الباحث القرآني

قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا﴾ أَيْ: هَجَرُوا قَوْمَهُمْ وَدِيَارَهُمْ، يَعْنِي الْمُهَاجِرِينَ. ﴿وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا﴾ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ وَالْمُهَاجِرِينَ مَعَهُ، أَيْ: أَسْكَنُوهُمْ مَنَازِلَهُمْ، ﴿وَنَصَرُوا﴾ أَيْ: وَنَصَرُوهُمْ عَلَى أَعْدَائِهِمْ وَهُمُ الْأَنْصَارُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، ﴿أُولَئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ﴾ دُونَ أَقْرِبَائِهِمْ مِنَ الْكُفَّارِ. قِيلَ: فِي الْعَوْنِ وَالنُّصْرَةِ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فِي الْمِيرَاثِ وَكَانُوا يَتَوَارَثُونَ بِالْهِجْرَةِ، فَكَانَ الْمُهَاجِرُونَ وَالْأَنْصَارُ يَتَوَارَثُونَ دُونَ ذَوِي الْأَرْحَامِ، وَكَانَ مَنْ آمَنَ وَلَمْ يُهَاجِرْ لَا يَرِثُ مِنْ قَرِيبِهِ الْمُهَاجِرِ حَتَّى كَانَ فَتْحُ مَكَّةَ وَانْقَطَعَتِ الْهِجْرَةُ، وَتَوَارَثُوا بِالْأَرْحَامِ حَيْثُ مَا كَانُوا، وَصَارَ ذَلِكَ مَنْسُوخًا بِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: [[انظر: الطبري: ١٤ / ٦٨ بتحقيق محمود شاكر.]] "وَأُولُوا الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ" "الْأَحْزَابُ -٦" ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلَايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ﴾ يَعْنِي الْمِيرَاثَ، ﴿حَتَّى يُهَاجِرُوا﴾ قرأ حمزة: "ولا يتهم" بِكَسْرِ الْوَاوِ، وَالْبَاقُونَ بِالْفَتْحِ، وَهُمَا وَاحِدٌ كَالدِّلَالَةِ وَالدَّلَالَةِ. ﴿وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ﴾ أَيِ: اسْتَنْصَرَكُمُ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ لَمْ يُهَاجِرُوا، ﴿فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلَّا عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ﴾ عَهْدٌ فَلَا تَنْصُرُوهُمْ عَلَيْهِمْ، ﴿وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾ ﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ﴾ فِي الْعَوْنِ وَالنُّصْرَةِ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فِي الْمِيرَاثِ، أَيْ: يَرِثُ الْمُشْرِكُونَ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ، ﴿إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ﴾ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: إِلَّا تَأْخُذُوا فِي الْمِيرَاثِ بِمَا أَمَرْتُكُمْ بِهِ. وَقَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: إِلَّا تَعَاوَنُوا وَتَنَاصَرُوا. وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: جَعَلَ اللَّهُ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ أَهْلَ وِلَايَةٍ فِي الدِّينِ دُونَ مَنْ سِوَاهُمْ، وَجَعَلَ الْكَافِرِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ، ثُمَّ قَالَ: ﴿إِلَّا تَفْعَلُوهُ﴾ وَهُوَ أَنْ يَتَوَلَّى الْمُؤْمِنُ الْكَافِرَ دُونَ الْمُؤْمِنِ ﴿تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ﴾ فَالْفِتْنَةُ فِي الْأَرْضِ قُوَّةُ الْكُفْرِ، وَالْفَسَادُ الْكَبِيرُ ضَعْفُ الْإِسْلَامِ. ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا﴾ لَا مِرْيَةَ وَلَا رَيْبَ فِي إِيمَانِهِمْ. قِيلَ: حَقَّقُوا إِيمَانَهُمْ بِالْهِجْرَةِ وَالْجِهَادِ وَبَذْلِ الْمَالَ فِي الدِّينِ، ﴿لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ﴾ فِي الْجَنَّةِ. فَإِنْ قِيلَ: أَيُّ مَعْنَى فِي تَكْرَارِ هَذِهِ الْآيَةِ؟ قِيلَ: الْمُهَاجِرُونَ كَانُوا عَلَى طَبَقَاتٍ: فَكَانَ بَعْضُهُمْ أَهْلَ الْهِجْرَةِ الأولى، وهم الذي هَاجَرُوا قَبْلَ الْحُدَيْبِيَةِ، وَبَعْضُهُمْ أَهْلُ الْهِجْرَةِ الثَّانِيَةِ، وَهُمُ الَّذِينَ هَاجَرُوا بَعْدَ صُلْحِ الْحُدَيْبِيَةِ قَبْلَ فَتْحِ مَكَّةَ، وَكَانَ بَعْضُهُمْ ذَا هِجْرَتَيْنِ هِجْرَةُ الْحَبَشَةِ وَالْهِجْرَةُ إِلَى الْمَدِينَةِ، فَالْمُرَادُ مِنَ الْآيَةِ الْأُولَى الْهِجْرَةُ الْأُولَى، وَمِنَ الثَّانِيَةِ الْهِجْرَةُ الثَّانِيَةُ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب