الباحث القرآني
(p-٣٣٢)سُورَةُ الحَشْرِ.
مَدَنِيَّةٌ
أخْرَجَ ابْنُ الضُّرَيْسِ، والنَّحّاسُ، وابْنُ مَرْدُويَهْ، والبَيْهَقِيُّ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ قالَ: نَزَلَتْ سُورَةُ «الحَشْرِ» بِالمَدِينَةِ.
وأخْرَجَ ابْنُ مَرْدُويَهْ، عَنِ ابْنِ الزُّبَيْرٍ، مِثْلَهُ.
وأخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، والبُخارِيُّ، ومُسْلِمٌ، وابْنُ المُنْذِرِ، وابْنُ مَرْدُويَهْ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قالَ: قُلْتُ لِابْنِ عَبّاسٍ: سُورَةُ «الحَشْرِ» قالَ: قُلْ: سُورَةُ النَّضِيرِ.
وأخْرَجَ سَعِيدُ بْنُ مَنصُورٍ، والبُخارِيُّ، ومُسْلِمٌ، وابْنُ مَرْدُويَهْ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قالَ: قُلْتُ لِابْنِ عَبّاسٍ: سُورَةُ «الحَشْرِ» قالَ: نَزَلَتْ في بَنِي النَّضِيرِ.
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿سَبَّحَ لِلَّهِ﴾ الآياتِ.
أخْرَجَ الحاكِمُ وصَحَّحَهُ، وابْنُ مَرْدُويَهْ، والبَيْهَقِيُّ في «الدَّلائِلِ»، عَنْ عائِشَةَ قالَتْ: «كانَتْ غَزْوَةُ بَنِي النَّضِيرِ - وهم طائِفَةٌ مِنَ اليَهُودِ - عَلى رَأْسِ سِتَّةِ أشْهُرٍ مِن وقْعَةِ بَدْرٍ، وكانَ مَنزِلُهم ونَخْلُهم في ناحِيَةِ المَدِينَةِ (p-٣٣٣)فَحاصَرَهم رَسُولُ اللَّهِ ﷺ حَتّى نَزَلُوا عَلى الجَلاءِ، وعَلى أنَّ لَهم ما أقَلَّتِ الإبِلُ مِنَ الأمْتِعَةِ والأمْوالِ إلّا الحَلْقَةَ - يَعْنِي السِّلاحَ - فَأنْزَلَ اللَّهُ فِيهِمْ: ﴿سَبَّحَ لِلَّهِ ما في السَّماواتِ وما في الأرْضِ﴾ إلى قَوْلِهِ: ﴿لأوَّلِ الحَشْرِ ما ظَنَنْتُمْ أنْ يَخْرُجُوا﴾ فَقاتَلَهُمُ النَّبِيُّ ﷺ حَتّى صالَحَهم عَلى الجَلاءِ، وأجْلاهم إلى الشّامِ، وكانُوا مِن سِبْطٍ لَمْ يُصِبْهم جَلاءٌ فِيما خَلا، وكانَ اللَّهُ قَدْ كَتَبَ عَلَيْهِمْ ذَلِكَ، ولَوْلا ذَلِكَ لَعَذَّبَهم في الدُّنْيا بِالقَتْلِ والسَّبْيِ، وأمّا قَوْلُهُ: ﴿لأوَّلِ الحَشْرِ﴾ فَكانَ جَلاؤُهم ذَلِكَ أوَّلَ حَشْرٍ في الدُّنْيا إلى الشّامِ» .
وأخْرَجَهُ عَبْدُ الرَّزّاقِ، وعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ، والبَيْهَقِيُّ، عَنْ عُرْوَةَ مُرْسَلًا، قالَ البَيْهَقِيُّ: وهو المَحْفُوظُ.
وأخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ المُنْذِرِ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ، عَنِ الحَسَنِ قالَ: «لَمّا أجْلى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بَنِي النَّضِيرِ قالَ: «هَذا أوَّلُ الحَشْرِ، وأنا عَلى الأثَرِ»» .
وأخْرَجَ البَزّارُ، وابْنُ المُنْذِرِ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ، وابْنُ مَرْدُويَهْ، والبَيْهَقِيُّ في «البَعْثِ»، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ قالَ: «مَن شَكَّ أنَّ المَحْشَرَ بِالشّامِ فَلْيَقْرَأْ هَذِهِ الآيَةَ: (p-٣٣٤)﴿هُوَ الَّذِي أخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن أهْلِ الكِتابِ مِن دِيارِهِمْ لأوَّلِ الحَشْرِ﴾ قالَ لَهم رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «اخْرُجُوا» قالُوا: إلى أيْنَ؟ قالَ: «إلى أرْضِ المَحْشَرِ»» .
وأخْرَجَ أحْمَدُ في «الزُّهْدِ» عَنْ قَيْسٍ قالَ: قالَ جَرِيرٌ لِقَوْمِهِ فِيما يَعِظُهم: واللَّهِ لَوَدِدْتُ أنِّي لَمْ أكُنْ بَنَيْتُ فِيها لَبِنَةً، ما أنْتُمْ إلّا كالنَّعامَةِ اسْتَتَرَتْ، وإنَّ أوَّلَ أرْضِكم هَذِهِ خَرابًا يُسْراها، ثُمَّ يَتْبَعُها يُمْناها، وإنَّ المَحْشَرَ ها هُنا، وأشارَ إلى الشّامِ.
وأخْرَجَ ابْنُ المُنْذِرِ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ في قَوْلِهِ: ﴿لأوَّلِ الحَشْرِ﴾ قالَ: فَتَحَ اللَّهُ عَلى نَبِيِّهِ في أوَّلِ حَشْرٍ، حَشَرَ نَبِيُّ اللَّهِ إلَيْهِمْ، لَمْ يُقاتِلْهُمُ المَرَّتَيْنِ ولا الثَّلاثَةَ، فَتَحَ اللَّهُ عَلى نَبِيِّهِ في أوَّلِ حَشْرٍ، حَشَرَ عَلَيْهِمْ في أوَّلِ ما قاتَلَهم. وفي قَوْلِهِ: ﴿ما ظَنَنْتُمْ﴾ النَّبِيُّ ﷺ – وأصْحابُهُ، ﴿أنْ يَخْرُجُوا﴾ مِن حُصُونِهِمْ أبَدًا.
وأخْرَجَ البَيْهَقِيُّ في «الدَّلائِلِ» عَنْ عُرْوَةٍ قالَ: «أمَرَ اللَّهُ رَسُولَهُ بِإجْلاءِ بَنِي (p-٣٣٥)النَّضِيرِ»، وإخْراجِهِمْ مِن دِيارِهِمْ، وقَدْ كانَ النِّفاقُ كَثِيرًا بِالمَدِينَةِ، فَقالُوا: أيْنَ تُخْرِجُنا؟ قالَ: «أُخْرُجُكم إلى المَحْشَرِ» فَلَمّا سَمِعَ المُنافِقُونَ ما يُرادُ بِإخْوانِهِمْ وأوْلِيائِهِمْ مِن أهْلِ الكِتابِ أرْسَلُوا إلَيْهِمْ، فَقالُوا لَهم: إنّا مَعَكم مَحْيانا ومَماتَنا؛ إنْ قُوتِلْتُمْ فَلَكم عَلَيْنا النَّصْرُ، وإنْ أُخْرِجْتُمْ لَمْ نَتَخَلَّفْ عَنْكُمْ، ومَنّاهُمُ الشَّيْطانُ الظُّهُورَ، فَنادَوُا النَّبِيَّ ﷺ: إنّا واللَّهِ لا نَخْرُجُ، ولَئِنْ قاتَلْتَنا لَنُقاتِلَنَّكَ، فَمَضى النَّبِيُّ ﷺ فِيهِمْ لِأمْرِ اللَّهِ، وأمَرَ أصْحابَهُ، فَأخَذُوا السِّلاحَ، ثُمَّ مَضى إلَيْهِمْ، وتَحَصَّنَتِ اليَهُودُ في دُورِهِمْ وحُصُونِهِمْ، فَلَمّا انْتَهى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إلى أزِقَّتِهِمْ أمَرَ بِالأدْنى فالأدْنى مِن دُورِهِمْ أنْ يُهْدَمَ، وبِالنَّخْلِ أنْ يُحْرَقَ ويُقْطَعَ، وكَفَّ اللَّهُ أيْدِيَهم وأيْدِيَ المُنافِقِينَ، فَلَمْ يَنْصُرُوهُمْ، وألْقى اللَّهُ في قُلُوبِ الفَرِيقَيْنِ الرُّعْبَ، ثُمَّ جَعَلَتِ اليَهُودُ كُلَّما خَلَصَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ مِن هَدْمِ ما يَلِي مَدِينَتَهم ألْقى اللَّهُ في قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ، فَهَدَمُوا الدُّورَ الَّتِي هم فِيها مِن أدْبارِها، ولَمْ يَسْتَطِيعُوا أنْ يَخْرُجُوا عَلى النَّبِيِّ ﷺ فَلَمّا كادُوا أنْ يَبْلُغُوا آخِرَ دُورِهِمْ، وهم يَنْتَظِرُونَ المُنافِقِينَ وما كانُوا مَنَّوْهُمْ، فَلَمّا يَئِسُوا مِمّا عِنْدَهم سَألُوا رَسُولَ اللَّهِ ﷺ الَّذِي كانَ عَرَضَ عَلَيْهِمْ قَبْلَ ذَلِكَ، فَقاضاهم عَلى أنْ يُجْلِيَهُمْ، ولَهم أنْ يَتَحَمَّلُوا بِما اسْتَقَلَّتْ بِهِ الإبِلُ مِنَ الَّذِي كانَ لَهُمْ، إلّا ما كانَ مِن حَلْقَةِ (p-٣٣٦)السِّلاحِ، فَذَهَبُوا كُلَّ مَذْهَبٍ، وكانُوا قَدْ عَيَّرُوا المُسْلِمِينَ حِينَ هَدَمُوا الدُّورَ وقَطَعُوا النَّخْلَ، فَقالُوا: ما ذَنْبُ شَجَرَةٍ وأنْتُمْ تَزْعُمُونَ أنَّكم مُصْلِحُونَ؟! فَأنْزَلَ اللَّهُ: ﴿سَبَّحَ لِلَّهِ ما في السَّماواتِ وما في الأرْضِ﴾ إلى قَوْلِهِ: ﴿ولِيُخْزِيَ الفاسِقِينَ﴾ ثُمَّ جَعَلَها نَفْلًا لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ ولَمْ يَجْعَلْ مِنها سَهْمًا لِأحَدٍ غَيْرِهِ، فَقالَ: ﴿وما أفاءَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ مِنهُمْ﴾ إلى قَوْلِهِ: ﴿قَدِيرٌ﴾ فَقَسَمَها رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فِيمَن أراهُ اللَّهُ مِنَ المُهاجِرِينَ الأوَّلِينَ.
وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ مَرْدُويَهْ، والبَيْهَقِيُّ في «الدَّلائِلِ» وابْنُ عَساكِرَ، مِن طَرِيقِ العَوْفِيِّ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ قالَ: «كانَ النَّبِيُّ ﷺ قَدْ حاصَرَهم حَتّى بَلَغَ مِنهم كُلَّ مَبْلَغٍ، فَأعْطَوْهُ ما أرادَ مِنهُمْ، فَصالَحَهم عَلى أنْ يَحْقِنَ لَهم دِماءَهُمْ، وأنْ يُخْرِجَهم مِن أرْضِهِمْ وأوْطانِهِمْ، وأنْ يُسَيِّرَهم إلى أذْرِعاتِ الشّامِ، وجَعَلَ لِكُلِّ ثَلاثَةٍ مِنهم بَعِيرًا وسِقاءً» .
وأخْرَجَ البَغَوِيُّ في «مُعْجَمِهِ» عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مَسْلَمَةَ، «أنَّ النَّبِيَّ ﷺ بَعَثَهُ إلى بَنِي النَّضِيرِ، وأمَرَهُ أنْ يُؤَجِّلَهم في الجَلاءِ ثَلاثًا» .
وأخْرَجَ سَعِيدُ بْنُ مَنصُورٍ، وعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، والبُخارِيُّ، ومُسْلِمٌ، والتِّرْمِذِيُّ، وابْنُ المُنْذِرِ، وابْنُ مَرْدُويَهْ، والبَيْهَقِيُّ في «الدَّلائِلِ»، عَنِ ابْنِ عُمَرَ «أنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ حَرَّقَ نَخْلَ بَنِي النَّضِيرِ، والجَلاءُ إخْراجُهم مِن أرْضِهِمْ (p-٣٣٧)إلى أرْضٍ أُخْرى» .
وأخْرَجَ سَعِيدُ بْنُ مَنصُورٍ، وعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، والبُخارِيُّ، ومُسْلِمٌ، والتِّرْمِذِيُّ، وابْنُ المُنْذِرِ، وابْنُ مَرْدُويَهْ، والبَيْهَقِيُّ في «الدَّلائِلِ»، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، «أنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ حَرَّقَ نَخْلَ بَنِي النَّضِيرِ وقَطَعَ، وهي البُوَيْرَةُ، ولَها يَقُولُ حَسّانُ بْنُ ثابِتٍ:
؎وهانَ عَلى سَراةِ بَنِي لُؤَيٍّ حَرِيقٌ بِالبُوَيْرَةِ مُسْتَطِيرٌ
فَأنْزَلَ اللَّهُ: ﴿ما قَطَعْتُمْ مِن لِينَةٍ أوْ تَرَكْتُمُوها قائِمَةً عَلى أُصُولِها فَبِإذْنِ اللَّهِ ولِيُخْزِيَ الفاسِقِينَ﴾ [الحشر»: ٥] .
وأخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ وحَسَّنَهُ، والنَّسائِيُّ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ، والطَّبَرانِيُّ في «الأوْسَطِ»، وابْنُ مَرْدُويَهْ، وابْنُ الضُّرَيْسِ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ «فِي قَوْلِ اللَّهِ: ﴿ما قَطَعْتُمْ مِن لِينَةٍ أوْ تَرَكْتُمُوها قائِمَةً عَلى أُصُولِها﴾ قالَ: اللِّينَةُ النَّخْلَةُ، ﴿ولِيُخْزِيَ الفاسِقِينَ﴾ قالَ: اسْتَنْزَلُوهم مِن حُصُونِهِمْ، وأُمِرُوا بِقَطْعِ النَّخْلِ، فَحَكَّ في صُدُورِهِمْ، فَقالَ المُسْلِمُونَ: قَدْ قَطَعْنا بَعْضًا وتَرَكْنا بَعْضًا (p-٣٣٨)فَلْنَسْألَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ هَلْ لَنا فِيما قَطَعْنا مِن أجْرٍ؟ وهَلْ عَلَيْنا فِيما تَرَكْنا مِن وِزْرٍ؟ فَأنْزَلَ اللَّهُ: ﴿ما قَطَعْتُمْ مِن لِينَةٍ﴾ الآيَةَ» .
وأخْرَجَ أبُو يَعْلى، وابْنُ مَرْدُويَهْ، عَنْ جابِرٍ قالَ: «رَخَّصَ لَهم في قَطْعِ النَّخْلِ، ثُمَّ شَدَّدَ عَلَيْهِمْ، فَقالُوا: يا رَسُولَ اللَّهِ، عَلَيْنا إثْمٌ فِيما قَطَعْنا أوْ فِيما تَرَكْنا؟ فَأنْزَلَ اللَّهُ: ﴿ما قَطَعْتُمْ مِن لِينَةٍ﴾ الآيَةَ» .
وأخْرَجَ ابْنُ إسْحاقَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ رُومانَ قالَ: «لَمّا نَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بِبَنِي النَّضِيرِ تَحَصَّنُوا مِنهُ في الحُصُونِ، فَأمَرَ بِقَطْعِ النَّخْلِ والتَّحْرِيقِ فِيها، فَنادَوْهُ: يا مُحَمَّدُ، قَدْ كُنْتَ تَنْهى عَنِ الفَسادِ وتَعِيبُهُ، فَما بالُ قَطْعِ النَّخْلِ وتَحْرِيقِها؟! فَنَزَلَتْ» .
وأخْرَجَ عَبْدُ الرَّزّاقِ، وعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وابْنُ المُنْذِرِ، والبَيْهَقِيُّ في «الدَّلائِلِ» عَنْ مُجاهِدٍ قالَ: نَهى بَعْضُ المُهاجِرِينَ بَعْضًا عَنْ قَطْعِ النَّخْلِ وقالُوا: إنَّما هي مِن مَغانِمِ المُسْلِمِينَ، وقالَ الَّذِينَ قَطَعُوا: بَلْ هي غَيْظٌ لِلْعَدُوِّ، فَنَزَلَ القُرْآنُ بِتَصْدِيقِ مَن نَهى عَنْ قَطْعِهِ، وتَحْلِيلِ مَن قَطَعَهُ مِنَ الإثْمِ، فَقالَ: إنَّما قَطْعُهُ وتَرْكُهُ بِإذْنِ اللَّهِ.
(p-٣٣٩)وأخْرَجَ ابْنُ إسْحاقَ، وابْنُ مَرْدُويَهْ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ أنَّ سُورَةَ «الحَشْرِ» نَزَلَتْ في النَّضِيرِ، وذَكَرَ اللَّهُ فِيها الَّذِي أصابَهم مِنَ النِّقْمَةِ، وتَسْلِيطِهِ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ – عَلَيْهِمْ، حَتّى عَمِلَ بِهِمُ الَّذِي عَمِلَ بِإذْنِهِ، وذَكَرَ المُنافِقِينَ الَّذِينَ كانُوا يُراسِلُونَهُمْ، ويَعِدُونَهُمُ النَّصْرَ، فَقالَ: ﴿هُوَ الَّذِي أخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن أهْلِ الكِتابِ مِن دِيارِهِمْ لأوَّلِ الحَشْرِ﴾ إلى قَوْلِهِ: ﴿وأيْدِي المُؤْمِنِينَ﴾ بِهَدْمِهِمْ بُيُوتَهم مِن نُجُفِ الأبْوابِ، ثُمَّ ذَكَرَ قَطْعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ – النَّخْلَ، وقَوْلَ اليَهُودِ لَهُ: يا مُحَمَّدُ، قَدْ كُنْتَ تَنْهى عَنِ الفَسادِ، فَما بالُ قَطْعِ النَّخْلِ؟ فَقالَ: ﴿ما قَطَعْتُمْ مِن لِينَةٍ أوْ تَرَكْتُمُوها قائِمَةً عَلى أُصُولِها فَبِإذْنِ اللَّهِ ولِيُخْزِيَ الفاسِقِينَ﴾ يُخْبِرُهم أنَّها نِقْمَةٌ مِنهُ، ثُمَّ ذَكَرَ مَغانِمَ بَنِي النَّضِيرِ فَقالَ: ﴿وما أفاءَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ مِنهُمْ﴾ إلى قَوْلِهِ: ﴿قَدِيرٌ﴾ فَأعْلَمَهم أنَّها خاصَّةٌ لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ – يَضَعُها حَيْثُ يَشاءُ، ثُمَّ ذَكَّرَ مَغانِمَ المُسْلِمِينَ مِمّا يُوجَفُ عَلَيْهِ الخَيْلُ والرِّكابُ، ويُفْتَحُ بِالحَرْبِ، فَقالَ: ﴿ما أفاءَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ مِن أهْلِ القُرى فَلِلَّهِ ولِلرَّسُولِ ولِذِي القُرْبى واليَتامى والمَساكِينِ وابْنِ السَّبِيلِ﴾ [الحشر: ٧] هَذا مِمّا يُوجَفُ عَلَيْهِ الخَيْلُ والرِّكابُ، ثُمَّ ذَكَرَ المُنافِقِينَ؛ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أُبَيٍّ، ومالِكًا، وداعِسًا، ومَن كانَ عَلى مِثْلِ رَأْيِهِمْ، فَقالَ: ﴿ألَمْ تَرَ إلى الَّذِينَ نافَقُوا يَقُولُونَ لإخْوانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن أهْلِ الكِتابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ﴾ [الحشر: ١١] إلى ﴿كَمَثَلِ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ قَرِيبًا﴾ [الحشر: ١٥] يَعْنِي بَنِي قَيْنُقاعَ، الَّذِينَ أجْلاهم رَسُولُ اللَّهِ ﷺ .
وأخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، عَنْ قَتادَةَ «فِي قَوْلِهِ: ﴿هُوَ الَّذِي أخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن أهْلِ الكِتابِ مِن دِيارِهِمْ لأوَّلِ الحَشْرِ﴾ قالَ: الحَشْرُ قِبَلَ الشّامِ، وهم بَنُو النَّضِيرِ؛ حَيٌّ مِنَ اليَهُودِ، أجْلاهم نَبِيُّ اللَّهِ ﷺ مِنَ المَدِينَةِ إلى خَيْبَرَ مَرْجِعَهُ مِن أُحُدٍ» .
وأخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، عَنْ مُجاهِدٍ في قَوْلِهِ: ﴿هُوَ الَّذِي أخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن أهْلِ الكِتابِ مِن دِيارِهِمْ﴾ قالَ: النَّضِيرُ، إلى قَوْلِهِ: ﴿ولِيُخْزِيَ الفاسِقِينَ﴾ قالَ: ذَلِكَ ما بَيْنَ ذَلِكَ كُلِّهِ.
وأخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ قالَ: مَن شَكَّ أنَّ المَحْشَرَ إلى بَيْتِ المَقْدِسِ فَلْيَقْرَأْ هَذِهِ الآيَةَ: ﴿هُوَ الَّذِي أخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن أهْلِ الكِتابِ مِن دِيارِهِمْ لأوَّلِ الحَشْرِ﴾ فَقَدْ حُشِرَ النّاسُ مَرَّةً؛ وذَلِكَ حِينَ ظَهَرَ النَّبِيُّ ﷺ عَلى المَدِينَةِ أجْلى اليَهُودَ.
وأخْرَجَ عَبْدُ الرَّزّاقِ، وعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وأبُو داوُدَ، وابْنُ المُنْذِرِ، والبَيْهَقِيُّ في «الدَّلائِلِ» عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مالِكٍ، عَنْ رَجُلٍ مِن أصْحابِ النَّبِيِّ ﷺ «أنَّ كُفّارَ قُرَيْشٍ كَتَبُوا إلى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ ابْنِ سَلُولَ ومَن كانَ يَعْبُدُ مَعَهُ الأوْثانَ مِنَ الأوْسِ والخَزْرَجِ، ورَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَوْمَئِذٍ بِالمَدِينَةِ قَبْلَ وقْعَةِ بَدْرٍ، يَقُولُونَ: إنَّكم قَدْ آوَيْتُمْ صاحِبَنا، وإنَّكم أكْثَرُ أهْلِ المَدِينَةِ عَدَدًا (p-٣٤١)وإنّا نُقْسِمُ بِاللَّهِ لَتُقاتِلُنَّهُ أوْ لَتُخْرِجُنَّهُ، أوْ لَنَسْتَعْدِيَنَّ عَلَيْكُمُ العَرَبَ، ثُمَّ لِنَسِيرَنَّ إلَيْكم بِأجْمَعِنا حَتّى نَقْتُلَ مُقاتِلَتَكُمْ، ونَسْتَبِيحَ نِساءَكم وأبْناءَكُمْ، فَلَمّا بَلَغَ ذَلِكَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أُبَيٍّ ومَن مَعَهُ مِن عَبَدَةِ الأوْثانِ تَراسَلُوا، واجْتَمَعُوا وأجْمَعُوا لِقِتالِ النَّبِيِّ ﷺ وأصْحابِهِ، فَلَمّا بَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ ﷺ لَقِيَهم في جَماعَةٍ مِن أصْحابِهِ فَقالَ: «لَقَدْ بَلَغَ وعِيدُ قُرَيْشٍ مِنكُمُ المَبالِغَ ما كانَتْ لِتَكِيدَكم بِأكْثَرَ مِمّا تُرِيدُونَ أنْ تَكِيدُوا بِهِ أنْفُسَكُمْ، فَأنْتُمْ هَؤُلاءِ تُرِيدُونَ أنْ تُقاتِلُوا أبْناءَكم وإخْوانَكُمْ»، فَلَمّا سَمِعُوا ذَلِكَ مِنَ النَّبِيِّ ﷺ – تَفَرَّقُوا، فَبَلَغَ ذَلِكَ كَفّارَ قُرَيْشٍ، وكانَتْ وقْعَةُ بَدْرٍ بَعْدَ ذَلِكَ، فَكَتَبَتْ كَفّارُ قُرَيْشٍ بَعْدَ وقْعَةِ بَدْرٍ إلى اليَهُودِ: إنَّكم أهْلُ الحَلْقَةِ والحُصُونِ، وإنَّكم لَتُقاتِلُنَّ صاحِبَنا أوْ لَنَفْعَلَنَّ كَذا وكَذا، ولا يَحُولُ بَيْنَنا وبَيْنَ خَدَمِ نِسائِكم شَيْءٌ، وهي الخَلاخِيلُ، فَلَمّا بَلَغَ كِتابُهُمُ اليَهُودَ أجْمَعَتْ بَنُو النَّضِيرِ بِالغَدْرِ، فَأرْسَلُوا إلى النَّبِيِّ ﷺ: اخْرُجْ إلَيْنا في ثَلاثِينَ رَجُلًا مِن أصْحابِكَ، ولْيَخْرُجْ إلَيْكَ مِنّا ثَلاثُونَ حَبْرًا، حَتّى نَلْتَقِيَ بِمَكانٍ نَصَفٍ بَيْنَنا وبَيْنَكَ، ويَسْمَعُوا مِنكَ، فَإنْ صَدَّقُوكَ وآمَنُوا بِكَ آمَنّا كُلُّنا، فَخَرَجَ النَّبِيُّ ﷺ في ثَلاثِينَ مِن أصْحابِهِ، وخَرَجَ إلَيْهِ ثَلاثُونَ حَبْرًا مِنَ اليَهُودِ، حَتّى إذا بَرَزُوا في بَرازٍ مِنَ الأرْضِ قالَ بَعْضُ اليَهُودِ لِبَعْضٍ: كَيْفَ تَخْلُصُونَ إلَيْهِ (p-٣٤٢)ومَعَهُ ثَلاثُونَ رَجُلًا مِن أصْحابِهِ، كُلُّهم يُحِبُّ أنْ يَمُوتَ قَبْلَهُ؟ فَأرْسَلُوا: كَيْفَ نَفْهَمُ ونَحْنُ سِتُّونَ رَجُلًا؟! اخْرُجْ في ثَلاثَةٍ مِن أصْحابِكَ، ويَخْرُجُ إلَيْكَ ثَلاثَةٌ مِن عُلَمائِنا، فَلْيَسْمَعُوا مِنكَ، فَإنْ آمَنُوا بِكَ آمَنّا كُلُّنا وصَدَّقْناكَ.
فَخَرَجَ النَّبِيُّ ﷺ في ثَلاثَةٍ مِن أصْحابِهِ، وخَرَجَ ثَلاثَةٌ مِنَ اليَهُودِ، واشْتَمَلُوا عَلى الخَناجِرِ، وأرادُوا الفَتْكَ بِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَأرْسَلَتِ امْرَأةٌ ناصِحَةٌ مِن بَنِي النَّضِيرِ إلى أخِيها، وهو رَجُلٌ مُسْلِمٌ مِنَ الأنْصارِ، فَأخْبَرَتْهُ خَبَرَ ما أرادَ بَنُو النَّضِيرِ مِنَ الغَدْرِ بِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَأقْبَلَ أخُوها سَرِيعًا حَتّى أدْرَكَ النَّبِيَّ ﷺ فَسارَّهُ بِخَبَرِهِمْ قَبْلَ أنْ يَصِلَ إلَيْهِمْ، فَرَجَعَ النَّبِيُّ ﷺ فَلَمّا كانَ الغَدُ غَدا عَلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بِالكَتائِبِ فَحَصَرَهُمْ، فَقالَ لَهم: «إنَّكم واللَّهِ لا تَأْمَنُونَ عِنْدِي إلّا بِعَهْدٍ تُعاهِدُونِي عَلَيْهِ» فَأبَوْا أنْ يُعْطُوهُ عَهْدًا، فَقاتَلَهم يَوْمَهُ ذَلِكَ هو والمُسْلِمُونَ، ثُمَّ غَدا الغَدَ عَلى بَنِي قُرَيْظَةَ بِالكَتائِبِ، وتَرَكَ بَنِي النَّضِيرِ، ودَعاهم إلى أنْ يُعاهِدُوهُ فَعاهَدُوهُ، فانْصَرَفَ عَنْهُمْ، وغَدا عَلى بَنِي النَّضِيرِ بِالكَتائِبِ، فَقاتَلَهم حَتّى نَزَلُوا عَلى الجَلاءِ، وعَلى أنَّ لَهم ما أقَلَّتِ الإبِلُ إلّا الحَلْقَةَ - والحَلْقَةُ السِّلاحُ - فَجَلَتْ بَنُو النَّضِيرِ، واحْتَمَلُوا ما أقَلَّتِ الإبِلُ مِن أمْتِعَتِهِمْ، وأبْوابِ بُيُوتِهِمْ وخُشُبِها، فَكانُوا يُخْرِبُونَ (p-٣٤٣)بُيُوتَهُمْ، فَيَهْدِمُونَها فَيَحْتَمِلُونَ ما وافَقَهم مِن خُشُبِها، وكانَ جَلاؤُهم ذَلِكَ أوَّلَ حَشْرِ النّاسِ إلى الشّامِ، وكانَ بَنُو النَّضِيرِ مِن سِبْطٍ مِن أسْباطِ بَنِي إسْرائِيلَ لَمْ يُصِبْهم جَلاءٌ مُنْذُ كَتَبَ اللَّهُ الجَلاءَ عَلى بَنِي إسْرائِيلَ، فَلِذَلِكَ أجْلاهم رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فَلَوْلا ما كَتَبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ الجَلاءِ لَعَذَّبَهم في الدُّنْيا كَما عُذِّبَتْ بَنُو قُرَيْظَةَ، فَأنْزَلَ اللَّهُ: ﴿سَبَّحَ لِلَّهِ ما في السَّماواتِ وما في الأرْضِ﴾ حَتّى بَلَغَ: ﴿واللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ فَكانَ نَخِيلُ بَنِي النَّضِيرِ لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ – خاصَّةً، فَأعْطاهُ اللَّهُ إيّاها وخَصَّهُ بِها، فَقالَ: ﴿وما أفاءَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ مِنهم فَما أوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِن خَيْلٍ ولا رِكابٍ﴾ يَقُولُ: بِغَيْرِ قِتالٍ، فَأعْطى النَّبِيُّ ﷺ أكْثَرَها المُهاجِرِينَ، وقَسَمَها بَيْنَهُمْ، وقَسَمَ مِنها لِرَجُلَيْنِ مِنَ الأنْصارِ، كانا ذَوَيْ حاجَةٍ، لَمْ يَقْسِمْ لِأحَدٍ مِنَ الأنْصارِ غَيْرِهِما، وبَقِيَ مِنها صَدَقَةُ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ الَّتِي في أيْدِي بَنِي فاطِمَةَ» .
وأخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، عَنْ أبِي مالِكٍ «أنَّ قُرَيْظَةَ والنَّضِيرَ - قَبِيلَتَيْنِ مِنَ اليَهُودِ - كانُوا حُلَفاءَ لِقَبِيلَتَيْنِ مِنَ الأنْصارِ؛ الأوْسِ والخَزْرَجِ، في الجاهِلِيَّةِ، فَلَمّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ – المَدِينَةَ، وأسْلَمَتِ الأنْصارُ، وأبَتِ اليَهُودُ أنْ يُسْلِمُوا، سارَ المُسْلِمُونَ إلى النَّضِيرِ وهم في حُصُونِهِمْ، فَجَعَلَ المُسْلِمُونَ (p-٣٤٤)يَهْدِمُونَ ما يَلِيهِمْ مِن حِصْنِهِمْ، ويَهْدِمُ الآخَرُونَ ما يَلِيهِمْ؛ أنْ يُرْتَقى عَلَيْهِمْ، حَتّى أفْضَوْا إلَيْهِمْ، فَنَزَلَتْ: ﴿هُوَ الَّذِي أخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن أهْلِ الكِتابِ مِن دِيارِهِمْ﴾ إلى قَوْلِهِ: ﴿شَدِيدُ العِقابِ﴾ فَلَمّا أفْضَوْا إلَيْهِمْ نَزَلُوا عَلى عَهْدٍ بَيْنَهم وبَيْنَ نَبِيِّ اللَّهِ ﷺ عَلى أنْ يُجْلُوهم وأهْلِيهِمْ، ويَأْخُذُوا أمْوالَهم وأرْضَهُمْ، فَأُجْلُوا، ونَزَلُوا خَيْبَرَ وكانَ المُسْلِمُونَ يَقْطَعُونَ النَّخْلَ، فَحَدَّثَنِي رِجالٌ مِن أهْلِ المَدِينَةِ أنَّها نَخْلٌ صُفْرٌ كَهَيْئَةِ الدَّقَلِ تُدْعى اللِّينَةَ، فاسْتَنْكَرَ ذَلِكَ المُشْرِكُونَ، فَأنْزَلَ اللَّهُ عُذْرَ المُسْلِمِينَ: ﴿ما قَطَعْتُمْ مِن لِينَةٍ أوْ تَرَكْتُمُوها قائِمَةً عَلى أُصُولِها فَبِإذْنِ اللَّهِ ولِيُخْزِيَ الفاسِقِينَ﴾ .
فَأمّا قَوْلُ اللَّهِ: ﴿فَما أوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِن خَيْلٍ ولا رِكابٍ﴾ قالَ: لَمْ يَسِيرُوا إلَيْهِمْ عَلى خَيْلٍ ولا رِكابٍ، إنَّما كانُوا في ناحِيَةِ المَدِينَةِ، وبَقِيَتْ قُرَيْظَةُ بَعْدَهم عامًا أوْ عامَيْنِ عَلى عَهْدٍ بَيْنَهم وبَيْنَ نَبِيِّ اللَّهِ ﷺ فَلَمّا جاءَ المُشْرِكُونَ يَوْمَ الأحْزابِ أرْسَلَ المُشْرِكُونَ إلَيْهِمْ أنِ اخْرُجُوا مَعَنا عَلى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَأرْسَلَتْ إلَيْهِمُ اليَهُودُ أنْ أرْسِلُوا إلَيْنا بِخَمْسِينَ مِن رُهُنِكُمْ، فَجاءَ نُعَيْمُ بْنُ مَسْعُودٍ الأشْجَعِي إلى (p-٣٤٥)المُسْلِمِينَ فَحَدَّثَهُمْ، وكانَ نُعَيْمٌ يَأْمَنُ في المُسْلِمِينَ والمُشْرِكِينَ، فَبَلَغَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ أنَّهم قَدْ أرْسَلُوا إلى المُشْكِرِينَ يَسْألُونَهم خَمْسِينَ مِن رُهُنِهِمْ لِيَخْرُجُوا مَعَهُمْ، فَأبَوْا أنْ يَبْعَثُوا إلَيْهِمْ بِالرُّهُنِ، فَصارُوا حَرْبًا لِلْمُسْلِمِينَ والمُشْرِكِينَ، فَبَعَثَ إلَيْهِمُ النَّبِيُّ ﷺ سَعْدَ بْنَ مُعاذٍ وخَوّاتَ بْنَ جُبَيْرٍ، فَلَمّا أتَياهم قالَ عَظِيمُهم كَعْبُ بْنُ الأشْرَفِ: إنَّهُ قَدْ كانَ لِي جَناحانِ فَقَطَعْتُمْ أحَدَهُما، فَإمّا أنْ تَرُدُّوا عَلَيَّ جَناحِي، وإمّا أنْ أتَّخِذَ عَلَيْكم جَناحًا، فَقالَ خَوّاتُ بْنُ جُبَيْرٍ: إنِّي لَأهُمُّ أنْ أطْعَنَهُ بِحَرْبَتِي، فَقالَ لَهُ سَعْدٌ: إذَنْ تَسْبِقَ القَوْمَ ويَأْخُذُونِي، فَمَنَعَهُ، فَرَجَعا إلى النَّبِيِّ ﷺ فَحَدَّثاهُ بِالَّذِي كانَ مِن أمْرِهِما، وأذِنَ اللَّهُ فِيهِمْ، ورَجَعَ الأحْزابُ، ووَضَعَ النَّبِيُّ ﷺ – سِلاحَهُ، فَأتاهُ جِبْرِيلُ فَقالَ: والَّذِي أنْزَلَ عَلَيْكَ الكِتابَ ما نَزَلْتُ عَنْ ظَهْرِها مُنْذُ نَزَلَ بِكَ المُشْرِكُونَ حَتّى هَزَمَهُمُ اللَّهُ، فَسِرْ فَإنَّ اللَّهَ قَدْ أذِنَ لَكَ في قُرَيْظَةَ، فَأتاهُمُ النَّبِيُّ ﷺ هو وأصْحابُهُ فَقالَ لَهم: «يا إخْوَةَ القِرَدَةِ والخَنازِيرِ»، فَقالُوا: يا أبا القاسِمِ: ما كُنْتَ فَحّاشًا، فَنَزَلُوا عَلى حُكْمِ سَعْدِ بْنِ مُعاذٍ، وكانَ مِنَ القَبِيلَةِ الَّذِينَ هم حُلَفاءُ، فَحَكَمَ فِيهِمْ أنْ تُقْتَلَ مُقاتِلَتَهُمْ، وتُقَسَمَ غَنائِمُهم وأمْوالُهُمْ، ويَذْكُرُونَ أنَّ النَّبِيَّ ﷺ قالَ: «بِحُكْمِ اللَّهِ حَكَمَ» فَضَرَبَ أعْناقَهُمْ، وقَسَمَ غَنائِمَهم وأمْوالَهم» .
وأخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، عَنْ يَحْيى بْنِ سَعِيدٍ قالَ: «أتى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بَنِي (p-٣٤٦)النَّضِيرِ» في حاجَةٍ، فَهَمُّوا بِهِ، فَأطْلَعَهُ اللَّهُ عَلى ذَلِكَ، فَنَدَبَ النّاسَ إلَيْهِمْ، فَصالَحَهم عَلى أنَّ لَهُمُ الصَّفْراءَ والبَيْضاءَ وما أقَلَّتِ الإبِلُ، ولِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ النَّخْلَ والأرْضَ والحَلْقَةَ، فَقَسَمَها رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بَيْنَ المُهاجِرِينَ، ولَمْ يُعْطِ أحَدًا مِنَ الأنْصارِ مِنها شَيْئًا إلّا سَهْلَ بْنَ حُنَيْفٍ، وأبا دُجانَةَ.
وأخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ «أنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ غَدا يَوْمًا إلى النَّضِيرِ؛ لِيَسْألَهم كَيْفَ الدِّيَةُ فِيهِمْ، فَلَمّا لَمْ يَرَوْا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ كَثِيرَ أحَدٍ، أبْرَمُوا بَيْنَهم عَلى أنْ يَقْتُلُوهُ، ويَأْخُذُوا أصْحابَهُ أُسارى؛ لِيَذْهَبُوا بِهِمْ إلى مَكَّةَ، لِيَبِيعُوهم مِن قُرَيْشٍ، فَبَيْنَما هم عَلى ذَلِكَ جاءَ جاءٍ مِنَ اليَهُودِ مِنَ المَدِينَةِ، فَلَمّا رَأى أصْحابَهُ يَأْتَمِرُونَ بِأمْرِ النَّبِيِّ ﷺ قالَ لَهم: ما تُرِيدُونَ؟ قالُوا: نُرِيدُ أنْ نَقْتُلَ مُحَمَّدًا ونَأْخُذَ أصْحابَهُ، فَقالَ لَهم: وأيْنَ مُحَمَّدٌ؟ قالُوا: هَذا مُحَمَّدٌ قَرِيبٌ مِنّا، فَقالَ لَهم صاحِبُهم: واللَّهِ لَقَدْ تَرَكْتُ مُحَمَّدًا داخِلَ المَدِينَةِ، فَأُسْقِطَ بِأيْدِيهِمْ، وقالُوا: قَدْ أُخْبِرَ أنَّهُ قَدِ انْقَطَعَ ما بَيْنَنا وبَيْنَهُ مِنَ العَهْدِ، فانْطَلَقَ مِنهم سِتُّونَ حَبْرًا ومِنهم حُيَيُّ بْنُ أخْطَبَ، والعاصِي بْنُ وائِلٍ حَتّى دَخَلُوا عَلى كَعْبٍ، وقالُوا: (p-٣٤٧)يا كَعْبُ، أنْتَ سَيِّدُ قَوْمِكَ ومَدْحُهُمُ، احْكم بَيْنَنا وبَيْنَ مُحَمَّدٍ، فَقالَ لَهم كَعْبٌ: أخْبِرُونِي ما عِنْدَكُمْ؟ قالُوا: نُعْتِقُ الرِّقابَ، ونَذْبَحُ الكَوْماءَ، وإنَّ مُحَمَّدًا انْبَتَرَ مِنَ الأهْلِ والمالِ.
فَشَرَّفَهم كَعْبٌ عَلى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ – فانْقَلَبُوا، فَأنْزَلَ اللَّهُ: ﴿ألَمْ تَرَ إلى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الكِتابِ يُؤْمِنُونَ بِالجِبْتِ والطّاغُوتِ﴾ [النساء: ٥١] إلى قَوْلِهِ: ﴿فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيرًا﴾ [النساء: ٥٢] [النِّساءِ: ٥١، ٥٢] .
وأنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْهِ فِيما أرادُوا أنْ يَقْتُلُوهُ: ﴿يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكم إذْ هَمَّ قَوْمٌ أنْ يَبْسُطُوا إلَيْكم أيْدِيَهُمْ﴾ [المائدة: ١١] الآيَةَ [المائِدَةِ: ١١] فَقالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «مَن يَكْفِينِي كَعْبًا» ؟ فَقالَ ناسٌ مِن أصْحابِهِ فِيهِمْ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ: نَحْنُ نَكْفِيكَهُ يا رَسُولَ اللَّهِ، ونَسْتَحِلُّ مِنكَ شَيْئًا، فَجاءُوهُ فَقالُوا: يا كَعْبُ، إنَّ مُحَمَّدًا كَلَّفَنا الصَّدَقَةَ، فَبِعْنا شَيْئًا - قالَ عِكْرِمَةُ: فَهَذا الَّذِينَ اسْتَحَلُّوهُ مِن رَسُولِ اللَّهِ ﷺ - فَقالَ لَهم كَعْبٌ: ارْهَنُونِي أوْلادَكُمْ، فَقالُوا: ذاكَ عارٌ فِينا غَدًا، قَبِيحٌ أنْ يَقُولُوا: عَبْدُ وسْقِ شَعِيرٍ، قالَ كَعْبٌ: فاللَّأْمَةَ - قالَ عِكْرِمَةُ: وهي السِّلاحُ - فَأصْلَحُوا أمْرَهم عَلى ذَلِكَ، فَقالُوا: مَوْعِدُ ما بَيْنَنا وبَيْنَكَ القابِلَةُ، حَتّى إذا كانَتِ القابِلَةُ راحُوا إلَيْهِ، ورَسُولُ اللَّهِ -ﷺ- (p-٣٤٨)فِي المُصَلّى يَدْعُو لَهم بِالظَّفَرِ، فَلَمّا جاءُوا، نادَوْهُ: يا كَعْبُ، وكانَ عَرُوسًا، فَأجابَهُمْ، فَقالَتِ امْرَأتُهُ، وهي بِنْتُ عُمَيْرٍ: أيْنَ تَنْزِلُ، قَدْ أيْقَنْتُ السّاعَةَ رِيحَ الدَّمِ، فَهَبَطَ، وعَلَيْهِ مِلْحَفَةٌ مُوَرَّسَةٌ، ولَهُ ناصِيَةٌ، فَلَمّا نَزَلَ إلَيْهِمْ قالَ القَوْمُ: ما أطْيَبَ رِيحَكَ! فَفَرِحَ بِذَلِكَ، فَقامَ إلَيْهِ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ، فَقالَ قائِلُ المُسْلِمِينَ: أشِمُّونا مِن رِيحِهِ، فَوَضَعَ يَدَهُ عَلى ثَوْبِ كَعْبٍ، وقالَ: شُمُّوا فَشَمُّوا، وهو يَظُنُّ أنَّهم يُعْجَبُونَ بِرِيحِهِ، فَفَرِحَ بِذَلِكَ، فَقالَ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ: بَقِيتُ أنا أيْضًا، فَمَضى إلَيْهِ فَأخَذَ بِناصِيَتِهِ، ثُمَّ قالَ: اجْلِدُوا عُنُقَهُ، فَجَلَدُوا عُنُقَهُ.
ثُمَّ إنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ غَدا إلى النَّضِيرِ، فَقالُوا: ذَرْنا نَبْكِ سَيِّدَنا، قالَ: «لا»، قالُوا: فَحَزَّةٌ عَلى حَزَّةٍ، قالَ: «نَعَمْ، حَزَّةٌ عَلى حَزَّةٍ»، فَلَمّا رَأوْا ذَلِكَ جَعَلُوا يَأْخُذُونَ مِن بُطُونِ بُيُوتِهِمُ الشَّيْءَ لِيَنْجُوا بِهِ، والمُؤْمِنُونَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهم مِن خارِجٍ لِيَدْخُلُوا عَلَيْهِمْ، فَلَوْلا أنْ كَتَبَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الجَلاءَ - قالَ عِكْرِمَةُ: والجَلاءُ يُجْلُونَ مِنهم - لَقَتَلَهم بِأيْدِيهِمْ، وقالَ عِكْرِمَةُ: إنَّ أُناسًا مِنَ المُسْلِمِينَ لَمّا دَخَلُوا عَلى بَنِي النَّضِيرِ أخَذُوا يَقْطَعُونَ النَّخْلَ، فَقالَ بَعْضُهم لِبَعْضٍ: ﴿وإذا تَوَلّى سَعى في الأرْضِ لِيُفْسِدَ فِيها﴾ [البقرة: ٢٠٥] [البَقَرَةِ: ٢٠٥]، وقالَ قائِلٌ مِنَ المُسْلِمِينَ: ﴿ولا يَقْطَعُونَ وادِيًا﴾ [التوبة: ١٢١] [التَّوْبَةِ: ١٢١] ﴿ولا يَنالُونَ مِن عَدُوٍّ نَيْلا إلا كُتِبَ لَهم بِهِ عَمَلٌ صالِحٌ﴾ [التوبة: ١٢٠] [التَّوْبَةِ: ١٢٠] فَأنْزَلَ اللَّهُ: ﴿ما قَطَعْتُمْ مِن لِينَةٍ﴾ وهي النَّخْلَةُ، ﴿أوْ تَرَكْتُمُوها قائِمَةً عَلى أُصُولِها فَبِإذْنِ اللَّهِ﴾ (p-٣٤٩)قالَ: ما قَطَعْتُمْ فَبِإذْنِي وما تَرَكْتُمْ فَبِإذْنِي» .
وأخْرَجَ عَبْدُ الرَّزّاقِ، وعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، عَنْ قَتادَةَ في قَوْلِهِ: ﴿يُخْرِبُونَ بُيُوتَهم بِأيْدِيهِمْ وأيْدِي المُؤْمِنِينَ﴾ قالَ: كانَ المُسْلِمُونَ يُخْرِبُونَ ما يَلِيهِمْ مِن ظاهِرِها؛ لِيَدْخُلُوا عَلَيْهِمْ، ويُخْرِبُها اليَهُودُ مِن داخِلِها.
أخْرَجَ البَيْهَقِيُّ في «الدَّلائِلِ» عَنْ مُقاتِلِ بْنِ حَيّانَ، «فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وجَلَّ: ﴿يُخْرِبُونَ بُيُوتَهم بِأيْدِيهِمْ وأيْدِي المُؤْمِنِينَ﴾ قالَ: كانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ – يُقاتِلُهُمْ، فَإذا ظَهَرَ عَلى دَرْبٍ أوْ دارٍ هَدَمَ حِيطانَها؛ لِيَتَّسِعَ المَكانُ لِلْقِتالِ، وكانَتِ اليَهُودُ إذا غُلِبُوا عَلى دَرْبٍ أوْ دارٍ نَقَبُوها مِن أدْبارِها، ثُمَّ حَصَّنُوها، ودَرَّبُوها، يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وجَلَّ: ﴿فاعْتَبِرُوا يا أُولِي الأبْصارِ﴾ .
وقَوْلُهُ: ﴿ما قَطَعْتُمْ مِن لِينَةٍ﴾ إلى قَوْلِهِ: ﴿ولِيُخْزِيَ الفاسِقِينَ﴾ يَعْنِي بِاللِّينَةِ النَّخْلَةَ، وهي أعْجَبُ إلى اليَهُودِ مِنَ الوَصِيفِ، يُقالُ لِثَمَرِها: اللَّوْنُ، فَقالَتِ اليَهُودُ عِنْدَ قَطْعِ النَّبِيِّ ﷺ نَخْلَهم وعَقْرِ شَجَرِهِمْ: يا مُحَمَّدُ، زَعَمْتَ أنَّكَ تُرِيدُ الإصْلاحَ، أفَمِنَ الإصْلاحِ عَقْرُ الشَّجَرِ، وقَطْعُ النَّخْلِ، والفَسادُ؟! فَشَقَّ ذَلِكَ عَلى النَّبِيِّ ﷺ ووَجَدَ المُسْلِمُونَ مِن قَوْلِهِمْ في أنْفُسِهِمْ مِن قَطْعِهِمُ النَّخْلَ (p-٣٥٠)خَشْيَةَ أنْ يَكُونَ فَسادًا، فَقالَ بَعْضُهم لِبَعْضٍ: لا تَقْطَعُوا فَإنَّهُ مِمّا أفاءَ اللَّهُ عَلَيْنا، فَقالَ الَّذِينَ يَقْطَعُونَها: نَغِيظُهم بِقَطْعِها، فَأنْزَلَ اللَّهُ: ﴿ما قَطَعْتُمْ مِن لِينَةٍ﴾ - يَعْنِي النَّخْلَ - فَبِإذْنِ اللَّهِ، وما تَرَكْتُمْ ﴿قائِمَةً عَلى أُصُولِها فَبِإذْنِ اللَّهِ﴾ فَطابَتْ نَفْسُ النَّبِيِّ ﷺ وأنْفُسُ المُؤْمِنِينَ، ﴿ولِيُخْزِيَ الفاسِقِينَ﴾ يَعْنِي يَهُودَ أهْلِ النَّضِيرِ، وكانَ قَطْعُ النَّخْلِ وعَقْرُ الشَّجَرِ خِزْيًا لَهم» .
وأخْرَجَ عَبْدُ الرَّزّاقِ، وابْنُ المُنْذِرِ، عَنِ الزُّهْرِيِّ «فِي قَوْلِهِ: ﴿يُخْرِبُونَ بُيُوتَهم بِأيْدِيهِمْ﴾ قالَ: لَمّا صالَحُوا النَّبِيَّ ﷺ كانُوا لا يُعْجِبُهم خَشَبَةٌ إلّا أخَذُوها، فَكانَ ذَلِكَ تَخْرِيبَها» .
وأخْرَجَ ابْنُ المُنْذِرِ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ في قَوْلِهِ: ﴿يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ﴾ مِن داخِلِ الدّارِ، لا يَقْدِرُونَ عَلى قَلِيلٍ ولا كَثِيرٍ يَنْفَعُهم إلّا خَرَّبُوهُ وأفْسَدُوهُ؛ لِئَلّا يَدْعُوا شَيْئًا يَنْفَعُهم إذا رَحَلُوا، وفي قَوْلِهِ: ﴿وأيْدِي المُؤْمِنِينَ﴾ ويُخَرِّبُ المُؤْمِنُونَ دِيارَهم مِن خارِجِها؛ كَيْما يَخْلُصُوا إلَيْهِمْ، وفي قَوْلِهِ: ﴿ولَوْلا أنْ كَتَبَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الجَلاءَ لَعَذَّبَهم في الدُّنْيا﴾ قالَ: لَسَلَّطَ عَلَيْهِمْ، فَضُرِبَتْ أعْناقُهُمْ، وسُبِيَتْ ذَرارِيُّهُمْ، ولَكِنْ سَبَقَ في كِتابِهِ الجَلاءُ، ثُمَّ أُجْلُوا إلى أذْرِعاتٍ وأرِيحا.
(p-٣٥١)وأخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وابْنُ المُنْذِرِ، عَنْ عِكْرِمَةَ في قَوْلِهِ: ﴿يُخْرِبُونَ بُيُوتَهم بِأيْدِيهِمْ وأيْدِي المُؤْمِنِينَ﴾ قالَ: كانَتْ بُيُوتُهم مُزَخْرَفَةً، فَحَسَدُوا المُسْلِمِينَ أنْ يَسْكُنُوها، وكانُوا يُخْرِبُونَها مِن داخِلٍ، والمُسْلِمُونَ مِن خارِجٍ.
وأخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وابْنُ المُنْذِرِ، عَنْ قَتادَةَ قالَ: الجَلاءُ خُرُوجُ النّاسِ مِنَ البَلَدِ إلى البَلَدِ.
وأخْرَجَ الفِرْيابِيُّ، وابْنُ أبِي شَيْبَةَ، وعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ ﴿ما قَطَعْتُمْ مِن لِينَةٍ﴾ قالَ: هي النَّخْلَةُ.
وأخْرَجَ ابْنُ أبِي شَيْبَةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، مِثْلَهُ.
وأخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، عَنْ عَطِيَّةَ، وعِكْرِمَةَ، ومُجاهِدٍ، وعَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ، مِثْلَهُ.
وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ في قَوْلِهِ: ﴿مِن لِينَةٍ﴾ قالَ: نَوْعٌ مِنَ النَّخْلِ.
وأخْرَجَ سَعِيدُ بْنُ مَنصُورٍ، وابْنُ أبِي شَيْبَةَ، وعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وابْنُ المُنْذِرِ، عَنْ عِكْرِمَةَ قالَ: اللِّينَةُ ما دُونَ العَجْوَةِ مِنَ النَّخْلِ.
(p-٣٥٢)وأخْرَجَ عَبْدُ الرَّزّاقِ، وعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وابْنُ المُنْذِرِ، عَنِ الزُّهْرِيِّ قالَ: اللِّينَةُ ألْوانُ النَّخْلِ كُلُّها إلّا العَجْوَةَ.
وأخْرَجَ ابْنُ المُنْذِرِ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ: ﴿ما قَطَعْتُمْ مِن لِينَةٍ﴾ قالَ: نَخْلَةٌ أوْ شَجَرَةٌ.
وأخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، عَنِ الأعْمَشِ، أنَّهُ قَرَأها: (ما قَطَعْتُمْ مِن لِينَةٍ أوْ تَرَكْتُمُوها قَوْمًا عَلى أُصُولِها) .
وأخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، عَنِ ابْنِ شِهابٍ قالَ: بَلَغَنِي «أنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ أحْرَقَ بَعْضَ أمْوالِ بَنِي النَّضِيرِ فَقالَ قائِلٌ:
؎فَهانَ عَلى سَراةِ بَنِي لُؤَيٍّ ∗∗∗ حَرِيقٌ بِالبُوَيْرَةِ مُسْتَطِيرُ»
وأخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، عَنْ قَتادَةَ قالَ: قَطَعَ المُسْلِمُونَ يَوْمَئِذٍ النَّخْلَ، وأمْسَكَ أُناسٌ؛ كَراهِيَةَ أنْ يَكُونَ فَسادًا، فَقالَتِ اليَهُودُ: اللَّهُ أذِنَ لَكم في الفَسادِ، فَقالَ اللَّهُ: ﴿ما قَطَعْتُمْ مِن لِينَةٍ﴾ قالَ: واللِّينَةُ ما خَلا العَجْوَةَ مِنَ النَّخْلِ، إلى قَوْلِهِ: ﴿ولِيُخْزِيَ الفاسِقِينَ﴾ قالَ: لِيَغِيظُوهُمْ، ﴿وما أفاءَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ مِنهم فَما أوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِن خَيْلٍ ولا رِكابٍ﴾ قالَ: ما قَطَعْتُمْ إلَيْها وادِيًا، ولا سَيَّرْتُمْ إلَيْها دابَّةً ولا بَعِيرًا، إنَّما كانَتْ حَوائِطَ لِبَنِي النَّضِيرِ أطْعَمَها اللَّهُ رَسُولَهُ ﷺ .
وأخْرَجَ ابْنُ مَرْدُويَهْ، عَنْ جابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، «أنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَسَّمَ بَيْنَ قُرَيْشٍ والمُهاجِرِينَ النَّضِيرَ فَأنْزَلَ اللَّهُ: ﴿ما قَطَعْتُمْ مِن لِينَةٍ﴾ قالَ: هي العَجْوَةُ والعَتِيقُ والنَّخِيلُ، وكانا مَعَ نُوحٍ في السَّفِينَةِ، وهُما أصْلُ التَّمْرِ، ولَمْ يُعْطِ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ مِنَ الأنْصارِ أحَدًا إلّا رَجُلَيْنِ أبا دُجانَةَ، وسَهْلَ بْنَ حُنَيْفٍ» .
وأخْرَجَ البَيْهَقِيُّ في «الأسْماءِ والصِّفاتِ»، عَنِ الأوْزاعِيِّ قالَ: «أتى النَّبِيَّ ﷺ يَهُودِيٌّ فَسَألَهُ عَنِ المَشِيئَةِ فَقالَ: «المَشِيئَةُ لِلَّهِ» قالَ: فَإنِّي أشاءُ أنْ أقُومَ، قالَ: «قَدْ شاءَ اللَّهُ أنْ تَقُومَ» قالَ: فَإنِّي أشاءُ أنْ أقْعُدَ، قالَ: «فَقَدْ شاءَ اللَّهُ أنْ تَقْعُدَ» قالَ: فَإنِّي أشاءُ أنْ أقْطَعَ هَذِهِ النَّخْلَةَ، قالَ: «فَقَدْ شاءَ اللَّهُ أنْ تَقْطَعَها» قالَ: فَإنِّي أشاءُ أنْ أتْرُكَها، قالَ: «فَقَدْ شاءَ اللَّهُ أنْ تَتْرُكَها» قالَ: فَأتاهُ جِبْرِيلُ - عَلَيْهِ السَّلامُ - فَقالَ: لُقِّنْتَ حُجَّتَكَ كَما لُقِّنَها إبْراهِيمُ عَلَيْهِ السَّلامُ، قالَ: ونَزَلَ القُرْآنُ: ﴿ما قَطَعْتُمْ مِن لِينَةٍ أوْ تَرَكْتُمُوها قائِمَةً عَلى أُصُولِها فَبِإذْنِ اللَّهِ ولِيُخْزِيَ الفاسِقِينَ﴾ [الحشر»: ٥] .
(p-٣٥٤)وأخْرَجَ البُخارِيُّ في «تارِيخِهِ»، وابْنُ مَرْدُويَهْ، والبَيْهَقِيُّ في «سُنَنِهِ» عَنْ صُهَيْبِ بْنِ سِنانٍ قالَ: «لَمّا فَتَحَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بَنِي النَّضِيرِ أنْزَلَ اللَّهُ: ﴿وما أفاءَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ مِنهم فَما أوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِن خَيْلٍ ولا رِكابٍ﴾ فَكانَتْ لِلنَّبِيِّ ﷺ – خاصَّةً، فَقَسَّمَها لِلْمُهاجِرِينَ، فَأعْطى رَجُلَيْنِ مِنها مِنَ الأنْصارِ: سَهْلَ بْنَ حَنِيفٍ، وأبا لُبابَةَ بْنَ عَبْدِ المُنْذِرِ» .
وأخْرَجَ عَبْدُ الرَّزّاقِ، وابْنُ المُنْذِرِ، والبَيْهَقِيُّ، عَنِ الزُّهْرِيِّ «فِي قَوْلِهِ: ﴿فَما أوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِن خَيْلٍ ولا رِكابٍ﴾ قالَ: صالَحَ النَّبِيُّ ﷺ أهْلَ فَدَكَ، وقُرًى سَمّاها، وهو مُحاصِرٌ قَوْمًا آخَرِينَ، فَأرْسَلُوا بِالصُّلْحِ، فَأفاءَها اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِن غَيْرِ قِتالٍ، ولَمْ يُوجِفُوا عَلَيْهِ خَيْلًا ولا رِكابًا فَقالَ اللَّهُ: ﴿فَما أوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِن خَيْلٍ ولا رِكابٍ﴾ يَقُولُ: بِغَيْرِ قِتالٍ. وقالَ: كانَتْ أمْوالُ بَنِي النَّضِيرِ لِلنَّبِيِّ ﷺ – خالِصًا، لَمْ يَفْتَتِحُوها عَنْوَةً، إنَّما فَتَحُوها عَلى صُلْحٍ، فَقَسَّمَها النَّبِيُّ ﷺ بَيْنَ المُهاجِرِينَ، ولَمْ يُعْطِ الأنْصارَ مِنها شَيْئًا إلّا رَجُلَيْنِ كانَتْ بِهِما حاجَّةٌ؛ أبُو دُجانَةَ، وسَهْلُ بْنُ حُنَيْفٍ» .
وأخْرَجَ أحْمَدُ، والبُخارِيُّ، ومُسْلِمٌ، وأبُو داوُدَ، والتِّرْمِذِيُّ، والنَّسائِيُّ، (p-٣٥٥)وابْنُ المُنْذِرِ، وابْنُ مَرْدُويَهْ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الخَطّابِ قالَ: «كانَتْ أمْوالُ بَنِي النَّضِيرِ مِمّا أفاءَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ، مِمّا لَمْ يُوجِفْ عَلَيْهِ المُسْلِمُونَ بِخَيْلٍ ولا رِكابٍ، فَكانَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ – خاصَّةً، فَكانَ يُنْفِقُ عَلى أهْلِهِ مِنها نَفَقَةَ سَنَتِهِ، ثُمَّ يَجْعَلُ ما بَقِيَ في السِّلاحِ والكُراعِ؛ عُدَّةً في سَبِيلِ اللَّهِ» .
وأخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، عَنْ مُجاهِدٍ: ﴿فَما أوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِن خَيْلٍ ولا رِكابٍ﴾ قالَ: يُذَكِّرُهم رَبُّهم أنَّهُ نَصَرَهم وكَفاهُمْ، بِغَيْرٍ كُراعٍ ولا عُدَّةٍ، في قُرَيْظَةَ وخَيْبَرَ.
وأخْرَجَ ابْنُ مَرْدُويَهْ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ «فِي قَوْلِهِ: ﴿وما أفاءَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ مِنهم فَما أوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِن خَيْلٍ ولا رِكابٍ﴾ قالَ: أمَرَ اللَّهُ رَسُولَهُ بِالسَّيْرِ إلى قُرَيْظَةَ والنَّضِيرِ، ولَيْسَ لِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَئِذٍ كَثِيرُ خَيْلٍ ولا رِكابٍ، فَجَعَلَ ما أصابَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَحْكُمُ فِيهِ ما أرادَ، ولَمْ يَكُنْ يَوْمَئِذٍ خَيْلٌ ولا رِكابٌ يُوجَفُ بِها.
قالَ: والإيجافُ أنْ يُوضِعُوا السَّيْرَ، وهي لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَكانَ مِن ذَلِكَ خَيْبَرُ وفَدَكُ وقُرى عَرَبِيَّةَ.
(p-٣٥٦)وأمَرَ اللَّهُ رَسُولَهُ أنْ يَعْمِدَ لِيَنْبُعَ، فَأتاها رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فاحْتَواها كُلَّها، فَقالَ أُناسٌ: هَلّا قَسَّمَها، فَأنْزَلَ اللَّهُ عُذْرَهُ فَقالَ: ﴿ما أفاءَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ مِن أهْلِ القُرى فَلِلَّهِ ولِلرَّسُولِ﴾ [الحشر: ٧] إلى قَوْلِهِ: ﴿شَدِيدُ العِقابِ﴾ [الحشر»: ٧] .
وأخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وابْنُ المُنْذِرِ، عَنْ مُجاهِدٍ في قَوْلِهِ: ﴿ما أفاءَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ مِن أهْلِ القُرى﴾ [الحشر: ٧] قالَ: مِن قُرَيْظَةَ، جَعَلَهُ اللَّهُ لِمُهاجِرَةِ قُرَيْشٍ، خُصُّوا بِهِ.
وأخْرَجَ عَبْدُ الرَّزّاقِ، وابْنُ المُنْذِرِ، عَنِ الزُّهْرِيِّ في قَوْلِهِ: ﴿ما أفاءَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ مِن أهْلِ القُرى﴾ [الحشر: ٧] قالَ: بَلَغَنِي أنَّها الجِزْيَةُ والخَراجُ.
وأخْرَجَ ابْنُ مَرْدُويَهْ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ قالَ: «كانَ ما أفاءَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ مِن خَيْبَرَ نِصْفٌ لِلَّهِ ورَسُولِهِ، والنِّصْفُ الآخَرُ لِلْمُسْلِمِينَ، فَكانَ الَّذِي لِلَّهِ ورَسُولِهِ مِن ذَلِكَ الكَتِيبَةُ، والوَطِيخُ، وسُلالِمُ، ووَخْدَةُ، وكانَ الَّذِي لِلْمُسْلِمِينَ الشَّقُّ، (p-٣٥٧)والشَّقُّ ثَلاثَةَ عَشَرَ سَهْمًا، ونَطاةُ خَمْسَةُ أسْهُمٍ، ولَمْ يُقْسِمْ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ مِن خَيْبَرَ لِأحَدٍ مِنَ المُسْلِمِينَ إلّا لِمَن شَهِدَ الحُدَيْبِيَةَ، ولَمْ يَأْذَنْ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ لِأحَدٍ تَخَلَّفَ عَنْهُ عِنْدَ مَخْرَجِهِ الحُدَيْبِيَةَ أنْ يَشْهَدَ مَعَهُ خَيْبَرَ إلّا جابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَرامٍ الأنْصارِيَّ» .
وأخْرَجَ أبُو داوُدَ، وابْنُ مَرْدُويَهْ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الخَطّابِ قالَ: «كانَ لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ صَفايا بَنِي النَّضِيرِ وخَيْبَرَ وفَدَكَ، فَأمّا بَنُو النَّضِيرِ فَكانَتْ حُبُسًا لِنَوائِبِهِ، وأمّا فَدَكُ فَكانَتْ لِابْنِ السَّبِيلِ، وأمّا خَيْبَرُ فَجَزَّأها ثَلاثَةَ أجْزاءٍ، فَقَسَّمَ مِنها جُزْأيْنِ بَيْنَ المُسْلِمِينَ، وحَبَسَ جُزْءًا لِنَفْسِهِ ولِنَفَقَةِ أهْلِهِ، فَما فَضَلَ عَنْ نَفَقَةِ أهْلِهِ رَدَّها عَلى فُقَراءِ المُهاجِرِينَ» .
وأخْرَجَ ابْنُ الأنْبارِيُّ في «المَصاحِفِ»، عَنِ الأعْمَشِ قالَ: لَيْسَ بَيْنَ مُصْحَفِ عَبْدِ اللَّهِ، وزَيْدِ بْنِ ثابِتٍ خِلافٌ في حَلالٍ وحَرامٍ إلّا في حَرْفَيْنِ في سُورَةِ «الأنْفالِ»: (واعْلَمُوا أنَّما غَنِمْتُمْ مِن شَيْءٍ فَإنّ لِلَّهِ خُمُسَهُ ولِلرَّسُولِ ولِذِي القُرْبى واليَتامى والمَساكِينِ وابْنِ السَّبِيلِ والمُهاجِرِينَ في سَبِيلِ اللَّهِ) وفي سُورَةِ «الحَشْرِ»: (ما أفاءَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ مِن أهْلِ القُرى فَلِلَّهِ ولِلرَّسُولِ ولِذِي القُرْبى (p-٣٥٨)واليَتامى والمَساكِينِ وابْنِ السَّبِيلِ والمُهاجِرِينَ في سَبِيلِ اللَّهِ) .
وأخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، عَنْ قَتادَةَ: ﴿ما أفاءَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ مِن أهْلِ القُرى فَلِلَّهِ ولِلرَّسُولِ ولِذِي القُرْبى واليَتامى والمَساكِينِ وابْنِ السَّبِيلِ﴾ [الحشر: ٧] قالَ: كانَ الفَيْءُ بَيْنَ هَؤُلاءِ فَنَسَخَتْها الآيَةُ الَّتِي في «الأنْفالِ» فَقالَ: ﴿واعْلَمُوا أنَّما غَنِمْتُمْ مِن شَيْءٍ فَأنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ ولِلرَّسُولِ ولِذِي القُرْبى واليَتامى والمَساكِينِ وابْنِ السَّبِيلِ﴾ [الأنفال: ٤١] [الأنْفالِ: ٤١] فَنَسَخَتْ هَذِهِ الآيَةُ ما كانَ قَبْلَها في سُورَةِ «الحَشْرِ» فَجَعَلَ الخُمُسَ لِمَن كانَ لَهُ الفَيْءُ، وصارَ ما بَقِيَ مِنَ الغَنِيمَةِ لِسائِرِ النّاسِ لِمَن قاتَلَ عَلَيْها.
وأخْرَجَ أبُو عُبَيْدٍ في كِتابِ «الأمْوالِ»، وعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، والبُخارِيُّ، ومُسْلِمٌ، وأبُو داوُدَ، والتِّرْمِذِيُّ، والنَّسائِيُّ، وأبُو عَوانَةَ، وابْنُ حِبّانَ، وابْنُ مَرْدُويَهْ، عَنْ مالِكِ بْنِ أوْسِ بْنِ الحَدَثانِ قالَ: «بَعَثَ إلَيَّ عُمَرُ بْنُ الخَطّابِ في الهاجِرَةِ، فَجِئْتُهُ فَدَخَلْتُ عَلَيْهِ، فَإذا هو جالِسٌ عَلى سَرِيرٍ، لَيْسَ بَيْنَهُ وبَيْنَ رَمْلِ السَّرِيرِ فِراشٌ، مُتَّكِئٌ عَلى وِسادَةٍ مِن أدَمٍ، فَقالَ: يا مالِكُ إنَّهُ قَدِمَ عَلَيْنا أهْلُ أبْياتٍ مِن قَوْمِكَ، وإنِّي قَدْ أُمِرْتُ فِيهِمْ بِرَضْخٍ، فَخُذْهُ فاقْسِمْهُ بَيْنَهُمْ، فَقُلْتُ: يا أمِيرَ المُؤْمِنِينَ، إنَّهم قَوْمِي، وأنا أكْرَهُ أنْ أدْخُلَ بِهَذا عَلَيْهِمْ فَمُرْ بِهِ غَيْرِي، فَإنِّي (p-٣٥٩)لَأُراجِعُهُ في ذَلِكَ إذْ جاءَهُ يَرْفَأُ غُلامُهُ، فَقالَ: هَذا عُثْمانُ بْنُ عَفّانَ، وطَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ، والزُّبَيْرُ، وعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ، فَأذِنَ لَهم فَدَخَلُوا، ثُمَّ جاءَهُ يَرْفَأُ، فَقالَ: هَذا عَلِيٌّ وعَبّاسٌ، قالَ: ائْذَنْ لَهُما، فَدَخَلا، فَقالَ عَبّاسٌ: ألا تَعْدِينِي عَلى هَذا؟ فَقالَ القَوْمُ: يا أمِيرَ المُؤْمِنِينَ، اقْضِ بَيْنَ هَذَيْنِ وأرِحْ كُلَّ واحِدٍ مِنهُما مِن صاحِبِهِ؛ فَإنَّ في ذَلِكَ راحَةً لَكَ ولَهُما، فَجَلَسَ عُمَرُ، ثُمَّ قالَ: اتَّئِدُوا، وحَسَرَ عَنْ ذِراعَيْهِ، ثُمَّ قالَ: أنْشُدُكم بِاللَّهِ أيُّها الرَّهْطُ، هَلْ سَمِعْتُمْ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قالَ: «إنّا لا نُورَثُ، ما تَرَكْنا صَدَقَةٌ، إنَّ الأنْبِياءَ لا تُورَثُ»؟ فَقالَ القَوْمُ: نَعَمْ، قَدْ سَمِعْنا ذاكَ، ثُمَّ أقْبَلَ عَلى عَلِيٍّ وعَبّاسٍ، فَقالَ: أنْشُدُكُما بِاللَّهِ هَلْ سَمِعْتُما رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قالَ ذاكَ؟ قالا: نَعَمْ، فَقالَ عُمَرُ: ألا أُحَدِّثُكم عَنْ هَذا الأمْرِ: إنَّ اللَّهَ خَصَّ نَبِيَّهُ مِن هَذا الفَيْءِ بِشَيْءٍ لَمْ يُعْطِهِ غَيْرَهُ - يُرِيدُ أمْوالَ بَنِي النَّضِيرِ، كانَتْ نَفْلًا لِرَسُولِ اللَّهِ، ﷺ، لَيْسَ لِأحَدٍ فِيها حَقٌّ مَعَهُ - فَواللَّهِ ما احْتَواها دُونَكُمْ، ولا اسْتَأْثَرَ بِها عَلَيْكُمْ، لَقَدْ قَسَّمَها فِيكُمْ، حَتّى أمْسَكَ مِنها هَذا المالَ، فَكانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ – يُدْخِلُ مِنهُ قُنْيَةَ أهْلِهِ لِسَنَتِهِمْ، ويَجْعَلُ ما بَقِيَ في سُبُلِ المالِ، حَتّى تَوَفّى اللَّهُ نَبِيَّهُ ﷺ فَقامَأبُو بَكْرٍ فَقالَ: أنا ولِيُّ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ أعْمَلُ بِما كانَ يَعْمَلُ، وأسِيرُ بِسِيرَتِهِ في حَياتِهِ (p-٣٦٠)فَكانَ يُدْخِلُ مِن هَذا المالِ قُنْيَةَ أهْلِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ – لِسَنَتِهِمْ، ويَجْعَلُ ما بَقِيَ في سُبُلِ المالِ، كَما كانَ يَصْنَعُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فَوَلِيَها أبُو بَكْرٍ حَياتَهُ حَتّى تُوُفِّيَ، فَلَمّا تُوُفِّيَ أبُو بَكْرٍ، قُلْتُ: أنا ولِيُّ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ ووَلِيُّ أبِي بَكْرٍ، أعْمَلُ بِما كانا يَعْمَلانِ بِهِ في هَذا المالِ، فَقَبَضْتُها، فَلَمّا أقْبَلْتُما عَلَيَّ وأدْبَرْتُما، وبَدا لِي أنْ أدْفَعَها إلَيْكُما، أخَذْتُ عَلَيْكُما عَهْدَ اللَّهِ ومِيثاقَهُ لَتَعْمَلانِ فِيها بِما كانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَعْمَلُ بِهِ فِيها، وأبُو بَكْرٍ، وأنا، حَتّى دَفَعْتُها إلَيْكُما، أنْشُدُكم بِاللَّهِ أيُّها الرَّهْطُ، هَلْ دَفَعْتُها إلَيْهِما بِذَلِكَ؟ قالُوا: اللَّهُمَّ نَعَمْ، ثُمَّ أقْبَلَ عَلَيْهِما فَقالَ: أنْشُدُكُما بِاللَّهِ هَلْ دَفَعْتُها إلَيْكُما بِذَلِكَ؟ قالا: نَعَمْ، قالَ: فَقَضاءً غَيْرَ ذَلِكَ تَلْتَمِسانِ مِنِّي؟! فَلا واللَّهِ، لا أقْضِي فِيها قَضاءً حَتّى تَقُومَ السّاعَةُ غَيْرَ ذَلِكَ، فَإنْ كُنْتُما عَجَزْتُما عَنْها فَأدِّياها إلَيَّ، ثُمَّ قالَعُمَرُ: إنَّ اللَّهَ قالَ: ﴿وما أفاءَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ مِنهم فَما أوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِن خَيْلٍ ولا رِكابٍ ولَكِنَّ اللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلى مَن يَشاءُ واللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ فَكانَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ ثُمَّ قالَ: ﴿ما أفاءَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ مِن أهْلِ القُرى فَلِلَّهِ ولِلرَّسُولِ ولِذِي القُرْبى﴾ [الحشر: ٧] إلى آخِرِ الآيَةِ: ﴿واتَّقُوا اللَّهَ إنَّ اللَّهَ شَدِيدُ العِقابِ﴾ [الحشر: ٧] ثُمَّ واللَّهِ ما أعْطاها هَؤُلاءِ وحْدَهم حَتّى قالَ: ﴿لِلْفُقَراءِ المُهاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيارِهِمْ وأمْوالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلا مِنَ اللَّهِ ورِضْوانًا ويَنْصُرُونَ اللَّهَ ورَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصّادِقُونَ﴾ [الحشر: ٨] ثُمَّ واللَّهِ ما جَعَلَها لِهَؤُلاءِ وحْدَهم حَتّى قالَ: ﴿والَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدّارَ والإيمانَ﴾ [الحشر: ٩] إلى ﴿المُفْلِحُونَ﴾ [الحشر: ٩] ثُمَّ واللَّهِ ما أعْطاها لِهَؤُلاءِ وحْدَهم حَتّى قالَ: ﴿والَّذِينَ جاءُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنا اغْفِرْ لَنا﴾ [الحشر: ١٠] إلى قَوْلِهِ: ﴿رَحِيمٌ﴾ [الحشر: ١٠] فَقَسَمَها هَذا القَسْمَ عَلى هَؤُلاءِ الَّذِينَ ذَكَرَ، قالَ عُمَرُ: لَئِنْ بَقِيتُ لَيَأْتِيَنَّ الرُّوَيْعِيَ بِصَنْعاءَ حَقُّهُ ودَمُهُ في وجْهِهِ» .
وأخْرَجَ عَبْدُ الرَّزّاقِ، وأبُو عُبَيْدٍ، وابْنُ زَنْجُويَهْ مَعًا في «الأمْوالِ»، وعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وأبُو داوُدَ في «ناسِخِهِ»، وابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ المُنْذِرِ، وابْنُ مَرْدُويَهْ، والبَيْهَقِيُّ في «سُنَنِهِ» عَنْ مالِكِ بْنِ أوْسِ بْنِ الحَدَثانِ قالَ: قَرَأ عُمَرُ بْنُ الخَطّابِ: ﴿إنَّما الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ والمَساكِينِ﴾ [التوبة: ٦٠] حَتّى بَلَغَ ﴿عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾ [التوبة: ٦٠] [التَّوْبَةِ: ٦٠] ثُمَّ قالَ: هَذِهِ لِهَؤُلاءِ، ثُمَّ قَرَأ: ﴿واعْلَمُوا أنَّما غَنِمْتُمْ مِن شَيْءٍ فَأنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ﴾ [الأنفال: ٤١] الآيَةَ، ثُمَّ قالَ: هَذِهِ لِهَؤُلاءِ، ثُمَّ قَرَأ: ﴿ما أفاءَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ مِن أهْلِ القُرى﴾ [الحشر: ٧] حَتّى بَلَغَ: ﴿لِلْفُقَراءِ المُهاجِرِينَ﴾ [الحشر: ٨] إلى آخِرِ الآيَةِ، ثُمَّ قالَ: هَذِهِ لِلْمُهاجِرِينَ، ثُمَّ تَلا: ﴿والَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدّارَ والإيمانَ مِن قَبْلِهِمْ﴾ [الحشر: ٩] إلى آخِرِ الآيَةِ، فَقالَ: هَذِهِ لِلْأنْصارِ، ثُمَّ قَرَأ: ﴿والَّذِينَ جاءُوا مِن بَعْدِهِمْ﴾ [الحشر: ١٠] إلى آخِرِ الآيَةِ، ثُمَّ قالَ: اسْتَوْعَبَتْ هَذِهِ المُسْلِمِينَ عامَّةً، ولَيْسَ أحَدٌ إلّا لَهُ في هَذا المالِ حَقٌّ إلّا ما تَمْلِكُونَ مِن وُصُفِكُمْ، ثُمَّ قالَ: لَئِنْ عِشْتُ لَيَأْتِيَنَّ الرّاعِيَ وهو بِسَرْوِ حِمْيَرَ نَصِيبُهُ مِنها، لَمْ يَعْرَقْ فِيهِ جَبِينُهُ.
وأخْرَجَ ابْنُ أبِي شَيْبَةَ، وعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وابْنُ مَرْدُويَهْ، والبَيْهَقِيُّ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أسْلَمَ، عَنْ أبِيهِ قالَ: سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الخَطّابِ يَقُولُ: اجْتَمَعُوا لِهَذا المالِ فانْظُرُوا لِمَن تَرَوْنَهُ، ثُمَّ قالَ لَهم: إنِّي أمَرْتُكم أنْ تَجْتَمِعُوا لِهَذا المالِ فَتَنْظُرُوا لِمَن تَرَوْنَهُ، وإنِّي قَرَأْتُ آياتٍ مِن كِتابِ اللَّهِ فَكَفَتْنِي؛ سَمِعْتُ اللَّهَ يَقُولُ: ﴿ما أفاءَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ مِن أهْلِ القُرى فَلِلَّهِ ولِلرَّسُولِ﴾ [الحشر: ٧] إلى قَوْلِهِ: ﴿أُولَئِكَ هُمُ الصّادِقُونَ﴾ [الحشر: ٨] واللَّهِ ما هو لِهَؤُلاءِ وحْدَهُمْ، ﴿والَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدّارَ والإيمانَ﴾ [الحشر: ٩] إلى قَوْلِهِ: ﴿المُفْلِحُونَ﴾ [الحشر: ٩] واللَّهِ ما هو لِهَؤُلاءِ وحْدَهُمْ، ﴿والَّذِينَ جاءُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنا اغْفِرْ لَنا﴾ [الحشر: ١٠] إلى قَوْلِهِ: ﴿رَحِيمٌ﴾ [الحشر: ١٠] واللَّهِ ما أحَدٌ مِنَ المُسْلِمِينَ إلّا لَهُ حَقٌّ في هَذا المالِ، أُعْطِيَ مِنهُ أوْ مُنِعَ مِنهُ، حَتّى راعٍ بِعَدَنَ.
(p-٣٦٣)وأخْرَجَ عَبْدُ الرَّزّاقِ، وابْنُ سَعْدٍ، وابْنُ أبِي شَيْبَةَ، وابْنُ زَنْجُويَهْ في «الأمْوالِ»، وعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وابْنُ المُنْذِرِ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الخَطّابِ قالَ: ما عَلى وجْهِ الأرْضِ مُسْلِمٌ إلّا ولَهُ في هَذا الفَيْءِ حَقٌّ، إلّا ما مَلَكَتْ أيْمانُكم.
وأخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، والبَيْهَقِيُّ في «سُنَنِهِ» عَنْ سَعِيدِ بْنِ المُسَيِّبِ قالَ: قَسَمَ عُمَرُ ذاتَ يَوْمٍ قَسْمًا مِنَ المالِ، فَجَعَلُوا يُثْنُونَ عَلَيْهِ، فَقالَ: ما أحْمَقَكُمْ! لَوْ كانَ لِي ما أعْطَيْتُكم مِنهُ دِرْهَمًا.
وأخْرَجَ أبُو داوُدَ في «ناسِخِهِ»، عَنِ ابْنِ أبِي نَجِيحٍ قالَ: المالُ ثَلاثَةٌ: مَغْنَمٌ أوْ فَيْءٌ أوْ صَدَقَةٌ، فَلَيْسَ مِنهُ دِرْهَمٌ إلّا قَدْ بَيَّنَ اللَّهُ مَوْضِعَهُ.
وأخْرَجَ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ – ﷺ-: ««رُبَّ مُتَخَوِّضٍ في مالِ اللَّهِ لَهُ النّارُ يَوْمَ القِيامَةِ»» .
وأخْرَجَ أحْمَدُ، والحاكِمُ وصَحَّحَهُ، عَنْ سَمُرَةَ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: ««يُوشِكُ أنْ يَمْلَأ اللَّهُ أيْدِيَكم مِنَ العَجَمِ، ثُمَّ يَجْعَلَهم أُسْدًا لا يَفِرُّونَ، فَيَقْتُلُونَ مُقاتِلَتَكم ويَأْكُلُونَ فَيْئَكُمْ»» .
(p-٣٦٤)وأخْرَجَ ابْنُ سَعْدٍ، عَنِ السّائِبِ بْنِ يَزِيدَ قالَ: سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الخَطّابِ يَقُولُ: والَّذِي لا إلَهَ إلّا هو – ثَلاثًا - ما مِنَ النّاسِ أحَدٌ إلّا لَهُ حَقٌّ في هَذا المالِ، أُعْطِيَهُ أوْ مُنِعَهُ، وما أحَدٌ أحَقُّ بِهِ مِن أحَدٍ، إلّا عَبْدٌ مَمْلُوكٌ، وما أنا فِيهِ إلّا كَأحَدِهِمْ، ولَكِنّا عَلى مَنازِلِنا مِن كِتابِ اللَّهِ، وقِسْمِنا مِن رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فالرَّجُلُ وبَلاؤُهُ في الإسْلامِ، والرَّجُلُ وقِدَمُهُ في الإسْلامِ، والرَّجُلُ وغِناهُ في الإسْلامِ، والرَّجُلُ وحاجَتُهُ في الإسْلامِ، واللَّهِ لَئِنْ بَقِيتُ لَيَأْتِيَنَّ الرّاعِيَ بِجَبَلِ صَنْعاءَ حَظُّهُ مِن هَذا المالِ، وهو مَكانَهُ.
وأخْرَجَ ابْنُ سَعْدٍ، عَنِ الحَسَنِ قالَ: كَتَبَ عُمَرُ إلى حُذَيْفَةَ: أنْ أعْطِ النّاسَ أعْطِيَتَهم وأرْزاقَهُمْ، فَكَتَبَ إلَيْهِ: إنّا قَدْ فَعَلْنا، وبَقِيَ شَيْءٌ كَثِيرٌ، فَكَتَبَ إلَيْهِ عُمَرُ: إنَّهُ فَيْؤُهُمُ الَّذِي أفاءَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ لَيْسَ هو لِعُمَرَ ولا لِآلِ عُمَرَ، اقْسِمْهُ بَيْنَهم.
وأخْرَجَ ابْنُ أبِي شَيْبَةَ، عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ العَزِيزِ قالَ: وجَدْتُ المالَ قُسِمَ بَيْنَ هَذِهِ الثَّلاثَةِ الأصْنافِ؛ المُهاجِرِينَ، والأنْصارِ، والَّذِينَ جاءُوا مِن بَعْدِهِمْ.
وأخْرَجَ ابْنُ أبِي شَيْبَةَ، عَنِ الحَسَنِ، مِثْلَ ذَلِكَ.
(p-٣٦٥)
{"ayahs_start":1,"ayahs":["سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِی ٱلسَّمَـٰوَ ٰتِ وَمَا فِی ٱلۡأَرۡضِۖ وَهُوَ ٱلۡعَزِیزُ ٱلۡحَكِیمُ","هُوَ ٱلَّذِیۤ أَخۡرَجَ ٱلَّذِینَ كَفَرُوا۟ مِنۡ أَهۡلِ ٱلۡكِتَـٰبِ مِن دِیَـٰرِهِمۡ لِأَوَّلِ ٱلۡحَشۡرِۚ مَا ظَنَنتُمۡ أَن یَخۡرُجُوا۟ۖ وَظَنُّوۤا۟ أَنَّهُم مَّانِعَتُهُمۡ حُصُونُهُم مِّنَ ٱللَّهِ فَأَتَىٰهُمُ ٱللَّهُ مِنۡ حَیۡثُ لَمۡ یَحۡتَسِبُوا۟ۖ وَقَذَفَ فِی قُلُوبِهِمُ ٱلرُّعۡبَۚ یُخۡرِبُونَ بُیُوتَهُم بِأَیۡدِیهِمۡ وَأَیۡدِی ٱلۡمُؤۡمِنِینَ فَٱعۡتَبِرُوا۟ یَـٰۤأُو۟لِی ٱلۡأَبۡصَـٰرِ","وَلَوۡلَاۤ أَن كَتَبَ ٱللَّهُ عَلَیۡهِمُ ٱلۡجَلَاۤءَ لَعَذَّبَهُمۡ فِی ٱلدُّنۡیَاۖ وَلَهُمۡ فِی ٱلۡـَٔاخِرَةِ عَذَابُ ٱلنَّارِ","ذَ ٰلِكَ بِأَنَّهُمۡ شَاۤقُّوا۟ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥۖ وَمَن یُشَاۤقِّ ٱللَّهَ فَإِنَّ ٱللَّهَ شَدِیدُ ٱلۡعِقَابِ","مَا قَطَعۡتُم مِّن لِّینَةٍ أَوۡ تَرَكۡتُمُوهَا قَاۤىِٕمَةً عَلَىٰۤ أُصُولِهَا فَبِإِذۡنِ ٱللَّهِ وَلِیُخۡزِیَ ٱلۡفَـٰسِقِینَ","وَمَاۤ أَفَاۤءَ ٱللَّهُ عَلَىٰ رَسُولِهِۦ مِنۡهُمۡ فَمَاۤ أَوۡجَفۡتُمۡ عَلَیۡهِ مِنۡ خَیۡلࣲ وَلَا رِكَابࣲ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ یُسَلِّطُ رُسُلَهُۥ عَلَىٰ مَن یَشَاۤءُۚ وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَیۡءࣲ قَدِیرࣱ"],"ayah":"سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِی ٱلسَّمَـٰوَ ٰتِ وَمَا فِی ٱلۡأَرۡضِۖ وَهُوَ ٱلۡعَزِیزُ ٱلۡحَكِیمُ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق