الباحث القرآني

﴿سَأُرْهِقُهُ صَعُودًا﴾ ﴿إنَّهُ فَكَّرَ وقَدَّرَ﴾ ﴿فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ﴾ ﴿ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ﴾ ﴿ثُمَّ نَظَرَ﴾ ﴿ثُمَّ عَبَسَ وبَسَرَ﴾ ﴿ثُمَّ أدْبَرَ واسْتَكْبَرَ﴾ ﴿فَقالَ إنْ هَذا إلّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ﴾ ﴿إنْ هَذا إلّا قَوْلُ البَشَرِ﴾ جُمْلَةُ ﴿سَأُرْهِقُهُ صَعُودًا﴾ مُعْتَرِضَةٌ بَيْنَ ﴿إنَّهُ كانَ لِآياتِنا عَنِيدًا﴾ [المدثر: ١٦] وبَيْنَ ﴿إنَّهُ فَكَّرَ وقَدَّرَ﴾، قُصِدَ بِهَذا الِاعْتِراضِ تَعْجِيلُ الوَعِيدِ لَهُ مَساءَةً لَهُ وتَعْجِيلُ المَسَرَّةِ لِلنَّبِيءِ ﷺ . وجُمْلَةُ ﴿إنَّهُ فَكَّرَ وقَدَّرَ﴾ مُبَيِّنَةٌ لِجُمْلَةِ ﴿إنَّهُ كانَ لِآياتِنا عَنِيدًا﴾ [المدثر: ١٦] فَهي تَكْمِلَةٌ وتَبْيِينٌ لَها. والإرْهاقُ: الإتْعابُ وتَحْمِيلُ ما لا يُطاقُ، وفِعْلُهُ رَهِقَ كَفَرِحَ، قالَ تَعالى ﴿ولا تُرْهِقْنِي مِن أمْرِي عُسْرًا﴾ [الكهف: ٧٣] في سُورَةِ الكَهْفِ. (p-٣٠٧)والصَّعُودُ: العَقَبَةُ الشَّدِيدَةُ التَّصَعُّدِ، الشّاقَّةُ عَلى الماشِي، وهي فَعُولٌ مُبالَغَةٌ مِن صَعِدَ، فَإنَّ العَقَبَةَ صَعْدَةٌ، فَإذا كانَتْ عَقَبَةٌ أشَدُّ تَصَعُّدًا مِنَ العَقَباتِ المُعْتادَةِ قِيلَ لَها: صَعُودٌ. وكَأنَّ أصْلَ هَذا الوَصْفِ أنَّ العَقَبَةَ وُصِفَتْ بِأنَّها صاعِدَةٌ عَلى طَرِيقَةِ المَجازِ العَقْلِيِّ ثُمَّ جُعِلَ ذَلِكَ الوَصْفُ اسْمَ جِنْسٍ لَها. وقَوْلُهُ ﴿سَأُرْهِقُهُ صَعُودًا﴾ تَمْثِيلٌ لِضِدِّ الحالَةِ المُجْمَلَةِ في قَوْلِهِ ﴿ومَهَّدْتُ لَهُ تَمْهِيدًا﴾ [المدثر: ١٤]، أيْ: سَيَنْقَلِبُ حالُهُ مِن حالِ راحَةٍ وتَنَعُّمٍ إلى حالَةٍ سُوأى في الدُّنْيا ثُمَّ إلى العَذابِ الألِيمِ في الآخِرَةِ، وكُلُّ ذَلِكَ إرْهاقٌ لَهُ. قِيلَ: إنَّهُ طالَ بِهِ النَّزْعُ فَكانَتْ تَتَصاعَدُ نَفْسُهُ ثُمَّ لا يَمُوتُ وقَدْ جُعِلَ لَهُ مِن عَذابِ النّارِ ما أسْفَرَ عَنْهُ عَذابُ الدُّنْيا. وقَدْ وُزِّعَ وعِيدُهُ عَلى ما تَقْتَضِيهِ أعْمالُهُ فَإنَّهُ لَمّا ذُكِرَ عِنادُهُ وهو مِن مَقاصِدِهِ السَّيِّئَةِ النّاشِئَةِ عَنْ مُحافَظَتِهِ عَلى رِئاسَتِهِ وعَنْ حَسَدِهِ النَّبِيءَ ﷺ وذَلِكَ مِنَ الأغْراضِ الدُّنْيَوِيَّةِ عُقِّبَ بِوَعِيدِهِ بِما يَشْمَلُ عَذابَ الدُّنْيا ابْتِداءً. ولَمّا ذُكِرَ طَعْنُهُ في القُرْآنِ بِقَوْلِهِ ﴿إنْ هَذا إلّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ﴾ وأنْكَرَ أنَّهُ وحْيٌ مِنَ اللَّهِ بِقَوْلِهِ ﴿إنْ هَذا إلّا قَوْلُ البَشَرِ﴾ أُرْدِفَ بِذِكْرِ عَذابِ الآخِرَةِ بِقَوْلِهِ ﴿سَأُصْلِيهِ سَقَرَ﴾ [المدثر: ٢٦] . وعَنِ النَّبِيءِ ﷺ «أنَّ صَعُودًا: جَبَلٌ في جَهَنَّمَ يَتَصَعَّدُ فِيهِ سَبْعِينَ خَرِيفًا ثُمَّ يَهْوِي فِيهِ كَذَلِكَ أبَدًا» رَواهُ التِّرْمِذِيُّ وأحْمَدُ عَنْ أبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ. وقالَ التِّرْمِذِيُّ: هو حَدِيثٌ غَرِيبٌ. فَجَعَلَ اللَّهُ صِفَةَ صَعُودٍ عَلَمًا عَلى ذَلِكَ الجَبَلِ في جَهَنَّمَ. وهَذا تَفْسِيرٌ بِأعْظَمِ ما دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعالى ﴿سَأُرْهِقُهُ صَعُودًا﴾ . وجُمْلَةُ ﴿إنَّهُ فَكَّرَ وقَدَّرَ﴾ إلى آخِرِها، بَدَلٌ مِن جُمْلَةِ ﴿إنَّهُ كانَ لِآياتِنا عَنِيدًا﴾ [المدثر: ١٦] بَدَلُ اشْتِمالٍ. وقَدْ وصَفَ حالَهُ في تَرَدُّدِهِ وتَأمُّلِهِ بِأبْلَغِ وصْفٍ. فابْتُدِئَ بِذِكْرِ تَفْكِيرِهِ في الرَّأْيِ الَّذِي سَيَصْدُرُ عَنْهُ وتَقْدِيرِهِ. ومَعْنى (فَكَّرَ) أعْمَلَ فِكْرَهُ وكَرَّرَ نَظَرَ رَأْيِهِ لِيَبْتَكِرَ عُذْرًا يُمَوِّهُهُ ويُرَوِّجُهُ عَلى الدَّهْماءِ في وصْفِ القُرْآنِ بِوَصْفِ كَلامِ النّاسِ لِيُزِيلَ مِنهُمُ اعْتِقادَ أنَّهُ وحْيٌ أُوحِيَ بِهِ إلى النَّبِيءِ ﷺ . (p-٣٠٨)(وقَدَّرَ) جُعِلَ قَدْرًا لِما يَخْطُرُ بِخاطِرِهِ أنْ يَصِفَ بِهِ القُرْآنَ لِيَعْرِضَهُ عَلى ما يُناسِبُ ما يُنْحِلُهُ القُرْآنَ مِن أنْواعِ كَلامِ البَشَرِ أوْ ما يَسِمُ بِهِ النَّبِيءَ ﷺ مِنَ النّاسِ المُخالِفَةِ أحْوالُهم لِلْأحْوالِ المُعْتادَةِ في النّاسِ، مِثالُ ذَلِكَ أنْ يَقُولَ في نَفْسِهِ، نَقُولُ: مُحَمَّدٌ مَجْنُونٌ، ثُمَّ يَقُولُ: المَجْنُونُ يُخْنَقُ ويَتَخالَجُ ويُوَسْوَسُ ولَيْسَ مُحَمَّدٌ كَذَلِكَ، ثُمَّ يَقُولُ في نَفْسِهِ: هو شاعِرٌ، فَيَقُولُ في نَفْسِهِ: لَقَدْ عَرَفْتُ الشِّعْرَ وسَمِعْتُ كَلامَ الشُّعَراءِ فَما يُشْبِهُ كَلامُ مُحَمَّدٍ كَلامَ الشّاعِرِ ثُمَّ يَقُولُ في نَفْسِهِ: كاهِنٌ، فَيَقُولُ في نَفْسِهِ: ما كَلامُهُ بِزَمْزَمَةِ كاهِنٍ ولا بِسَجْعِهِ، ثُمَّ يَقُولُ في نَفْسِهِ: نَقُولُ هو ساحِرٌ فَإنَّ السِّحْرَ يُفَرِّقُ بَيْنَ المَرْءِ وذَوِيهِ ومُحَمَّدٌ يُفَرِّقُ بَيْنَ الرَّجُلِ وأهْلِهِ ووَلَدِهِ ومَوالِيهِ، فَقالَ لِلنّاسِ: نَقُولُ إنَّهُ ساحِرٌ. فَهَذا مَعْنى قَدَّرَ. وقَوْلُهُ ﴿فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ﴾ كَلامٌ مُعْتَرِضٌ بَيْنَ (فَكَّرَ) و(قَدَّرَ) وبَيْنَ ﴿ثُمَّ نَظَرَ﴾ وهو إنْشاءُ شَتْمٍ مُفَرَّعٍ عَلى الإخْبارِ عَنْهُ بِأنَّهُ فَكَّرَ وقَدَّرَ؛ لِأنَّ الَّذِي ذُكِرَ يُوجِبُ الغَضَبَ عَلَيْهِ. فالفاءُ لِتَفْرِيعِ ذَمِّهِ عَنْ سَيِّئِ فِعْلِهِ، ومِثْلُهُ في الِاعْتِراضِ قَوْلُهُ تَعالى (﴿وما أرْسَلْنا مِن قَبْلِكَ إلّا رِجالًا يُوحى إلَيْهِمْ فاسْألُوا أهْلَ الذِّكْرِ إنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ بِالبَيِّناتِ والزُّبُرِ﴾ [النحل: ٤٣]) . والتَّفْرِيعُ لا يُنافِي الِاعْتِراضَ؛ لِأنَّ الِاعْتِراضَ وضْعُ الكَلامِ بَيْنَ كَلامَيْنِ مُتَّصِلَيْنِ مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَمّا تَألَّفَ مِنهُ الكَلامُ المُعْتَرِضُ فَإنَّ ذَلِكَ يَجْرِي عَلى ما يَتَطَلَّبُهُ مَعْناهُ. والدّاعِي إلى الِاعْتِراضِ هو التَّعْجِيلُ بِفائِدَةِ الكَلامِ لِلِاهْتِمامِ بِها. ومَن زَعَمُوا: أنَّ الِاعْتِراضَ لا يَكُونُ بِالفاءِ فَقَدْ تَوَهَّمُوا. وقُتِلَ: دُعاءٌ عَلَيْهِ بِأنْ يَقْتُلَهُ قاتِلٌ، أيْ: دُعاءٌ عَلَيْهِ بِتَعْجِيلِ مَوْتِهِ؛ لِأنَّ حَياتَهُ حَياةٌ سَيِّئَةٌ. وهَذا الدُّعاءُ مُسْتَعْمَلٌ في التَّعْجِيبِ مِن مالِهِ والرِّثاءِ لَهُ كَقَوْلِهِ قاتَلَهُمُ اللَّهُ وقَوْلُهم: عَدِمْتُكَ، وثَكِلَتْهُ أُمُّهُ، وقَدْ يُسْتَعْمَلُ مِثْلُهُ في التَّعْجِيبِ مِن حُسْنِ الحالِ يُقالُ: قاتَلَهُ اللَّهُ ما أشْجَعَهُ. وجَعَلَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ كِنايَةً عَنْ كَوْنِهِ بَلَغَ مَبْلَغًا يَحْسُدُهُ عَلَيْهِ المُتَكَلِّمُ حَتّى يَتَمَنّى لَهُ المَوْتَ. وأنا أحْسَبُ أنَّ مَعْنى الحَسَدِ غَيْرُ مَلْحُوظٍ وإنَّما ذَلِكَ مُجَرَّدُ اقْتِصارٍ عَلى ما في تِلْكَ الكَلِمَةِ مِنَ التَّعَجُّبِ أوِ التَّعْجِيبِ لِأنَّها صارَتْ في ذَلِكَ كالأمْثالِ. والمَقامُ هُنا مُتَعَيِّنٌ لِلْكِنايَةِ عَنْ سُوءِ حالِهِ؛ لِأنَّ ما (p-٣٠٩)قَدَّرَهُ لَيْسَ مِمّا يُغْتَبَطُ ذَوُو الألْبابِ عَلى إصابَتِهِ إذْ هو قَدْ ناقَضَ قَوْلَهُ ابْتِداءً إذْ قالَ: ما هو بِعَقْدِ السَّحَرَةِ ولا نَفْثِهِمْ، وبَعْدَ أنْ فَكَّرَ قالَ ﴿إنْ هَذا إلّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ﴾ فَناقَضَ نَفْسَهُ. وقَوْلُهُ ﴿ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ﴾ تَأْكِيدٌ لِنَظِيرِهِ المُفَرَّعِ بِالفاءِ. والعَطْفُ بِـ (ثُمَّ) يُفِيدُ أنَّ جُمْلَتَها أرْقى رُتْبَةً مِنَ الَّتِي قَبْلَها في الغَرَضِ المَسُوقِ لَهُ الكَلامُ. فَإذا كانَ المَعْطُوفُ بِها عَيْنَ المَعْطُوفِ عَلَيْهِ أفادَتْ أنَّ مَعْنى المَعْطُوفِ عَلَيْهِ ذُو دَرَجاتٍ مُتَفاوِتَةٍ مَعَ أنَّ التَّأْكِيدَ يُكْسِبُ الكَلامَ قُوَّةً. وهَذا كَقَوْلِهِ ﴿كَلّا سَيَعْلَمُونَ ثُمَّ كَلّا سَيَعْلَمُونَ﴾ [النبإ: ٤] . وكَيْفَ قَدَّرَ في المَوْضِعَيْنِ مُتَّحِدُ المَعْنى وهو اسْمُ اسْتِفْهامٍ دالٌّ عَلى الحالَةِ الَّتِي يُبَيِّنُها مُتَعَلِّقُ (كَيْفَ) . والِاسْتِفْهامُ مُوَجَّهٌ إلى سامِعٍ غَيْرِ مُعَيَّنٍ يَسْتَفْهِمُ المُتَكَلِّمُ سامِعَهُ اسْتِفْهامًا عَنْ حالَةِ تَقْدِيرِهِ، وهو اسْتِفْهامٌ مُسْتَعْمَلٌ في التَّعْجِيبِ المَشُوبِ بِالإنْكارِ عَلى وجْهِ المَجازِ المُرْسَلِ. و(كَيْفَ) في مَحَلِّ نَصْبٍ عَلى الحالِ مُقَدَّمَةٌ عَلى صاحِبِها؛ لِأنَّ لَها الصَّدْرَ وعامِلُها (قَدَّرَ) . وقَوْلُهُ ﴿ثُمَّ نَظَرَ﴾ ﴿ثُمَّ عَبَسَ وبَسَرَ﴾ ﴿ثُمَّ أدْبَرَ واسْتَكْبَرَ﴾ عَطْفٌ عَلى (وقَدَّرَ) وهي ارْتِقاءٌ مُتَوالٍ فِيما اقْتَضى التَّعْجِيبُ مِن حالِهِ والإنْكارُ عَلَيْهِ. فالتَّراخِي تَراخِي رُتْبَةٍ لا تَراخِي زَمَنٍ؛ لِأنَّ نَظَرَهُ وعُبُوسَهُ وبَسَرَهُ وإدْبارَهُ واسْتِكْبارَهُ مُقارِنَةٌ لِتَفْكِيرِهِ وتَقْدِيرِهِ. والنَّظَرُ هُنا: نَظَرُ العَيْنِ لِيَكُونَ زائِدًا عَلى ما أفادَهُ ﴿فَكَّرَ وقَدَّرَ﴾ . والمَعْنى: نَظَرَ في وُجُوهِ الحاضِرِينَ يَسْتَخْرِجُ آراءَهم في انْتِحالِ ما يَصِفُونَ بِهِ القُرْآنَ. وعَبَسَ: قَطَّبَ وجْهَهُ لَمّا اسْتَعْصى عَلَيْهِ ما يَصِفُ بِهِ القُرْآنَ ولَمْ يَجِدْ مَغْمَزًا مَقْبُولًا. وبَسَرَ: مَعْناهُ كَلَحَ وجْهُهُ وتَغَيَّرَ لَوْنُهُ خَوْفًا وكَمَدًا حِينَ لَمْ يَجِدْ ما يَشْفِي غَلِيلَهُ مِن مَطْعَنٍ في القُرْآنِ لا تَرُدُّهُ العُقُولُ، قالَ تَعالى ﴿ووُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ باسِرَةٌ﴾ [القيامة: ٢٤] ﴿تَظُنُّ أنْ يُفْعَلَ بِها فاقِرَةٌ﴾ [القيامة: ٢٥] في سُورَةِ القِيامَةِ. والإدْبارُ: هُنا يَجُوزُ أنْ يَكُونَ مُسْتَعارًا لِتَغْيِيرِ التَّفْكِيرِ الَّذِي كانَ يُفَكِّرُهُ ويُقَدِّرُهُ (p-٣١٠)يَأْسًا مِن أنْ يَجِدَ ما فَكَّرَ في انْتِحالِهِ فانْصَرَفَ إلى الِاسْتِكْبارِ والأنَفَةِ مِن أنْ يَشْهَدَ لِلْقُرْآنِ بِما فِيهِ مِن كَمالِ اللَّفْظِ والمَعْنى. ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ مُسْتَعارًا لِزِيادَةِ إعْراضِهِ عَنْ تَصْدِيقِ النَّبِيءِ ﷺ كَقَوْلِهِ تَعالى ﴿ثُمَّ أدْبَرَ يَسْعى﴾ [النازعات: ٢٢] حِكايَةً عَنْ فِرْعَوْنَ في سُورَةِ النّازِعاتِ. وُصِفَتْ أشْكالُهُ الَّتِي تَشَكَّلَ بِها لَمّا أجْهَدَ نَفْسَهُ لِاسْتِنْباطِ ما يَصِفُ بِهِ القُرْآنَ وذَلِكَ تَهَكُّمٌ بِالوَلِيدِ. وصِيغَةُ الحَصْرِ في قَوْلِهِ ﴿إنْ هَذا إلّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ﴾ مُشْعِرَةٌ بِأنَّ اسْتِقْراءَ أحْوالِ القُرْآنِ بَعْدَ السَّبْرِ والتَّقْسِيمِ أنْتَجَ لَهُ أنَّهُ مِن قَبِيلِ السِّحْرِ، فَهو قَصْرُ تَعْيِينٍ لِأحَدِ الأقْوالِ الَّتِي جالَتْ في نَفْسِهِ؛ لِأنَّهُ قالَ: ما هو بِكَلامِ شاعِرٍ ولا بِكَلامِ كاهِنٍ ولا بِكَلامِ مَجْنُونٍ، كَما تَقَدَّمَ في خَبَرِهِ. ووَصَفَ هَذا السِّحْرَ بِأنَّهُ مَأْثُورٌ، أيْ: مَرْوِيٌّ عَنِ الأقْدَمِينَ، يَقُولُ هَذا لِيَدْفَعَ بِهِ اعْتِراضًا يَرُدُّ عَلَيْهِ أنَّ أقْوالَ السَّحَرَةِ وأعْمالَهم لَيْسَتْ مُماثِلَةً لِلْقُرْآنِ ولا لِأحْوالِ الرَّسُولِ فَزَعَمَ أنَّهُ أقْوالٌ سِحْرِيَّةٌ غَيْرُ مَأْلُوفَةٍ. وجُمْلَةُ ﴿إنْ هَذا إلّا قَوْلُ البَشَرِ﴾ بَدَلُ اشْتِمالٍ مِن جُمْلَةِ ﴿إنْ هَذا إلّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ﴾ بِأنَّ السِّحْرَ يَكُونُ أقْوالًا وأفْعالًا فَهَذا مِنَ السِّحْرِ القَوْلِيِّ. وهَذِهِ الجُمْلَةُ بِمَنزِلَةِ النَّتِيجَةِ لِما تَقَدَّمَ،؛ لِأنَّ مَقْصُودَهُ مِن ذَلِكَ كُلِّهِ أنَّ القُرْآنَ لَيْسَ وحْيًا مِنَ اللَّهِ. وعَطَفَ قَوْلَهُ (فَقالَ) بِالفاءِ؛ لِأنَّ هَذِهِ المَقالَةَ لَمّا خَطَرَتْ بِبالِهِ بَعْدَ اكْتِدادِ فِكْرِهِ لَمْ يَتَمالَكْ أنْ نَطَقَ بِها فَكانَ نُطْقُهُ بِها حَقِيقًا بِأنْ يُعْطَفَ بِحَرْفِ التَّعْقِيبِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب