الباحث القرآني
فإنه تراءى للمشركين عند خروجهم إلى بدر في صورة سراقة بن مالك، وقال: أنا جار لكم من بني كنانة أن يقصدوا أهلكم وذراريكم بسوء، فلما رأى عدو الله جنود الله تعالى من الملائكة نزلت لنصر رسوله فرَّ عنهم، وأسلمهم، كما قال حسان:
؎دَلاهُمُ بِغُرُورٍ، ثُمَّ أسْلَمَهم ∗∗∗ إنَّ الخبِيثَ لمنْ والاهُ غَرّارُ
وتكلم الناس في قول عدو الله ﴿إنِّي أخافُ اللَّهَ﴾ فقال قتادة وابن إسحاق: "صدق عدو الله في قوله ﴿إنِّي أرى ما لا تَرَوْن﴾ وكذب في قوله ﴿إنِّي أخافُ اللَّهَ﴾ والله ما به مخافة الله، ولكن علم أنه لا قوة له ولا منعة فأوردهم وأسلمهم.
وكذلك عادة عدو الله بمن أطاعه".
وقالت طائفة: "إنما خاف بطش الله تعالى به في الدنيا، كما يخاف الكافر والفاجر أن يقتل أو يؤخذ بجرمه، لا أنه خاف عقابه في الآخرة". وهذا أصح، وهذا الخوف لا يستلزم إيمانا ولا نجاة.
قال الكلبي: "خاف أن يأخذه جبريل فيعرفهم حاله فلا يطيعونه".
وهذا فاسد، فإنه إنما قال لهم ذلك بعد أن فر ونكص على عقبيه، إلا أن يريد أنه إذا عرف المشركون أن الذي أجارهم وأوردهم إبليس لم يطيعوه فيما بعد ذلك، وقد أبعد النجعة إن أراد ذلك، وتكلف غير المراد.
وقال عطاء: "إني أخاف الله أن يهلكني فيمن يهلك"، وهذا خوف هلاك الدنيا فلا ينفعه.
وقال الزجاج وابن الأنباري: "ظن أن الوقت الذي أنظر إليه قد حضر".
زاد ابن الأنباري قال: "أخاف أن يكون الوقت المعلوم الذي يزول معه إنظاري قد حضر فيقع بي العذاب، فإنه لما عاين الملائكة خاف أن يكون وقت الإنظار قد انقضى، فقال ما قال إشفاقا على نفسه".
* [فصل: ظُهُورُ إبْلِيسَ في صُورَةِ سُراقَةَ الكِنانِيِّ ووَسْوَسَتُهُ لِقُرَيْشٍ]
وَلَمّا عَزَمُوا عَلى الخُرُوجِ، ذَكَرُوا ما بَيْنَهم وبَيْنَ بَنِي كِنانَةَ مِنَ الحَرْبِ، فَتَبَدّى لَهم إبْلِيسُ في صُورَةِ سراقة بن مالك المدلجي، وكانَ مِن أشْرافِ بَنِي كِنانَةَ، فَقالَ لَهُمْ: لا غالِبَ لَكُمُ اليَوْمَ مِنَ النّاسِ، وإنِّي جارٌ لَكم مِن أنْ تَأْتِيَكم كِنانَةُ بِشَيْءٍ تَكْرَهُونَهُ، فَخَرَجُوا والشَّيْطانُ جارٌ لَهم لا يُفارِقُهُمْ، فَلَمّا تَعَبَّئُوا لِلْقِتالِ، ورَأى عَدُوُّ اللَّهِ جُنْدَ اللَّهِ قَدْ نَزَلَتْ مِنَ السَّماءِ، فَرَّ ونَكَصَ عَلى عَقِبَيْهِ، فَقالُوا: إلى أيْنَ يا سراقة؟ ألَمْ تَكُنْ قُلْتَ: إنَّكَ جارٌ لَنا لا تُفارِقُنا؟ فَقالَ: إنِّي أرى ما لا تَرَوْنَ، إنِّي أخافُ اللَّهَ، واللَّهُ شَدِيدُ العِقابِ، وصَدَقَ في قَوْلِهِ: إنِّي أرى ما لا تَرَوْنَ، وكَذَبَ في قَوْلِهِ: إنِّي أخافُ اللَّهَ، وقِيلَ: كانَ خَوْفُهُ عَلى نَفْسِهِ أنْ يَهْلِكَ مَعَهُمْ، وهَذا أظْهَرُ.
وَذَكَرَ الطَّبَرانِيُّ في " مُعْجَمِهِ الكَبِيرِ " عَنْ رفاعة بن رافع، قالَ: (لَمّا رَأى إبْلِيسُ ما تَفْعَلُ المَلائِكَةُ بِالمُشْرِكِينَ يَوْمَ بَدْرٍ، أشْفَقَ أنْ يَخْلُصَ القَتْلُ إلَيْهِ، فَتَشَبَّثَ بِهِ الحارِثُ بْنُ هِشامٍ، وهو يَظُنُّهُ سراقة بن مالك، فَوَكَزَ في صَدْرِ الحارث فَألْقاهُ، ثُمَّ خَرَجَ هارِبًا حَتّى ألْقى نَفْسَهُ في البَحْرِ، ورَفَعَ يَدَيْهِ، وقالَ: اللَّهُمَّ إنِّي أسْألُكَ نَظْرَتَكَ إيّايَ، وخافَ أنْ يَخْلُصَ إلَيْهِ القَتْلُ، فَأقْبَلَ أبو جهل بن هشام، فَقالَ: يا مَعْشَرَ النّاسِ! لا يَهْزِمَنَّكم خِذْلانُ سراقة إيّاكُمْ، فَإنَّهُ كانَ عَلى ميعاد مِن مُحَمَّدٍ، ولا يَهُولَنَّكم قَتْلُ عتبة وشيبة والوليد فَإنَّهم قَدْ عُجِّلُوا، فَواللّاتِ والعُزّى، لا نَرْجِعُ حَتّى نَقْرِنَهم بِالحِبالِ، ولا أُلْفِيَنَّ رَجُلًا مِنكم قَتَلَ رَجُلًا مِنهُمْ، ولَكِنْ خُذُوهم أخْذًا حَتّى نُعَرِّفَهم سُوءَ صَنِيعِهِمْ).
وَلَمّا رَأى المُنافِقُونَ ومَن في قَلْبِهِ مَرَضٌ قِلَّةَ حِزْبِ اللَّهِ وكَثْرَةَ أعْدائِهِ، ظَنُّوا أنَّ الغَلَبَةَ إنَّما هي بِالكَثْرَةِ، وقالُوا: ﴿غَرَّ هَؤُلاءِ دِينُهُمْ﴾، فَأخْبَرَ سُبْحانَهُ أنَّ النَّصْرَ بِالتَّوَكُّلِ عَلَيْهِ لا بِالكَثْرَةِ، ولا بِالعَدَدِ، واللَّهُ عَزِيزٌ لا يُغالَبُ، حَكِيمٌ يَنْصُرُ مَن يَسْتَحِقُّ النَّصْرَ، وإنْ كانَ ضَعِيفًا، فَعِزَّتُهُ وحِكْمَتُهُ أوْجَبَتْ نَصْرَ الفِئَةِ المُتَوَكِّلَةِ عَلَيْهِ.
وَلَمّا دَنا العَدُوُّ وتَواجَهَ القَوْمُ، «قامَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ في النّاسِ، فَوَعَظَهُمْ، وذَكَّرَهم بِما لَهم في الصَّبْرِ والثَّباتِ مِنَ النَّصْرِ والظَّفَرِ العاجِلِ، وثَوابِ اللَّهِ الآجِلِ، وأخْبَرَهم أنَّ اللَّهَ قَدْ أوْجَبَ الجَنَّةَ لِمَنِ اسْتُشْهِدَ في سَبِيلِهِ، فَقامَ عمير بن الحمام، فَقالَ: يا رَسُولَ اللَّهِ، جَنَّةٌ عَرْضُها السَّماواتُ والأرْضُ؟ قالَ: " نَعَمْ ". قالَ: بَخٍ بَخٍ يا رَسُولَ اللَّهِ، قالَ: ما يَحْمِلُكَ عَلى قَوْلِكَ بَخٍ بَخٍ؟ قالَ: لا واللَّهِ يا رَسُولَ اللَّهِ إلّا رَجاءَ أنْ أكُونَ مِن أهْلِها، قالَ: " فَإنَّكَ مِن أهْلِها " قالَ: فَأخْرَجَ تَمَراتٍ مِن قَرَنِهِ، فَجَعَلَ يَأْكُلُ مِنهُنَّ، ثُمَّ قالَ: لَئِنْ حَيِيتُ حَتّى آكُلَ تَمَراتِي هَذِهِ، إنَّها لَحَياةٌ طَوِيلَةٌ، فَرَمى بِما كانَ مَعَهُ مِنَ التَّمْرِ، ثُمَّ قاتَلَ حَتى قُتِلَ. فَكانَ أوَّلَ قَتِيلٍ».
وَأخَذَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ مِلْءَ كَفِّهِ مِنَ الحَصْباءِ، فَرَمى بِها وُجُوهَ العَدُوِّ، فَلَمْ تَتْرُكْ رَجُلًا مِنهم إلّا مَلَأتْ عَيْنَيْهِ، وشُغِلُوا بِالتُّرابِ في أعْيُنِهِمْ، وشُغِلَ المُسْلِمُونَ بِقَتْلِهِمْ، فَأنْزَلَ اللَّهُ في شَأْنِ هَذِهِ الرَّمْيَةِ عَلى رَسُولِهِ: ﴿وَما رَمَيْتَ إذْ رَمَيْتَ ولَكِنَّ اللَّهَ رَمى﴾ [الأنفال: ١٧].
{"ayahs_start":48,"ayahs":["وَإِذۡ زَیَّنَ لَهُمُ ٱلشَّیۡطَـٰنُ أَعۡمَـٰلَهُمۡ وَقَالَ لَا غَالِبَ لَكُمُ ٱلۡیَوۡمَ مِنَ ٱلنَّاسِ وَإِنِّی جَارࣱ لَّكُمۡۖ فَلَمَّا تَرَاۤءَتِ ٱلۡفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَىٰ عَقِبَیۡهِ وَقَالَ إِنِّی بَرِیۤءࣱ مِّنكُمۡ إِنِّیۤ أَرَىٰ مَا لَا تَرَوۡنَ إِنِّیۤ أَخَافُ ٱللَّهَۚ وَٱللَّهُ شَدِیدُ ٱلۡعِقَابِ","إِذۡ یَقُولُ ٱلۡمُنَـٰفِقُونَ وَٱلَّذِینَ فِی قُلُوبِهِم مَّرَضٌ غَرَّ هَـٰۤؤُلَاۤءِ دِینُهُمۡۗ وَمَن یَتَوَكَّلۡ عَلَى ٱللَّهِ فَإِنَّ ٱللَّهَ عَزِیزٌ حَكِیمࣱ"],"ayah":"إِذۡ یَقُولُ ٱلۡمُنَـٰفِقُونَ وَٱلَّذِینَ فِی قُلُوبِهِم مَّرَضٌ غَرَّ هَـٰۤؤُلَاۤءِ دِینُهُمۡۗ وَمَن یَتَوَكَّلۡ عَلَى ٱللَّهِ فَإِنَّ ٱللَّهَ عَزِیزٌ حَكِیمࣱ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق