وقوله تعالى: يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ، أي: يعدُهُم بأباطِيلهِ من المالِ، والجاهِ، وأنْ لا بَعْثَ، ولاَ عِقَابَ، ونَحْوِ ذلك لكلِّ أحدٍ مَّا يليقُ بحاله، ويمنِّيهم كذلك، ثم ابتدأ سبحانه الخَبَرَ عن حقيقةِ ذَلِكَ بقوله: وَما يَعِدُهُمُ الشَّيْطانُ إِلَّا غُرُوراً ثم أخْبَرَ سبحانه بمَصِيرِ المتَّخِذِينَ الشَّيْطَان وَليًّا، وتوعَّدهم بأنَّ مأُوَاهُمْ جهنَّم، لا يدافعونها بحيلة، ولا يتروّغون، ومَحِيصاً: مِنْ حَاصَ إذَا رَاغَ ونَفَرَ ومنه قولُ الشَّاعر: [الطويل]
وَلَمْ نَدْرِ إنْ حِصْنَا مِنَ المَوْتِ حَيْصَة ... كَمِ الْعُمْرُ بَاقٍ والمدى مُتَطَاوِلُ [[البيت لجعفر بن علية الحارثي وقبله:
فقلنا لهم تلكم إذا بعد كرّة ... تغادر صرعى نوؤها متخاذل
ينظر: «ديوان الحماسة» (1/ 8) ، وينظر: «البحر المحيط» (3/ 364) ، و «الدر المصون» (2/ 428) .
وإن حصنا أي: إن عدلنا وانحرفنا عن الموت، يقول: لم ندر إن حدنا عن القتال الذي فيه الموت، وعدلنا عنه، كم يكون بقاؤنا؟! فلم نحيد ونرتكب العار؟! ولعلنا إن تركنا القتال لم نعش إلا قليلا.]]
ومنْه الحديثُ: «فَحَاصُوا حَيْصَةَ حُمُرِ الوَحْشِ» ، ولما ذكر سبحانه ما تقدَّم من الوعيد، واقتضى ذلك التحذيرَ، عقَّبَ ذلك عزَّ وجلَّ بالترغيبِ في ذِكْره حالةَ المُؤْمنين، وأعْلَمَ بصحَّة وعده، ثم قرَّر ذلك بالتَّوْقِيفِ علَيْه في قوله: وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا، والقيلُ والقَوْلُ واحد، ونصبه على التمييز.
{"ayahs_start":120,"ayahs":["یَعِدُهُمۡ وَیُمَنِّیهِمۡۖ وَمَا یَعِدُهُمُ ٱلشَّیۡطَـٰنُ إِلَّا غُرُورًا","أُو۟لَـٰۤىِٕكَ مَأۡوَىٰهُمۡ جَهَنَّمُ وَلَا یَجِدُونَ عَنۡهَا مَحِیصࣰا","وَٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ وَعَمِلُوا۟ ٱلصَّـٰلِحَـٰتِ سَنُدۡخِلُهُمۡ جَنَّـٰتࣲ تَجۡرِی مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَـٰرُ خَـٰلِدِینَ فِیهَاۤ أَبَدࣰاۖ وَعۡدَ ٱللَّهِ حَقࣰّاۚ وَمَنۡ أَصۡدَقُ مِنَ ٱللَّهِ قِیلࣰا"],"ayah":"یَعِدُهُمۡ وَیُمَنِّیهِمۡۖ وَمَا یَعِدُهُمُ ٱلشَّیۡطَـٰنُ إِلَّا غُرُورًا"}