﴿قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا﴾ الآية. قال المفسرون [[ومن قال به: ابن عباس، وعائشة، وقتادة، والقرظي، ومجاهد، وغيرهم.
انظر: "تنوير المقباس" 6/ 4، و"تفسير عبد الرزاق" 2/ 277، و"جامع البيان" 28/ 2، و"أسباب النزول" للواحدي ص 433، و"زاد المسير" 8/ 180، و"تفسير القرآن العظيم" 4/ 318.]]: نزلت هذه الآيات من أول هذه السورة في خولة بنت ثعلبة [[خولة بنت ثعلبة بن أصرم الأنصارية الخزرجية. ويقال لها: خويلة، بالتصغير، لها وقفة مع عمر بن الخطاب؟ في خلافته تناصحه وتذكره وتعظه، وقد سمع منها -رضي الله عنهما- حتى انتهت من كلامها. انظر: "الطبقات الكبرى" لابن سعد 8/ 378، و"الإصابة" 12/ 231، و"التقريب" 2/ 596.]]، وزوجها أوس بن الصامت [[أوس بن الصامت الأنصاري الخزرجي، شهد بدرًا، وأحدًا، والخندق، والمشاهد كلها مع رسول الله -ﷺ- مات في خلافة عثمان وله خمس وثمانون. انظر: "الطبقات الكبرى" 3/ 547، و"الإصابة" 1/ 220، و"التقريب" 1/ 85.]]، وكان به لمم [[ليس المراد باللمم هنا الخبل والجنون، إذ لو كان كذلك ثم ظاهر في تلك الحال لم يكن يلزمه شيء، وإنما المراد به الإلمام بالنساء، وشدة الحرص والتوقان إليهن. انظر: "اللسان" 3/ 297 (لمم)، و"التفسير الكبير" 29/ 249.]]، فاشتد به لممه ذات يوم فظاهر منها ثم ندم على ذلك -وكان الظهار طلاقًا في الجاهلية- [[انظر: "المغني" 10/ 400، و"فتح الباري" 9/ 432، و"نيل الأوطار" 6/ 220، و"الفقه على المذاهب الأربعة" 4/ 49.]] وقال لها: ما أراك إلا وقد حرمت عليّ، فقالت: والله ما ذكرت طلاقًا، ثم أتت رسول الله -ﷺ- فقالت: يا رسول الله: أوس بن الصامت أبو ولدي، وابن عمي، وأحب الناس إليّ، ظاهر مني، والله ما ذكر طلاقًا. فقال رسول الله -ﷺ-: "ما أراك إلا قد حرمتِ عليه"، فأعادت عليه وقالت: والله يا رسول الله ما ذكر طلاقًا، أشكو إليك وحشتي وفراق زوجي، فقال رسول الله -ﷺ-: "حرمتِ عليه". فهتفت، وشكت، وبكت، وجعلت تراجع رسول الله -ﷺ-. فبينا هي في ذلك إذ تربد [[الرُبْدَةُ: الغُبرة، وقيل: لون إلى الغبرة، وقيل: لون بين السواد والغبرة. وهي في حقه -ﷺ- لما يعانيه وقت نزول الوحي. انظر: "النهاية" 2/ 58 (ربد)، و"اللسان" 1/ 1105 (ربد).]] وجه رسول الله -ﷺ- للوحي ونزل عليه قوله: ﴿قَدْ سَمِعَ اللَّهُ﴾، قالت عائشة رضي الله عنها: تبارك الذي وسع سمعه كل شيء، إنيّ لأسمع كلام خولة بنت ثعلبة، ويخفى عليّ بعضه، وهي تحاور رسول الله -ﷺ- فما برحت حتى نزل جبريل بهذه الآيات [[رواه الإمام أحمد في "مسنده" 6/ 410، وابن ماجه في "سننه" المقدمة، باب: فيما أنكرت الجهمية (118)، والحاكم 2/ 411، وقال: صحيح الإسناد، وأقره الذهبي، والواحدي في "أسباب النزول" ص 471، وذكره الوادعي في "الصحيح المسند من أسباب النزول" ص 149، قلت: المؤلف كما هي عادته -رحمه الله - يذكر الأحاديث والأقوال بالمعنى، ولهذا قل أن تجد حديثًا أو قولاً يخرج عن هذا، والله أعلم.]].
قوله تعالى: ﴿قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا﴾ أي: تجادلك في قول زوجها وكلامه، وهي أن النبي -ﷺ- كلما قال لها: "حرمتِ عليه"؛ قالت: والله ما ذكر طلاقًا، فكان هذا مجادلتها النبي -ﷺ- في زوجها.
قوله تعالى: ﴿وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ﴾ يعني قولها: أشكو إلى الله فاقتي ووحدتي، وإن لي صبية صغارًا إن ضممتهم إليه ضاعوا، وإن ضممتهم إليّ جاعوا. وجعلت تتضرع وترفع رأسها إلى السماء وتقول: اللهم إني أشكو إليك.
قوله تعالى: ﴿وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا﴾ أي تخاطبكما ومراجعتكما الكلام. والتحاور والمحاورة: مراجعة الكلام في المخاطبة، يقال: حاور فلانًا في المنطق، وأحرت إليه جوابًا، وكلمته فما أحار بكلمة، أي: ما أجاب. والحوير اسم من المحاورة. تقول: سمعت حويرهما وحوارهما [[انظر: "تهذيب اللغة" 5/ 227 (حور)، و"اللسان" 1/ 751 (حور).]].
وقوله: ﴿إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ﴾ قال ابن عباس: سميع لمن يناجيه ويتضرع إليه.
﴿بَصِيرٌ﴾ بمن يشكو إليه [[لم أجده عن ابن عباس، أو غيره. وانظر: "الوسيط" 4/ 259.]].
{"ayah":"قَدۡ سَمِعَ ٱللَّهُ قَوۡلَ ٱلَّتِی تُجَـٰدِلُكَ فِی زَوۡجِهَا وَتَشۡتَكِیۤ إِلَى ٱللَّهِ وَٱللَّهُ یَسۡمَعُ تَحَاوُرَكُمَاۤۚ إِنَّ ٱللَّهَ سَمِیعُۢ بَصِیرٌ"}