الباحث القرآني
﴿وقالَ مُوسى يا فِرْعَوْنُ إنِّي رَسُولٌ مِن رَبِّ العالَمِينَ﴾ ﴿حَقِيقٌ عَلَيَّ أنْ لا أقُولَ عَلى اللَّهِ إلّا الحَقَّ قَدْ جِئْتُكم بِبَيِّنَةٍ مِن رَبِّكم فَأرْسِلْ مَعِي بَنِي إسْرائِيلَ﴾ ﴿قالَ إنْ كُنْتَ جِئْتَ بِآيَةٍ فَأْتِ بِها إنْ كُنْتَ مِنَ الصّادِقِينَ﴾ ﴿فَألْقى عَصاهُ فَإذا هي ثُعْبانٌ مُبِينٌ﴾ ﴿ونَزَعَ يَدَهُ فَإذا هي بَيْضاءُ لِلنّاظِرِينَ﴾ عُطِفَ قَوْلُ مُوسى بِالواوِ، ولَمْ يُفْصَلْ عَمّا قَبْلَهُ، مَعَ أنَّ جُمْلَةَ هَذا القَوْلِ بِمَنزِلَةِ البَيانِ لِجُمْلَةِ بَعَثْنا مِن بَعْدِهِمْ مُوسى؛ لِأنَّهُ لَمّا كانَ قَوْلُهُ بِآياتِنا حالًا مِن مُوسى فَقَدْ فُهِمَ أنَّ المَقْصُودَ تَنْظِيرُ حالِ الَّذِينَ أُرْسِلَ إلَيْهِمْ مُوسى بِحالِ الأُمَمِ الَّتِي مَضى الإخْبارُ عَنْها في المُكابَرَةِ عَلى التَّكْذِيبِ، مَعَ ظُهُورِ آياتِ الصِّدْقِ، لِيَتِمَّ بِذَلِكَ تَشابُهُ حالِ الماضِينَ مَعَ حالِ الحاضِرِينَ المُكَذِّبِينَ بِمُحَمَّدٍ ﷺ، فَجُعِلَتْ حِكايَةُ مُحاوَرَةِ مُوسى مَعَ فِرْعَوْنَ ومَلَئِهِ خَبَرًا مُسْتَقِلًّا لِأنَّهُ لَمْ يُحْكَ فِيهِ قَوْلُهُ المُقارِنُ لِإظْهارِ الآيَةِ بَلْ ذُكِرَتِ الآيَةُ مِن قَبْلُ، بِخِلافِ ما حُكِيَ في القَصَصِ الَّتِي قَبْلَها فَإنَّ حِكايَةَ أقْوالِ الرُّسُلِ كانَتْ قَبْلَ ذِكْرِ الآيَةِ، ولِأنَّ القِصَّةَ هُنا قَدْ حُكِيَ جَمِيعُها بِاخْتِصارٍ بِجُمَلِ بَعَثْنا، فَظَلَمُوا، فانْظُرْ، فَصارَتْ جُمْلَةُ قالَ تَفْصِيلًا لِبَعْضِ ما تَقَدَّمَ، فَلا تَكُونُ مَفْصُولَةً لِأنَّ الفَصْلَ إنَّما يَكُونُ بَيْنَ جُمْلَتَيْنِ، لا بَيْنَ جُمْلَةٍ وبَيْنَ عِدَّةِ جُمَلٍ أُخْرى.
والظّاهِرُ أنَّ خِطابَ مُوسى فِرْعَوْنَ بِقَوْلِهِ يا فِرْعَوْنُ خِطابُ إكْرامٍ لِأنَّهُ ناداهُ بِالِاسْمِ الدّالِّ عَلى المُلْكِ والسُّلْطانِ بِحَسَبِ مُتَعارَفِ أُمَّتِهِ فَلَيْسَ هو بِتَرَفُّعٍ عَلَيْهِ لِأنَّ اللَّهَ - تَعالى - قالَ لَهُ ولِهارُونَ فَقُولا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا. والظّاهِرُ أيْضًا أنَّ قَوْلَ مُوسى هَذا هو أوَّلُ ما خاطَبَ بِهِ فِرْعَوْنَ. كَما دَلَّتْ عَلَيْهِ سُورَةُ (طه) .
(p-٣٨)وصَوْغُ حِكايَةِ كَلامِ مُوسى بِصِيغَةِ التَّأْكِيدِ بِحَرْفِ إنَّ؛ لِأنَّ المُخاطَبَ مَظِنَّةُ الإنْكارِ أوِ التَّرَدُّدِ القَوِيِّ في صِحَّةِ الخَبَرِ.
واخْتِيارُ صِفَةِ رَبِّ العالَمِينَ في الإعْلامِ بِالمُرْسِلِ إبْطالٌ لِاعْتِقادِ فِرْعَوْنَ أنَّهُ رَبُّ مِصْرَ وأهْلِها فَإنَّهُ قالَ لَهم أنا رَبُّكُمُ الأعْلى فَلَمّا وصَفَ مُوسى مُرْسِلَهُ بِأنَّهُ رَبُّ العالَمِينَ شَمِلَ فِرْعَوْنَ وأهْلَ مَمْلَكَتِهِ فَتَبْطُلُ دَعْوى فِرْعَوْنَ أنَّهُ إلَهُ مِصْرَ بِطَرِيقِ اللُّزُومِ، ودَخَلَ في ذَلِكَ جَمِيعُ البِلادِ والعِبادِ الَّذِينَ لَمْ يَكُنْ فِرْعَوْنُ يَدَّعِي أنَّهُ إلاهُهم مِثْلُ الفُرْسِ والآشُورِيِّينَ.
وقَوْلُهُ (حَقِيقٌ عَلَيَّ) قَرَأهُ نافِعٌ بِالياءِ في آخِرِ (عَلَيَّ) فَهي ياءُ المُتَكَلِّمِ دَخَلَ عَلَيْها حَرْفُ (عَلى) وتَعْدِيَةُ حَقِيقٍ بِحَرْفِ (عَلى) مَعْرُوفَةٌ، وقالَ - تَعالى - (فَحَقَّ عَلَيْنا قَوْلُ رَبِّنا) ”الصّافّاتِ“، ولِأنَّ حَقِيقًا بِمَعْنى واجِبٍ، فَتَعْدِيَتُهُ بِحَرْفِ عَلى واضِحَةٌ.
و(حَقِيقٌ) خَبَرٌ ثانٍ عَنْ إنِّي، فَلَيْسَ في ضَمِيرِ المُتَكَلِّمِ مِن قَوْلِهِ (عَلَيَّ) عَلى قِراءَةِ نافِعٍ التِفاتٌ، بِخِلافِ ما لَوْ جُعِلَ قَوْلُهُ (حَقِيقٌ) صِفَةً لِـ (رَسُولٌ) فَحِينَئِذٍ يَكُونُ مُقْتَضى الظّاهِرِ الإتْيانَ بِضَمِيرِ الغائِبِ، فَيَقُولُ: حَقِيقٌ عَلَيْهِ، فَيَكُونُ العُدُولُ إلى التَّكَلُّمِ التِفاتًا. وفاعِلُ (حَقِيقٌ) هو المَصْدَرُ المَأْخُوذُ مِن قَوْلِهِ أنْ لا أقُولَ أيْ: حَقِيقٌ عَلَيَّ عَدَمُ قَوْلِي عَلى اللَّهِ غَيْرَ الحَقِّ.
وحَقِيقٌ فَعِيلٌ بِمَعْنى فاعِلٍ، وهو مُشْتَقٌّ مِن حَقَّ بِمَعْنى وجَبَ وثَبَتَ أيْ: مُتَعَيِّنٌ وواجِبٌ عَلَيَّ قَوْلُ الحَقِّ عَلى اللَّهِ، و(عَلى) الأُولى لِلِاسْتِعْلاءِ المَجازِيِّ و(عَلى) الثّانِيَةُ بِمَعْنى عَنْ. وقَرَأ الجُمْهُورُ ”عَلى“ بِألِفٍ بَعْدَ اللّامِ. وهي ”عَلى“ الجارَّةُ.
فَفِي تَعَلُّقِ عَلى ومَجْرُورِها الظّاهِرِ بِـ (حَقِيقٌ) تَأْوِيلٌ بِوُجُوهٍ أحْسَنُها قَوْلُ الفَرّاءِ، وأبِي عَلِيٍّ الفارِسِيِّ: أنَّ (عَلى) هُنا بِمَعْنى الباءِ وأنَّ (حَقِيقٌ) فَعِيلٌ بِمَعْنى مَفْعُولٍ: أيْ مَحْقُوقٌ بِأنْ لا أقُولَ عَلى اللَّهِ إلّا الحَقَّ، أيْ: مَجْعُولٌ قَوْلُ الحَقِّ حَقًّا عَلَيَّ، كَقَوْلِ الأعْشى:
؎لَمَحْقُوقَةٌ أنْ تَسْتَجِيبِي لِقَوْلِهِ
أيْ مَحْقُوقَةٌ بِأنْ تَسْتَجِيبِي، وقَوْلُ سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ ولَوْ أنَّ أُحُدًا انْقَضَّ لِما صَنَعْتُمْ بِعُثْمانَ لَكانَ مَحْقُوقًا بِأنْ يَنْقَضَّ.
(p-٣٩)ومِنها ما قالَ صاحِبُ الكَشّافِ ”والأوْجَهُ الأدْخَلُ في نُكَتِ القُرْآنِ أنْ يُغْرِقَ مُوسى في وصْفِ نَفْسِهِ بِالصِّدْقِ في ذَلِكَ المَقامِ فَيَقُولَ: أنا حَقِيقٌ عَلى قَوْلِ الحَقِّ، أيْ: أنا واجِبٌ عَلى قَوْلِ الحَقِّ أنْ أكُونَ أنا قائِلَهُ والقائِمَ بِهِ“ قالَ شارِحُوهُ: فالمَعْنى لَوْ كانَ قَوْلُ الحَقِّ شَخْصًا عاقِلًا لَكُنْتُ أنا واجِبًا عَلَيْهِ. أنْ لا يَصْدُرَ إلّا عَنِّي وأنْ أكُونَ قائِلَهُ، وهو عَلى هَذا اسْتِعارَةٌ بِالكِنايَةِ: شُبِّهَ قَوْلُ الحَقِّ بِالعُقَلاءِ الَّذِينَ يَخْتارُونَ مَوارِدَهم ومَصادِرَهم. ورُمِزَ إلى المُشَبَّهِ بِهِ بِما هو مِن رَوادِفِهِ، وهو كَوْنُ ما يُناسِبُهُ مُتَعَيَّنًا عَلَيْهِ.
ومِنها ما قِيلَ: ضُمِّنَ (حَقِيقٌ) مَعْنى حَرِيصٍ فَعُدِّيَ بِعَلى إشارَةً إلى ذَلِكَ التَّضْمِينِ. وأحْسَنُ مِن هَذا أنْ يُضَمَّنَ حَقِيقٌ مَعْنى مَكِينٍ وتَكُونَ (عَلى) اسْتِعارَةً لِلِاسْتِعْلاءِ المَجازِيِّ.
وجُمْلَةُ قَدْ جِئْتُكم بِبَيِّنَةٍ مُسْتَأْنَفَةٌ اسْتِئْنافًا بَيانِيًّا؛ لِأنَّ مَقامَ الإنْكارِ مِمّا يُثِيرُ سُؤالَ سائِلٍ أنْ يَقُولَ هَذِهِ دَعْوى غَرِيبَةٌ تَحْتاجُ إلى بَيِّنَةٍ.
والبَيِّنَةُ: الحُجَّةُ. وقَدْ تَقَدَّمَ الكَلامُ عَلَيْها عِنْدَ قَوْلِهِ - تَعالى ﴿قُلْ إنِّي عَلى بَيِّنَةٍ مِن رَبِّي﴾ [الأنعام: ٥٧] في سُورَةِ الأنْعامِ. والحُجَّةُ هُنا يَجُوزُ أنْ يَكُونَ المُرادُ بِها البَراهِينَ العَقْلِيَّةَ عَلى صِدْقِ ما جاءَ بِهِ مُوسى مِنَ التَّوْحِيدِ والهُدى، ويَجُوزُ أنْ تَكُونَ المُعْجِزَةَ الدّالَّةَ عَلى صِدْقِ الرَّسُولِ، فَعَلى الوَجْهِ الأوَّلِ تَكُونُ الباءُ في قَوْلِهِ بِبَيِّنَةٍ لِتَعْدِيَةِ فِعْلِ المَجِيءِ، وعَلى الوَجْهِ الثّانِي تَكُونُ الباءُ لِلْمُلابَسَةِ، والمُرادُ بِالمُلابَسَةِ مُلابَسَةُ التَّمَكُّنِ مِن إظْهارِ المُعْجِزَةِ الَّتِي أظْهَرَها اللَّهُ لَهُ كَما في سُورَةِ طَهَ وما تِلْكَ بِيَمِينِكَ يا مُوسى، ويُحْتَمَلُ المَعْنى الأعَمُّ الشّامِلُ لِلنَّوْعَيْنِ عَلى ما يَحْتَمِلُهُ كَلامُ مُوسى المُتَرْجَمُ عَنْهُ هُنا.
والفاءُ في قَوْلِهِ (فَأرْسِلْ) لِتَفْرِيعِ طَلَبِ تَسْرِيحِ بَنِي إسْرائِيلَ عَلى تَحَقُّقِ الرِّسالَةِ عَنْ رَبِّ العالَمِينَ، والِاسْتِعْدادِ لِإظْهارِ البَيِّنَةِ عَلى ذَلِكَ، وقَدْ بَنى مُوسى كَلامَهُ عَلى ما يَثِقُ بِهِ مِن صِدْقِ دَعْوَتِهِ مَعَ الِاسْتِعْدادِ لِلتَّبْيِينِ عَلى ذَلِكَ الصِّدْقِ بِالبَراهِينِ أوِ المُعْجِزَةِ إنْ طَلَبَها فِرْعَوْنُ لِأنَّ شَأْنَ الرُّسُلِ أنْ لا يَبْتَدِئُوا بِإظْهارِ المُعْجِزاتِ صَوْنًا لِمَقامِ الرِّسالَةِ عَنْ تَعْرِيضِهِ لِلتَّكْذِيبِ، كَما بَيَّنّاهُ عِنْدَ قَوْلِهِ - تَعالى - وأقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أيْمانِهِمْ لَئِنْ جاءَتْهم آيَةٌ لِيُؤْمِنُنَّ بِها الآياتِ في سُورَةِ الأنْعامِ.
والإرْسالُ: الإطْلاقُ والتَّخْلِيَةُ، كَقَوْلِهِمْ: أرْسَلَها العِراكَ، وهو هُنا مَجازٌ لُغَوِيٌّ في الإذْنِ لِبَنِي إسْرائِيلَ بِالخُرُوجِ، المَطْلُوبِ مِن فِرْعَوْنَ.
(p-٤٠)وتَقْيِيدُهُ بِـ (مَعِي) لِأنَّ المَقْصُودَ مِن إخْراجِهِمْ مِن مِصْرَ أنْ يَكُونُوا مَعَ الرَّسُولِ لِيُرْشِدَهم ويُدَبِّرَ شُئُونَهم.
وقَوْلُ فِرْعَوْنَ إنْ كُنْتَ جِئْتَ بِآيَةٍ فَأْتِ بِها مُتَعَيِّنٌ لِأنْ يَكُونَ مَعْناهُ: إنْ كُنْتَ جِئْتَ بِمُعْجِزَةٍ، فَإنَّ أكْثَرَ مَوارِدِ الآيَةِ في القُرْآنِ مُرادٌ فِيهِ المُعْجِزَةُ، وأكْثَرَ مَوارِدِ البَيِّنَةِ مُرادٌ فِيهِ الحُجَّةُ، فالمُرادُ بِالبَيِّنَةِ في قَوْلِ مُوسى قَدْ جِئْتُكم بِبَيِّنَةٍ مِن رَبِّكم الحُجَّةُ عَلى إثْباتِ الإلَهِيَّةِ وعَلى حَقِيَّةِ ما جاءَ بِهِ مِن إرْشادٍ لِقَوْمِهِ، فَكانَ فِرْعَوْنُ غَيْرَ مُقْتَنِعٍ بِبُرْهانِ العَقْلِ أوْ قاصِرًا عَنِ النَّظَرِ فِيهِ فانْتَقَلَ إلى طَلَبِ خارِقِ العادَةِ، فالمَعْنى: إنْ كُنْتَ جِئْتَنا مُتَمَكِّنًا مِن إظْهارِ المُعْجِزاتِ، لِأنَّ فِرْعَوْنَ قالَ ذَلِكَ قَبْلَ أنْ يُظْهِرَ مُوسى - عَلَيْهِ السَّلامُ - مُعْجِزَتَهُ، فالباءُ في قَوْلِهِ بِآيَةٍ لِلْمَعِيَّةِ التَّقْدِيرِيَّةِ، أيْ: مُتَمَكِّنًا مِن آيَةٍ، أوِ الباءُ لِلْمُلابَسَةِ، والمُلابَسَةُ مَعْناها واسِعٌ، أيْ: لَكَ تَمْكِينٌ مِن إظْهارِ آيَةٍ.
وقَوْلُهُ فَأْتِ بِها اسْتُعْمِلَ الإتْيانُ في الإظْهارِ مَجازًا مُرْسَلًا، فالباءُ في قَوْلِهِ بِها لِتَعْدِيَةِ فِعْلِ الإتْيانِ، وبِذَلِكَ يَتَّضِحُ ارْتِباطُ الجَزاءِ بِالشَّرْطِ؛ لِأنَّ الإتْيانَ بِالآيَةِ المَذْكُورَةِ في الجَزاءِ هو غَيْرُ المَجِيءِ بِالآيَةِ المَذْكُورَةِ في الشَّرْطِ، أيْ: إنْ كُنْتَ جِئْتَ مُتَمَكِّنًا مِن إظْهارِ الآيَةِ فَأظْهِرْ هَذِهِ الآيَةَ.
والإلْقاءُ: الرَّمْيُ عَلى الأرْضِ أوْ في الماءِ أوْ نَحْوُ ذَلِكَ، أيْ: فَرَمى عَصاهُ مِن يَدِهِ. و(إذا) لِلْمُفاجَأةِ وهي حُدُوثُ الحادِثِ عَنْ غَيْرِ تَرَقُّبٍ.
والثُّعْبانُ: حَيَّةٌ عَظِيمَةٌ، و(مُبِينٌ) اسْمُ فاعِلٍ مِن أبانَ القاصِرِ المُرادِفِ لِبانَ، أيْ: ظَهَرَ، أيِ: الظّاهِرُ الَّذِي لا شَكَّ فِيهِ ولا تَخَيُّلَ.
ونَزَعَ: أزالَ اتِّصالَ شَيْءٍ عَنْ شَيْءٍ، ومِنهُ نَزَعَ ثَوْبَهُ، والمَعْنى هُنا أنَّهُ أخْرَجَ يَدَهُ مِن جَيْبِ قَمِيصِهِ بَعْدَ أنْ أدْخَلَها في جَيْبِهِ كَما في سُورَةِ النَّمْلِ وسُورَةِ القَصَصِ فَلَمّا أخْرَجَها صارَتْ بَيْضاءَ، أيْ بَياضًا مِنَ النُّورِ.
وقَدْ دَلَّ عَلى هَذا البَياضِ قَوْلُهُ لِلنّاظِرِينَ، أيْ بَياضًا يَراهُ النّاظِرُونَ رُؤْيَةَ تَعَجُّبٍ مِن بَياضِها. فالمَقْصُودُ مِن ذِكْرِ قَوْلِهِ لِلنّاظِرِينَ تَتْمِيمُ مَعْنى البَياضِ.
واللّامُ في قَوْلِهِ لِلنّاظِرِينَ لَمْ يُعَرِّجِ المُفَسِّرُونَ عَلى بَيانِ مَعْناها ومَوْقِعِها سِوى أنَّ صاحِبَ الكَشّافِ قالَ: يَتَعَلَّقُ لِلنّاظِرِينَ بِبَيْضاءَ دُونَ أنْ يُبَيِّنَ نَوْعَ التَّعَلُّقِ ولا مَعْنى (p-٤١)اللّامِ، وسَكَتَ عَلَيْهِ شُرّاحُهُ والبَيْضاوِيُّ، وظاهِرُ قَوْلِهِ يَتَعَلَّقُ أنَّهُ ظَرْفُ لَغْوٍ تَعَلَّقَ بِبَيْضاءَ فَلَعَلَّهُ لِما في بَيْضاءَ مِن مَعْنى الفِعْلِ كَأنَّهُ قِيلَ: ابْيَضَّتْ لِلنّاظِرِينَ كَما يَتَعَلَّقُ المَجْرُورُ بِالمُشْتَقِّ فَتَعَيَّنَ أنْ يَكُونَ مَعْنى اللّامِ هو ما سَمّاهُ ابْنُ مالِكٍ بِمَعْنى التَّعْدِيَةِ وهو يُرِيدُ بِهِ تَعْدِيَةً خاصَّةً لا مُطْلَقَ التَّعْدِيَةِ أيْ تَعْدِيَةَ الفِعْلِ القاصِرِ إلى ما لا يَتَعَدّى لَهُ بِأصْلِ وضْعِهِ لِأنَّ ذَلِكَ حاصِلٌ في جَمِيعِ حُرُوفِ الجَرِّ فَلا شَكَّ أنَّهُ أرادَ تَعْدِيَةً خاصَّةً لَمْ يُبَيِّنْ حَقِيقَتَها، وقَدْ مَثَّلَ لَها في شَرْحِ الكافِيَةِ بِقَوْلِهِ - تَعالى - فَهَبْ لِي مِن لَدُنْكَ ولِيًّا وجَعَلَ في شَرْحِ التَّسْهِيلِ هَذا المِثالَ مِثالًا لِمَعْنى شِبْهِ المِلْكِ، واخْتارَ ابْنُ هِشامٍ أنْ يُمَثَّلَ لِلتَّعْدِيَةِ بِنَحْوِ (ما أضْرَبَ زَيْدًا لِعَمْرٍو) .
ولَمْ يُفْصِحُوا عَنْ هَذِهِ التَّعْدِيَةِ الخاصَّةِ بِاللّامِ، ويَظْهَرُ لِي أنَّها عَمَلٌ لَفْظِيٌّ مَحْضٌ، أيْ لا يُفِيدُ مَعْنًى جُزْئِيًّا كَمَعانِي الحُرُوفِ، فَتَحَصَّلَ أنَّهم في ارْتِباكٍ في تَحْقِيقِ مَعْنى التَّعْدِيَةِ، وعِنْدِي أنَّ قَوْلَهُ - تَعالى - بَيْضاءُ لِلنّاظِرِينَ أحْسُنُ ما يُمَثَّلُ بِهِ لِكَوْنِ اللّامِ لِلتَّعْدِيَةِ وأنْ نُفَسِّرَ هَذا المَعْنى بِأنَّهُ تَقْرِيبُ المُتَعَلِّقِ بِكَسْرِ اللّامِ بِالمُتَعَلِّقِ بِفَتْحِ اللّامِ تَقْرِيبًا لا يَجْعَلُهُ في مَعْنى المَفْعُولِ بِهِ.
وإنْ شِئْتَ إرْجاعَ مَعْنى التَّعْدِيَةِ إلى أصْلٍ مِنَ المَعانِي المَشْهُورَةِ لِلّامِ، فالظّاهِرُ أنَّها مِن فُرُوعِ مَعْنى شِبْهِ المِلْكِ كَما اقْتَضاهُ جَعْلُ ابْنِ مالِكٍ المِثالَ الَّذِي مَثَّلَ بِهِ لِلتَّعْدِيَةِ مِثالًا لِشِبْهِ المِلْكِ.
وأقْرَبُ مِن ذَلِكَ أنْ تَكُونَ اللّامُ بِمَعْنى ”عِنْدَ“ ويَكُونَ مُفادُ قَوْلِهِ - تَعالى - بَيْضاءُ لِلنّاظِرِينَ أنَّها بَيْضاءُ بَياضًا مُسْتَقِرًّا في أنْظارِ النّاظِرِينَ، ويَكُونُ الظَّرْفُ مُسْتَقِرًّا، يُجْعَلُ حالًا مِن ضَمِيرِ يَدِهِ.
{"ayahs_start":104,"ayahs":["وَقَالَ مُوسَىٰ یَـٰفِرۡعَوۡنُ إِنِّی رَسُولࣱ مِّن رَّبِّ ٱلۡعَـٰلَمِینَ","حَقِیقٌ عَلَىٰۤ أَن لَّاۤ أَقُولَ عَلَى ٱللَّهِ إِلَّا ٱلۡحَقَّۚ قَدۡ جِئۡتُكُم بِبَیِّنَةࣲ مِّن رَّبِّكُمۡ فَأَرۡسِلۡ مَعِیَ بَنِیۤ إِسۡرَ ٰۤءِیلَ","قَالَ إِن كُنتَ جِئۡتَ بِـَٔایَةࣲ فَأۡتِ بِهَاۤ إِن كُنتَ مِنَ ٱلصَّـٰدِقِینَ","فَأَلۡقَىٰ عَصَاهُ فَإِذَا هِیَ ثُعۡبَانࣱ مُّبِینࣱ","وَنَزَعَ یَدَهُۥ فَإِذَا هِیَ بَیۡضَاۤءُ لِلنَّـٰظِرِینَ"],"ayah":"قَالَ إِن كُنتَ جِئۡتَ بِـَٔایَةࣲ فَأۡتِ بِهَاۤ إِن كُنتَ مِنَ ٱلصَّـٰدِقِینَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق