الباحث القرآني

(p-٣٦٠)قوله عزّ وجلّ: ﴿إنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أنْ تَشِيعَ الفاحِشَةُ في الَّذِينَ آمَنُوا لَهم عَذابٌ ألِيمٌ في الدُنْيا والآخِرَةِ واللهُ يَعْلَمُ وأنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ﴾ ﴿وَلَوْلا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكم ورَحْمَتُهُ وأنَّ اللهِ رَءُوفٌ رَحِيمٌ﴾ قالَ مُجاهِدٌ، وابْنُ زَيْدٍ: الإشارَةُ بِهَذِهِ الآيَةِ إلى المُنافِقِينَ، عَبْدِ اللهِ بْنِ أُبَيٍّ ومَن أشْبَهَهُ، وهي خاصَّةٌ في أمْرِ عائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عنها. قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللهُ: فَحُبُّهم شَياعُ الفاحِشَةِ في المُؤْمِنِينَ مُتَمَكِّنٌ عَلى وجْهِهِ لِعَداوَتِهِمْ في أهْلِ الإيمانِ، وعَذابُهُمُ الألِيمُ في الدُنْيا الحُدُودُ، وفي الآخِرَةِ النارُ. وقالَتْ فُرْقَةٌ -وَقَوْلُها هو الأظْهَرُ-: الآيَةُ عامَّةٌ في كُلِّ قاذِفٍ مُنافِقًا كانَ أو مُؤْمِنًا. قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللهُ: والقاذِفُ المُؤْمِنُ لا يَتَّصِفُ بِحُبِّ شَياعِ الفاحِشَةِ في المُؤْمِنِينَ جُمْلَةً، لَكِنَّهُ يُحِبُّها لِمَقْذُوفِهِ، وكَذَلِكَ آخَرُ لِمَقْذُوفِهِ، وآخَرُ حَتّى تَشِيعَ الفاحِشَةُ مِن مَجْمُوعِ فِعْلِهِمْ، فَهم لَها مُحِبُّونَ بِهَذا الوَجْهِ مِن حَيْثُ أحَبَّ كُلُّ واحِدٍ جُزْءًا مِن شَياعِها، والعَذابُ الألِيمُ في الدُنْيا الحُدُودُ، وفي الآخِرَةِ يَحْتَمِلُ وجْهَيْنِ: أحَدُهُما أنْ يَكُونَ القاذِفُ مُتَوَعَّدًا مِن بَيْنِ العُصاةِ بِعَذابٍ في الآخِرَةِ لا يُزِيلُهُ الحَدُّ حَسْبَ مُقْتَضى حَدِيثِ عُبادَةَ بْنِ الصامِتِ، ويَكُونُ أمْرُهُ كَأمْرِ المُحارِبِينَ إذا صُلِبُوا، خِزْيٌ في الدُنْيا ولَهم في الآخِرَةِ عَذابٌ. والوَجْهُ الثانِي أنْ يُحْكَمَ بِأنَّ الحَدَّ مُسْقِطٌ عَذابَ الآخِرَةِ حَسْبَ حَدِيثِ عُبادَةَ، وأنَّ قَوْلَهُ: "والآخِرَةِ" (p-٣٦١)لا يُرِيدُ بِهِ عُمُومَ القَذْفَةِ، بَلْ يُرِيدُ إمّا المُنافِقِينَ وإمّا مَن لَمْ يَجِدْ، وقالَ الطَبَرِيُّ: مَعْناهُ: إنْ ماتَ مُصِرًّا غَيْرَ تائِبٍ. وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿واللهُ يَعْلَمُ﴾ مَعْناهُ: البَرِيءُ مِنَ المُذْنِبِ، وسائِرُ الأُمُورِ، ووَجْهُ الحِكْمَةِ في سَتْرِكم والتَغْلِيظِ في الوَعِيدِ والعَذابِ عَلى قاذِفِيكم. وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَلَوْلا فَضْلُ اللهِ﴾ الآيَةُ. جَوابُ "لَوْلا" مَحْذُوفٌ لِدَلالَةِ الكَلامِ عَلَيْهِ، تَقْدِيرُهُ: لَفَضَحَكم بِذُنُوبِكم ولَمْ يَسْتُرْكُمْ، ولَعَذَّبَكم فِيما أفَضْتُمْ فِيهِ مِن قَوْلِ الباطِلِ والبُهْتانِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب