الباحث القرآني
قَوْلُهُ: ﴿وما خَلَقْنا السَّماواتِ والأرْضَ وما بَيْنَهُما﴾ أيْ: بَيْنَ جِنْسَيِ السَّماءِ والأرْضِ لاعِبِينَ أيْ: لِغَيْرِ غَرَضٍ صَحِيحٍ. قالَ مُقاتِلٌ: لَمْ نَخْلُقْهُما عابِثِينَ لِغَيْرِ شَيْءٍ. وقالَ الكَلْبِيُّ: لاهِينَ، وقِيلَ: غافِلِينَ.
قَرَأ الجُمْهُورُ ﴿وما بَيْنَهُما﴾ وقَرَأ عَمْرُو بْنُ عُبَيْدٍ ( وما بَيْنَهُنَّ ) لِأنَّ السَّماواتِ والأرْضَ جَمْعٌ، وانْتِصابُ لاعِبِينَ عَلى الحالِ.
﴿ما خَلَقْناهُما﴾ أيْ: وما بَيْنَهُما ﴿إلّا بِالحَقِّ﴾ أيْ: إلّا بِالأمْرِ الحَقِّ، والِاسْتِثْناءُ مُفَرَّغٌ (p-١٣٥٤)مِن أعَمِّ الأحْوالِ.
وقالَ الكَلْبِيُّ: إلّا لِلْحَقِّ، وكَذا قالَ الحَسَنُ، وقِيلَ: إلّا لِإقامَةِ الحَقِّ وإظْهارِهِ ﴿ولَكِنَّ أكْثَرَهم لا يَعْلَمُونَ﴾ أنَّ الأمْرَ كَذَلِكَ وهُمُ المُشْرِكُونَ.
﴿إنَّ يَوْمَ الفَصْلِ مِيقاتُهم أجْمَعِينَ﴾ أيْ: إنَّ يَوْمَ القِيامَةِ الَّذِي يُفْصَلُ فِيهِ الحَقُّ عَنِ الباطِلِ مِيقاتُهم أيِ: الوَقْتُ المَجْعُولُ لِتَمْيِيزِ المُحْسِنِ مِنَ المُسِيئِ، والمُحِقِّ مِنَ المُبْطِلِ أجْمَعِينَ، لا يَخْرُجُ عَنْهم أحَدٌ مِن ذَلِكَ.
وقَدِ اتَّفَقَ القُرّاءُ عَلى رَفْعِ مِيقاتُهم عَلى أنَّهُ خَبَرُ إنَّ، واسْمَها ﴿يَوْمَ الفَصْلِ﴾ .
وأجازَ الكِسائِيُّ، والفَرّاءُ نَصْبَهُ عَلى أنَّهُ اسْمُها، و( يَوْمَ الفَصْلِ ) خَبَرُها.
ثُمَّ وصَفَ - سُبْحانَهُ - ذَلِكَ اليَوْمَ فَقالَ: ﴿يَوْمَ لا يُغْنِي مَوْلًى عَنْ مَوْلًى شَيْئًا﴾، ( يَوْمَ ) بَدَلٌ مِن يَوْمِ الفَصْلِ، أوْ مُنْتَصِبٌ بِفِعْلٍ مُضْمَرٍ يَدُلُّ عَلَيْهِ الفَصْلُ أيْ: يُفْصَلُ بَيْنَهم يَوْمَ لا يُغْنِي، ولا يَجُوزُ أنْ يَكُونَ مَعْمُولًا لِلْفَصْلِ لِأنَّهُ قَدْ وقَعَ الفَصْلُ بَيْنَهُما بِأجْنَبِيٍّ، والمَعْنى: أنَّهُ لا يَنْفَعُ في ذَلِكَ اليَوْمِ قَرِيبٌ قَرِيبًا، ولا يَدْفَعُ عَنْهُ شَيْئًا، ويُطْلَقُ المَوْلى عَلى الوَلِيِّ، وهو القَرِيبُ والنّاصِرُ ﴿ولا هم يُنْصَرُونَ﴾ الضَّمِيرُ راجِعٌ إلى المَوْلى بِاعْتِبارِ المَعْنى؛ لِأنَّهُ نَكِرَةٌ في سِياقِ النَّفْيِ وهي مِن صِيَغِ العُمُومِ أيْ: ولا هم يُمْنَعُونَ مِن عَذابِ اللَّهِ.
﴿إلّا مَن رَحِمَ اللَّهُ﴾ قالَ الكِسائِيُّ: الِاسْتِثْناءُ مُنْقَطِعٌ أيْ: لَكِنْ مَن رَحِمَ اللَّهُ، وكَذا قالَ الفَرّاءُ.
وقِيلَ: هو مُتَّصِلٌ، والمَعْنى: لا يُغْنِي قَرِيبٌ عَنْ قَرِيبٍ إلّا المُؤْمِنِينَ، فَإنَّهم يُؤْذَنُ لَهم في الشَّفاعَةِ فَيَشْفَعُونَ، ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ مَرْفُوعًا عَلى البَدَلِ مِن ( مَوْلًى ) الأوَّلِ، أوْ مِنَ الضَّمِيرِ في ( يُنْصَرُونَ ) ﴿إنَّهُ هو العَزِيزُ الرَّحِيمُ﴾ أيِ: الغالِبُ الَّذِي لا يُنْصَرُ مَن أرادَ عَذابَهُ، الرَّحِيمُ لِعِبادِهِ المُؤْمِنِينَ.
ثُمَّ لَمّا وصَفَ اليَوْمَ ذَكَرَ بَعْدَهُ وعِيدَ الكُفّارِ، فَقالَ: ﴿إنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ طَعامُ الأثِيمِ﴾ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ هي الشَّجَرَةُ الَّتِي خَلَقَها اللَّهُ في جَهَنَّمَ، وسَمّاها الشَّجَرَةَ المَلْعُونَةَ، فَإذا جاعَ أهْلُ النّارِ التَجَئُوا إلَيْها فَأكَلُوا مِنها، وقَدْ مَضى الكَلامُ عَلى شَجَرَةِ الزَّقُّومِ في سُورَةِ الصّافّاتِ، والأثِيمُ الكَثِيرُ الإثْمِ.
قالَ في الصِّحاحِ: أثِمَ الرَّجُلُ بِالكَسْرِ إثْمًا ومَأْثَمًا: إذا وقَعَ في الإثْمِ فَهو آثِمٌ وأثِيمٌ وأثُومٌ، فَمَعْنى طَعامِ الأثِيمِ: ذِي الإثْمِ.
كالمُهْلِ وهو دُرْدِيُّ الزَّيْتِ، وعَكِرُ القَطِرانِ.
وقِيلَ: هو النُّحاسُ المُذابُ.
وقِيلَ: كُلُّ ما يَذُوبُ في النّارِ ﴿يَغْلِي في البُطُونِ كَغَلْيِ الحَمِيمِ﴾ قَرَأ الجُمْهُورُ ( تَغْلِي ) بِالفَوْقِيَّةِ عَلى أنَّ الفاعِلَ ضَمِيرٌ يَعُودُ إلى الشَّجَرَةِ، والجُمْلَةُ خَبَرٌ ثانٍ أوْ حالٌ، أوْ خَبَرٌ لِمُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ أيْ: تَغْلِي غَلْيًا مِثْلَ غَلْيِ الحَمِيمِ، وهو الماءُ الشَّدِيدُ الحَرارَةِ.
وقَرَأ ابْنُ كَثِيرٍ، وحَفْصٌ، وابْنُ مُحَيْصِنٍ، ووَرْشٌ، عَنْ يَعْقُوبَ يَغْلِي بِالتَّحْتِيَّةِ عَلى أنَّ الفاعِلَ ضَمِيرٌ يَعُودُ إلى الطَّعامِ، وهو في مَعْنى الشَّجَرَةِ، ولا يَصِحُّ أنْ يَكُونَ الضَّمِيرُ عائِدًا إلى المُهْلِ لِأنَّهُ مُشَبَّهٌ بِهِ، وإنَّما يَغْلِي ما يُشَبَّهُ بِالمُهْلِ.
وقَوْلُهُ: ﴿كَغَلْيِ الحَمِيمِ﴾ صِفَةُ مَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ أيْ: غَلْيًا كَغَلْيِ الحَمِيمِ.
﴿خُذُوهُ فاعْتِلُوهُ إلى سَواءِ الجَحِيمِ﴾ أيْ: يُقالُ: لِلْمَلائِكَةِ الَّذِينَ هم خَزَنَةُ النّارِ خُذُوهُ أيِ: الأثِيمَ فاعْتِلُوهُ، العَتْلُ: القَوْدُ بِالعُنْفِ، يُقالُ: عَتَلَهُ يَعْتِلُهُ، إذا جَرَّهُ وذَهَبَ بِهِ إلى مَكْرُوهٍ، وقِيلَ: العَتْلُ: أنْ يَأْخُذَ بِتَلابِيبِ الرَّجُلِ ومَجامِعِهِ فَيَجُرَّهُ، ومِنهُ قَوْلُ الشّاعِرِ يَصِفُ فَرَسًا:
؎نَقْرَعُهُ قَرْعًا ولَسْنا نَعْتِلُهْ
ومِنهُ قَوْلُ الفَرَزْدَقِ يَهْجُو جَرِيرًا:
؎حَتّى تَرُدَّ إلى عَطِيَّةَ تُعْتَلُ
قَرَأ الجُمْهُورُ فاعْتِلُوهُ بِكَسْرِ التّاءِ. وقَرَأ نافِعٌ، وابْنُ كَثِيرٍ، وابْنُ عامِرٍ بِضَمِّها، وهُما لُغَتانِ ﴿إلى سَواءِ الجَحِيمِ﴾ أيْ: إلى وسَطِهِ، كَقَوْلِهِ: ﴿فَرَآهُ في سَواءِ الجَحِيمِ﴾ [الصافات: ٥٥] .
﴿ثُمَّ صُبُّوا فَوْقَ رَأْسِهِ مِن عَذابِ الحَمِيمِ﴾ مِن هي التَّبْعِيضِيَّةُ أيْ: صُبُّوا فَوْقَ رَأْسِهِ بَعْضَ هَذا النَّوْعِ، وإضافَةُ العَذابِ إلى الحَمِيمِ لِلْبَيانِ أيْ: عَذابٌ هو الحَمِيمُ، وهو الماءُ الشَّدِيدُ الحَرارَةِ كَما تَقَدَّمَ.
﴿ذُقْ إنَّكَ أنْتَ العَزِيزُ الكَرِيمُ﴾ أيْ: وقُولُوا لَهُ تَهَكُّمًا وتَقْرِيعًا وتَوْبِيخًا: ذُقِ العَذابَ إنَّكَ أنْتَ العَزِيزُ الكَرِيمُ.
وقِيلَ: إنَّ أبا جَهْلٍ كانَ يَزْعُمُ أنَّهُ أعَزُّ أهْلِ الوادِي وأكْرَمُهم، فَيَقُولُونَ لَهُ: ذُقِ العَذابَ أيُّها المُتَعَزِّزُ المُتَكَرِّمُ في زَعْمِكَ وفِيما كُنْتَ تَقُولُهُ.
قَرَأ الجُمْهُورُ إنَّكَ بِكَسْرِ الهَمْزَةِ، وقَرَأ الكِسائِيُّ ورُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عَلِيٍّ بِفَتْحِها أيْ: لِأنَّكَ.
قالَ الفَرّاءُ أيْ: بِهَذا القَوْلِ الَّذِي قُلْتَهُ في الدُّنْيا.
والإشارَةُ بِقَوْلِهِ: ﴿إنَّ هَذا﴾ إلى العَذابِ ﴿ما كُنْتُمْ بِهِ تَمْتَرُونَ﴾ أيْ: تَشُكُّونَ فِيهِ حِينَ كُنْتُمْ في الدُّنْيا، والجَمْعُ بِاعْتِبارِ جِنْسِ الأثِيمِ.
ثُمَّ ذَكَرَ - سُبْحانَهُ - مُسْتَقَرَّ المُتَّقِينَ، فَقالَ ﴿إنَّ المُتَّقِينَ في مَقامٍ أمِينٍ﴾ أيِ: الَّذِينَ اتَّقَوُا الكُفْرَ والمَعاصِيَ.
قَرَأ الجُمْهُورُ مَقامٍ بِفَتْحِ المِيمِ، وقَرَأ نافِعٌ، وابْنُ عامِرٍ بِضَمِّها.
فَعَلى القِراءَةِ الأُولى هو مَوْضِعُ القِيامِ، وعَلى القِراءَةِ الثّانِيَةِ هو مَوْضِعُ الإقامَةِ قالَهُ الكِسائِيُّ، وغَيْرُهُ.
وقالَ الجَوْهَرِيُّ: قَدْ يَكُونُ كُلُّ واحِدٍ مِنهُما بِمَعْنى الإقامَةِ، وقَدْ يَكُونُ بِمَعْنى مَوْضِعِ القِيامِ.
ثُمَّ وصَفَ المَقامَ بِأنَّهُ أمِينٌ يَأْمَنُ صاحِبُهُ مِن جَمِيعِ المَخاوِفِ ﴿فِي جَنّاتٍ وعُيُونٍ﴾ بَدَلٌ مِن مَقامٍ أمِينٍ، أوْ بَيانٌ لَهُ، أوْ خَبَرٌ ثانٍ.
﴿يَلْبَسُونَ مِن سُنْدُسٍ وإسْتَبْرَقٍ﴾ خَبَرٌ ثانٍ، أوْ ثالِثٌ، أوْ حالٌ مِنَ الضَّمِيرِ المُسْتَكِنِّ في الجارِّ والمَجْرُورِ، والسُّنْدُسُ ما رَقَّ مِنَ الدِّيباجِ، والإسْتَبْرَقُ ما غَلُظَ مِنهُ، وقَدْ تَقَدَّمَ بَيانُهُ في سُورَةِ الكَهْفِ، وانْتِصابُ مُتَقابِلِينَ عَلى الحالِ مِن فاعِلِ يَلْبَسُونَ أيْ: مُتَقابِلِينَ في مَجالِسِهِمْ يَنْظُرُ بَعْضُهم إلى بَعْضٍ.
والكافُ في قَوْلِهِ: كَذَلِكَ إمّا نَعْتُ مَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ أيْ: نَفْعَلُ بِالمُتَّقِينَ فِعْلًا كَذَلِكَ.
أوْ مَرْفُوعٌ عَلى أنَّهُ خَبَرٌ لِمُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ أيِ: الأمْرُ كَذَلِكَ ﴿وزَوَّجْناهم بِحُورٍ عِينٍ﴾ أيْ: أكْرَمْناهم بِأنْ زَوَّجْناهم بِحُورٍ عِينٍ، والحُورُ جَمْعُ حَوْراءَ: وهي البَيْضاءُ، والعِينُ جَمْعُ عَيْناءَ: وهي الواسِعَةُ العَيْنَيْنِ.
وقالَ مُجاهِدٌ: إنَّما سُمِّيَتِ الحَوْراءُ حَوْراءَ؛ لِأنَّهُ يَحارُ الطَّرْفُ في حُسْنِها، وقِيلَ: هو مِن حَوَرِ العَيْنِ: وهو شِدَّةُ بَياضِ العَيْنِ في شِدَّةِ سَوادِها كَذا قالَ أبُو عُبَيْدَةَ.
وقالَ الأصْمَعِيُّ: ما أدْرِي ما الحُورُ العِينُ.
قالَ أبُو عَمْرٍو: الحُورُ أنْ تَسْوَدَّ العَيْنُ كُلُّها مِثْلَ أعْيُنِ الظِّباءِ والبَقَرِ، قالَ: ولَيْسَ في بَنِي آدَمَ حُورٌ، (p-١٣٥٥)وإنَّما قِيلَ: لِلنِّساءِ حُورٌ؛ لِأنَّهُنَّ شُبِّهْنَ بِالظِّباءِ والبَقَرِ.
وقِيلَ: والمُرادُ بِقَوْلِهِ: زَوَّجْناهم قَرَنّاهم ولَيْسَ مِن عَقْدِ التَّزْوِيجِ؛ لِأنَّهُ لا يُقالُ: زَوَّجْتُهُ بِامْرَأةٍ.
وقالَ أبُو عُبَيْدَةَ: وجَعَلْناهم أزْواجًا لَهُنَّ، كَما يُزَوَّجُ البَعْلُ بِالبَعْلِ أيْ: جَعَلْناهُمُ اثْنَيْنِ اثْنَيْنِ، وكَذا قالَ الأخْفَشُ.
﴿يَدْعُونَ فِيها بِكُلِّ فاكِهَةٍ آمِنِينَ﴾ أيْ: يَأْمُرُونَ بِإحْضارِ ما يَشْتَهُونَ مِنَ الفَواكِهِ حالَ كَوْنِهِمْ آمِنِينَ مِنَ التَّخَتُّمِ، والأسْقامِ، والآلامِ.
قالَ قَتادَةُ: آمَنِينَ مِنَ المَوْتِ والوَصَبِ، والشَّيْطانِ، وقِيلَ: مِنِ انْقِطاعِ ما هم فِيهِ مِنَ النَّعِيمِ.
﴿لا يَذُوقُونَ فِيها المَوْتَ إلّا المَوْتَةَ الأُولى﴾ أيْ: لا يَمُوتُونَ فِيها أبَدًا إلّا المَوْتَةَ الَّتِي ذاقُوها في الدُّنْيا، والِاسْتِثْناءُ مُنْقَطِعٌ أيْ: لَكِنَّ المَوْتَةَ الَّتِي قَدْ ذاقُوها في الدُّنْيا كَذا قالَ الزَّجّاجُ، والفَرّاءُ، وغَيْرُهُما، ومِثْلُ هَذِهِ الآيَةِ قَوْلُهُ: ﴿ولا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكم مِنَ النِّساءِ إلّا ما قَدْ سَلَفَ﴾ [النساء: ٢٢] وقِيلَ: إنَّ " إلّا " بِمَعْنى " بَعْدَ "، كَقَوْلِكَ: ما كَلَّمْتُ رَجُلًا اليَوْمَ إلّا رَجُلًا عِنْدَكَ أيْ: بَعْدَ رَجُلٍ عِنْدَكَ، وقِيلَ: هي بِمَعْنى سِوى أيْ: سِوى المَوْتَةِ الأُولى.
وقالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ: إنَّما اسْتَثْنى المَوْتَةَ الأُولى وهي في الدُّنْيا؛ لِأنَّ السُّعَداءَ حِينَ يَمُوتُونَ يَصِيرُونَ بِلُطْفِ اللَّهِ وقُدْرَتِهِ إلى أسْبابٍ مِنَ الجَنَّةِ يَلْقَوْنَ الرَّوْحَ، والرَّيْحانَ، ويَرَوْنَ مَنازِلَهم مِنَ الجَنَّةِ، وتُفْتَحُ لَهم أبْوابُها، فَإذا ماتُوا في الدُّنْيا فَكَأنَّهم ماتُوا في الجَنَّةِ لِاتِّصالِهِمْ بِأسْبابِها ومُشاهَدَتِهِمْ إيّاها، فَيَكُونُ الِاسْتِثْناءُ عَلى هَذا مُتَّصِلًا.
واخْتارَ ابْنُ جَرِيرٍ أنَّ " إلّا " بِمَعْنى " بَعْدَ "، واخْتارَ كَوْنَها بِمَعْنى سِوى ابْنُ عَطِيَّةَ، ﴿ووَقاهم عَذابَ الجَحِيمِ﴾ .
قَرَأ الجُمْهُورُ وقاهم بِالتَّخْفِيفِ، وقَرَأ أبُو حَيْوَةَ بِالتَّشْدِيدِ عَلى المُبالَغَةِ.
﴿فَضْلًا مِن رَبِّكَ﴾ أيْ: لِأجْلِ الفَضْلِ مِنهُ، أوْ أعْطاهم ذَلِكَ عَطاءً فَضْلًا مِنهُ ﴿ذَلِكَ هو الفَوْزُ العَظِيمُ﴾ أيْ: ذَلِكَ الَّذِي تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ هو الفَوْزُ الَّذِي لا فَوْزَ بَعْدَهُ المُتَناهِي في العِظَمِ.
ثُمَّ لَمّا بَيَّنَ - سُبْحانَهُ - الدَّلائِلَ، وذَكَرَ الوَعْدَ والوَعِيدَ، قالَ: ﴿فَإنَّما يَسَّرْناهُ بِلِسانِكَ لَعَلَّهم يَتَذَكَّرُونَ﴾ أيْ: إنَّما أنْزَلْنا القُرْآنَ بِلُغَتِكَ كَيْ يَفْهَمَهُ قَوْمُكَ، فَيَتَذَكَّرُوا ويَعْتَبِرُوا ويَعْمَلُوا بِما فِيهِ، أوْ سَهَّلْناهُ بِلُغَتِكَ عَلَيْكَ وعَلى مَن يَقْرَؤُهُ لَعَلَّهم يَتَذَكَّرُونَ.
﴿فارْتَقِبْ إنَّهم مُرْتَقِبُونَ﴾ أيْ: فانْتَظِرْ ما وعَدْناكَ مِنَ النَّصْرِ عَلَيْهِمْ وإهْلاكِهِمْ عَلى يَدِكَ، فَإنَّهم مُنْتَظِرُونَ ما يَنْزِلُ بِكَ مِن مَوْتٍ أوْ غَيْرِهِ، وقِيلَ: انْتَظِرْ أنْ يَحْكُمَ اللَّهُ بَيْنَكَ وبَيْنَهم، فَإنَّهم مُنْتَظِرُونَ بِكَ نَوائِبَ الدَّهْرِ، والمَعْنى مُتَقارِبٌ.
وقَدْ أخْرَجَ ابْنُ أبِي حاتِمٍ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ في قَوْلِهِ: ﴿ذُقْ إنَّكَ أنْتَ العَزِيزُ الكَرِيمُ﴾ يَقُولُ: لَسْتَ بِعَزِيزٍ ولا كَرِيمٍ.
وأخْرَجَ الأُمَوِيُّ في مَغازِيهِ عَنْ عِكْرِمَةَ قالَ: «لَقِيَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ - أبا جَهْلٍ، فَقالَ: إنَّ اللَّهَ أمَرَنِي أنْ أقُولَ لَكَ ﴿أوْلى لَكَ فَأوْلى ثُمَّ أوْلى لَكَ فَأوْلى﴾ قالَ: فَنَزَعَ يَدَهُ مِن يَدِهِ، وقالَ: ما تَسْتَطِيعُ لِي أنْتَ ولا صاحِبُكَ مِن شَيْءٍ، لَقَدْ عَلِمْتَ أنِّي أمْنَعُ أهْلِ بَطْحاءَ، وأنا العَزِيزُ الكَرِيمُ، فَقَتَلَهُ اللَّهُ يَوْمَ بَدْرٍ وأذَلَّهُ وعَيَّرَهُ بِكَلِمَتِهِ، وأنْزَلَ: ﴿ذُقْ إنَّكَ أنْتَ العَزِيزُ الكَرِيمُ﴾» .
وأخْرَجَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ في قَوْلِهِ: ﴿إنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ طَعامُ الأثِيمِ﴾ قالَ: المُهْلُ.
وأخْرَجَ عَنْهُ أيْضًا ﴿ذُقْ إنَّكَ أنْتَ العَزِيزُ الكَرِيمُ﴾ قالَ: هو أبُو جَهْلِ بْنُ هِشامٍ.
{"ayahs_start":-5,"ayahs":["كَذَ ٰلِكَ وَزَوَّجۡنَـٰهُم بِحُورٍ عِینࣲ","یَدۡعُونَ فِیهَا بِكُلِّ فَـٰكِهَةٍ ءَامِنِینَ","لَا یَذُوقُونَ فِیهَا ٱلۡمَوۡتَ إِلَّا ٱلۡمَوۡتَةَ ٱلۡأُولَىٰۖ وَوَقَىٰهُمۡ عَذَابَ ٱلۡجَحِیمِ","فَضۡلࣰا مِّن رَّبِّكَۚ ذَ ٰلِكَ هُوَ ٱلۡفَوۡزُ ٱلۡعَظِیمُ","فَإِنَّمَا یَسَّرۡنَـٰهُ بِلِسَانِكَ لَعَلَّهُمۡ یَتَذَكَّرُونَ","فَٱرۡتَقِبۡ إِنَّهُم مُّرۡتَقِبُونَ","حمۤ","تَنزِیلُ ٱلۡكِتَـٰبِ مِنَ ٱللَّهِ ٱلۡعَزِیزِ ٱلۡحَكِیمِ","إِنَّ فِی ٱلسَّمَـٰوَ ٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ لَـَٔایَـٰتࣲ لِّلۡمُؤۡمِنِینَ","وَفِی خَلۡقِكُمۡ وَمَا یَبُثُّ مِن دَاۤبَّةٍ ءَایَـٰتࣱ لِّقَوۡمࣲ یُوقِنُونَ","وَٱخۡتِلَـٰفِ ٱلَّیۡلِ وَٱلنَّهَارِ وَمَاۤ أَنزَلَ ٱللَّهُ مِنَ ٱلسَّمَاۤءِ مِن رِّزۡقࣲ فَأَحۡیَا بِهِ ٱلۡأَرۡضَ بَعۡدَ مَوۡتِهَا وَتَصۡرِیفِ ٱلرِّیَـٰحِ ءَایَـٰتࣱ لِّقَوۡمࣲ یَعۡقِلُونَ","تِلۡكَ ءَایَـٰتُ ٱللَّهِ نَتۡلُوهَا عَلَیۡكَ بِٱلۡحَقِّۖ فَبِأَیِّ حَدِیثِۭ بَعۡدَ ٱللَّهِ وَءَایَـٰتِهِۦ یُؤۡمِنُونَ","وَیۡلࣱ لِّكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِیمࣲ","یَسۡمَعُ ءَایَـٰتِ ٱللَّهِ تُتۡلَىٰ عَلَیۡهِ ثُمَّ یُصِرُّ مُسۡتَكۡبِرࣰا كَأَن لَّمۡ یَسۡمَعۡهَاۖ فَبَشِّرۡهُ بِعَذَابٍ أَلِیمࣲ","وَإِذَا عَلِمَ مِنۡ ءَایَـٰتِنَا شَیۡـًٔا ٱتَّخَذَهَا هُزُوًاۚ أُو۟لَـٰۤىِٕكَ لَهُمۡ عَذَابࣱ مُّهِینࣱ","مِّن وَرَاۤىِٕهِمۡ جَهَنَّمُۖ وَلَا یُغۡنِی عَنۡهُم مَّا كَسَبُوا۟ شَیۡـࣰٔا وَلَا مَا ٱتَّخَذُوا۟ مِن دُونِ ٱللَّهِ أَوۡلِیَاۤءَۖ وَلَهُمۡ عَذَابٌ عَظِیمٌ","هَـٰذَا هُدࣰىۖ وَٱلَّذِینَ كَفَرُوا۟ بِـَٔایَـٰتِ رَبِّهِمۡ لَهُمۡ عَذَابࣱ مِّن رِّجۡزٍ أَلِیمٌ","۞ ٱللَّهُ ٱلَّذِی سَخَّرَ لَكُمُ ٱلۡبَحۡرَ لِتَجۡرِیَ ٱلۡفُلۡكُ فِیهِ بِأَمۡرِهِۦ وَلِتَبۡتَغُوا۟ مِن فَضۡلِهِۦ وَلَعَلَّكُمۡ تَشۡكُرُونَ","وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِی ٱلسَّمَـٰوَ ٰتِ وَمَا فِی ٱلۡأَرۡضِ جَمِیعࣰا مِّنۡهُۚ إِنَّ فِی ذَ ٰلِكَ لَـَٔایَـٰتࣲ لِّقَوۡمࣲ یَتَفَكَّرُونَ","قُل لِّلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ یَغۡفِرُوا۟ لِلَّذِینَ لَا یَرۡجُونَ أَیَّامَ ٱللَّهِ لِیَجۡزِیَ قَوۡمَۢا بِمَا كَانُوا۟ یَكۡسِبُونَ","مَنۡ عَمِلَ صَـٰلِحࣰا فَلِنَفۡسِهِۦۖ وَمَنۡ أَسَاۤءَ فَعَلَیۡهَاۖ ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّكُمۡ تُرۡجَعُونَ"],"ayah":"تِلۡكَ ءَایَـٰتُ ٱللَّهِ نَتۡلُوهَا عَلَیۡكَ بِٱلۡحَقِّۖ فَبِأَیِّ حَدِیثِۭ بَعۡدَ ٱللَّهِ وَءَایَـٰتِهِۦ یُؤۡمِنُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق