الباحث القرآني

﴿أرَأيْتَ إنْ كَذَّبَ وتَوَلّى﴾ ﴿ألَمْ يَعْلَمْ بِأنَّ اللَّهَ يَرى﴾ . جُمْلَةٌ مُسْتَأْنَفَةٌ لِلتَّهْدِيدِ والوَعِيدِ عَلى التَّكْذِيبِ والتَّوَلِّي؛ أيْ: إذا كَذَّبَ بِما يُدْعى إلَيْهِ وتَوَلّى أتَظُنُّهُ غَيْرَ عالِمٍ بِأنَّ اللَّهَ مُطَّلِعٌ عَلَيْهِ. فالمَفْعُولُ الأوَّلُ لِـ (رَأيْتَ) مَحْذُوفٌ وهو ضَمِيرٌ عائِدٌ إلى ﴿الَّذِي يَنْهى﴾ [العلق: ٩] والتَّقْدِيرُ: أرَأيْتَهُ إنْ كَذَّبَ. . . إلى آخِرِهِ. وجَوابُ ﴿إنْ كَذَّبَ وتَوَلّى﴾ هو ﴿ألَمْ يَعْلَمْ بِأنَّ اللَّهَ يَرى﴾ كَذا قَدَّرَ صاحِبُ الكَشّافِ، ولَمْ يَعْتَبِرْ وُجُوبَ اقْتِرانِ جُمْلَةِ جَوابِ الشَّرْطِ بِالفاءِ إذا كانَتِ الجُمْلَةُ اسْتِفْهامِيَّةً. وصَرَّحَ الرَّضِيُّ بِاخْتِيارِ عَدَمِ اشْتِراطِ الِاقْتِرانِ بِالفاءِ ونَظَرِهِ بِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿قُلْ أرَأيْتَكم إنْ أتاكم عَذابُ اللَّهِ بَغْتَةً أوْ جَهْرَةً هَلْ يُهْلَكُ إلّا القَوْمُ الظّالِمُونَ﴾ [الأنعام: ٤٧] فَأمّا قَوْلُ جُمْهُورِ النُّحاةِ والزَّمَخْشَرِيِّ في المُفَصَّلِ فَهو وُجُوبُ الِاقْتِرانِ بِالفاءِ، وعَلى قَوْلِهِمْ (p-٤٤٩)يَتَعَيَّنُ تَقْدِيرُ جَوابِ الشَّرْطِ بِما يَدُلُّ عَلَيْهِ ﴿ألَمْ يَعْلَمْ بِأنَّ اللَّهَ يَرى﴾، والتَّقْدِيرُ إنْ كَذَّبَ وتَوَلّى فاللَّهُ عالِمٌ بِهِ، كِنايَةٌ عَنْ تَوَعُّدِهِ. وتَكُونُ جُمْلَةُ ﴿ألَمْ يَعْلَمْ بِأنَّ اللَّهَ يَرى﴾ مُسْتَأْنَفَةٌ لِإنْكارِ جَهْلِ المُكَذِّبِ بِأنَّ اللَّهَ سَيُعاقِبُهُ، والشَّرْطُ وجَوابُهُ سادّانِ مَسَدَّ المَفْعُولِ الثّانِي. وكُنِّيَ بِأنَّ اللَّهَ يَرى عَنِ الوَعِيدِ بِالعِقابِ. وضُمِّنَ فِعْلُ (يَعْلَمْ) مَعْنى يُوقِنُ فَلِذَلِكَ عُدِّيَ بِالباءِ. وعُلِّقَ فِعْلُ أرَأيْتَ هُنا عَنِ العَمَلِ لِوُجُودِ الِاسْتِفْهامِ في قَوْلِهِ: ﴿ألَمْ يَعْلَمْ﴾ . والِاسْتِفْهامُ إنْكارِيٌّ، أيْ: كانَ حَقُّهُ أنْ يَعْلَمَ ذَلِكَ ويَقِيَ نَفْسَهُ العِقابَ. وفِي قَوْلِهِ: ﴿إنْ كَذَّبَ وتَوَلّى﴾ إيذانٌ لِلنَّبِيءِ ﷺ بِأنْ أبا جَهْلٍ سَيُكَذِّبُهُ حِينَ يَدْعُوهُ إلى الإسْلامِ وسَيَتَوَلّى، ووَعْدٌ بِأنَّ اللَّهَ سَيَنْتَصِفُ لَهُ مِنهُ. وضَمِيرُ ﴿كَذَّبَ وتَوَلّى﴾ عائِدٌ إلى ﴿الَّذِي يَنْهى عَبْدًا إذا صَلّى﴾ [العلق: ٩] وقَرِينَةُ المَقامِ تُرْجِعُ الضَّمائِرَ إلى مَراجِعِها المُخْتَلِفَةِ. وحُذِفَ مَفْعُولُ كَذَّبَ لِدَلالَةِ ما قَبْلَهُ عَلَيْهِ. والتَّقْدِيرُ: إنْ كَذَّبَهُ، أيِ: العَبْدُ الَّذِي صَلّى، وبِذَلِكَ انْتَظَمَتِ الجُمَلُ الثَّلاثُ في نِسْبَةِ مَعانِيها إلى الَّذِي يَنْهى عَبْدًا إذا صَلّى وإلى العَبْدِ الَّذِي صَلّى، وانْدَفَعَتْ عَنْكَ تَرَدُّداتٌ عَرَضَتْ في التَّفاسِيرِ. وحُذِفَ مَفْعُولُ يَرى لِيَعُمَّ كُلَّ مَوْجُودٍ؛ والمُرادُ بِالرُّؤْيَةِ المُسْنَدَةِ إلى اللَّهِ تَعالى تَعَلُّقُ عِلْمِهِ بِالمَحْسُوساتِ. كَلّا. أكَّدَ الرَّدْعَ الأوَّلَ بِحَرْفِ الرَّدْعِ الثّانِي وفي آخِرِ الجُمْلَةِ وهو المَوْقِعُ الحَقِيقُ لِحَرْفِ الرَّدْعِ، إذْ كانَ تَقْدِيمُ نَظِيرِهِ في أوَّلِ الجُمْلَةِ، لِما دَعا إلَيْهِ لِمَقامٍ مِنَ التَّشْوِيقِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب