الباحث القرآني

ولَمّا خَتَمَ بِالحُكْمِ عَلَيْهِمْ بِالجَهْلِ، وكانَ التَّقْدِيرُ كَما أرْشَدَ إلَيْهِ ما يَأْتِي مِنَ العَطْفِ عَلى غَيْرِ مَعْطُوفٍ: فَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكم ورَحْمَتُهُ بِكم لَعَجَّلَ هَلاكَ المُحِبِّينَ لِشُيُوعِ ذَلِكَ بِعَذابِ الدُّنْيا لِيَكُونَ مَوْصُولًا بِعَذابِ الآخِرَةِ، عَطَفَ عَلَيْهِ قَوْلَهُ مُكَرِّرًا التَّذْكِيرَ بِالمِنَّةِ بِتَرْكِ المُعاجَلَةِ حاذِفًا الجَوابَ، مُنَبِّهًا بِالتَّكْرِيرِ والحَذْفِ عَلى قُوَّةِ المُبالِغَةِ وشِدَّةِ التَّهْوِيلِ: ﴿ولَوْلا فَضْلُ اللَّهِ﴾ أيِ الحائِزِ لِجَمِيعِ الجَلالِ والإكْرامِ ﴿عَلَيْكم ورَحْمَتُهُ﴾ بِكم ﴿وأنَّ﴾ أيْ ولَوْلا أنْ ﴿اللَّهِ﴾ أيِ الَّذِي لَهُ القُدْرَةُ التّامَّةُ فَسَبَقَتْ رَحْمَتُهُ غَضَبَهُ ﴿رَءُوفٌ﴾ بِكم في نَصْبِ ما يُزِيلُ جَهْلَكم بِما يَحْفَظُ (p-٢٣٥)مِن سَرائِرِكم بِإرْسالِ الرُّسُلِ وإنْزالِ الكُتُبِ ونَصْبِ الحُدُودِ، الزّاجِرَةِ عَنِ الجَهْلِ، الحامِلَةِ عَلى التَّقْوى، الَّتِي هي ثَمَرَةُ العِلْمِ، فَإنَّ الرَّأْفَةَ كَما تَقَدَّمَ في الحَجِّ وغَيْرِها تُقِيمُ المَرْؤُوفَ بِهِ لِأنَّها ألْطَفُ الرَّحْمَةِ وأبْلَغُها عَلى أقْوَمِ سَنَنٍ حَتّى تَحْفَظَ بِمَسْراها في سِرِّهِ ظُهُورَ ما يَسْتَدْعِي العَفْوَ، وتارَةً يَكُونُ هَذا الحِفْظُ بِالقُوَّةِ بِنَصْبِ الأدِلَّةِ، وتارَةً يَضُمُّ إلى ذَلِكَ الفِعْلِ بِخَلْقِ الهِدايَةِ في القَلْبِ بِما لِلْمَرْؤُوفِ بِهِ مِنَ الوَصْلَةِ بِسُهُولَةِ الِانْقِيادِ وقُوَّةِ الِاسْتِعْدادِ ﴿رَحِيمٌ﴾ بِما يُثْبِتُ لَكم مِنَ الدَّرَجاتِ عَلى ما مَنَحَكم بِهِ مِن ثَمَراتِ ذَلِكَ الحِفْظِ مِنَ الأعْمالِ المُرْضِيَةِ، والجَوابُ مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ: لَتَرَكَكم في ظُلُماتِ الجَهْلِ تَعْمَهُونَ، فَثارَتْ بَيْنَكُمُ الفِتَنُ حَتّى تَفانَيْتُمْ ووَصَلْتُمْ إلى العَذابِ الدّائِمِ بَعْدَ الهَمِّ اللّازِمِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب