الباحث القرآني
(p-٤٠٢)سُورَةُ الحَشْرِ
مَقْصُودُها بَيانُ ما دَلَّ عَلَيْهِ آخِرُ المُجادِلَةِ مِنَ التَّنَزُّهِ عَنْ شَوائِبِ النَّقْصِ بِإثْباتِ القُدْرَةِ الشّامِلَةِ بِدَلِيلٍ شُهُودِيٍّ عَلى أنَّهُ يَغْلِبُ هو ورُسُلُهُ، ومَن حادَّهُ في الأذَلِّينَ، لِأنَّهُ قَوِيٌّ عَزِيزٌ، المُسْتَلْزِمَةِ لِلْعِلْمِ التّامِّ المُسْتَلْزِمِ [لِلْحِكْمَةِ البالِغَةِ المُسْتَلْزِمَةِ] لِلْحَشْرِ المُظْهِرِ لِفَلاحِ المُفْلِحِ وخَسارِ الخاسِرِ عَلى وجْهِ الثَّباتِ الكاشِفِ أتَمَّ كَشْفٍ لِجَمِيعِ صِفاتِ الكَمالِ، وأدَلُّ ما فِيها عَلى ذَلِكَ تَأمُّلُ قِصَّةِ [بَنِي] النَّضِيرِ المُعْلِمُ بِأوَّلِ الحَشْرِ المُؤْذِنُ بِالحَشْرِ الحَقِيقِيِّ بِالقُدْرَةِ عَلَيْهِ بَعْدَ إطْباقِ الوَلِيِّ والعَدُوِّ عَلى ظَنِّ أنَّهُ لا يَكُونُ، فَلِذا سُمِّيَتْ بِالحَشْرِ وبِبَنِي النَّضِيرِ لِأنَّهُ سُبْحانَهُ وتَعالى حَشَرَهم بِقُدْرَتِهِ مِنَ المَدِينَةِ الشَّرِيفَةِ إلى خَيْبَرَ والشّامِ والحِيرَةِ ثُمَّ حَشَرَهم [وغَيْرَهُمْ] مِنَ اليَهُودِ الحَشْرَ الثّانِيَ مِن خَيْبَرَ إلى الشّامِ الَّذِي هو آيَةُ الحَشْرِ الأعْظَمِ إلى أرْضِ الحَشْرِ لِقَهْرِ هَذا النَّبِيِّ الكَرِيمِ أهْلَ الكِتابِ المُدَّعِينَ لِأنَّهم أفْضَلُ النّاسِ (p-٤٠٣)وأنَّهم مُؤَيَّدُونَ بِما لَهم مِنَ الدِّينِ الَّذِي أصْلُهُ قَوِيمٌ بِما لَوَّحَتْ إلَيْهِ الحَدِيدُ كَما قَهَرَ أهْلَ الأوْثانِ الَّذِينَ هم عالِمُونَ بِأنَّهم بَدَّلُوا الدِّينَ الصَّحِيحَ فَثَبَتَ- بِظُهُورِ دِينِهِ عَلى كُلِّ دِينٍ عَلى حَدٍّ سَواءٍ كَما وعَدَ بِهِ سُبْحانَهُ صِدْقَهُ في كُلِّ ما جاءَ بِهِ بَعْدَ التَّوْحِيدِ - الإيمانُ بِالبَعْثِ الآخِرِ لِأنَّهُ مَحَطُّ الحِكْمَةِ ومَوْضِعُ إظْهارِ النِّقْمَةِ والرَّحْمَةِ ”بِسْمِ اللَّهِ“ المَلِكِ الأعْظَمِ الَّذِي لا رادَّ لِأمْرِهِ فَلا خُلْفَ لِعِبادِهِ ”الرَّحْمَن“ الَّذِي عَمَّتْ نِعْمَةُ إيجادِهِ فَلا مَحِيصَ عَنْ مَعادِهِ( الرَّحِيمِ )الَّذِي خَصَّ أهْلَ وِدادِهِ بِالتَّوْفِيقِ لِما يُرْضِيهِ عَنْهم فَيُوجِبُ لَهُمُ الفَوْزَ بِإسْعادِهِ.
* * *
لَمّا خُتِمَتِ المُجادِلَةُ بِأنَّهُ مُعِزُّ أهْلِ طاعَتِهِ، ومُذِلُّ أهْلِ مَعْصِيَتِهِ ومُحادَّتِهِ، عَلَّلَهُ بِتَنَزُّهِهِ عَنِ النَّقائِصِ تَأْيِيدًا لِلْوَعْدِ بِنَصْرِهِمْ فَقالَ: ﴿سَبَّحَ﴾ أيْ أوْقَعَ التَّنْزِيهَ الأعْظَمَ عَنْ كُلِّ شائِبَةِ نَقْصٍ ﴿لِلَّهِ﴾ الَّذِي أحاطَ بِجَمِيعِ [صِفاتِ] الكَمالِ.
ولَمّا كانَ الكُفّارُ مِن جَمِيعِ بَنِي آدَمَ قَدْ عَبَدَ بَعْضُهُمُ الشَّمْسَ (p-٤٠٤)وبَعْضُهُمُ القَمَرَ وبَعْضُهم [غَيْرَهُما مِنَ] الكَواكِبِ، وكانَتِ الكَواكِبُ مَبْثُوثَةً في السَّماواتِ كُلِّها لا تَخُصُّ سَماءً بِعَيْنِها وكَذا المَلائِكَةُ، جَمَعَ دَلالَةً عَلى أنَّ الكُلَّ عَبِيدٌ فَقالَ: ﴿ما في السَّماواتِ﴾ أيْ كُلِّها. ولَمّا كانَ الكَلامُ في النَّهْيِ عَنْ مُوادَّةِ الَّذِينَ يُحادُّونَ اللَّهَ، وكانَ ذَلِكَ لِمَن دُونَ الخُلَّصِ، أكَّدَ بِإعادَةِ النّافِي لِاحْتِياجِهِمْ لِلتَّأْكِيدِ فَقالَ: ﴿وما﴾ ولَمّا كانَ جَمِيعُ ما عَبَدُوهُ مِمّا أشْرَكُوا بِهِ مِنَ الأرْضِيّاتِ مِن شَجَرٍ وصَنَمٍ وبَقَرٍ وغَيْرِها لا يَعْدُو الأرْضَ الَّتِي هم عَلَيْها، أفْرَدَ فَقالَ: ﴿فِي الأرْضِ﴾
ولَمّا شَمِلَ هَذا جَمِيعَ العالَمِ، أشارَ إلى أنَّ عَظَمَتَهُ لا تَنْتَهِي فَقالَ: ﴿وهُوَ﴾ أيْ والحالُ أنَّهُ وحْدَهُ ﴿العَزِيزُ﴾ الَّذِي يَغْلِبُ كُلَّ شَيْءٍ ولا يَمْتَنِعُ عَلَيْهِ شَيْءٌ ﴿الحَكِيمُ﴾ الَّذِي نَفَذَ عِلْمُهُ في الظَّواهِرِ والبَواطِنِ وأحاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ فَأتْقَنَ ما أرادَ، فَكُلُّ ما خَلَقَهُ جَعَلَهُ عَلى وحْدانِيَّتِهِ دَلِيلًا، وإلى بَيانِ ما لَهُ مِنَ العِزَّةِ والحِكْمَةِ سَبِيلًا.
وقالَ الإمامُ أبُو جَعْفَرِ بْنُ الزُّبَيْرِ: لا خَفاءَ بِاتِّصالِ أيُّها بِما تَأخَّرَ مِن آيِ سُورَةِ المُجادِلَةِ، ألا تَرى أنَّ قَوْلَهُ تَعالى ﴿يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ﴾ [الممتحنة: ١٣] إنَّما يُرادُ بِهِ يَهُودُ فَذَكَرَ سُبْحانَهُ سُوءَ سَرِيرَتِهِمْ وعَظِيمَ جُرْأتِهِمْ ثُمَّ قالَ في آخِرِ السُّورَةِ ﴿لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ واليَوْمِ الآخِرِ يُوادُّونَ مَن حادَّ اللَّهَ ورَسُولَهُ﴾ [المجادلة: ٢٢] فَحَصَلَ مِن هَذا كُلِّهِ (p-٤٠٥)تَنْفِيرُ المُؤْمِنِينَ عَنْهم وإعْلامُهم بِأنَّ بُغْضَهم مِنَ الإيمانِ ووُدَّهم مِنَ النِّفاقِ لِقَبِيحِ ما انْطَوَوْا عَلَيْهِ وشَنِيعِ ما ارْتَكَبُوهُ، فَلَمّا أشارَتْ هَذِهِ الآيُ إلى ما ذَكَرَ أُتْبِعَتْ بِالإعْلامِ في أوَّلِ سُورَةِ الحَشْرِ بِما عَجَّلَ لَهم مِن هَوانِهِمْ وإخْراجِهِمْ مِن دِيارِهِمْ وأمْوالِهِمْ وتَمْكِينِ المُسْلِمِينَ مِنهُمْ، جَرْيًا عَلى ما تَقَدَّمَ الإيماءُ إلَيْهِ مِن سُوءِ مُرْتَكَبِهِمْ، والتَحَمَتِ الآيُ بِاتِّحادِ المَعْنى وتَناسُبِهِ، وتَناسُجِ الكَلامِ، وافْتُتِحَتِ السُّورَةُ بِالتَّنْزِيهِ لِبِنائِها عَلى ما أشارَ إلَيْهِ غَضَبُهُ تَعالى عَلَيْهِمْ إذْ لا يَكُونُ إلّا عَلى أعْظَمِ جَرِيمَةٍ وأسْوَأِ مُرْتَكَبٍ وهو اعْتِداؤُهم وعِصْيانُهُمُ المُفَصَّلُ في مَواضِعَ مِنَ الكِتابِ وقَدْ قالَ تَعالى فِيهِمْ بَعْدَ ذِكْرِ غَضَبِهِ عَلَيْهِمْ ﴿أُولَئِكَ شَرٌّ مَكانًا وأضَلُّ عَنْ سَواءِ السَّبِيلِ﴾ [المائدة: ٦٠] وقالَ تَعالى: ﴿لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن بَنِي إسْرائِيلَ عَلى لِسانِ داوُدَ وعِيسى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِما عَصَوْا وكانُوا يَعْتَدُونَ﴾ [المائدة: ٧٨] فَبَيَّنَ تَعالى أنَّ لَعْنَتَهُ إيّاهم إنَّما تَرَتَّبَتْ عَلى عِصْيانِهِمْ واعْتِدائِهِمْ، وقَدْ فَصَّلَ اعْتِداءَهم أيْضًا في مَواضِعَ، فَلَمّا كانَ الغَضَبُ مُشِيرًا إلى ما ذَكَرَ مِن عَظِيمِ الشِّرْكِ، أتْبَعَهُ سُبْحانَهُ وتَعالى تَنْزِيهَ نَفْسِهِ جَلَّ وتَعالى فَقالَ: ﴿سَبَّحَ لِلَّهِ ما في السَّماواتِ وما في الأرْضِ﴾ وإنَّما يَرِدُ مَثَلُهُ مِنَ التَّنْزِيهِ إثْرَ جَرِيمَةٍ تَقَعُ مِنَ العِبادِ وعَظِيمَةٍ يَرْتَكِبُونَها وتَأمَّلْ ذَلِكَ حَيْثُ وقَعَ، ثُمَّ عادَ الكَلامُ إلى الإخْبارِ بِما فَعَلَ تَعالى بِأهْلِ الكِتابِ مِمّا يَتَّصِلُ بِما تَقَدَّمَ، ثُمَّ تَناسَجَتِ الآيُ - انْتَهى.
{"ayah":"سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِی ٱلسَّمَـٰوَ ٰتِ وَمَا فِی ٱلۡأَرۡضِۖ وَهُوَ ٱلۡعَزِیزُ ٱلۡحَكِیمُ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق