﴿قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَبًا﴾ هَذَا خَبَرٌ بِمَعْنَى الْأَمْرِ، يَعْنِي: ازْرَعُوا سَبْعَ سِنِينَ عَلَى عَادَتِكُمْ فِي الزِّرَاعَةِ.
وَالدَّأَبُ: الْعَادَةُ. وَقِيلَ: بِجِدٍّ وَاجْتِهَادٍ.
وَقَرَأَ عَاصِمٌ بِرِوَايَةِ حَفْصٍ: ﴿دَأَبًا﴾ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ، وَهُمَا لُغَتَانِ، يُقَالُ: دَأَبْتُ فِي الْأَمْرِ أَدْأَبُ دَأَبَا وَدَأْبًا إِذَا اجْتَهَدْتُ فِيهِ.
﴿فَمَا حَصَدْتُمْ فَذَرُوهُ فِي سُنْبُلِهِ﴾ أَمْرَهُمْ بِتَرْكِ الْحِنْطَةِ فِي السُّنْبُلَةِ لِتَكُونَ أَبْقَى عَلَى الزَّمَانِ وَلَا تَفْسُدَ، ﴿إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تَأْكُلُونَ﴾ أَيْ: مِمَّا تَدْرُسُونَ قَلِيلًا لِلْأَكْلِ، أَمَرَهُمْ بِحِفْظِ الْأَكْثَرِ وَالْأَكْلِ بِقَدْرِ الْحَاجَةِ.
﴿ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ سَبْعٌ شِدَادٌ﴾ سَمَّى السِّنِينَ الْمُجْدِبَةَ شِدَادًا لِشِدَّتِهَا عَلَى النَّاسِ، ﴿يَأْكُلْنَ﴾ أَيْ: يَفْنِينَ وَيُهْلِكْنَ، ﴿مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ﴾ أَيْ: يُؤْكَلُ فِيهِنَّ مَا أَعْدَدْتُمْ [[في "ب": قدمتم.]] لَهُنَّ مِنَ الطَّعَامِ، أَضَافَ الْأَكْلَ إِلَى السِّنِينَ عَلَى طَرِيقِ التَّوَسُّعِ ﴿إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تُحْصِنُونَ﴾ تُحْرِزُونَ وَتَدَّخِرُونَ لِلْبَذْرِ.
﴿ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ﴾ أَيْ: يُمْطَرُونَ، مِنَ الْغَيْثِ: وَهُوَ الْمَطَرُ. وَقِيلَ: يُنْقَذُونَ مِنْ قَوْلِ الْعَرَبِ اسْتَغَثْتُ فُلَانًا فَأَغَاثَنِي، ﴿وَفِيهِ يَعْصِرُونَ﴾ قَرَأَ حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ: " تَعْصِرُونَ " بِالتَّاءِ، لِأَنَّ الْكَلَامَ كُلَّهُ عَلَى الْخِطَابِ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِالْيَاءِ رَدًّا إِلَى النَّاسِ، وَمَعْنَاهُ: يَعْصِرُونَ الْعِنَبَ خَمْرًا، وَالزَّيْتُونَ زَيْتًا، وَالسِّمْسِمَ دُهْنًا. وَأَرَادَ بِهِ كَثْرَةَ النَّعِيمِ وَالْخَيْرِ. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: يَعْصِرُونَ أَيْ يَنْجُونَ مِنَ الْكُرُوبِ وَالْجَدَبِ، وَالْعَصَرُ وَالْعَصَرَةُ: الْمَنْجَاةُ وَالْمَلْجَأُ [[قول أبي عبيدة هذا في كتابه "مجاز القرآن": (١ / ٣١٣، ٣١٤) وقد ردَّه الطبري في التفسير: (١٦ / ١٣١، ١٣٢) وقال: " ... وذلك تأويل يكفي من الشهادة على خطئه: خلافه قول جميع أهل العلم من الصحابة والتابعين".]] .
﴿وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ﴾ وَذَلِكَ أَنَّ السَّاقِيَ لَمَّا رَجَعَ إِلَى الْمَلِكِ وَأَخْبَرَهُ بِمَا أَفْتَاهُ [[في "ب": أخبره.]] يُوسُفُ مِنْ تَأْوِيلِ رُؤْيَاهُ، وَعَرَفَ الْمَلِكُ أَنَّ الَّذِي قَالَهُ كَائِنٌ، قَالَ: ائْتُونِي بِهِ.
﴿فَلَمَّا جَاءَهُ الرَّسُولُ﴾ وَقَالَ لَهُ: أَجِبِ الْمَلِكَ، أَبَى أَنْ يَخْرُجَ مَعَ الرَّسُولِ حَتَّى تَظْهَرَ بَرَاءَتُهُ ثُمَّ ﴿قَالَ﴾ لِلرَّسُولِ: ﴿ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ﴾ يَعْنِي: سَيِّدَكَ الْمَلِكَ، ﴿فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللَّاتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ﴾ وَلَمْ يُصَرِّحْ بِذِكْرِ امْرَأَةِ الْعَزِيزِ أَدَبًا وَاحْتِرَامًا.
قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: "لَوْ لَبِثْتُ فِي السِّجْنِ طُولَ مَا لَبِثَ يُوسُفُ لَأَجَبْتُ الدَّاعِيَ" [[أخرجه البخاري في تفسير يوسف، باب (فلما جاءه الرسول قال ارجع ... ) : ٨ / ٣٦٦.]] .
﴿إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ﴾ أَيْ: إِنَّ اللَّهَ بِصَنِيعِهِنَّ عَالِمٌ، وَإِنَّمَا أَرَادَ يُوسُفُ بِذِكْرِهِنَّ بَعْدَ طُولِ الْمُدَّةِ حَتَّى لَا يَنْظُرَ إِلَيْهِ الْمَلِكُ بِعَيْنِ التُّهْمَةِ، وَيَصِيرَ إِلَيْهِ بَعْدَ زَوَالِ الشَّكِّ عَنْ أَمْرِهِ، فَرَجَعَ الرَّسُولُ إِلَى الْمَلِكِ مِنْ عِنْدِ يُوسُفَ بِرِسَالَتِهِ، فَدَعَا الْمَلِكُ النِّسْوَةَ وَامْرَأَةَ الْعَزِيزِ.
{"ayahs_start":47,"ayahs":["قَالَ تَزۡرَعُونَ سَبۡعَ سِنِینَ دَأَبࣰا فَمَا حَصَدتُّمۡ فَذَرُوهُ فِی سُنۢبُلِهِۦۤ إِلَّا قَلِیلࣰا مِّمَّا تَأۡكُلُونَ","ثُمَّ یَأۡتِی مِنۢ بَعۡدِ ذَ ٰلِكَ سَبۡعࣱ شِدَادࣱ یَأۡكُلۡنَ مَا قَدَّمۡتُمۡ لَهُنَّ إِلَّا قَلِیلࣰا مِّمَّا تُحۡصِنُونَ","ثُمَّ یَأۡتِی مِنۢ بَعۡدِ ذَ ٰلِكَ عَامࣱ فِیهِ یُغَاثُ ٱلنَّاسُ وَفِیهِ یَعۡصِرُونَ","وَقَالَ ٱلۡمَلِكُ ٱئۡتُونِی بِهِۦۖ فَلَمَّا جَاۤءَهُ ٱلرَّسُولُ قَالَ ٱرۡجِعۡ إِلَىٰ رَبِّكَ فَسۡـَٔلۡهُ مَا بَالُ ٱلنِّسۡوَةِ ٱلَّـٰتِی قَطَّعۡنَ أَیۡدِیَهُنَّۚ إِنَّ رَبِّی بِكَیۡدِهِنَّ عَلِیمࣱ"],"ayah":"وَقَالَ ٱلۡمَلِكُ ٱئۡتُونِی بِهِۦۖ فَلَمَّا جَاۤءَهُ ٱلرَّسُولُ قَالَ ٱرۡجِعۡ إِلَىٰ رَبِّكَ فَسۡـَٔلۡهُ مَا بَالُ ٱلنِّسۡوَةِ ٱلَّـٰتِی قَطَّعۡنَ أَیۡدِیَهُنَّۚ إِنَّ رَبِّی بِكَیۡدِهِنَّ عَلِیمࣱ"}