الباحث القرآني

﴿مَّثَلُ الجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ المُتَّقُونَ تَجْرِي مِن تَحْتِها الأنْهارُ أُكْلُها دائِمٌ وِظِلُّها تِلْكَ عُقْبى الَّذِينَ اتَّقَوْا وَّعُقْبى الكافِرِينَ النّارُ﴾ اسْتِئْنافٌ ابْتِدائِيٌّ يَرْتَبِطُ بُقُولِهِ ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وعَمِلُوا الصّالِحاتِ طُوبى لَهُمْ﴾ [الرعد: ٢٩] . ذُكِرَ هُنا بِمُناسَبَةِ ذِكْرِ ضِدِّهِ في قَوْلِهِ ﴿ولَعَذابُ الآخِرَةِ أشَقُّ﴾ [الرعد: ٣٤] . والمَثَلُ: هُنا الصِّفَةُ العَجِيبَةُ، قِيلَ: هو حَقِيقَةٌ مِن مَعانِي المَثَلِ، كَقَوْلِهِ تَعالى ﴿ولِلَّهِ المَثَلُ الأعْلى﴾ [النحل: ٦٠]، وقِيلَ: هو مُسْتَعارٌ مِنَ المَثَلِ الَّذِي هو الشَّبِيهُ في حالَةٍ عَجِيبَةٍ أُطْلِقَ عَلى الحالَةِ العَجِيبَةِ غَيْرِ الشَّبِيهَةِ لِأنَّها جَدِيرَةٌ بِالتَّشْبِيهِ بِها. وجُمْلَةُ ﴿تَجْرِي مِن تَحْتِها الأنْهارُ﴾ خَبَرٌ عَنْ مَثَلٍ بِاعْتِبارِ أنَّها مِن أحْوالِ المُضافِ إلَيْهِ. فَهي مِن أحْوالِ المُضافِ لِشِدَّةِ المُلابَسَةِ بَيْنَ المُتَضايِفَيْنِ، كَما يُقالُ: صِفَةُ زَيْدِ أسْمَرُ. وجُمْلَةُ ﴿أُكُلُها دائِمٌ﴾ خَبَرٌ ثانٍ، والأُكُلُ بِالضَّمِّ: المَأْكُولُ، وتَقَدَّمَ. ودَوامُ الظِّلِّ كِنايَةٌ عَنِ التِفافِ الأشْجارِ بِحَيْثُ لا فَراغَ بَيْنِها تَنْفُذُ مِنهُ الشَّمْسُ، كَما قالَ تَعالى ﴿وجَنّاتٍ ألْفافًا﴾ [النبإ: ١٦]، وذَلِكَ مِن مَحامِدِ الجَنّاتِ ومَلاذِّها. وجُمْلَةُ ﴿تِلْكَ عُقْبى الَّذِينَ اتَّقَوْا﴾ مُسْتَأْنَفَةٌ. (p-١٥٦)والإشارَةُ إلى الجَنَّةِ بِصِفاتِها بِحَيْثُ صارَتْ كالمُشاهَدَةِ، والمَعْنى: تِلْكَ هي الَّتِي سَمِعْتُمْ أنَّها عُقْبى الدّارِ لِلَّذِينِ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ إلى قَوْلِهِ ﴿ويَدْرَءُونَ بِالحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ﴾ [الرعد: ٢٢] إلى قَوْلِهِ ﴿فَنِعْمَ عُقْبى الدّارِ﴾ [الرعد: ٢٤] هي ﴿الجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ المُتَّقُونَ﴾ . وقَدْ عُلِمَ أنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا هُمُ المُؤْمِنُونَ الصّالِحُونَ كَما تَقَدَّمَ. وأوَّلُ مَراتِبِ التَّقْوى الإيمانُ. وجُمْلَةُ ﴿وعُقْبى الكافِرِينَ النّارُ﴾ مُسْتَأْنَفَةٌ لِلْمُناسَبَةِ بِالمُضادَّةِ. وهي كالبَيانِ لِجُمْلَةِ ﴿ولَهم سُوءُ الدّارِ﴾ [الرعد: ٢٥] .
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب