الباحث القرآني

القول في تأويل قوله تعالى: ﴿أَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ عَلَى الْهُدَى (١١) أَوْ أَمَرَ بِالتَّقْوَى (١٢) ﴾ . يقول تعالى ذكره: ﴿أَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ﴾ محمد ﴿عَلَى الْهُدَى﴾ يعني: على استقامة وسَدَاد في صلاته لربه ﴿أَوْ أَمَرَ بِالتَّقْوَى﴾ أو أمر محمد هذا الذي ينهي عن الصلاة، باتقاء الله، وخوف عقابه. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: ⁕ حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله ﴿أَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ عَلَى الْهُدَى أَوْ أَمَرَ بِالتَّقْوَى﴾ قال محمد: كان على الهدى، وأمر بالتقوى. * * * القول في تأويل قوله تعالى: ﴿أَرَأَيْتَ إِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى (١٣) ﴾ . يقول تعالى ذكره: ﴿أَرَأَيْتَ إِنْ كَذَّبَ﴾ أبو جهل بالحق الذي بعث به محمدًا ﴿وَتَوَلَّى﴾ يقول: وأدبر عنه، فلم يصدِّّق به. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: ⁕ حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة ﴿أَرَأَيْتَ إِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى﴾ يعني: أبا جهل. * * * القول في تأويل قوله تعالى: ﴿أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى (١٤) كَلا لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ لَنَسْفَعًا بِالنَّاصِيَةِ (١٥) نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ (١٦) فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ (١٧) سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ (١٨) كَلا لا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ (١٩) ﴾ . يقول تعالى ذكره: ألم يعلم أبو جهل إذ ينهى محمدا عن عبادة ربه، والصلاة له، بأن الله يراه فيخاف سطوته وعقابه. وقيل: أرأيت الذي ينهى عبدا إذا صلى، أرأيت إن كان على الهدى، فكررت أرأيت مرات ثلاثًا على البدل. والمعنى: أرأيت الذي ينهى عبدا إذا صلى، وهو مكذب متول عن ربه، ألم يعلم بأن الله يراه. * * * وقوله: ﴿كَلا لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ﴾ يقول: ليس كما قال: إنه يطأ عنق محمد، يقول: لا يقدر على ذلك، ولا يصل إليه. * * * قوله: ﴿لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ﴾ يقول: لئن لم ينته أبو جهل عن محمد ﴿لَنَسْفَعَنْ بِالنَّاصِيَةِ﴾ يقول: لنأخذنّ بمقدم رأسه، فلنضمنه ولنُذلنه؛ يقال منه: سفعت بيده: إذا أخذت بيده. وقيل: إنما قيل ﴿لَنَسْفَعَنْ بِالنَّاصِيَةِ﴾ والمعنى: لنسوّدنّ وجهه، فاكتفى بذكر الناصية من الوجه كله، إذ كانت الناصية في مقدم الوجه. وقيل: معنى ذلك: لنأخذنّ بناصيته إلى النار، كما قال: ﴿فَيُؤْخَذُ بِالنَّوَاصِي وَالأقْدَامِ﴾ . * * * وقوله: ﴿نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ﴾ فخفض ناصية ردّا على الناصية الأولى بالتكرير، ووصف الناصية بالكذب والخطيئة، والمعنى لصاحبها. * * * وقوله: ﴿فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ﴾ يقول تعالى ذكره: فليدع أبو جهل أهل مجلسه وأنصاره، من عشيرته وقومه، والنادي: هو المجلس. وإنما قيل ذلك فيما بلغنا، لأن أبا جهل لما نهى النبيّ ﷺ عن الصلاة عند المقام، انتهره رسول الله ﷺ، وأغلظ له، فقال أبو جهل: علام يتوعدني محمد وأنا أكثر أهل الوادي ناديا؟ فقال الله جلّ ثناؤه: ﴿لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ لَنَسْفَعَنْ بِالنَّاصِيَةِ﴾ ، فليدع حينئذ ناديه، فإنه إن دعا ناديه، دعونا الزبانية. وبنحو الذي قلنا في ذلك جاءت الأخبار، وقال أهل التأويل. * ذكر الآثار المروية في ذلك: ⁕ حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبو خالد الأحمر؛ وحدثنا أبو كُرَيب، قال: ثنا الحكم بن جميع، قال: ثنا عليّ بن مُسْهِر، جميعا عن داود بن أبي هند، عن عكرِمة، عن ابن عباس قال: كان رسول الله ﷺ يصلي عند المقام، فمرّ به أبو جهل بن هشام، فقال: يا محمد، ألم أنهك عن هذا؟ وتوعَّده، فأغلظ له رسول الله ﷺ وانتهره، فقال: يا محمد بأيّ شيء تهددني؟ أما والله إني لأكثر هذا الوادي ناديا، فأنزل الله: ﴿فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ﴾ قال ابن عباس: لو دعا ناديه، أخذته زبانية العذاب من ساعته. ⁕ حدثني إسحاق بن شاهين، قال: ثنا خالد بن عبد الله، عن داود، عن عكرِمة، عن ابن عباس، قال: كان رسول الله ﷺ يصلي، فجاءه أبو جهل، فنهاه أن يصلي، فأنزل الله: ﴿أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى عَبْدًا إِذَا صَلَّى﴾ ... إلى قوله: ﴿كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ﴾ فقال: لقد علم أني أكثر هذا الوادي نَادِيا، فغضب النبيّ ﷺ، فتكلم بشيء، قال داود: ولم أحفظه، فأنزل الله: ﴿فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ﴾ فقال ابن عباس: فوالله لو فعل لأخذته الملائكة من مكانه. ⁕ حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن أبيه، قال: ثنا نعيم بن أبي هند، عن أبي حازم، عن أبي هريرة، قال: قال أبو جهل: هل يعفر محمد وجهه بين أظهركم؟ قال: فقيل نعم، قال: فقال: واللات والعزى لئن رأيته يصلي كذلك، لأطأنّ على رقبته، لأعفرنّ وجهه في التراب، قال: فأتى رسول الله ﷺ وهو يصلي ليطأ على رقبته، قال: فما فجأهم منه إلا وهو ينكص على عَقبيه، ويتقي بيديه؛ قال: فقيل له: مالك؟ قال: فقال: إن بيني وبينه خَنْدقا من نار، وهَوْلا وأجنحة؛ قال: فقال رسول الله ﷺ: "لَوْ دَنا مِنِّي لاخْتَطَفَتْهُ المَلائِكَةُ عُضْوًا عُضْوًا" قال: وأنزل الله، لا أدري في حديث أبي هريرة أم لا ﴿كَلا إِنَّ الإنْسَانَ لَيَطْغَى أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى إِنَّ إِلَى رَبِّكَ الرُّجْعَى أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى عَبْدًا إِذَا صَلَّى أَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ عَلَى الْهُدَى أَوْ أَمَرَ بِالتَّقْوَى أَرَأَيْتَ إِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى﴾ يعني أبا جهل ﴿أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى كَلا لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ لَنَسْفَعَنْ بِالنَّاصِيَةِ نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ﴾ يدعو قومه ﴿سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ﴾ الملائكة ﴿كَلا لا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ﴾ . ⁕ حدثنا ابن حميد، قال: ثنا يحيى بن واضح، قال: أخبرنا يونس بن أبي إسحاق، عن الوليد بن العَيْزار، عن ابن عباس، قال: قال أبو جهل: لئن عاد محمد يصلي عند المقام لأقتلنه، فأنزل الله: ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ﴾ حتى بلغ هذه الآية: ﴿لَنَسْفَعَنْ بِالنَّاصِيَةِ نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ﴾ ، فجاء النبيّ ﷺ وهو يصلي، فقيل له: ما يمنعك؟ قال: "قد اسودّ ما بيني وبينه من الكتائب" ... قال ابن عباس: والله لو تحرّك لأخذته الملائكة والناس ينظرون إليه. ⁕ حدثنا أبو كُرَيب، قال: ثنا زكريا بن عديّ، قال: ثنا عبيد الله بن عمرو، عن عبد الكريم، عن عكرِمة، عن ابن عباس، قال: قال أبو جهل: لئن رأيت رسول الله ﷺ يصلي عند الكعبة، لآتينه حتى أطأ على عنقه، فقال رسول الله ﷺ: "لَوْ فَعَلَ لأخَذَتْهُ المَلائِكَةُ عِيانا". وبالذي قلنا في معنى النادي قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: ⁕ حدثني محمد بن مسعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس في قوله: ﴿فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ﴾ يقول: فليدع ناصره. ⁕ حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى؛ وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد ﴿سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ﴾ قال: الملائكة. ⁕ حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن أبي سنان، عن عبد الله بن أبي الهذيل: الزبانية أرجلهم في الأرض، ورءوسهم في السماء. ⁕ حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر عن قتادة، في قوله: ﴿سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ﴾ قال النبيّ ﷺ: "لَوْ فَعَلَ أبُو جَهْلٍ لأخَذَتْهُ الزَّبانِيَةُ المَلائِكَةُ عِيانًا". ⁕ حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة ﴿سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ﴾ قال: الملائكة. ⁕ حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: الزبانية، قال: الملائكة. * * * وقوله: ﴿كُلا﴾ يقول تعالى ذكره: ليس الأمر كما يقول أبو جهل، إذ ينهي محمدًا عن عبادة ربه، والصلاة له ﴿لا تُطِعْهُ﴾ يقول جلّ ثناؤه لنبيه محمد ﷺ: لا تُطع أبا جهل فيما أمرك به من ترك الصلاة لربك ﴿وَاسْجُدْ﴾ لِرَبّكَ ﴿وَاقْتَرَبَ﴾ منه، بالتحبب إليه بطاعته، فإن أبا جهل لن يقدر على ضرّك، ونحن نمنعك منه. ⁕ حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة ﴿كَلا لا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ﴾ ذكر لنا أنها نزلت في أبي جهل، قال: لئن رأيت محمدًا يصلي لأطأنّ عنقه، فأنزل الله: ﴿كَلا لا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ﴾ قال نبي الله ﷺ حين بلغه الذي قال أبو جهل، قال: "لو فعل لاختطفته الزبانية". آخر تفسير سورة اقرأ باسم ربك، والحمد لله وحده.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب