُ اليَوْمَ مُسْتَسْلِمُونَ﴾ [الصافات: ٢٤ - ٢٦]، وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿يَوْمَ يُدَعُّونَ إلى نارِ جَهَنَّمَ دَعًّا﴾ ﴿هَذِهِ النّارُ الَّتِي كُنْتُمْ بِها تُكَذِّبُونَ﴾ ﴿أفَسِحْرٌ هَذا﴾ [الطور: ١٣ - ١٥]، وقَوْلُهُ: ﴿ألَمْ يَأْتِكم رُسُلٌ مِنكُمْ﴾ [الأنعام: ١٣٠] .
أمّا سُؤالُ المَوْءُودَةِ في قَوْلِهِ: ﴿وَإذا المَوْءُودَةُ سُئِلَتْ﴾ [التكوير: ٨]، فَلا يُعارِضُ الآياتِ النّافِيَةَ السُّؤالَ عَنِ الذَّنْبِ، لِأنَّها سُئِلَتْ عَنْ أيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ وهَذا لَيْسَ مِن ذَنْبِها، والمُرادُ بِسُؤالِها تَوْبِيخُ قاتِلِها وتَقْرِيعُهُ، لِأنَّها هي تَقُولُ لا ذَنْبَ لِي فَيَرْجِعُ اللَّوْمُ عَلى مَن قَتَلَها ظُلْمًا.
وَكَذَلِكَ سُؤالُ الرُّسُلِ، فَإنَّ المُرادَ بِهِ تَوْبِيخُ مَن كَذَّبَهم وتَقْرِيعُهُ، مَعَ إقامَةِ الحُجَّةِ عَلَيْهِ بِأنَّ الرُّسُلَ قَدْ بَلَّغَتْهُ، وباقِي أوْجُهِ الجَمْعِ بَيْنَ الآياتِ لا يَدُلُّ عَلَيْهِ قُرْآنٌ، ومَوْضُوعُ هَذا الكِتابِ بَيانُ القُرْآنِ بِالقُرْآنِ، وقَدْ بَيَّنّا بَقِيَّتَها في كِتابِنا ”دَفْعُ إيهامِ الِاضْطِرابِ عَنْ آياتِ الكِتابِ“ في أوَّلِ سُورَةِ الأعْرافِ.
وَقَدْ قَدَّمْنا طَرَفًا مِن هَذا الكِتابِ المُبارَكِ في سُورَةِ الأعْرافِ في الكَلامِ عَلى قَوْلِهِ تَعالى: ﴿فَلَنَسْألَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إلَيْهِمْ ولَنَسْألَنَّ المُرْسَلِينَ﴾ [الأعراف: ٦] .
⁕ ⁕ ⁕
* قال المؤلف في (دفع إيهام الإضطراب عن آيات الكتاب):
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿فَيَوْمَئِذٍ لا يُسْألُ عَنْ ذَنْبِهِ إنْسٌ ولا جانٌّ﴾ .
تَقَدَّمَ وجْهُ الجَمْعِ بَيْنَهُ وبَيْنَ قَوْلِهِ تَعالى ﴿فَوَرَبِّكَ لَنَسْألَنَّهم أجْمَعِينَ﴾ ﴿عَمّا كانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [الحجر: ٩٢ - ٩٣] .
وَقَوْلِهِ: ﴿فَلَنَسْألَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إلَيْهِمْ﴾ الآيَةَ [الأعراف: ٦] في سُورَةِ ”الأعْرافِ“ .
{"ayah":"فَیَوۡمَىِٕذࣲ لَّا یُسۡـَٔلُ عَن ذَنۢبِهِۦۤ إِنسࣱ وَلَا جَاۤنࣱّ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق