ثم قال تَعالى: ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وعَمِلُوا الصّالِحاتِ طُوبى لَهم وحُسْنُ مَآبٍ﴾ وفِيهِ مَسائِلُ:
المسألة الأُولى: في تَفْسِيرِ كَلِمَةِ ”طُوبى“ ثَلاثَةُ أقْوالٍ:
القَوْلُ الأوَّلُ: أنَّها اسْمُ شَجَرَةٍ في الجَنَّةِ، رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ أنَّهُ قالَ: «طُوبى شَجَرَةٌ في الجَنَّةِ غَرَسَها اللَّهُ بِيَدِهِ تُنْبِتُ الحُلِيَّ والحُلَلَ وإنَّ أغْصانَها لِتُرى مِن وراءِ سُورِ الجَنَّةِ» وحَكى أبُو بَكْرٍ الأصَمُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أنَّ أصْلَ هَذِهِ الشَّجَرَةِ في دارِ النَّبِيِّ ﷺ وفي دارِ كُلِّ مُؤْمِنٍ مِنها غُصْنٌ.
والقَوْلُ الثّانِي: وهو قَوْلُ أهْلِ اللُّغَةِ: أنَّ طُوبى مَصْدَرٌ مِن طابَ، كَبُشْرى وزُلْفى، ومَعْنى طُوبى لَكَ: أصَبْتَ طَيِّبًا، ثُمَّ اخْتَلَفُوا عَلى وُجُوهٍ:
فَقِيلَ: فَرَحٌ وقُرَّةُ عَيْنٍ لَهم؛ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما.
وقِيلَ: نِعْمَ (p-٤١)ما لَهم، عَنْ عِكْرِمَةَ.
وقِيلَ: غِبْطَةٌ لَهم؛ عَنِ الضَّحّاكِ.
وقِيلَ: حُسْنٌ لَهم؛ عَنْ قَتادَةَ.
وقِيلَ: خَيْرٌ وكَرامَةٌ؛ عَنْ أبِي بَكْرٍ الأصَمِّ.
وقِيلَ: العَيْشُ الطَّيِّبُ لَهم؛ عَنِ الزَّجّاجِ.
واعْلَمْ أنَّ المَعانِيَ مُتَقارِبَةٌ والتَّفاوُتُ يَقْرُبُ مِن أنْ يَكُونَ في اللَّفْظِ، والحاصِلُ أنَّهُ مُبالَغَةٌ في نَيْلِ الطَّيِّباتِ، ويَدْخُلُ فِيهِ جَمِيعُ اللَّذّاتِ، وتَفْسِيرُهُ أنَّ أطْيَبَ الأشْياءِ في كُلِّ الأُمُورِ حاصِلٌ لَهم.
والقَوْلُ الثّالِثُ: أنَّ هَذِهِ اللَّفْظَةَ لَيْسَتْ عَرَبِيَّةً، ثُمَّ اخْتَلَفُوا فَقالَ بَعْضُهم: طُوبى اسْمُ الجَنَّةِ بِالحَبَشِيَّةِ، وقِيلَ: اسْمُ الجَنَّةِ بِالهِنْدِيَّةِ، وقِيلَ: البُسْتانُ بِالهِنْدِيَّةِ، وهَذا القَوْلُ ضَعِيفٌ؛ لِأنَّهُ لَيْسَ في القُرْآنِ إلّا العَرَبِيُّ لا سِيَّما، واشْتِقاقُ هَذا اللَّفْظِ مِنَ اللُّغَةِ العَرَبِيَّةِ ظاهِرٌ.
المسألة الثّانِيَةُ: قالَ صاحِبُ الكَشّافِ: ﴿الَّذِينَ آمَنُوا﴾ مُبْتَدَأٌ، و﴿طُوبى لَهُمْ﴾ خَبَرُهُ، ومَعْنى طُوبى لَكَ: أيْ أصَبْتَ طَيِّبًا، ومَحَلُّها النَّصْبُ أوِ الرَّفْعُ، كَقَوْلِكَ: طَيِّبًا لَكَ وطَيِّبٌ لَكَ وسَلامًا لَكَ وسَلامٌ لَكَ، والقِراءَةُ في قَوْلِهِ: ﴿وحُسْنُ مَآبٍ﴾ بِالرَّفْعِ والنَّصْبِ تَدُلُّكَ عَلى مَحَلِّها، وقَرَأ مَكْوَزَةُ الأعْرابِيُّ ”طِيبى لَهُمْ“.
أما قوله: ﴿وحُسْنُ مَآبٍ﴾ فالمُرادُ حُسْنُ المَرْجِعِ والمَقَرِّ. وكُلُّ ذَلِكَ وعْدٌ مِنَ اللَّهِ بِأعْظَمِ النَّعِيمِ تَرْغِيبًا في طاعَتِهِ وتَحْذِيرًا عَنِ المَعْصِيَةِ.
{"ayah":"ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ وَعَمِلُوا۟ ٱلصَّـٰلِحَـٰتِ طُوبَىٰ لَهُمۡ وَحُسۡنُ مَـَٔابࣲ"}