الباحث القرآني
* (فصل)
الصدقة والإحسان والإعطاء وصف الرب تعالى، وأحب عباده إليه من اتصف بذلك كما قال النبي:
"الخلق عيال الله فأحب الخلق إليه أنفعهم لعياله" قالوا وقد ذكر الله سبحانه اصناف السعداء فبدأ بالمتصدقين أولهم فقال تعالى ﴿إنَّ المُصَّدِّقِينَ والمُصَّدِّقاتِ وأقْرَضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا يُضاعَفُ لَهم ولَهم أجْرٌ كَرِيمٌ والَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ ورُسُلِهِ أُولَئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ والشُّهَداءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ لَهم أجْرُهم ونُورُهُمْ﴾
فهؤلاء أصناف السعداء ومقدموهم المصدقين والمصدقات.
قالوا وفي الصدقة فوائد ومنافع لا يحصيها إلا الله
فمنها أنها تقي مصارع السوء، وتدفع البلاء حتى إنها لتدفع عن الظالم.
قال إبراهيم النخعي وكانوا يرون أن الصدقة تدفع عن الرجل المظلوم وتطفئ الخطيئة، وتحفظ المال وتجلب الرزق وتفرح القلب، وتوجب الثقة بالله وحسن الظن به، كما أن البخل سوء الظن بالله.
وترغم الشيطان يعني الصدقة وتزكي النفس وتنميها وتحبب العبد إلى الله وإلى خلقه، وتستر عليه كل عيب كما أن البخل يغطي عليه كل حسنة، وتزيد في العمر، وتستجلب أدعية الناس ومحبتهم، وتدفع عن صاحبها عذاب القبر، وتكون عليه ظلا يوم القيامة، وتشفع له عند الله، وتهون عليه شدائد الدنيا والآخرة، وتدعوه إلى سائر أعمال البر فلا تستعصي عليه.
وفوائدها ومنافعها أضعاف ذلك.
قالوا ولو لم يكن في النفع والإحسان إلا أنه صفة الله وهو سبحانه يحب من اتصف بموجب صفاته وآثارها، فيحب العليم والجواد والحيي والستير، والمؤمن القوي أحب إليه من المؤمن الضعيف، ويحب العدل والعفو والرحيم والشكور والبر والكريم فصفته الغنى والجود ويحب الغني الجواد
قالوا: ويكفي في فضل النفع المتعدي بالمال أن الجزاء عليه من جنس العمل فمن كسى مؤمنا كساه الله من حلل الجنة.
ومن أشبع جائعا أشبعه الله من ثمار الجنة.
ومن سقى ظمآنا سقاه الله من شراب الجنة.
ومن أعتق رقبة أعتق الله بكل عضو منه عضوا من النار حتى فرجه بفرجه.
ومن يسر على معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة.
ومن نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة.
والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه.
* (فصل)
اعلمْ أن أكرم الخلق على الله تعالى من المتقين من لا يزال لسانه رطبًا بذكره، فإنه اتقاه في أمره ونهيه وجعل ذكره شعاره.
فالتقوى أوجبت له دخول الجنة والنجاة من النار، وهذا هو الثواب والأجر.
والذكر يوجب له القرب من الله عز وجل والزلفى لديه، وهذه هي المنزلة.
وعمال الآخرة على قسمين: منهم من يعمل على الأجر والثواب، ومنهم من يعمل على المنزلة والدرجة، فهو ينافس غيره في الوسيلة والمنزلة عند الله تعالى ويسابق إلى القرب منه.
وقد ذكر الله تعالى النوعين في سورة الحديد في قول الله تعالى: ﴿إن المصدقين والمصدقات وأقرضوا الله قرضًا حسنًا يضاعف لهم ولهم أجر كريم﴾
فهؤلاء أصحاب الأجور والثواب، ثم قال: ﴿والذين آمنوا بالله ورسله أولئك هم الصديقون﴾
فهؤلاء أصحاب المنزلة والقرب ثم قال: ﴿والشهداء عند ربهم لهم أجرهم ونورهم﴾
فقيل هذا عطف على الخبر من ﴿الذين آمنوا بالله ورسله﴾
أخبر عنهم بأنهم هم الصديقون وأنهم الشهداء الذين يشهدون على الأمم، ثم أخبر عنهم أن لهم أجرًا وهو قوله تعالى ﴿لهم أجرهم ونورهم﴾ فيكون قد أخبر عنهم بأربعة أمور: أنهم صديقون، وشهداء.
فهذه هي المرتبة والمنزلة.
قيل: تم الكلام عند قوله تعالى: ﴿الصديقون﴾
ثم ذكر بعد ذلك حال الشهداء فقال: ﴿والشهداء عند ربهم لهم أجرهم ونورهم﴾
فيكون قد ذكر المتصدقين أهل البر والإحسان ثم المؤمنين الذين قد رسخ الإيمان في قلوبهم وامتلأوا منه، فهم الصديقون وهم أهل العلم والعمل، والأولون أهل البر والإحسان، ولكن هؤلاء أكمل صديقية منهم.
ثم ذكر الشهداء وأنه تعالى يجري عليهم رزقهم ونورهم لأنهم لما بذلوا أنفسهم لله تعالى أثابهم الله تعالى عليها أن جعلهم أحياء عنده يرزقون فيجري عليهم رزقهم ونورهم فهؤلاء السعداء.
ثم ذكر الأشقياء فقال: ﴿والذين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك أصحاب الجحيم﴾
والمقصود أنه سبحانه وتعالى ذكر أصحاب الأجور والمراتب، وهذان الأمران هما اللذان وعدهما فرعون السحرة إن غلبوا موسى عليه الصلاة والسلام فقالوا: ﴿إن لنا لأجرا إن كنا نحن الغالبين * قال نعم وإنكم لمن المقربين﴾
أي أجمع لكم بين الأجر والمنزلة عندي والقرب مني.
فالعمال عملوا على الأجور، والعارفون عملوا على المراتب والمنزلة والزلفى عند الله.
وأعمال هؤلاء القلبية أكثر من أعمال أولئك، وأعمال أولئك البدنية قد تكون أكثر من أعمال هؤلاء.
* (فصل)
قوله تعالى: ﴿والَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ ورُسُلِهِ أُولَئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ، والشُّهَداءُ عِندَ رَبِّهِمْ لَهم أجْرُهم ونُورُهُمْ﴾
قيل: إن الوقف على قوله تعالى: ﴿هُمُ الصِّدِّيقُونَ﴾ ثم يبتدئ (والشُّهَداءُ عِندَ رَبِّهِمْ)
فيكون الكلام جملتين أخبر في إحداهما عن المؤمنين بالله ورسله أنهم هم الصديقون، والإيمان التام يستلزم العلم والعمل والدعوة إلى الله بالتعليم والصبر عليه.
وأخبر في الثانية أن الشهداء عند ربهم لهم أجرهم ونورهم، ومرتبة الصديقين فوق مرتبة الشهداءِ، ولهذا قدمهم عليهم في الآيتين، هنا وفي سورة النساء، وهكذا جاءَ ذكرهم مقدمًا على الشهداءِ في كلام النبي ﷺ في قوله:
"اثبت أُحد فإنما عليك نبي وصديق وشهيد"
ولهذا كان نعت الصديقية وصفًا لأفضل الخلق بعد الأنبياء والمرسلين أبو بكر الصديق [رضي الله عنه]
ولو كان بعد النبوة درجة أفضل من الصديقية لكانت نعتًا له رضي الله عنه.
وقيل: إن الكلام كله جملة واحدة وأخبر عن المؤمنين بأنهم هم الصديقون والشهداءُ عند ربهم.
وعلى هذا فالشهداء هم الذين يستشدهم الله على الناس يوم القيامة وهو قوله تعالى: ﴿لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلى النّاسِ﴾ [البقرة: ١٤٣]
وهم المؤمنون، فوصفهم بأنهم صديقون في الدنيا وشهداءُ على الناس يوم القيامة، ويكون الشهداء وصفًا لجملة المؤمنين الصديقين.
وقيل: الشهداء هم الذين قتلوا في سبيل الله، وعلى هذا القول يترجح أن يكون الكلام جملتين ويكون قوله: (والشهداءُ) مبتدأ خبره ما بعده، لأنه ليس كل مؤمن صديق شهيدًا في سبيل الله.
ويرجحه أيضًا أنه لو كان الشهداء داخلًا في جملة الخبر عند المؤمنين لكان قوله تعالى: ﴿لَهُم أجْرُهم ونُورُهُمْ﴾ [الحديد: ١٩] داخلًا أيضًا في جملة الخبر عنهم ويكون قد أخبر عنهم بثلاثة أشياء:
أحدها: أنهم هم الصديقون، والثاني: أنهم هم الشهداءُ، والثالث: أن لهم أجرهم ونورهم.
وذلك يتضمن عطف الخبر الثاني على الأول، ثم ذكر الخبر الثالث مجردًا عن العطف، وهذا كما تقول: زيد كريم وعالم له مال والأحسن في هذا تناسب الأخبار بأن تجردها كلها من العطف أو تعطفها جميعًا فتقول: زيد كريم عالم له مال، أو كريم وعالم وله مال فتأمله.
ويرجحه أيضًا أن الكلام يصير جملًا مستقلة قد ذكر فيها أصناف خلقه السعداء وهم الصديقون والشهداء والصالحون وهم المذكورون في الآية وهم المتصدقون الذين أقرضوا الله قرضًا حسنًا، فهؤلاء ثلاثة أصناف ثم ذكر الرسل في قوله تعالى: ﴿لَقَدْ أرْسَلْنا رُسُلَنا بِالبَيِّناتِ﴾ [الحديد: ٢٥]، فيتناول ذلك الأصناف الأربعة المذكورة في سورة النساء، فهؤلاء هم السعداء، ثم ذكر الأشقياء وهم نوعان: كفار، ومنافقون، فقال تعالى: ﴿والَّذِينَ كَفَرُوا وكَذَّبُوا بِآياتِنا أُولَئِكَ أصْحابُ الجَحِيمِ﴾ [الحديد: ١٩]، وذكر المنافقون في قوله تعالى: ﴿يَوْمَ يَقُولُ المُنافِقُونَ والمُنافِقاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انْظُرُونا نَقْتَبِسْ مِن نُورِكُمْ﴾ [الحديد: ١٣]، فهؤلاء أصناف العالم كلهم، وترك سبحانه وتعالى ذكر المخلط صاحب الشائبتين على طريقة القرآن في ذكر السعداء والأشقياء دون المخلصين غالبًا لسر اقتضته حكمته سبحانه وتعالى.
فليحذر صاحب التخليط، فإنه لا ضمان له على الله، ولا هو من أهل وعده المطلق، ولا ييأس من روح الله فإنه ليس من الكفار الذين قطع لهم بالعذاب، ولكنه بين الجنة والنار واقف بين الوعد والوعيد كل منهما يدعوه إلى موجبه لأنه أتى بسببه.
وهذا هو الذي لحظه القائلون بالمنزلة بين المنزلتين، ولكن غلطوا في تخليده في النار، ولو نزلوه منزلة بين المنزلتين ووكلوه إلى المشيئة وقالوا بأنه يخرج من النار بتوحيده وإيمانه لأصابوا، ولكن منزلة بين منزلتين وصاحبهما مخلد في النار مما لا يقتضيه عقل ولا سمع، بل النصوص الصريحة المعلومة الصحة تشهد ببطلان قولهم. والله أعلم.
{"ayahs_start":18,"ayahs":["إِنَّ ٱلۡمُصَّدِّقِینَ وَٱلۡمُصَّدِّقَـٰتِ وَأَقۡرَضُوا۟ ٱللَّهَ قَرۡضًا حَسَنࣰا یُضَـٰعَفُ لَهُمۡ وَلَهُمۡ أَجۡرࣱ كَرِیمࣱ","وَٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ بِٱللَّهِ وَرُسُلِهِۦۤ أُو۟لَـٰۤىِٕكَ هُمُ ٱلصِّدِّیقُونَۖ وَٱلشُّهَدَاۤءُ عِندَ رَبِّهِمۡ لَهُمۡ أَجۡرُهُمۡ وَنُورُهُمۡۖ وَٱلَّذِینَ كَفَرُوا۟ وَكَذَّبُوا۟ بِـَٔایَـٰتِنَاۤ أُو۟لَـٰۤىِٕكَ أَصۡحَـٰبُ ٱلۡجَحِیمِ"],"ayah":"وَٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ بِٱللَّهِ وَرُسُلِهِۦۤ أُو۟لَـٰۤىِٕكَ هُمُ ٱلصِّدِّیقُونَۖ وَٱلشُّهَدَاۤءُ عِندَ رَبِّهِمۡ لَهُمۡ أَجۡرُهُمۡ وَنُورُهُمۡۖ وَٱلَّذِینَ كَفَرُوا۟ وَكَذَّبُوا۟ بِـَٔایَـٰتِنَاۤ أُو۟لَـٰۤىِٕكَ أَصۡحَـٰبُ ٱلۡجَحِیمِ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق