(p-٣٦٨٥)القَوْلُ في تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعالى:
[ ٣٥ ] ﴿مَثَلُ الجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ المُتَّقُونَ تَجْرِي مِن تَحْتِها الأنْهارُ أُكُلُها دائِمٌ وظِلُّها تِلْكَ عُقْبى الَّذِينَ اتَّقَوْا وعُقْبى الكافِرِينَ النّارُ﴾
﴿مَثَلُ الجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ المُتَّقُونَ﴾ أيْ عَنِ الكُفْرِ والمَعاصِي ﴿تَجْرِي مِن تَحْتِها الأنْهارُ أُكُلُها دائِمٌ وظِلُّها تِلْكَ عُقْبى الَّذِينَ اتَّقَوْا وعُقْبى الكافِرِينَ النّارُ﴾
فِي الآيَةِ وُجُوهٌ مِنَ الإعْرابِ:
(الأوَّلُ): أنَّ (مَثَلُ) مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ مَحْذُوفٌ، أيْ: فِيما يُقَصُّ ويُتْلى عَلَيْكم صِفَةُ الجَنَّةِ، وجُمْلَةُ (تَجْرِي) مُفَسِّرَةٌ أوْ مُسْتَأْنَفَةٌ اسْتِئْنافًا بَيانِيًّا أوْ حالٌ مِن ضَمِيرِ (وُعِدَ) أيْ: وعَدَها مُقَدِّرًا جَرَيانَ أنْهارِها. وهَذا الوَجْهُ سالِمٌ مِنَ التَّكَلُّفِ، مَعَ ما فِيهِ مِنَ الإيجازِ والإجْمالِ والتَّفْصِيلِ. وقُدِّرَ الخَبَرُ فِيهِ مُقَدَّمًا لِطُولِ ذَيْلِ المُبْتَدَأِ، أوْ لِئَلّا يَفْصِلَ بِهِ بَيْنَهُ وبَيْنَ ما يُفَسِّرُهُ، أوْ ما هو كالمُفَسِّرِ لَهُ.
(الثّانِي): أنَّ خَبَرَهُ (تَجْرِي) -عَلى طَرِيقَةِ قَوْلِكَ: صِفَةُ زَيْدٍ أسْمَرُ- قِيلَ: هو غَيْرُ مُسْتَقِيمٍ مَعْنًى؛ لِأنَّهُ يَقْتَضِي أنَّ الأنْهارَ في صِفَةِ الجَنَّةِ، وهي فِيها، لا في صِفَتِها. مَعَ تَأْنِيثِ الضَّمِيرِ العائِدِ عَلى المَثَلِ حَمْلًا عَلى المَعْنى.
(الثّالِثُ): أنَّ ثَمَّةَ مَوْصُوفًا مَحْذُوفًا، أيْ: مَثَلُ الجَنَّةِ جَنَّةٌ تَجْرِي مِن تَحْتِها الأنْهارُ، وقَوْلُهُ (وظِلُّها) مُبْتَدَأٌ مَحْذُوفُ الخَبَرِ أيْ: كَذَلِكَ.
{"ayah":"۞ مَّثَلُ ٱلۡجَنَّةِ ٱلَّتِی وُعِدَ ٱلۡمُتَّقُونَۖ تَجۡرِی مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَـٰرُۖ أُكُلُهَا دَاۤىِٕمࣱ وَظِلُّهَاۚ تِلۡكَ عُقۡبَى ٱلَّذِینَ ٱتَّقَوا۟ۚ وَّعُقۡبَى ٱلۡكَـٰفِرِینَ ٱلنَّارُ"}