الباحث القرآني
وكما أن السماوات والأرض لو كان فيهما آلهة غيره سبحانه لفسدتا، كما قال تعالى: ﴿لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إلا الله لَفَسَدَتا﴾
فكذلك القلب إذا كان فيه معبود غير الله تعالى فسد فسادا لا يرجى صلاحه إلا بأن يخرج ذلك المعبود من قلبه، ويكون الله تعالى وحده إلهه ومعبوده الذي يحبه ويرجوه، ويخافه ويتوكل عليه وينيب إليه.
* (فائدة)
اعلمْ أنّ قوام السماوات والأرض والخليقة بأن تأله الإله الحق، فلو كان فيهما إله آخر غير الله لم يكن إلهًا حقًا، إذ الإله الحق لا شريك له ولا سمي له ولا مثل له، فلو تألهت غيره لفسدت كل الفساد بانتفاء ما به صلاحها، إذ صلاحها بتأله الإله الحق كما أنها لا توجد إلا باستنادها إلى الرب الواحد القهار ويستحيل أن تستند في وجودها إلى ربين متكافئين، فكذلك يستحيل أن تستند في بقائها وصلاحها إلى إلهين متساويين.
إذا عرف هذا فاعلم أن حاجة العبد إلى أن يعبد الله وحده لا يشرك به شيئًا في محبته ولا في خوفه ولا في رجائه ولا في التوكل عليه ولا في العمل له ولا في الحلف به ولا في النذر له ولا في الخضوع له ولا في التذلل والتعظيم والسجود والتقرب أعظم من حاجة الجسد إلى روحه والعين إلى نورها. بل ليس لهذه الحاجة نظير تقاس به، فإن حقيقة العبد روحه وقلبه ولا صلاح لها إلا بإلهها الذي لا إله إلا هو، فلا تطمئن في الدنيا إلا بذكره وهي كادحة إليه كدحًا فملاقيته، ولا بد لها من لقائه، ولا صلاح لها إلا بمحبتها وعبوديتها له ورضاه وإكرامه لها، ولو حصل للعبد من اللذات والسرور بغير الله ما حصل لم يدم له ذلك.
بل ينتقل من نوع إلى نوع ومن شخص إلى شخص ويتنعم بهذا في وقت ثم يتعذب به ولا بد في وقت آخر، وكثيرًا ما يكون ذلك الذي يتنعم به ويلتذ به غير منعم له ولا ملذ، بل قد يؤذيه اتصاله به ووجوده عنده ويضره ذلك، وإنما يحصل له بملابسته من جنس ما يحصل للجرب من لذة الأظفار التي تحكه، فهي تدمي الجلد وتخرقه وتزيد في ضرره، وهو يؤثر ذلك لما له في حكها من اللذة، وهكذا ما يتعذب به القلب من محبة غير الله هو عذاب عليه ومضرة وألم في الحقيقة لا تزيد لذته على لذة حك الجرب، والعاقل يوازن بين الأمرين ويؤثر أرجحهما وأنفعهما، والله الموفق المعين، وله الحُجَّة البالغة كما له النعمة السابغة.
والمقصود أن إله العبد الذي لا بد له منه في كل حالة وكل دقيقة وكل طرفة عين فهو الإله الحق الذي كل ما سواه باطل، والذي أينما كان فهو معه، وضرورته إليه وحاجته إليه لا تشبهها ضرورة ولا حاجة بل هي فوق كل ضرورة وأعظم من كل حاجة، ولهذا قال إمام الحنفاء: ﴿لآ أُحِبّ الاَفِلِينَ﴾ [الأنعام: ٧٦] والله أعلم.
* (فائدة)
تأمل كَيفَ ساق الآية في الإنكار على من اتخذ من دونه آلِهَة لا تساويه فسواها بِهِ مَعَ أعظم الفرق.
فَقَوله ﴿لا يسْأل عَمّا يفعل﴾ إثبات لحقيقة الإلهية وإفراده لَهُ بالربوبية والإلهية.
وَقَوله ﴿وهم يسْألُون﴾ في صَلاح تِلْكَ الإلهة المتخذة للإلهية فإنها مسئولة مربوبة مُدبرَة.
فَكيف يسوى بَينها وبَينه مَعَ أعظم الفرْقان؟!
فَهَذا الَّذِي سيق لَهُ الكَلام فَجَعلها الجبرية ملْجأ ومعقلا في إنْكار حكمته وتعليل أفعاله بغاياتها المحمودة وعواقبها السديدة.
والله المُوفق للصَّواب.
* [فَصْلٌ: الحُبُّ أصْلُ الحَرَكَةِ]
وَكُلُّ حَرَكَةٍ في العالَمِ العُلْوِيِّ والسُّفْلِيِّ فَأصْلُها المَحَبَّةُ، فَهي عَلَيْها الفاعِلِيَّةُ والغائِيَّةُ، وذَلِكَ لِأنَّ الحَرَكاتِ ثَلاثَةُ أنْواعٍ: حَرَكَةٌ اخْتِيارِيَّةٌ إرادِيَّةٌ، وحَرَكَةٌ طَبِيعِيَّةٌ، وحَرَكَةٌ قَسْرِيَّةٌ.
والحَرَكَةُ الطَّبِيعِيَّةُ أصْلُها السُّكُونُ، وإنَّما يَتَحَرَّكُ الجِسْمُ إذا خَرَجَ عَنْ مُسْتَقَرِّهِ ومَرْكَزِهِ الطَّبِيعِيِّ، فَهو يَتَحَرَّكُ لِلْعَوْدِ إلَيْهِ، وخُرُوجُهُ عَنْ مَرْكَزِهِ ومُسْتَقَرِّهِ إنَّما هو بِتَحْرِيكِ القاصِرِ المُحَرِّكِ لَهُ، فَلَهُ حَرَكَةٌ قَسْرِيَّةٌ تَتَحَرَّكُ بِتَحْرِيكِ مُحَرِّكِهِ وقاسِرِهِ، وحَرَكَةٌ طَبِيعِيَّةٌ بِذاتِها يَطْلُبُ بِها العَوْدَ إلى مَرْكَزِهِ، وكِلا حَرَكَتَيْهِ تابِعَةٌ لِلْقاسِرِ المُحَرِّكِ، فَهو أصْلُ الحَرَكَتَيْنِ.
والحَرَكَةُ الِاخْتِيارِيَّةُ الإرادِيَّةُ هي أصْلُ الحَرَكَتَيْنِ الأُخْرَيَيْنِ، وهي تابِعَةٌ لِلْإرادَةِ والمَحَبَّةِ.
والدَّلِيلُ عَلى انْحِصارِ الحَرَكاتِ في هَذِهِ الثَّلاثِ: أنَّ المُتَحَرِّكَ إنْ كانَ لَهُ شُعُورٌ بِالحَرَكَةِ فَهي الإرادِيَّةُ، وإنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ شُعُورٌ بِها، فَإمّا أنْ تَكُونَ عَلى وفْقِ طَبْعِهِ أوْ لا، فالأُولى هي الطَّبِيعِيَّةُ، والثّانِيَةُ القَسْرِيَّةُ، إذا ثَبَتَ هَذا فَما في السَّماواتِ والأرْضِ وما بَيْنَهُما مِن حَرَكاتِ الأفْلاكِ والشَّمْسِ والقَمَرِ والنُّجُومِ والرِّياحِ والسَّحابِ والمَطَرِ والنَّباتِ وحَرَكاتِ الأجِنَّةِ في بُطُونِ أُمَّهاتِها، فَإنَّما هي بِواسِطَةِ المَلائِكَةِ والمُدَبِّراتِ أمْرًا والمُقَسِّماتِ أمْرًا، كَما دَلَّ عَلى ذَلِكَ في نُصُوصٍ مِنَ القُرْآنِ والسُّنَّةِ في غَيْرِ مَوْضِعٍ.
والإيمانُ بِذَلِكَ مِن تَمامِ الإيمانِ بِالمَلائِكَةِ، فَإنَّ اللَّهَ وكَّلَ بِالرَّحِمِ مَلائِكَةً، وبِالقَطْرِ مَلائِكَةً، وبِالنَّباتِ مَلائِكَةً، وبِالرِّياحِ مَلائِكَةً، وبِالأفْلاكِ والشَّمْسِ والقَمَرِ والنُّجُومِ، ووَكَّلَ بِكُلِّ عَبْدٍ أرْبَعَةً مِنَ المَلائِكَةِ، كاتِبَيْنِ عَنْ يَمِينِهِ وشِمالِهِ، وحافِظَيْنِ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ ومِن خَلْفِهِ، ووَكَّلَ مَلائِكَةً بِقَبْضِ رُوحِهِ وتَجْهِيزِها إلى مُسْتَقَرِّها في الجَنَّةِ والنّارِ، ومَلائِكَةً بِمُساءَلَتِهِ وامْتِحانِهِ في قَبْرِهِ، ومَلائِكَةً بِتَعْذِيبِهِ في النّارِ أوْ نَعِيمِهِ في الجَنَّةِ، ووَكَّلَ بِالجِبالِ مَلائِكَةً، وبِالسَّحابِ مَلائِكَةً تَسُوقُهُ حَيْثُ أُمِرَتْ بِهِ، وبِالقَطْرِ مَلائِكَةً تَنْزِلُ بِأمْرِ اللَّهِ بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ كَما شاءَ اللَّهُ، ووَكَّلَ مَلائِكَةً بِغَرْسِ الجَنَّةِ وعَمَلِ آلَتِها وفُرُشِها والقِيامِ عَلَيْها، ومَلائِكَةً بِالنّارِ كَذَلِكَ.
فَأعْظَمُ جُنْدِ اللَّهِ المَلائِكَةُ، ولَفْظُ المَلَكِ يُشْعِرُ بِأنَّهُ رَسُولٌ مُنَفِّذُ غَيْرِهِ ولَيْسَ لَهم مِنَ الأمْرِ شَيْءٌ، بَلِ الأمْرُ كُلُّهُ لِلَّهِ، وهم يُدَبِّرُونَ الأمْرَ ويُقَسِّمُونَهُ بِأمْرِ اللَّهِ وإذْنِهِ، قالَ تَعالى إخْبارًا عَنْهُمْ: ﴿وَما نَتَنَزَّلُ إلّا بِأمْرِ رَبِّكَ لَهُ ما بَيْنَ أيْدِينا وما خَلْفَنا وما بَيْنَ ذَلِكَ وما كانَ رَبُّكَ نَسِيًّا﴾ [مريم: ٦٤].
وَقالَ تَعالى: ﴿وَكَمْ مِن مَلَكٍ في السَّماواتِ لا تُغْنِي شَفاعَتُهم شَيْئًا إلّا مِن بَعْدِ أنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَن يَشاءُ ويَرْضى﴾ [النجم: ٢٦].
وَأقْسَمَ سُبْحانَهُ بِطَوائِفَ مِنَ المَلائِكَةِ المُنَفِّذِينَ لِأمْرِهِ في الخَلِيفَةِ كَما قالَ تَعالى: ﴿والصّافّاتِ صَفًّا - فالزّاجِراتِ زَجْرًا - فالتّالِياتِ ذِكْرًا﴾ [الصافات: ١-٣].
وَقالَ: ﴿والمُرْسَلاتِ عُرْفًا - فالعاصِفاتِ عَصْفًا - والنّاشِراتِ نَشْرًا - فالفارِقاتِ فَرْقًا - فالمُلْقِياتِ ذِكْرًا - عُذْرًا أوْ نُذْرًا﴾ [المرسلات: ١-٦].
وَقالَ تَعالى: ﴿والنّازِعاتِ غَرْقًا - والنّاشِطاتِ نَشْطًا - والسّابِحاتِ سَبْحًا - فالسّابِقاتِ سَبْقًا - فالمُدَبِّراتِ أمْرًا﴾ [النازعات: ١-٥].
وَقَدْ ذَكَرْنا مَعْنى ذَلِكَ وسِرَّ الإقْسامِ بِهِ في كِتابِ (التِّبْيانِ في أقْسامِ القُرْآنِ).
وَإذا عَرَفْتَ ذَلِكَ فَجَمِيعُ تِلْكَ المُحَبّاتِ والمُحَرِّكاتِ والإراداتِ والأفْعالِ: هي عِبادَةٌ مِنهم لِرَبِّ الأرْضِ والسَّماواتِ، وجَمِيعُ الحَرَكاتِ الطَّبِيعِيَّةِ والقَسْرِيَّةِ تابِعَةٌ لَها، فَلَوْلا الحُبُّ ما دارَتِ الأفْلاكُ، ولا تَحَرَّكَتِ الكَواكِبُ النَّيِّراتُ، ولا هَبَّتِ الرِّياحُ المُسَخَّراتُ، ولا مَرَّتِ السُّحُبُ الحامِلاتُ، ولا تَحَرَّكَتِ الأجِنَّةُ في بُطُونِ الأُمَّهاتِ، ولا انْصَدَعَ عَنِ الحَبِّ أنْواعُ النَّباتِ، ولا اضْطَرَبَتْ أمْواجُ الزّاخِراتِ، ولا تَحَرَّكَتِ المُدَبِّراتُ والمُقْسِّماتُ، ولا سَبَّحَتْ بِحَمْدِ فاطِرِها الأرَضُونَ والسَّماواتُ، وما فِيها مِن أنْواعِ المَخْلُوقاتِ، فَسُبْحانَ مَن: ﴿تُسَبِّحُ لَهُ السَّماواتُ السَّبْعُ والأرْضُ ومَن فِيهِنَّ وإنْ مِن شَيْءٍ إلّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ ولَكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهم إنَّهُ كانَ حَلِيمًا غَفُورًا﴾ [الإسراء: ٤٤].
* [فَصْلٌ: الحُبُّ لِلَّهِ وحْدَهُ]
فَإذا عُرِفَ ذَلِكَ فَكُلُّ حَيٍّ لَهُ إرادَةٌ ومَحَبَّةٌ وعَمَلٌ بِحَسَبِهِ، وكُلُّ مُتَحَرِّكٍ فَأصْلُ حَرَكَتِهِ المَحَبَّةُ والإرادَةُ، ولا صَلاحَ لِلْمَوْجُوداتِ إلّا بِأنْ تَكُونَ حَرَكاتُها ومَحَبَّتُها لِفاطِرِها وبارِئِها وحْدَهُ، كَما لا وُجُودَ لَها إلّا بِإبْداعِهِ وحْدَهُ.
وَلِهَذا قالَ تَعالى: ﴿لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إلّا اللَّهُ لَفَسَدَتا﴾ [الأنبياء: ٢٢].
وَلَمْ يَقُلْ سُبْحانَهُ: لَما وُجِدَتا ولَكانَتا مَعْدُومَتَيْنِ، ولا قالَ: لَعُدِمَتا، إذْ هو سُبْحانَهُ قادِرٌ عَلى أنْ يُبْقِيَهُما عَلى وجْهِ الفَسادِ، لَكِنْ لا يُمْكِنُ أنْ يَكُونا عَلى وجْهِ الصَّلاحِ والِاسْتِقامَةِ إلّا بِأنْ يَكُونَ اللَّهُ وحْدَهُ هو مَعْبُودَهُما، ومَعْبُودَ ما حَوَتاهُ وسَكَنَ فِيهِما، فَلَوْ كانَ في العالَمِ إلَهانِ لَفَسَدَ نِظامُهُ غايَةَ الفَسادِ، فَإنَّ كُلَّ إلَهٍ كانَ يَطْلُبُ مُغالَبَةَ الآخَرِ، والعُلُوَّ عَلَيْهِ، وتَفَرُّدَهُ دُونَهُ بِإلَهِيَّتِهِ، إذِ الشَّرِكَةُ نَقْصٌ في كَمالِ الإلَهِيَّةِ، والإلَهُ لا يَرْضى لِنَفْسِهِ أنْ يَكُونَ إلَهًا ناقِصًا، فَإنْ قَهَرَ أحَدُهُما الآخَرَ كانَ هو الإلَهَ وحْدَهُ، والمَقْهُورُ لَيْسَ بِإلَهٍ، وإنْ لَمْ يَقْهَرْ أحَدُهُما الآخَرَ لَزِمَ عَجْزُ كُلٍّ مِنهُما، ولَمْ يَكُنْ تامَّ الإلَهِيَّةِ، فَيَجِبُ أنْ يَكُونَ فَوْقَهُما إلَهٌ قاهِرٌ لَهُما حاكِمٌ عَلَيْهِما، وإلّا ذَهَبَ كُلٌّ مِنهُما بِما خَلَقَ، وطَلَبَ كُلٌّ مِنهُما العُلُوَّ عَلى الآخَرِ، وفي ذَلِكَ فَسادُ أمْرِ السَّماواتِ والأرْضِ ومَن فِيها، كَما هو المَعْهُودُ مِن فَسادِ البَلَدِ إذا كانَ فِيها مَلِكانِ مُتَكافِئانِ، وفَسادِ الزَّوْجَةِ إذا كانَ لَها بَعْلانِ، والشَّوْلِ: إذا كانَ فِيهِ فَحْلانِ.
وَأصْلُ فَسادِ العالَمِ إنَّما هو مِنَ اخْتِلافِ المُلُوكِ والخُلَفاءِ، ولِهَذا لَمْ يَطْمَعْ أعْداءُ الإسْلامِ فِيهِ في زَمَنٍ مِنَ الأزْمِنَةِ إلّا في زَمَنِ تَعَدُّدِ المُلُوكِ مِنَ المُسْلِمِينَ واخْتِلافِهِمْ، وانْفِرادِ كُلٍّ مِنهم بِبِلادٍ، وطَلَبِ بَعْضِهُمُ العُلُوَّ عَلى بَعْضٍ.
فَصَلاحُ السَّماواتِ والأرْضِ واسْتِقامَتُها، وانْتِظامُ أمْرِ المَخْلُوقاتِ عَلى أتَمِّ نِظامٍ مِن أظْهَرِ الأدِلَّةِ عَلى أنَّهُ لا إلَهَ إلّا اللَّهُ وحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ المُلْكُ ولَهُ الحَمْدُ يُحْيِي ويُمِيتُ وهو عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، وأنَّ كُلَّ مَعْبُودٍ مِن لَدُنْ عَرْشِهِ إلى قَرارِ أرْضِهِ باطِلٌ إلّا وجْهَهُ الأعْلى، قالَ اللَّهُ تَعالى: ﴿ما اتَّخَذَ اللَّهُ مِن ولَدٍ وما كانَ مَعَهُ مِن إلَهٍ إذًا لَذَهَبَ كُلُّ إلَهٍ بِما خَلَقَ ولَعَلا بَعْضُهم عَلى بَعْضٍ سُبْحانَ اللَّهِ عَمّا يَصِفُونَ - عالِمِ الغَيْبِ والشَّهادَةِ فَتَعالى عَمّا يُشْرِكُونَ﴾ [المؤمنون: ٩١-٩٣].
وَقالَ تَعالى: ﴿أمِ اتَّخَذُوا آلِهَةً مِنَ الأرْضِ هم يُنْشِرُونَ - لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إلّا اللَّهُ لَفَسَدَتا فَسُبْحانَ اللَّهِ رَبِّ العَرْشِ عَمّا يَصِفُونَ - لا يُسْألُ عَمّا يَفْعَلُ وهم يُسْألُونَ﴾ [الأنبياء: ٢١-٢٣].
وَقالَ تَعالى: ﴿قُلْ لَوْ كانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَما يَقُولُونَ إذًا لابْتَغَوْا إلى ذِي العَرْشِ سَبِيلًا﴾ [الإسراء: ٤٢].
فَقِيلَ: لابْتَغَوُا السَّبِيلَ إلَيْهِ بِالمُغالَبَةِ والقَهْرِ كَما يَفْعَلُ المُلُوكُ بَعْضُهم مَعَ بَعْضٍ، ويَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ في الآيَةِ الأُخْرى: ﴿وَلَعَلا بَعْضُهم عَلى بَعْضٍ﴾.
قالَ شَيْخُنا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: والصَّحِيحُ أنَّ المَعْنى: لابْتَغَوْا إلَيْهِ سَبِيلًا بِالتَّقَرُّبِ إلَيْهِ وطاعَتِهِ، فَكَيْفَ تَعْبُدُونَهم مِن دُونِهِ؟ وهم لَوْ كانُوا آلِهَةً كَما يَقُولُونَ لَكانُوا عَبِيدًا لَهُ، قالَ: ويَدُلُّ عَلى هَذا وُجُوهٌ:
مِنها: قَوْلُهُ تَعالى: ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إلى رَبِّهِمُ الوَسِيلَةَ أيُّهم أقْرَبُ ويَرْجُونَ رَحْمَتَهُ ويَخافُونَ عَذابَهُ﴾ [الإسراء: ٥٧].
أيْ هَؤُلاءِ الَّذِينَ تَعْبُدُونَهم مِن دُونِي هم عِبادِي كَما أنْتُمْ عِبادِي، ويَرْجُونَ رَحْمَتِي ويَخافُونَ عَذابِي، فَلِماذا تَعْبُدُونَهم مِن دُونِي؟
الثّانِي: أنَّهُ سُبْحانَهُ لَمْ يَقُلْ لابْتَغَوْا عَلَيْهِ سَبِيلًا، بَلْ قالَ: لابْتَغَوْا إلَيْهِ سَبِيلًا، وهَذا اللَّفْظُ إنَّما يُسْتَعْمَلُ في التَّقَرُّبِ، كَقَوْلِهِ تَعالى: ﴿اتَّقُوا اللَّهَ وابْتَغُوا إلَيْهِ الوَسِيلَةَ﴾ [المائدة: ٣٥].
وَأمّا في المُغالَبَةِ فَإنَّما يُسْتَعْمَلُ بِعَلى كَقَوْلِهِ: ﴿فَإنْ أطَعْنَكم فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا﴾ [النساء: ٣٤].
والثّالِثُ: أنَّهم لَمْ يَقُولُوا إنَّ آلِهَتَهم تُغالِبُهُ وتَطْلُبُ العُلُوَّ عَلَيْهِ، وهو سُبْحانَهُ قَدْ قالَ: ﴿قُلْ لَوْ كانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَما يَقُولُونَ﴾ وهم إنَّما كانُوا يَقُولُونَ: إنَّ آلِهَتَهم تَبْتَغِي التَّقَرُّبَ إلَيْهِ وتُقَرِّبُهم زُلْفى إلَيْهِ، فَقالُوا: لَوْ كانَ الأمْرُ كَما تَقُولُونَ لَكانَتْ تِلْكَ الآلِهَةُ عَبِيدًا لَهُ، فَلِماذا تَعْبُدُونَ عَبِيدَهُ مِن دُونِهِ؟
{"ayahs_start":21,"ayahs":["أَمِ ٱتَّخَذُوۤا۟ ءَالِهَةࣰ مِّنَ ٱلۡأَرۡضِ هُمۡ یُنشِرُونَ","لَوۡ كَانَ فِیهِمَاۤ ءَالِهَةٌ إِلَّا ٱللَّهُ لَفَسَدَتَاۚ فَسُبۡحَـٰنَ ٱللَّهِ رَبِّ ٱلۡعَرۡشِ عَمَّا یَصِفُونَ","لَا یُسۡـَٔلُ عَمَّا یَفۡعَلُ وَهُمۡ یُسۡـَٔلُونَ"],"ayah":"أَمِ ٱتَّخَذُوۤا۟ ءَالِهَةࣰ مِّنَ ٱلۡأَرۡضِ هُمۡ یُنشِرُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق