الباحث القرآني

وقوله: إِنَّ هَذَا أَخِي [إعرابُ «أخي» ] [[سقط في: د.]] عَطْفُ بَيَانٍ، وذلك أن مَا جرى من هذه الأشياء صِفةً كالخَلْقِ والخُلُقِ وسَائِر الأوْصَافِ، فَإنَّه نَعْتٌ مَحْضٌ، والعاملُ فيه هو العاملُ في الموصوفِ، وما كان مِنْهَا مِمَّا لَيْسَ يُوصَفُ بهِ بَتَّةً، فهو بَدَلٌ والعَامِلُ فيه مُكَرَّرٌ أي: تقديراً يقال: جَاءَنِي أخوك زيدٌ، فالتقديرُ: جَاءَنِي أَخُوكَ، جَاءَنِي زَيْدٌ، ومَا كَان مِنْها مِمَّا لاَ يُوصَفُ بهِ واحتيج إلى أنْ يُبَيَّنَ بِه، وَيَجْرِي مَجْرَى الصِّفَةِ، فَهُوَ عَطْفُ بَيَانٍ. «والنعجة» في هذه الآيةِ عَبَّرَ بِهَا عَنِ المَرْأَةِ، والنعجةُ في كلام العرب: تقعُ على أنثى بَقَرِ الوَحْشِ، وعلى أُنْثَى الضَّأْنِ، وتُعَبّرُ العَرَبُ بِهَا عن المَرْأَةِ. وقوله: أَكْفِلْنِيها أي: رُدَّهَا في كَفَالَتِي، وقال ابنُ كَيْسَانَ: المعنى: اجعلها كِفْلِي، أي: نَصِيبي، وَعَزَّنِي معناه: غَلَبَنِي، ومنه قول العربِ: «مَنْ عَزَّ بَزَّ» أي: مَنْ غَلَبَ، سَلَبَ، ومعنى قوله: فِي الْخِطابِ أي: كان أوْجَهَ مِنِّي، فإذَا خَاطَبْتُهُ، كانَ كلامُه أقوى من كلامي، وقُوَّتُهُ أعْظَمَ مِنْ قُوَّتِي. ويروى أنَّه لَمَّا قَالَ: لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤالِ نَعْجَتِكَ، تَبَسّما عند ذلكَ، وَذَهَبَا، وَلَمْ يَرَهُما لحِينه، فَشَعَرَ حينئذ للأمْرِ، ويروى أنّهما ذهبا نحو السّماء بمرأى منه. والْخُلَطاءِ: الشُّرَكَاءِ في الأمْلاَكِ، والأُمُورِ، وهذا القَوْلُ مِنْ دَاوُدَ وَعْظٌ لِقَاعِدَةِ حَقٍّ، ليُحَذِّرَ الخَصْمَ مِنَ الوُقُوعِ في خلافِ الحقِّ. وقوله تعالى: «إِلاَّ الذين ءامنوا وَعَمِلُواْ الصالحات وَقَلِيلٌ مَّا هُمْ» : قال أبو حيان [[ينظر: «البحر المحيط» (7/ 377) .]] : وَقَلِيلٌ خبرٌ مقدَّم، و «مَا» زائِدةٌ تُفِيدُ مَعْنَى التَّعْظِيمِ، انتهى. وَرَوَى ابْنُ المبارَكِ في «رقائقه» بسنده عن النبيّ ﷺ أنه قال: «أشَدُّ الأعْمَالِ ذِكْرُ اللَّهِ على كُلِّ حَالٍ، والإنْصَافُ مِنْ نَفْسِكَ، وَمُوَاسَاةُ الأخِ في المال» [[ذكره الحافظ ابن حجر في «لسان الميزان» (6/ 326) من طريق الشافعي عن مالك، عن نافع، عنِ ابن عمر، وقال: وهذا موضوع على هؤلاء رقم: (1163) .]] انتهى. وقوله تعالى: وَظَنَّ داوُدُ أَنَّما فَتَنَّاهُ معناه: شعر للأمر وعلمه، وفَتَنَّاهُ أي: ابْتَلَيْنَاهُ وامْتَحَنَّاهُ، وقال البخاريُّ: قال ابن عبّاس: فَتَنَّاهُ أي: اختبرناه، وأسند البخاريّ عن مجاهدٍ قال: سألتُ ابنَ عباسٍ عَنْ سجدة «ص» أين تَسْجُدُ، فَقَالَ: أَوَ مَا تَقْرَأَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ داوُدَ وَسُلَيْمانَ [الأنعام: 84] إلى قوله: أُولئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ [الأنعام: 90] فَكَانَ داوُد مِمَّن أُمِرَ نَبِيُّكُمْ أنْ يَقْتَدِيَ بهِ، فَسَجَدَهَا دَاوُدُ فسجدها رسول الله ﷺ [[أخرجه البخاري (8/ 405) كتاب «التفسير» باب: سورة ص: (4807) ، (4806) نحوه، وأخرجه ابن أبي شيبة (1/ 370) كتاب «الصلاة» باب: من قال في- ص- سجدة وسجد فيها (4255، 4259، 4268) عن ابن عبّاس نحوه، وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (5/ 571) .]] ، انتهى، فتأمَّلَهُ وما فيه مَنَ الْفِقْهِ، وقَرأ أبو عمرٍو في رِوَاية علي بن نَصْرٍ: «فَتَنَاهُ» - بتخفيفِ التاء والنون- على إسنادِ الفعلِ للخَصْمَيْنِ [[ينظر: «السبعة» (553) ، و «الحجة» (6/ 70) ، و «معاني القراءات» (2/ 327) ، و «إتحاف» (2/ 421) ، وذكرها الأخير عن الشنبوذي. وينظر: «المحتسب» (2/ 232) .]] ، أي: امتحناه عَنْ أَمْرِنَا، قال أبو سعيدٍ الخُدْرِيُّ: «رأيتُنِي في النوم أكتُبُ سورَة «ص» فَلَما بَلَغْتُ/ قَوْلَهُ: وَخَرَّ راكِعاً وَأَنابَ سَجَدَ القلمُ، ورَأيتُنِي في مَنامٍ آخَرَ، وشَجَرَةٌ تَقْرَأُ سورة «ص» فلما بَلَغَتْ هَذَا، سَجَدَتْ، وَقَالَتْ: اللَّهُمَّ، اكْتُبْ لِي بِهَا أجْراً، وَحُطَّ عَنِّي بِهَا وِزْراً، وارزقني بِهَا شُكْراً، وَتَقَبَّلْهَا مِنِّي كَمَا تَقَبَّلْتَها من عبدك داود، فقال النبيّ ﷺ: وَسَجَدْتَ أنْتَ يَا أَبا سَعِيد؟ قُلْتُ: لاَ، قال: أَنْتَ كُنْتَ أَحَقَّ بالسَّجْدَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ، ثم تَلاَ نبيُّ اللَّهِ الآياتِ حتى بَلَغَ: وَأَنابَ، فَسَجَدَ، وقَالَ كَمَا قَالَتِ الشَّجَرَةُ» . وَأَنابَ مَعْنَاهُ: رَجَعَ، ت: وحديثُ سجودِ الشجرةِ رواهُ الترمذيُّ وابن ماجَه والحاكمُ وابنُ حِبَّان في «صحيحَيْهما» ، وقال الحاكم: هو منْ شَرْطِ الصِّحَّةِ، انتهى من «السلاح» . والزُّلْفَى: القُرْبَةُ والمكانةُ الرفيعةُ، والمآب: المرجع في الآخرة من آب يؤوب: إذا رجع.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب