الباحث القرآني

قوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ﴾، قال السدي: قال رجل: نورث ذوي أرحامنا من المشركين، فنزلت: ﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا﴾ الآية [[رواه عن السدي، عن أبي مالك الإمام سفيان الثوري في "تفسيره" ص 122، وابن جرير 10/ 55، وابن أبي حاتم 5/ 1741.]]، وقال محمد بن إسحاق: حض الله المؤمنين على التواصل؛ فجعل المهاجرين والأنصار أهل ولايته في الدين دون من سواهم، وجعل الكفار بعضهم أولياء بعض [["سيرة ابن هشام" 2/ 324.]]. ثم قال: ﴿إِلَّا تَفْعَلُوهُ﴾، وهو أن يتولى المؤمن الكافر [[في (س): (المؤمنين الكافرين)، وهو خطأ.]] دون المؤمنين، وقال ابن جرير: يقول: إلا تعاونوا وتناصروا في الدين تكن فتنة [[رواه ابن جرير 10/ 56.]]. فحصل في الكناية في قوله: ﴿إِلَّا تَفْعَلُوهُ﴾ قولان: أحدهما: أن الكناية تعود إلى الموالاة، وذلك أن قوله: ﴿أُولَئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ﴾ معناه: بعضهم [[ساقط من (م).]] يوالي بعضًا، وهذا يدل على المصدر، فكني عنه، كقوله: ﴿فَلَمَّا جَاءَهُمْ نَذِيرٌ مَا زَادَهُمْ إِلَّا نُفُورًا﴾ [فاطر: 42] أي: مجيء النذير، وقد مرّ مثل ذلك كثيرًا [[انظر: مثلًا: "تفسير البسيط" البقرة: 45، 174.]]، وهذا على قول ابن إسحاق [[يعني الذي سبق ذكره.]]، ومعنى قول ابن عباس؛ لأنه قال في قوله: ﴿إِلَّا تَفْعَلُوهُ﴾: إلا تأخذوا في الميراث بما أمرتكم به [[رواه ابن جرير 10/ 55، وابن أبي حاتم 5/ 1741، من رواية علي بن أبي طلحة.]]. قال ابن الأنباري [[هو: أبو بكر، ولم أعثر على كتابه في "معاني القرآن".]]: فتكون الهاء عائدة على التوارث، أي: إن لا تفعلوا التوارث على ما حد الله لكم تكن فتنة في الأرض، وهذا القول كالأول؛ لأن الوراثة كانت بالولاية، فسواء عادت الكناية إلى التوارث، أو إلى الموالاة فالمعنى واحد. وعلى معنى قول ابن جرير تكون الكناية راجعة على التناصر، قال أبو بكر: معناه: إن لا تناصروا ويعن بعضكم بعضًا على أعدائكم يكن ترككم ذلك فتنة وفسادًا، فكنى عنهما لتقدم ما يدل عليهما. والقولان في رجوع الكناية ذكرهما الفراء [["معاني القرآن" 1/ 419.]]، والزجاج [[هذا مما سقط من "معاني القرآن وإعرابه" المطبوع.]]، ولابد من تقدير تقديم وتأخير في الكلام؛ لأنا إن قلنا: تعود إلى الموالاة فكأن قيل [[في (ح): (قال)، وما أثبته موافق لما بعده.]]: أولئك بعضهم أولياء بعض إلا تفعلوه تكن فتنة، [وإن قلنا] [[ما بين المعقوفين ساقط من (س).]]: تعود على [[في (ح): (إلى).]] التناصر فكأنه قيل: فعليكم النصر إلا تفعلوه تكن فتنة. ومعنى الفتنة في هذه الآية: الشرك في قول ابن عباس [["تنوير المقباس" ص 186، ورواه ابن جرير 9/ 248، وابن أبي حاتم 5/ 1701، عند تفسير قوله تعالى: ﴿وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ﴾ [الأنفال:39].]]. قال أهل المعاني [[لم أجده في كتب أهل المعاني التي بين يدي، وذكره ابن الجوزي 3/ 386، والمؤلف في "الوسيط" 2/ 474 من غير نسبة.]]: وذلك أنه إذا لم يتول المؤمن المؤمن توليًا يدعو غيره ممن لا يكون مؤمنا إلى مثل ذلك لحسن التواد والتعاطف، ولم يتبرأ من الكافر بما يصرفه عن كفره أدى ذلك إلى الضلال، وكذلك في التناصر، وذلك أن المسلمين كانوا قليلًا، ولم يكن مسلم إلّا وله أقارب من الكفار فإذا هجر أقاربه الكفار، ونصر أقاربه المسلمين كان ذلك أدعى إلى الإسلام وترك الكفر لأقاربه الكفار. وقال أهل العلم في قوله: ﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ﴾ هذا دليل على أن الكفار في الموارثة مع اختلاف مللهم كأهل ملة واحدة، هو مذهب عامة الفقهاء [[هذا مذهب أبي حنيفة والشافعي وداود الظاهري وإحدى الروايتين عن الإمام أحمد. انظر: "المغني" 9/ 156، و"حاشية الجمل على شرح المنهج" 4/ 25.]]؛ فالمجوسي يرث الوثني، والنصراني يرث المجوسي؛ لأن الله تعالى قال: ﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ﴾.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب