الباحث القرآني

قَوْلُهُ تَعالى: ﴿واذْكُرْ عَبْدَنا أيُّوبَ إذْ نادى رَبَّهُ أنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطانُ بِنُصْبٍ وعَذابٍ﴾ ﴿ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذا مُغْتَسَلٌ بارِدٌ وشَرابٌ﴾ ﴿ووَهَبْنا لَهُ أهْلَهُ ومِثْلَهم مَعَهم رَحْمَةً مِنّا وذِكْرى لِأُولِي الألْبابِ﴾ ﴿وخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فاضْرِبْ بِهِ ولا تَحْنَثْ إنّا وجَدْناهُ صابِرًا نِعْمَ العَبْدُ إنَّهُ أوّابٌ﴾ . اعْلَمْ أنَّ هَذا هو القِصَّةُ الثّالِثَةُ مِنَ القِصَصِ المَذْكُورَةِ في هَذِهِ السُّورَةِ، واعْلَمْ أنَّ داوُدَ وسُلَيْمانَ كانا مِمَّنْ أفاضَ اللَّهُ عَلَيْهِ أصْنافَ الآلاءِ والنَّعْماءِ، وأيُّوبَ كانَ مِمَّنْ خَصَّهُ اللَّهُ تَعالى بِأنْواعِ البَلاءِ، والمَقْصُودُ مِن جَمِيعِ هَذِهِ القِصَصِ الِاعْتِبارُ. كَأنَّ اللَّهَ تَعالى قالَ: يا مُحَمَّدُ اصْبِرْ عَلى سَفاهَةِ قَوْمِكَ فَإنَّهُ ما كانَ في الدُّنْيا أكْثَرُ نِعْمَةً ومالًا وجاهًا مِن داوُدَ وسُلَيْمانَ عَلَيْهِما السَّلامُ، وما كانَ أكْثَرَ بَلاءً ومِحْنَةً مِن أيُّوبَ، فَتَأمَّلْ في أحْوالِ هَؤُلاءِ لِتَعْرِفَ أنَّ أحْوالَ الدُّنْيا لا تَنْتَظِمُ لِأحَدٍ، وأنَّ العاقِلَ لا بُدَّ لَهُ مِنَ الصَّبْرِ عَلى المَكارِهِ، وفِيهِ مَسائِلُ: المَسْألَةُ الأُولى: قالَ صاحِبُ ”الكَشّافِ“: ”أيُّوبَ“ عَطْفُ بَيانٍ، وإذْ بَدَلُ اشْتِمالٍ مِنهُ ﴿أنِّي مَسَّنِيَ﴾ أيْ بِأنِّي مَسَّنِي حِكايَةً لِكَلامِهِ الَّذِي ناداهُ بِسَبَبِهِ، ولَوْ لَمْ يَحْكِ لَقالَ بِأنَّهُ مَسَّهُ لِأنَّهُ غائِبٌ، وقُرِئَ: ﴿بِنُصْبٍ﴾ بِضَمِّ النُّونِ وفَتْحِها مَعَ سُكُونِ الصّادِ وفَتْحِها وضَمِّها، فالنُّصْبِ والنَّصَبِ، كالرُّشْدِ والرَّشَدِ، والعُدْمِ والعَدَمِ، والسُّقْمِ والسَّقَمِ، والنُّصْبُ عَلى أصْلِ المَصْدَرِ، والنَّصَبُ تَثْقِيلُ نُصْبٍ، والمَعْنى واحِدٌ، وهو التَّعَبُ والمَشَقَّةُ والعَذابُ والألَمُ. واعْلَمْ أنَّهُ كانَ قَدْ حَصَلَ عِنْدَهُ نَوْعانِ مِنَ المَكْرُوهِ: الغَمُّ الشَّدِيدُ بِسَبَبِ زَوالِ الخَيْراتِ وحُصُولِ المَكْرُوهاتِ، والألَمُ الشَّدِيدُ في الجِسْمِ، ولَمّا حَصَلَ هَذانِ النَّوْعانِ لا جَرَمَ، ذَكَرَ اللَّهُ تَعالى لَفْظَيْنِ وهُما النُّصْبُ والعَذابُ. المَسْألَةُ الثّانِيَةُ: لِلنّاسِ في هَذا المَوْضِعِ قَوْلانِ: الأوَّلُ: أنَّ الآلامَ والأسْقامَ الحاصِلَةَ في جِسْمِهِ إنَّما حَصَلَتْ بِفِعْلِ الشَّيْطانِ. الثّانِي: أنَّها إنَّما حَصَلَتْ بِفِعْلِ اللَّهِ، والعَذابُ المُضافُ في هَذِهِ الآيَةِ إلى الشَّيْطانِ هو عَذابُ الوَسْوَسَةِ، وإلْقاءُ الخَواطِرِ الفاسِدَةِ. وأمّا القَوْلُ الأوَّلُ: فَتَقْرِيرُهُ ما رُوِيَ أنَّ إبْلِيسَ سَألَ رَبَّهُ، فَقالَ هَلْ في عَبِيدِكَ مَن لَوْ سَلَّطْتَنِي عَلَيْهِ يَمْتَنِعُ مِنِّي ؟ فَقالَ اللَّهُ: نَعَمْ عَبْدِي أيُّوبُ، فَجَعَلَ يَأْتِيهِ بِوَساوِسِهِ وهو يَرى إبْلِيسَ عِيانًا ولا يَلْتَفِتُ إلَيْهِ، فَقالَ: يا رَبِّ إنَّهُ قَدِ امْتَنَعَ عَلَيَّ فَسَلِّطْنِي عَلى مالِهِ، وكانَ يَجِيئُهُ ويَقُولُ لَهُ: هَلَكَ مِن مالِكِ كَذا وكَذا، فَيَقُولُ: اللَّهُ أعْطى واللَّهُ أخَذَ، ثُمَّ يَحْمَدُ اللَّهَ، فَقالَ: يا رَبِّ إنَّ أيُّوبَ لا يُبالِي بِمالِهِ فَسَلِّطْنِي عَلى ولَدِهِ، فَجاءَ وزَلْزَلَ الدّارَ فَهَلَكَ أوْلادُهُ بِالكُلِّيَّةِ، فَجاءَهُ وأخْبَرَهُ بِهِ فَلَمْ يَلْتَفِتْ إلَيْهِ، فَقالَ: يا رَبِّ لا يُبالِي بِمالِهِ ووَلَدِهِ فَسَلِّطْنِي عَلى جَسَدِهِ، فَأذِنَ فِيهِ، فَنَفَخَ في جَلْدِ أيُّوبَ، وحَدَثَتْ أسْقامٌ عَظِيمَةٌ وآلامٌ شَدِيدَةٌ فِيهِ، فَمَكَثَ في ذَلِكَ البَلاءِ سِنِينَ، حَتّى صارَ بِحَيْثُ اسْتَقْذَرَهُ أهْلُ بَلَدِهِ، فَخَرَجَ إلى الصَّحْراءِ وما كانَ يَقْرُبُ مِنهُ أحَدٌ، فَجاءَ الشَّيْطانُ إلى امْرَأتِهِ، وقالَ لَوْ أنَّ زَوْجَكِ اسْتَعانَ بِي لَخَلَّصْتُهُ مِن هَذا البَلاءِ، فَذَكَرَتِ المَرْأةُ ذَلِكَ لِزَوْجِها، فَحَلَفَ بِاللَّهِ لَئِنْ عافاهُ اللَّهُ لَيَجْلِدَنَّها مِائَةَ جَلْدَةٍ، وعِنْدَ هَذِهِ الواقِعَةِ قالَ: ﴿أنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطانُ بِنُصْبٍ وعَذابٍ﴾ فَأجابَ اللَّهُ دُعاءَهُ، وأوْحى إلَيْهِ أنِ ﴿ارْكُضْ بِرِجْلِكَ﴾ فَأظْهَرَ اللَّهُ مِن تَحْتِ رِجْلِهِ عَيْنًا بارِدَةً طَيِّبَةً فاغْتَسَلَ مِنها، فَأذْهَبَ اللَّهُ عَنْهُ كُلَّ داءٍ في (p-١٨٦)ظاهِرِهِ وباطِنِهِ، ورَدَّ عَلَيْهِ أهْلَهُ ومالَهُ. والقَوْلُ الثّانِي: أنَّ الشَّيْطانَ لا قُدْرَةَ لَهُ البَتَّةَ عَلى إيقاعِ النّاسِ في الأمْراضِ والآلامِ، والدَّلِيلُ عَلَيْهِ وُجُوهٌ: الأوَّلُ: أنّا لَوْ جَوَّزْنا حُصُولَ المَوْتِ والحَياةِ والصِّحَّةِ والمَرَضِ مِنَ الشَّيْطانِ، فَلَعَلَّ الواحِدَ مِنّا إنَّما وجَدَ الحَياةَ بِفِعْلِ الشَّيْطانِ، ولَعَلَّ كُلَّ ما حَصَلَ عِنْدَنا مِنَ الخَيْراتِ والسِّعاداتِ، فَقَدْ حَصَلَ بِفِعْلِ الشَّيْطانِ، وحِينَئِذٍ لا يَكُونُ لَنا سَبِيلٌ إلى أنْ نَعْرِفَ أنَّ مُعْطِيَ الحَياةِ والمَوْتِ والصِّحَّةِ والسُّقْمِ، هو اللَّهُ تَعالى. الثّانِي: أنَّ الشَّيْطانَ لَوْ قَدَرَ عَلى ذَلِكَ فَلِمَ لا يَسْعى في قَتْلِ الأنْبِياءِ والأوْلِياءِ، ولِمَ لا يُخَرِّبُ دُورَهم، ولِمَ لا يَقْتُلُ أوْلادَهم. الثّالِثُ: أنَّهُ تَعالى حَكى عَنِ الشَّيْطانِ أنَّهُ قالَ: ﴿وما كانَ لِي عَلَيْكم مِن سُلْطانٍ إلّا أنْ دَعَوْتُكم فاسْتَجَبْتُمْ لِي﴾ [إبْراهِيمَ: ٢٢] فَصَرَّحَ بِأنَّهُ لا قُدْرَةَ لَهُ في حَقِّ البَشَرِ إلّا عَلى إلْقاءِ الوَساوِسِ والخَواطِرِ الفاسِدَةِ، وذَلِكَ يَدُلُّ عَلى قَوْلِ مَن يَقُولُ: إنَّ الشَّيْطانَ هو الَّذِي ألْقاهُ في تِلْكَ الأمْراضِ والآفاتِ، فَإنْ قالَ قائِلٌ: لَمْ لا يَجُوزُ أنْ يُقالَ إنَّ الفاعِلَ لِهَذِهِ الأحْوالِ هو اللَّهُ تَعالى لَكِنْ عَلى وفْقِ التِماسِ الشَّيْطانِ ؟ قُلْنا: فَإذا كانَ لا بُدَّ مِنَ الِاعْتِرافِ بِأنَّ خالِقَ تِلْكَ الآلامِ والأسْقامِ هو اللَّهُ تَعالى، فَأيُّ فائِدَةٍ في جَعْلِ الشَّيْطانِ واسِطَةً في ذَلِكَ ؟ بَلِ الحَقُّ أنَّ المُرادَ مِن قَوْلِهِ: ﴿أنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطانُ بِنُصْبٍ وعَذابٍ﴾ أنَّهُ بِسَبَبِ إلْقاءِ الوَساوِسِ الفاسِدَةِ والخَواطِرِ الباطِنَةِ كانَ يُلْقِيهِ في أنْواعِ العَذابِ والعَناءِ، ثُمَّ القائِلُونَ بِهَذا القَوْلِ اخْتَلَفُوا في أنَّ تِلْكَ الوَساوِسَ كَيْفَ كانَتْ وذَكَرُوا فِيهِ وُجُوهًا: الأوَّلُ: أنَّ عِلَّتَهُ كانَتْ شَدِيدَةَ الألَمِ، ثُمَّ طالَتْ مُدَّةُ تِلْكَ العِلَّةِ واسْتَقْذَرَهُ النّاسُ ونَفَرُوا عَنْ مُجاوَرَتِهِ، ولَمْ يَبْقَ لَهُ شَيْءٌ مِنَ الأمْوالِ البَتَّةَ. وامْرَأتُهُ كانَتْ تَخْدِمُ النّاسَ وتُحَصِّلُ لَهُ قَدْرَ القُوتِ، ثُمَّ بَلَغَتْ نَفْرَةُ النّاسِ عَنْهُ إلى أنْ مَنَعُوا امْرَأتَهُ مِنَ الدُّخُولِ عَلَيْهِمْ ومِنَ الِاشْتِغالِ بِخِدْمَتِهِمْ، والشَّيْطانُ كانَ يُذَكِّرُهُ النِّعَمَ الَّتِي كانَتْ والآفاتِ الَّتِي حَصَلَتْ، وكانَ يَحْتالُ في دَفْعِ تِلْكَ الوَساوِسِ، فَلَمّا قَوِيَتْ تِلْكَ الوَساوِسُ في قَلْبِهِ خافَ وتَضَرَّعَ إلى اللَّهِ، وقالَ: ﴿أنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطانُ بِنُصْبٍ وعَذابٍ﴾ لِأنَّهُ كُلَّما كانَتْ تِلْكَ الخَواطِرُ أكْثَرَ كانَ ألَمُ قَلْبِهِ مِنها أشَدَّ. الثّانِي: أنَّها لَمّا طالَتْ مُدَّةُ المَرَضِ جاءَهُ الشَّيْطانُ وكانَ يُقَنِّطُهُ مِن رَبِّهِ ويُزَيِّنُ لَهُ أنْ يَجْزَعَ فَخافَ مِن تَأكُّدِ خاطِرِ القُنُوطِ في قَلْبِهِ فَتَضَرَّعَ إلى اللَّهِ تَعالى وقالَ: ﴿أنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطانُ﴾ . الثّالِثُ: قِيلَ: إنَّ الشَّيْطانَ لَمّا قالَ لِامْرَأتِهِ لَوْ أطاعَنِي زَوْجُكِ أزَلْتُ عَنْهُ هَذِهِ الآفاتِ فَذَكَرَتِ المَرْأةُ لَهُ ذَلِكَ، فَغَلَبَ عَلى ظَنِّهِ أنَّ الشَّيْطانَ طَمِعَ في دَيْنِهِ فَشَقَّ ذَلِكَ عَلَيْهِ فَتَضَرَّعَ إلى اللَّهِ تَعالى وقالَ: ﴿أنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطانُ بِنُصْبٍ وعَذابٍ﴾ . الرّابِعُ: رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ: «أنَّهُ بَقِيَ أيُّوبُ في البَلاءِ ثَمانَ عَشْرَةَ سَنَةً حَتّى رَفَضَهُ القَرِيبُ والبَعِيدُ إلّا رَجُلَيْنِ، ثُمَّ قالَ أحَدُهُما لِصاحِبِهِ: لَقَدْ أذْنَبَ أيُّوبُ ذَنْبًا ما أتى بِهِ أحَدٌ مِنَ العالَمِينَ، ولَوْلاهُ ما وقَعَ في مِثْلِ هَذا البَلاءِ، فَذَكَرُوا ذَلِكَ لِأيُّوبَ عَلَيْهِ السَّلامُ، فَقالَ: لا أدْرِي ما تَقُولانِ غَيْرَ أنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ أنِّي كُنْتُ أمُرُّ عَلى الرَّجُلَيْنِ يَتَنازَعانِ فَيَذْكُرانِ اللَّهَ تَعالى فَأرْجِعُ إلى بَيْتِي فَأنْفِرُ عَنْهُما كَراهِيَةَ أنْ يُذْكَرَ اللَّهُ تَعالى إلّا في الحَقِّ» . الخامِسُ: قِيلَ إنَّ امْرَأتَهُ كانَتْ تَخْدِمُ النّاسَ فَتَأْخُذُ مِنهم قَدْرَ القُوتِ وتَجِيءُ بِهِ إلى أيُّوبَ، فاتَّفَقَ أنَّهم ما اسْتَخْدَمُوها البَتَّةَ وطَلَبَ بَعْضُ النِّساءِ مِنها قَطْعَ إحْدى ذُؤابَتَيْها عَلى أنْ تُعْطِيَها قَدْرَ القُوتِ فَفَعَلَتْ، ثُمَّ في اليَوْمِ الثّانِي فَعَلَتْ مِثْلَ ذَلِكَ فَلَمْ يَبْقَ لَها ذُؤابَةٌ. وكانَ أيُّوبُ عَلَيْهِ السَّلامُ إذا أرادَ أنْ يَتَحَرَّكَ عَلى فِراشِهِ تَعَلَّقَ بِتِلْكَ الذُّؤابَةِ، فَلَمّا لَمْ يَجِدِ الذُّؤابَةَ وقَعَتِ الخَواطِرُ المُؤْذِيَةُ في قَلْبِهِ واشْتَدَّ غَمُّهُ، فَعِنْدَ ذَلِكَ قالَ: ﴿أنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطانُ بِنُصْبٍ وعَذابٍ﴾ . السّادِسُ: قالَ في بَعْضِ الأيّامِ: يا رَبُّ لَقَدْ عَلِمْتَ ما اجْتَمَعَ عَلَيَّ أمْرانِ إلّا آثَرْتُ (p-١٨٧)طاعَتَكَ، ولَمّا أعْطَيْتَنِي المالَ كُنْتُ لِلْأرامِلِ قَيِّمًا، ولِابْنِ السَّبِيلِ مُعِينًا، ولِلْيَتامى أبًا ! فَنُودِيَ مِن غَمامَةٍ يا أيُّوبُ مِمَّنْ كانَ ذَلِكَ التَّوْفِيقُ ؟ فَأخَذَ أيُّوبُ التُّرابَ ووَضْعَهُ عَلى رَأْسِهِ، وقالَ مِنكَ يا رَبِّ ثُمَّ خافَ مِنَ الخاطِرِ الأوَّلِ فَقالَ: ﴿مَسَّنِيَ الشَّيْطانُ بِنُصْبٍ وعَذابٍ﴾ وقَدْ ذَكَرُوا أقْوالًا أُخْرى، واللَّهُ أعْلَمُ بِحَقِيقَةِ الحالِ، وسَمِعْتُ بَعْضَ اليَهُودِ يَقُولُ: إنَّ لِمُوسى بْنِ عِمْرانَ عَلَيْهِ السَّلامُ كِتابًا مُفْرَدًا في واقِعَةِ أيُّوبَ، وحاصِلُ ذَلِكَ الكِتابِ أنَّ أيُّوبَ كانَ رَجُلًا كَثِيرَ الطّاعَةِ لِلَّهِ تَعالى مُواظِبًا عَلى العِبادَةِ، مُبالِغًا في التَّعْظِيمِ لِأمْرِ اللَّهِ تَعالى والشَّفَقَةِ عَلى خَلْقِ اللَّهِ، ثُمَّ إنَّهُ وقَعَ في البَلاءِ الشَّدِيدِ والعَناءِ العَظِيمِ، فَهَلْ كانَ ذَلِكَ لِحِكْمَةٍ أمْ لا ؟ فَإنْ كانَ ذَلِكَ لِحِكْمَةٍ فَمِنَ المَعْلُومِ أنَّهُ ما أتى بِجُرْمٍ في الزَّمانِ السّابِقِ حَتّى يَجْعَلَ ذَلِكَ العَذابَ في مُقابَلَةِ ذَلِكَ الجُرْمِ، وإنْ كانَ ذَلِكَ لِكَثْرَةِ الثَّوابِ فالإلَهُ الحَكِيمُ الرَّحِيمُ قادِرٌ عَلى إيصالِ كُلِّ خَيْرٍ ومَنفَعَةٍ إلَيْهِ مِن غَيْرِ تَوَسُّطِ تِلْكَ الآلامِ الطَّوِيلَةِ والأسْقامِ الكَرِيهَةِ. وحِينَئِذٍ لا يَبْقى في تِلْكَ الأمْراضِ والآفاتِ فائِدَةٌ، وهَذِهِ كَلِماتٌ ظاهِرَةٌ جَلِيَّةٌ وهي دالَّةٌ عَلى أنَّ أفْعالَ ذِي الجَلالِ مُنَزَّهَةٌ عَنِ التَّعْلِيلِ بِالمَصالِحِ والمَفاسِدِ، والحَقُّ الصَّرِيحُ أنَّهُ ﴿لا يُسْألُ عَمّا يَفْعَلُ وهم يُسْألُونَ﴾ [الأنْبِياءِ: ٢٣] .
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب