الباحث القرآني

قوله عزّ وجلّ: ﴿يُدَبِّرُ الأمْرَ مِنَ السَماءِ إلى الأرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إلَيْهِ في يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ ألْفَ سَنَةٍ مِمّا تَعُدُّونَ﴾ ﴿ "الأمْرُ"﴾ اسْمُ جِنْسٍ لِجَمِيعِ الأُمُورِ، والمَعْنى: يُنَفِّذُ اللهُ تَعالى قَضاءَهُ بِجَمِيعِ ما يَشاؤُهُ، ثُمَّ يَرْجِعُ إلَيْهِ خَبَرُ ذَلِكَ في يَوْمٍ مِن أيّامِ الدُنْيا مِقْدارُهُ - وإنَّ لَوْ يَسِيرُ فِيهِ السَيْرَ المَعْرُوفَ مِنَ البَشَرِ - ألْفُ سَنَةٍ؛ لَأنَّ ما بَيْنَ السَماءِ والأرْضِ خَمْسَمِائَةِ سَنَةٍ، هَذا أحَدُ الأقْوالِ، وهو قَوْلُ مُجاهِدٍ، وابْنِ عَبّاسٍ، وقَتادَةَ، وعِكْرِمَةَ، والضَحّاكِ. وقالَ مُجاهِدٌ أيْضًا: إنَّ المَعْنى أنَّ الضَمِيرَ في ﴿ "مِقْدارُهُ"﴾ عائِدٌ عَلى التَدْبِيرِ، أيْ: كَأنَ مِقْدارَ التَدْبِيرِ المُنْقَضِي في يَوْمِ القِيامَةِ ألْفُ سَنَةٍ لَوْ دَبَّرَهُ البَشَرُ. وقالَ مُجاهِدٌ أيْضًا: المَعْنى أنَّ اللهَ تَعالى يُدَبِّرُ ويُلْقِي إلى المَلائِكَةِ أُمُورَ ألْفِ سَنَةٍ مِن عَدِّنا، وهو اليَوْمُ عِنْدَهُ، فَإذا فَرَغَتْ ألْقى إلَيْهِمْ مِثْلَها، فالمَعْنى أنَّ الأُمُورَ تُنَفَّذُ عِنْدَهُ لِهَذِهِ المُدَّةِ، ثُمَّ تَصِيرُ إلَيْهِ آخِرًا؛ لِأنَّ عاقِبَةَ الأُمُورِ إلَيْهِ. وقِيلَ: المَعْنى: يُدَبِّرُ الأمْرَ مِنَ السَماءِ إلى الأرْضِ في مُدَّةِ الدُنْيا، ثُمَّ يَرْجِعُ إلَيْهِ في يَوْمِ القِيامَةِ، ويَوْمُ القِيامَةِ مِقْدارُهُ ألْفُ سَنَةٍ مِن عَدِّنا، وهو عَلى الكُفّارِ قَدْرُ خَمْسِينَ ألْفَ سَنَةٍ لِهَوْلِهِ وشُنْعَتِهِ حَسْبَما في سُورَةِ ﴿ "سَألَ سائِلٌ".﴾ [المعارج: ١] وسَنَذْكُرُ هُناكَ ما فِيهِ مِنَ التَأْوِيلِ والأقْوالِ إنْ شاءَ اللهُ تَعالى. وحَكى الطَبَرِيُّ في هَذِهِ الآيَةِ عن بَعْضِهِمْ أنَّهُ قالَ: "قَوْلُهُ: ﴿فِي يَوْمٍ﴾ إلى آخَرِ الآيَةِ (p-٦٨)مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ قَبْلَ هَذا: ﴿فِي سِتَّةِ أيّامٍ﴾ [السجدة: ٤] ومُتَّصِلٌ بِهِ، أيْ أنَّ تِلْكَ السِتَّةَ كُلُّ واحِدٍ مِنها مِن ألْفِ سَنَةٍ". قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللهُ: وهَذا قَوْلٌ ضَعِيفٌ مُكْرَهَةٌ ألْفاظُ هَذِهِ الآيَةِ عَلَيْهِ، رادَّةٌ لَهُ الأحادِيثُ الَّتِي تُثْبِتُ أيّامَ خَلْقِ اللهِ تَعالى المَخْلُوقاتِ، وحُكِيَ أيْضًا عَنِ ابْنِ زَيْدٍ، عن بَعْضِ أهْلِ العِلْمِ أنَّ الضَمِيرَ في "مِقْدارُهُ" عائِدٌ عَلى "العُرُوجِ"، والعُرُوجُ: الصُعُودُ، والمَعارِجُ: الأدْراجُ الَّتِي يُصْعَدُ عَلَيْها. وقالَتْ فِرْقَةٌ: مَعْنى الآيَةِ: يُدَبِّرُ أمْرَ الشَمْسِ في أنَّها تَصْعَدُ وتَنْزِلُ في يَوْمٍ، وذَلِكَ قَدْرُ ألْفِ سَنَةٍ. قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللهُ: وهَذا أيْضًا ضَعِيفٌ، وظاهِرُ عَوْدِ الضَمِيرِ في "إلَيْهِ" عَلى اسْمِ اللهِ تَعالى، كَما قالَ: ﴿ذاهِبٌ إلى رَبِّي﴾ [الصافات: ٩٩]، وكَما قالَ: ﴿مُهاجِرٌ إلى رَبِّي﴾ [العنكبوت: ٢٦]، وهَذا كُلُّهُ بَرِيءٌ مِنَ التَحَيُّزِ. وقِيلَ: إنَّ الضَمِيرَ يَعُودُ عَلى "السَماءِ" لِأنَّها قَدْ تُذْكَرُ. وقَرَأ جُمْهُورُ الناسِ: ﴿ "تَعُدُّونَ"﴾ بِالتاءِ، وقَرَأ الأعْمَشُ، والحَسَنُ - بِخِلافٍ عنهُ -: "يَعُدُّونَ" بِالياءِ مِن تَحْتٍ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب