الباحث القرآني

ولَمّا بَيَّنَ شَرْطَ مُوالاةِ المُسْلِمِ، بَيَّنَ مُوالاةَ الكافِرِ وما يَجِبُ مِن مُناظَرَتِهِمْ ومُباراتِهِمْ فِيها، وأنَّهُ لا شَرْطَ لَها غَيْرُ مُطْلَقِ الكُفْرِ فَإنَّهُ وإنِ اخْتَلَفَتْ أنْواعُهُ وتَباعَدَتْ أنْحاؤُهُ - يَجْمَعُهُ عَداوَةُ اللَّهِ ووِلايَةُ الشَّيْطانِ فَقالَ: ﴿والَّذِينَ كَفَرُوا﴾ أيْ: أوْجَدُوا هَذا الوَصْفَ عَلى أيِّ حالٍ كانُوا فِيهِ ﴿بَعْضُهم أوْلِياءُ بَعْضٍ﴾ أيْ: في المِيراثِ والنُّصْرَةِ وغَيْرِهِما، وهو خَبَرٌ مَحْضٌ مُشِيرٌ إلى نَهْيِ المُسْلِمِ عَنْ مُوالاتِهِمْ، وأمّا الَّذِي مَضى في حَقِّ المُؤْمِنِينَ فَهو أمْرٌ في صُورَةِ الخَبَرِ وصِيغَتِهِ، يَعْنِي أنَّ في كُلٍّ مِنَ الكُفّارِ قُوَّةَ المُوالاةِ لِلْآخَرِ عَلَيْكم والمَيْلَ العَظِيمَ الحاثَّ لَهم عَلى المُسارَعَةِ في ذَلِكَ وإنِ اشْتَدَّتْ عَداوَةُ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ؛ لِأنَّكم حِزْبٌ وهم حِزْبٌ، يَجْمَعُهم داعِي الشَّيْطانِ بِوَصْفِ الكُفْرانِ كَما يَجْمَعُكم داعِي الرَّحْمَنِ بِوَصْفِ الإيمانِ، قالَ أبُو حَيّانَ: كانُوا قَبْلَ بَعْثَةِ النَّبِيَّ ﷺ يُعادِي أهْلُ الكِتابِ مِنهم قُرَيْشًا ويَتَرَبَّصُونَ بِهِمُ الدَّوائِرَ، فَصارُوا بَعْدَ بَعْثَةِ النَّبِيِّ ﷺ يُوالِي بَعْضُهم بَعْضًا [و] إلْبًا واحِدًا عَلى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ انْتَهى. وما ذَكَرَهُ مَذْكُورٌ في السِّيَرِ مَشْهُورٌ عِنْدَ أهْلِ الأثَرِ ﴿إلا تَفْعَلُوهُ﴾ أيْ: مِثْلَهُ مِن تَوَلِّي المُؤْمِنِينَ ومُعاداةِ الكافِرِينَ (p-٣٤٦)كَما يَفْعَلُ الكُفّارُ بِالتَّعاضُدِ والتَّعاوُنِ بِالنَّفْسِ والمالِ كَما أرْصَدُوا مالَ العِيرِ الَّذِي فاتَكم حَتّى اسْتَعانُوا بِهِ عَلى قِتالِكم في أُحُدٍ، فاللّائِقُ بِكم أنْ تَكُونُوا أعْظَمَ مِنهم في ذَلِكَ؛ لِأنَّهم يُرِيدُونَ بِذَلِكَ رَمَّ واهِي دُنْياهُمُ الفانِيَةِ وأنْتُمْ تَبْنُونَ آخِرَتَكُمُ الباقِيَةَ، وداعِيكم ولِيٌّ غَنِيٌّ وداعِيهِمْ عَدُوٌّ دَنِيٌّ فَضْلًا عَنْ أنْ تَنْزِلُوا إلى حَضِيضِ التَّنازُعِ في الغَنائِمِ ﴿تَكُنْ فِتْنَةٌ﴾ أيْ: عَظِيمَةٌ ﴿فِي الأرْضِ﴾ أيْ: خَلْطَةٌ مُمِيلَةٌ لِلْمَقاصِدِ عَنْ وُجُوهِها ﴿وفَسادٌ كَبِيرٌ﴾ أيْ: يَنْشَأُ عَنْ تِلْكَ الفِتْنَةِ، والكَبِيرُ ناظِرٌ إلى العِظَمِ، وقُرِئَ شاذًّا بِالمُثَلَّثَةِ فَيَكُونُ عِظَمُهُ حِينَئِذٍ مَخْصُوصًا بِالأنْواعِ، وبَيانُ الفَسادِ أنَّهُ إذا قارَبَ المُؤْمِنُ الكافِرَ والكافِرُ المُؤْمِنَ وتَناصَرُوا أوْ تَرَكَ المُؤْمِنُونَ التَّناصُرَ فِيما بَيْنَهُمُ انْحَلَّ النِّظامُ فاخْتَلَّ كُلٌّ مِنَ النَّقْضِ والإبْرامِ، فاخْتَلَفَ الكَلامُ فَتَباعَدَتِ القُلُوبُ، فَتَزايَدَتِ الكُرُوبُ، فالواجِبُ عَلَيْكم أنْ تَكُونُوا إلْبًا واحِدًا ويَدًا واحِدَةً في المُوالاةِ وتُقاطِعُوا الكُفّارَ بِكُلِّ اعْتِبارٍ لِيَقُومَ أمْرُكم وتَطِيبَ حَياتُكُمْ، وتَصْلُحَ غايَةَ الصَّلاحِ دُنْياكم وآخِرَتُكُمْ، والآيَةُ شامِلَةٌ لِكُلِّ ما يُسَمّى تَوَلِّيًا حَتّى في الإرْثِ وقِتالِ الكُفّارِ ومُدافَعَةِ المُسْلِمِينَ بِالأمْرِ والإنْكارِ، ولَمّا تَرَكَ بَعْضُ العُلَماءِ إعانَةَ بَعْضِ فِئَةٍ حَصَلَ ما خَوَّفَ اللَّهُ تَعالى مِنهُ مِنَ الفِتْنَةِ والفَسادِ حَتّى صارَ الأمْرُ إلى ما تَرى مِن عُلُوِّ المُفْسِدِينَ وضَعْفِ أهْلِ الدِّينِ، فالأمْرُ بِالمَعْرُوفِ فِيهِمْ في غايَةِ الذُّلِّ والغُرْبَةِ، يَرُدُّ عَلَيْهِ أدْنى النّاسِ فَلا يَجِدُ لَهُ ناصِرًا، ويَجِدُ ذَلِكَ الآخَرُ لَهُ عَلى (p-٣٤٧)الرَّدِّ أعْوانًا كَثِيرَةً، وصارَ أحْسَنُ النّاسِ حالًا مَعَ الأُمَراءِ وأعْظَمُهم لَهُ مَحَبَّةً مَن يَقْنَعُ بِلَوْمِهِ عَلى فِعْلِهِ ظَنًّا مِنهُ أنَّ ذَلِكَ شَفَقَةٌ عَلَيْهِ. واللَّهُ المُسْتَعانُ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب