الباحث القرآني

﴿ومَناةَ﴾ قِيلَ: صَخْرَةٌ كانَتْ لِهَذِيلٍ وخُزاعَةَ، وعَنِ ابْنِ عَبّاسٍ لِثَقِيفٍ، وعَنْ قَتادَةَ لِلْأنْصارِ بِقَدِيدٍ، وقالَ أبُو عُبَيْدَةَ: كانَتْ بِالكَعْبَةِ أيْضًا، واسْتَظْهَرَ أبُو حَيّانَ أنَّها ثَلاثَتُها كانَتْ فِيها قالَ: لِأنَّ المُخاطَبَ في قَوْلِهِ تَعالى: أفَرَأيْتُمْ قُرَيْشَ ؟ وفِيهِ بَحْثٌ، ومَناةَ مَقْصُورَةٌ قِيلَ: وزْنُها فَعَلَةُ، وسُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأنَّ دِماءَ النِّسائِكِ كانَتْ تُمْنى عِنْدَها أيْ تُراقُ، وقَرَأ ابْنُ كَثِيرٍ عَلى ما في البَحْرِ مُناءَةً بِالمَدِّ والهَمْزَةِ كَما في قَوْلِهِ: ؎ألا هَلْ أتى التَّيْمُ بْنُ عَبْدِ مَناءَةَ عَلى النَّأْيِ عَلى الشَّنْءِ فِيما بَيْنَنا ابْنَ تَمِيمِ ووَزْنُها مَفْعَلَةٌ فالألِفُ مُنْقَلِبَةٌ عَنْ واوٍ كَما في مَقالَةِ، والهَمْزَةُ أصْلٌ وهي مُشْتَقَّةٌ مِنَ النَّوْءِ كَأنَّهم كانُوا (p-56)يَسْتَمْطِرُونَ عِنْدَها الأنْواءَ تَبَرُّكًا بِها، والظّاهِرُ أنَّ ﴿الثّالِثَةَ الأُخْرى﴾ صِفَتانِ لِمَناةَ وهُما عَلى ما قِيلَ: لِلتَّأْكِيدِ فَإنَّ كَوْنَها ثالِثَةً وأُخْرى مُغايِرَةً لِما تَقَدَّمَها مَعْلُومٌ غَيْرُ مُحْتاجٍ لِلْبَيانِ، وقالَ بَعْضُ الأجِلَّةِ: ﴿الثّالِثَةَ﴾ لِلتَّأْكِيدِ، ( والأُخْرى ) لِلذَّمِّ بِأنَّها مُتَأخِّرَةٌ في الرُّتْبَةِ وضِيعَةُ المِقْدارِ، وتَعَقَّبَهُ أبُو حَيّانَ بِأنَّ آخَرَ ومُؤَنَّثُهُ أُخْرى لَمْ يَوْضُعا لِذَمٍّ ولا لِمَدْحٍ وإنَّما يَدُلّانِ عَلى مَعْنى غَيْرِ، والحَقُّ أنَّ ذَلِكَ بِاعْتِبارِ المَفْهُومِ الأصْلِيِّ وهي تَدُلُّ عَلى ذَمِّ السّابِقَتَيْنِ أيْضًا قالَ في الكَشْفِ: هي اسْمُ ذَمٍّ يَدُلُّ عَلى وضاعَةِ السّابِقَتَيْنِ بِوَجْهٍ أيْضًا لِأنَّ «أُخْرى» تَأْنِيثُ آخَرَ تَسْتَدْعِي المُشارَكَةَ مَعَ السّابِقِ فَإذا أتى بِها لِقَصْدِ التَّأخُّرِ في الرُّتْبَةِ عَمَلًا بِمَفْهُومِها الأصْلِيِّ إذْ لا يُمْكِنُ العَمَلُ بِالمَفْهُومِ العُرْفِيِّ لِأنَّ السّابِقَتَيْنِ لَيْسَتا ثالِثَةً أيْضًا اسْتَدْعَتِ المُشارَكَةَ فَضاءً لِحَقِّ التَّفْضِيلِ، وكَأنَّهُ قِيلَ: ( الأُخْرى ) في التَّأخُّرِ انْتَهى وهو حَسَنٌ، وذَكَرَ في نُكْتَةِ ذَمِّ مَناةِ بِهَذا الذَّمِّ أنَّ الكَفَرَةَ كانُوا يَزْعُمُونَ أنَّها أعْظَمَ الثَّلاثَةٌ فَأكْذَبَهُمُ اللَّهُ تَعالى بِذَلِكَ. وقالَ الإمامُ: ﴿الأُخْرى﴾ صِفَةُ ذَمٍّ كَأنَّهُ قالَ سُبْحانَهُ: ﴿ومَناةَ الثّالِثَةَ﴾ الذَّلِيلَةَ وذَلِكَ لِأنَّ اللّاتَ كانَ عَلى صُورَةِ آدَمِيِّ ﴿والعُزّى﴾ صُورَةُ نَباتٍ ﴿ومَناةَ﴾ صُورَةُ صَخْرَةٍ، فالآدَمِيُّ أشْرَفُ مِنَ النَّباتِ، والنَّباتُ أشْرَفُ مِنَ الجَمادِ - فالجَمادُ مُتَأخِّرٌ - ومَناةُ جَمادٌ فَهي أُخْرَياتُ المَراتِبِ، وأنْتِ تَعْلَمُ أنَّهُ لا يَتَأتّى عَلى كُلِّ الأقْوالِ، وقِيلَ: ﴿الأُخْرى﴾ صِفَةٌ لِلْعُزّى لِأنَّها ثانِيَةُ اللّاتِ، والثّانِيَةُ يُقالُ لَها ( الأُخْرى ) وأُخِّرَتْ لِمُوافَقَةِ رُؤُوسِ الآيِ، وقالَ الحَسَنُ بْنُ المُفَضَّلِ: فِي الكَلامِ تَقْدِيمٌ وتَأْخِيرٌ، والتَّقْدِيرُ والعُزّى الأُخْرى ﴿ومَناةَ الثّالِثَةَ﴾ ولَعَمْرِي إنَّهُ لَيْسَ بِشَيْءِ، والكَلامُ خِطابٌ لِعَبَدَةِ هَذِهِ المَذْكُوراتِ وقَدْ كانُوا مَعَ عِبادَتِهِمْ لَها يَقُولُونَ: إنَّ المَلائِكَةَ عَلَيْهِمُ السَّلامُ وتِلْكَ المَعْبُوداتِ الباطِلَةَ بَناتُ اللَّهِ تَعالى اللَّهُ عَنْ ذَلِكَ عُلُوًّا كَبِيرًا فَقِيلَ لَهم تَوْبِيخًا وتَبْكِيتًا: ﴿أفَرَأيْتُمُ﴾ إلَخْ والهَمْزَةُ لِلْإنْكارِ والفاءُ لِتَوْجِيهِهِ إلى تَرْتِيبِ الرُّؤْيَةِ عَلى ما ذَكَرَ مِن شُؤُونِ اللَّهِ تَعالى المُنافِيَةِ لَها غايَةَ المُنافاةِ وهي عِلْمِيَّةٌ عِنْدَ كَثِيرٍ، ومَفْعُولُها الثّانِي عَلى ما اخْتارَهُ بَعْضُهم مَحْذُوفٌ لِدَلالَةِ الحالِ عَلَيْهِ، فالمَعْنى أعَقِيبٌ ما سَمِعْتُمْ مِن آثارِ كَمالِ عَظَمَةِ اللَّهِ عَزَّ وجَلَّ في مُلْكِهِ ومَلَكُوتِهِ وجَلالِهِ وجَبَرُوتِهِ وإحْكامِ قُدْرَتِهِ ونَفاذِ أمْرِهِ رَأيْتُمْ هَذِهِ الأصْنامَ مَعَ غايَةِ حَقارَتِها بَناتَ اللَّهِ سُبْحانَهُ وتَعالى.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب