(ومناة الثالثة الأخرى) ذكر هذه الأصنام الثلاثة التي اشتهرت في العرب وعظم اعتقادهم فيها قال الواحدي وغيره: وكانوا يشتقون لها أسماء من أسماء الله تعالى فقالوا من الله اللات، ومن العزيز؛ العزى، وهي تأنيث الأعز بمعنى العزيزة، ومناة من منى الله الشيء إذا قدره، قرىء اللات بتخفيف التاء وهي مأخوذة من اسم الله، وقيل: أصله لات يليت فالتاء أصلية، وقيل: هي زائدة، وأصله لوى يلوي، لأنهم كانوا يلوون أعناقهم إليها، أو يلتوون ويعتكفون عليها، ويطوفون بها، وقرىء اللات بتشديد التاء، فقيل: هو اسم رجل كان يلت السويق ويطعمه الحاج، فلما مات عكفوا على قبره يعبدونه، فهو اسم فاعل في الأصل غلب على هذا الرجل.
وقال مجاهد: كان رجلاً في رأس جبل له غنيمة يتخذ من لبنها وسمنها حيساً، ويطعم الحاج، وكان ببطن نخلة فلما مات عبدوه. وقال الكلبي: كان رجلاً من ثقيف له صرمة غنم، وقيل: إنه عامر بن الظرب العدواني، قال في الصحاح: واللات اسم صنم لثقيف، وكان بالطائف، وقيل: بعكاظ، وقيل: بنخلة، ورجح ابن عطية الأول، وبعض العرب يقف عليها بالتاء وبعضهم بالهاء، " قال ابن عباس: كان اللات رجلاً يلت السويق للحاج " أخرجه البخاري وغيره، والألف واللام في اللات زائدة لازمة، وقال أبو البقاء: ليست بزائدة وهو غلط، والعزى من العز وهي تأنيث الأعز، وهي اسم صنم لقريش وبني كنانة، قال مجاهد: هي شجرة كانت لغطفان وكانوا يعبدونها، فبعث إليها النبي صلى الله عليه وسلم خالد ابن الوليد فقطعها.
وقيل: كانت شيطانة تأتي ثلاث سمرات ببطن نخلة، وقال سعيد بن جبير: العزى حجر أبيض كانوا يعبدونه، وقال قتادة: هي بيت كان ببطن نخلة، وعن ابن عباس: أن العزى ببطن نخلة، وأن اللات كانت بالطائف وأن مناة كانت بقديد، ومناة صنم بني هلال، وقال ابن هشام: صنم هذيل وخزاعة وقال قتادة: كانت للأنصار وقرىء مناة بألف من دون همزة، وبالمد والهمزة فالأولى اشتقاقها من منى يمني أي صب لأن دماء النسائك كانت تصب عندها، يتقربون بذلك إليها وعلى الثانية فاشتقاقها من النوء وهو المطر، لأنهم كانوا يستمطرون عندها الأنواء، وقيل: هما لغتان للعرب ووقف عليها بالتاء اتباعاً لرسم المصحف وبالهاء.
قال في الصحاح: ومناة اسم صنم كان بين مكة والمدينة، والهاء للتأنيث، ويسكت عليها بالتاء، وهي لغة، والثالثة الأخرى وصف لمناة وصفها بأنها ثالثة، وبأنها أخرى، والثالثة لا تكون إلا أخرى، قال أبو البقاء: فالوصف بالأخرى للتأكيد، وقد استشكل وصف الثالثة بالأخرى، والعرب إنما تصف به الثانية فقال الخليل: إنما قال ذلك لوفاق رؤوس الآي، كقوله: (مآرب أخرى) وقال حسين بن الفضل: فيه تقديم وتأخير، والتقدير: أفرأيتم اللات والعزى الأخرى ومناة الثالثة، وقيل: إن وصفها بالأخرى لقصد التعظيم، لأنها كانت عند المشركين عظيمة، وقيل: إن ذلك للتحقير والذم، وإن المراد: المتأخرة الوضيعة القدار، كما في قوله: (وقالت أخراهم لأولاهم)، أي وضعاءهم لرؤسائهم، وهذا للزمخشري، وقال ابن عادل: وفيه نظر لأن الأخرى إنما تدل على الغيرية، وليس فيها تعرض لمدح ولا ذم، فإن جاء شيء من ذلك فلقرينة خارجية، ثم كرر سبحانه توبيخهم وتقريعهم بمقالة شنعاء قالوها فقال:
{"ayah":"وَمَنَوٰةَ ٱلثَّالِثَةَ ٱلۡأُخۡرَىٰۤ"}