الباحث القرآني
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿إنّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنا والَّذِينَ آمَنُوا في الحَياةِ الدُّنْيا ويَوْمَ يَقُومُ الأشْهادُ﴾ ﴿يَوْمَ لا يَنْفَعُ الظّالِمِينَ مَعْذِرَتُهم ولَهُمُ اللَّعْنَةُ ولَهم سُوءُ الدّارِ﴾ ﴿ولَقَدْ آتَيْنا مُوسى الهُدى وأوْرَثْنا بَنِي إسْرائِيلَ الكِتابَ﴾ ﴿هُدًى وذِكْرى لِأُولِي الألْبابِ﴾ ﴿فاصْبِرْ إنَّ وعْدَ اللَّهِ حَقٌّ واسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالعَشِيِّ والإبْكارِ﴾
اعْلَمْ أنَّ في كَيْفِيَّةِ النَّظْمِ وُجُوهًا: الأوَّلُ: أنَّهُ تَعالى لِما ذَكَرَ وِقايَةَ اللَّهِ مُوسى صَلَواتُ اللَّهِ عَلَيْهِ وذَلِكَ المُؤْمِنَ مِن مَكْرِ فِرْعَوْنَ بَيَّنَ في هَذِهِ الآيَةِ أنَّهُ يَنْصُرُ رُسُلَهُ والَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ، والثّانِي: لَمّا بَيَّنَ مِن قَبْلُ ما يَقَعُ بَيْنَ أهْلِ النّارِ مِنَ التَّخاصُمِ وأنَّهم عِنْدَ الفَزَعِ إلى خَزَنَةِ جَهَنَّمَ يَقُولُونَ: ﴿أوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكم رُسُلُكم بِالبَيِّناتِ﴾ (غافِرٍ: ٥٠) أتْبَعَ ذَلِكَ بِذِكْرِ الرُّسُلِ وأنَّهُ يَنْصُرُهم في الدُّنْيا والآخِرَةِ، والثّالِثُ: وهو الأقْرَبُ عِنْدِي أنَّ الكَلامَ في أوَّلِ السُّورَةِ إنَّما وقَعَ مِن قَوْلِهِ: ﴿ما يُجادِلُ في آياتِ اللَّهِ إلّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَلا يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهم في البِلادِ﴾ [غافر: ٤] وامْتَدَّ الكَلامُ في الرَّدِّ عَلى أُولَئِكَ المُجادِلِينَ وعَلى أنَّ المُحِقِّينَ أبَدًا كانُوا مَشْغُولِينَ بِدَفْعِ كَيْدِ المُبْطِلِينَ، وكُلُّ ذَلِكَ إنَّما ذَكَرَهُ اللَّهُ تَعالى تَسْلِيَةً لِلرَّسُولِ ﷺ وتَصْبِيرًا لَهُ عَلى تَحَمُّلِ أذى قَوْمِهِ.
ولَمّا بَلَغَ الكَلامُ في تَقْرِيرِ المَطْلُوبِ إلى الغايَةِ القُصْوى وعَدَ تَعالى رَسُولَهُ ﷺ بِأنْ يَنْصُرَهُ عَلى أعْدائِهِ في الحَياةِ الدُّنْيا وفي الآخِرَةِ فَقالَ: ﴿إنّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنا والَّذِينَ آمَنُوا﴾ الآيَةَ، أمّا في الدُّنْيا فَهو المُرادُ بِقَوْلِهِ: ﴿وقالَ إنَّما اتَّخَذْتُمْ﴾، وأمّا في الآخِرَةِ فَهو المُرادُ بِقَوْلِهِ ﴿ويَوْمَ يَقُومُ الأشْهادُ﴾ فَحاصِلُ الكَلامِ أنَّهُ تَعالى وعَدَ بِأنَّهُ يَنْصُرُ الأنْبِياءَ والرُّسُلَ، ويَنْصُرُ الَّذِينَ يَنْصُرُونَهم نُصْرَةً يَظْهَرُ أثَرُها في الدُّنْيا وفي الآخِرَةِ.
واعْلَمْ أنَّ نُصْرَةَ اللَّهِ المُحِقِّينَ تَحْصُلُ بِوُجُوهٍ: أحَدُها: النُّصْرَةُ بِالحُجَّةِ، وقَدْ سَمّى اللَّهُ الحُجَّةَ سُلْطانًا في غَيْرِ مَوْضِعٍ، وهَذِهِ النُّصْرَةُ عامَّةٌ لِلْمُحِقِّينَ أجْمَعَ، ونِعْمَ ما سَمّى اللَّهُ هَذِهِ النُّصْرَةَ سُلْطانًا؛ لِأنَّ السَّلْطَنَةَ في الدُّنْيا قَدْ تَبْطُلُ، وقَدْ تَتَبَدَّلُ بِالفَقْرِ والذِّلَّةِ والحاجَةِ والفُتُورِ، أمّا السَّلْطَنَةُ الحاصِلَةُ بِالحُجَّةِ فَإنَّها تَبْقى أبَدَ الآبادِ ويَمْتَنِعُ تَطَرُّقُ الخَلَلِ والفُتُورِ إلَيْها.
وثانِيها: أنَّهم مَنصُورُونَ بِالمَدْحِ والتَّعْظِيمِ، فَإنَّ الظَّلَمَةَ وإنْ قَهَرُوا شَخْصًا مِنَ المُحِقِّينَ إلّا أنَّهم لا يَقْدِرُونَ عَلى إسْقاطِ مَدْحِهِ عَنْ ألْسِنَةِ النّاسِ.
وثالِثُها: أنَّهم مَنصُورُونَ بِسَبَبِ أنَّ بَواطِنَهم مَمْلُوءَةٌ مِن أنْوارِ الحُجَّةِ وقُوَّةِ اليَقِينِ، فَإنَّهم إنَّما يَنْظُرُونَ إلى الظَّلَمَةِ والجُهّالِ كَما تَنْظُرُ مَلائِكَةُ (p-٦٧)السَّماواتِ إلى أخَسِّ الأشْياءِ.
ورابِعُها: أنَّ المُبْطِلِينَ وإنْ كانَ يَتَّفِقُ لَهم أنْ يَحْصُلَ لَهُمُ اسْتِيلاءٌ عَلى المُحِقِّينَ، فَفي الغالِبِ أنَّ ذَلِكَ لا يَدُومُ بَلْ يُكْشَفُ لِلنّاسِ أنَّ ذَلِكَ كانَ أمْرًا وقَعَ عَلى خِلافِ الواجِبِ ونَقِيضِ الحَقِّ.
وخامِسُها: أنَّ المُحِقَّ إنِ اتَّفَقَ لَهُ أنْ وقَعَ في نَوْعٍ مِن أنْواعِ المَحْذُورِ فَذَلِكَ يَكُونُ سَبَبًا لِمَزِيدِ ثَوابِهِ وتَعْظِيمِ دَرَجاتِهِ. وسادِسُها: أنَّ الظَّلَمَةَ والمُبْطِلِينَ كَما يَمُوتُونَ تَمُوتُ آثارُهم ولا يَبْقى لَهم في الدُّنْيا أثَرٌ ولا خَبَرٌ.
وأمّا المُحِقُّونَ فَإنَّ آثارَهم باقِيَةٌ عَلى وجْهِ الدَّهْرِ، والنّاسُ بِهِمْ يَقْتَدُونَ في أعْمالِ البِرِّ والخَيْرِ ولِمِنَحِهِمْ يَتْرُكُونَ، فَهَذا كُلُّهُ أنْواعُ نُصْرَةِ اللَّهِ لِلْمُحِقِّينَ في الدُّنْيا.
وسابِعُها: أنَّهُ تَعالى قَدْ يَنْتَقِمُ لِلْأنْبِياءِ والأوْلِياءِ بَعْدَ مَوْتِهِمْ، كَما نَصَرَ يَحْيى بْنَ زَكَرِيّا فَإنَّهُ لَمّا قُتِلَ قُتِلَ بِهِ سَبْعُونَ ألْفًا، وأمّا نُصْرَتُهُ تَعالى إيّاهم في الآخِرَةِ فَذَلِكَ بِإعْلاءِ دَرَجاتِهِمْ في مَراتِبِ الثَّوابِ وكَوْنِهِمْ مُصاحِبِينَ لِأنْبِياءِ اللَّهِ، كَما قالَ: ﴿فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ والصِّدِّيقِينَ والشُّهَداءِ والصّالِحِينَ وحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا﴾ [النساء: ٦٩] .
واعْلَمْ أنَّ في قَوْلِهِ ﴿إنّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنا﴾ إلى قَوْلِهِ ﴿ويَوْمَ يَقُومُ الأشْهادُ﴾ دَقِيقَةً مُعْتَبَرَةً وهي أنَّ السُّلْطانَ العَظِيمَ إذا خَصَّ بَعْضَ خَواصِّهِ بِالإكْرامِ العَظِيمِ والتَّشْرِيفِ الكامِلِ عِنْدَ حُضُورِ الجَمْعِ العَظِيمِ مِن أهْلِ المَشْرِقِ والمَغْرِبِ كانَ ذَلِكَ ألَذَّ وأبْهَجَ فَقَوْلُهُ: ﴿إنّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنا﴾ إلى ﴿ويَوْمَ يَقُومُ الأشْهادُ﴾ المَقْصُودُ مِنهُ هَذِهِ الدَّقِيقَةُ، واخْتَلَفُوا في المُرادِ بِالأشْهادِ، والظّاهِرُ أنَّ المُرادَ كُلُّ مَن يَشْهَدُ بِأعْمالِ العِبادِ يَوْمَ القِيامَةِ مِن مَلَكٍ ونَبِيٍّ ومُؤْمِنٍ، أمّا المَلائِكَةُ فَهُمُ الكِرامُ الكاتِبُونَ يَشْهَدُونَ بِما شاهَدُوا، وأمّا الأنْبِياءُ فَقالَ تَعالى: ﴿فَكَيْفَ إذا جِئْنا مِن كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وجِئْنا بِكَ عَلى هَؤُلاءِ شَهِيدًا﴾ [النساء: ٤١] وقالَ تَعالى: ﴿وكَذَلِكَ جَعَلْناكم أُمَّةً وسَطًا لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلى النّاسِ ويَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكم شَهِيدًا﴾ [البقرة: ١٤٣] قالَ المُبَرِّدُ: يَجُوزُ أنْ يَكُونَ واحِدُ الأشْهادِ شاهِدًا كَأطْيارٍ وطائِرٍ وأصْحابٍ وصاحِبٍ، ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ واحِدُ الأشْهادِ شَهِيدًا كَأشْرافٍ وشَرِيفٍ وأيْتامٍ ويَتِيمٍ.
* * *
ثُمَّ قالَ تَعالى: ﴿يَوْمَ لا يَنْفَعُ الظّالِمِينَ مَعْذِرَتُهم ولَهُمُ اللَّعْنَةُ ولَهم سُوءُ الدّارِ﴾ قَرَأ ابْنُ كَثِيرٍ وأبُو عَمْرٍو وابْنُ عامِرٍ: لا تَنْفَعُ، بِالتّاءِ لِتَأْنِيثِ المَعْذِرَةِ، والباقُونَ بِالياءِ كَأنَّهُ أُرِيدَ الِاعْتِذارُ.
واعْلَمْ أنَّ المَقْصُودَ أيْضًا مِن هَذا شَرْحُ تَعْظِيمِ ثَوابِ أهْلِ الثَّوابِ، وذَلِكَ لِأنَّهُ تَعالى بَيَّنَ أنَّهُ يَنْصُرُهم في يَوْمٍ يَجْتَمِعُ فِيهِ الأوَّلُونَ والآخِرُونَ، فَحالُهم في عُلُوِّ الدَّرَجاتِ في ذَلِكَ اليَوْمِ ما ذَكَرْناهُ وأمّا حالُ أعْدائِهِمْ فَهو أنَّهُ حَصَلَتْ لَهم أُمُورٌ ثَلاثَةٌ:
أحَدُها: أنَّهُ لا يَنْفَعُهم شَيْءٌ مِنَ المَعاذِيرِ البَتَّةَ.
وثانِيها: أنَّ: ﴿لَهُمُ اللَّعْنَةُ﴾ وهَذا يُفِيدُ الحَصْرَ يَعْنِي مَقْصُورَةً عَلَيْهِمْ وهي الإهانَةُ والإذْلالُ.
وثالِثُها: سُوءُ الدّاءِ وهو العِقابُ الشَّدِيدُ فَهَذا اليَوْمُ إذا كانَ الأعْداءُ واقِعِينَ في هَذِهِ المَراتِبِ الثَّلاثَةِ مِنَ الوَحْشَةِ والبَلِيَّةِ، ثُمَّ إنَّهُ خَصَّ الأنْبِياءَ والأوْلِياءَ بِأنْواعِ التَّشْرِيفاتِ الواقِعَةِ في الجَمْعِ الأعْظَمِ فَهَهُنا يَظْهَرُ أنَّ سُرُورَ المُؤْمِنِ كَمْ يَكُونُ، وأنَّ غُمُومَ الكافِرِينَ إلى أيْنَ تَبْلُغُ ؟ فَإنْ قِيلَ: قَوْلُهُ: ﴿يَوْمَ لا يَنْفَعُ الظّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ﴾ يَدُلُّ عَلى أنَّهم يَذْكُرُونَ الأعْذارَ إلّا أنَّ تِلْكَ الأعْذارَ لا تَنْفَعُهم فَكَيْفَ الجَمْعُ بَيْنَ هَذا وبَيْنَ قَوْلِهِ: ﴿ولا يُؤْذَنُ لَهم فَيَعْتَذِرُونَ﴾ [المرسلات: ٣٦] قُلْنا قَوْلُهُ: ﴿لا يَنْفَعُ الظّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ﴾ لا يَدُلُّ عَلى أنَّهم ذَكَرُوا الأعْذارَ، بَلْ لَيْسَ فِيهِ إلّا أنَّهُ لَيْسَ عِنْدَهم عُذْرٌ مَقْبُولٌ نافِعٌ، وهَذا القَدْرُ لا يَدُلُّ عَلى أنَّهم ذَكَرُوهُ أمْ لا.
وأيْضًا فَيُقالُ: يَوْمُ القِيامَةِ يَوْمٌ طَوِيلٌ فَيَعْتَذِرُونَ في وقْتٍ ولا يَعْتَذِرُونَ في وقْتٍ آخَرَ، ولَمّا بَيَّنَ اللَّهُ تَعالى أنَّهُ يَنْصُرُ الأنْبِياءَ والمُؤْمِنِينَ في الدُّنْيا والآخِرَةِ ذَكَرَ نَوْعًا مِن أنْواعِ تِلْكَ (p-٦٨)النُّصْرَةِ في الدُّنْيا، فَقالَ: ﴿ولَقَدْ آتَيْنا مُوسى الهُدى﴾ ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ المُرادُ مِنَ الهُدى ما آتاهُ اللَّهُ مِنَ العُلُومِ الكَثِيرَةِ النّافِعَةِ في الدُّنْيا والآخِرَةِ، ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ المُرادُ تِلْكَ الدَّلائِلَ القاهِرَةَ الَّتِي أوْرَدَها عَلى فِرْعَوْنَ وأتْباعِهِ وكادَهم بِها، ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ المُرادُ هو النُّبُوَّةَ الَّتِي هي أعْظَمُ المَناصِبِ الإنْسانِيَّةِ، ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ المُرادُ إنْزالَ التَّوْراةِ عَلَيْهِ.
* * *
ثُمَّ قالَ تَعالى: ﴿وأوْرَثْنا بَنِي إسْرائِيلَ الكِتابَ هُدًى وذِكْرى لِأُولِي الألْبابِ﴾ يَجُوزُ أنْ يَكُونَ المُرادُ مِنهُ أنَّهُ تَعالى لَمّا أنْزَلَ التَّوْراةَ عَلى مُوسى بَقِيَ ذَلِكَ العِلْمُ فِيهِمْ وتَوارَثُوهُ خَلَفًا عَنْ سَلَفٍ، ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ المُرادُ سائِرَ الكُتُبِ الَّتِي أنْزَلَها اللَّهُ عَلَيْهِمْ وهي كُتُبُ أنْبِياءِ بَنِي إسْرائِيلِ التَّوْراةُ والزَّبُورُ والإنْجِيلُ، والفَرْقُ بَيْنَ الهُدى والذِّكْرى وأنَّ الهُدى ما يَكُونُ دَلِيلًا عَلى الشَّيْءِ ولَيْسَ مِن شَرْطِهِ أنْ يَذْكُرَ شَيْئًا آخَرَ كانَ مَعْلُومًا ثُمَّ صارَ مَنسِيًّا، وأمّا الذِّكْرى فَهي الَّذِي تَكُونُ كَذَلِكَ، فَكُتُبُ أنْبِياءِ اللَّهِ مُشْتَمِلَةٌ عَلى هَذَيْنِ القِسْمَيْنِ بَعْضُها دَلائِلُ في أنْفُسِها، وبَعْضُها مُذَكِّراتٌ لِما ورَدَ في الكُتُبِ الإلَهِيَّةِ المُتَقَدِّمَةِ.
ولَمّا بَيَّنَ أنَّ اللَّهَ تَعالى يَنْصُرُ رُسُلَهُ ويَنْصُرُ المُؤْمِنِينَ في الدُّنْيا والآخِرَةِ وضَرَبَ المِثالَ في ذَلِكَ بِحالِ مُوسى وخاطَبَ بَعْدَ ذَلِكَ مُحَمَّدًا ﷺ فَقالَ: ﴿إنَّ وعْدَ اللَّهِ حَقٌّ﴾ فاللَّهُ ناصِرُكَ كَما نَصَرَهم ومُنْجِزٌ وعْدَهُ في حَقِّكَ كَما كانَ كَذَلِكَ في حَقِّهِمْ، ثُمَّ أمَرَهُ بِأنْ يُقْبِلَ عَلى طاعَةِ اللَّهِ النّافِعَةِ في الدُّنْيا والآخِرَةِ، فَإنَّ مَن كانَ لِلَّهِ كانَ اللَّهُ لَهُ.
واعْلَمْ أنَّ مَجامِعَ الطّاعاتِ مَحْصُورَةٌ في قِسْمَيْنِ: التَّوْبَةِ عَمّا لا يَنْبَغِي، والِاشْتِغالِ بِما يَنْبَغِي، والأوَّلُ مُقَدَّمٌ عَلى الثّانِي بِحَسَبِ الرُّتْبَةِ الذّاتِيَّةِ فَوَجَبَ أنْ يَكُونَ مُقَدَّمًا عَلَيْهِ في الذِّكْرِ، أمّا التَّوْبَةُ عَمّا لا يَنْبَغِي فَهو قَوْلُهُ: ﴿واسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ﴾ والطّاعِنُونَ في عِصْمَةِ الأنْبِياءِ عَلَيْهِمُ السَّلامُ يَتَمَسَّكُونَ بِهِ ونَحْنُ نَحْمِلُهُ عَلى التَّوْبَةِ عَنْ تَرْكِ الأوْلى والأفْضَلِ، أوْ عَلى ما كانَ قَدْ صَدَرَ عَنْهم قَبْلَ النُّبُوَّةِ، وقِيلَ أيْضًا المَقْصُودُ مِنهُ مَحْضُ التَّعَبُّدِ كَما في قَوْلِهِ: ﴿رَبَّنا وآتِنا ما وعَدْتَنا عَلى رُسُلِكَ﴾ [آل عمران: ١٩٤] فَإنَّ إيتاءَ ذَلِكَ الشَّيْءِ واجِبٌ، ثُمَّ إنَّهُ أمَرَنا بِطَلَبِهِ، وكَقَوْلِهِ ﴿رَبِّ احْكم بِالحَقِّ﴾ [الأنبياء: ١١٢] مِن أنّا نَعْلَمُ أنَّهُ لا يَحْكُمُ إلّا بِالحَقِّ، وقِيلَ إضافَةُ المَصْدَرِ إلى الفاعِلِ والمَفْعُولِ فَقَوْلُهُ ﴿واسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ﴾ مِن بابِ إضافَةِ المَصْدَرِ إلى المَفْعُولِ أيْ واسْتَغْفِرْ لِذَنْبِ أُمَّتِكَ في حَقِّكَ، وأمّا الِاشْتِغالُ بِما يَنْبَغِي فَهو قَوْلُهُ (﴿وسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالعَشِيِّ والإبْكارِ﴾ والتَّسْبِيحُ عِبارَةٌ عَنْ تَنْزِيهِ اللَّهِ عَنْ كُلِّ ما لا يَلِيقُ بِهِ، والعَشِيُّ والإبْكارُ، قِيلَ صَلاةُ العَصْرِ، وصَلاةُ الفَجْرِ، وقِيلَ: الإبْكارُ عِبارَةٌ عَنْ أوَّلِ النَّهارِ إلى النِّصْفِ، والعَشِيُّ عِبارَةٌ عَنِ النِّصْفِ إلى آخِرِ النَّهارِ، فَيَدْخُلُ فِيهِ كُلُّ الأوْقاتِ، وقِيلَ المُرادُ طَرَفا النَّهارِ، كَما قالَ: ﴿وأقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهارِ﴾ [هود: ١١٤] وبِالجُمْلَةِ فالمُرادُ مِنهُ الأمْرُ بِالمُواظَبَةِ عَلى ذِكْرِ اللَّهِ، وأنْ لا يَفْتُرَ اللِّسانُ عَنْهُ، وأنْ لا يَغْفُلَ القَلْبُ عَنْهُ، حَتّى يَصِيرَ الإنْسانُ بِهَذا السَّبَبِ داخِلًا في زُمْرَةِ المَلائِكَةِ، كَما قالَ في وصْفِهِمْ ﴿يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ والنَّهارَ لا يَفْتُرُونَ﴾ [الأنبياء: ٢٠] واللَّهُ أعْلَمُ.
{"ayahs_start":53,"ayahs":["وَلَقَدۡ ءَاتَیۡنَا مُوسَى ٱلۡهُدَىٰ وَأَوۡرَثۡنَا بَنِیۤ إِسۡرَ ٰۤءِیلَ ٱلۡكِتَـٰبَ","هُدࣰى وَذِكۡرَىٰ لِأُو۟لِی ٱلۡأَلۡبَـٰبِ","فَٱصۡبِرۡ إِنَّ وَعۡدَ ٱللَّهِ حَقࣱّ وَٱسۡتَغۡفِرۡ لِذَنۢبِكَ وَسَبِّحۡ بِحَمۡدِ رَبِّكَ بِٱلۡعَشِیِّ وَٱلۡإِبۡكَـٰرِ"],"ayah":"فَٱصۡبِرۡ إِنَّ وَعۡدَ ٱللَّهِ حَقࣱّ وَٱسۡتَغۡفِرۡ لِذَنۢبِكَ وَسَبِّحۡ بِحَمۡدِ رَبِّكَ بِٱلۡعَشِیِّ وَٱلۡإِبۡكَـٰرِ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق