الباحث القرآني

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ سورة المجادلة (اثنتان وعشرون آية وهي مدنية) قال القرطبي: في قول الجميع، إلا رواية عن عطاء أن العشر الأول منها مدني، وباقيها مكي، وقال الكلبي: نزلت جميعها بالمدينة غير قوله: (مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ) نزلت بمكة، وقال ابن عباس: نزلت بالمدينة وعن ابن الزبير مثله والمجادلة بكسر الدال كما ذكره السعد في حواشي الكشاف وفي الشهاب بفتح الدال وكسرها والثاني هو المعروف كما في الكشاف وهذه السورة أول النصف الثاني من القرآن، باعتبار عدد السور، فهي الثامنة والخمسون منها، وهي أول العشر الأخير من القرآن باعتبار عدد أجزائه، وليس فيها آية إلاَّ وفيها ذكر الجلالة مرة أو مرتين أو ثلاثاً وجملة ما فيها من الجلالات خمس وثلاثون. بسم الله الرحمن الرحيم قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ (1) الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا مِنَ الْقَوْلِ وَزُورًا وَإِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ (2) وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (3) فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا ذَلِكَ لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ (4) (قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا) أي تراجعك الكلام في شأنه أي أجاب قولها ومطلوبها بأن أنزل حكم الظهار على ما يوافق مطلوبها، وعلى هذا فقد للتحقيق، ومن قال إنها للتقريب والتوقع فلم يلاق المعنى، وقد سمع بإظهار الدال وإدغامها في السين قراءتان سبعيتان. (وتشتكي إلى الله)، أي تظهر ما بها من المكروه والفاقة والوحدة، والمجادلة هذه الكائنة منها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، إنه كان كلما قال لها قد حرمت عليه، قالت والله ما ذكر طلاقاً، ثم تقول: أشكو إلى الله فاقتي ووحدتي، وأن لي صبية صغاراً إن ضممتهم إليه ضاعوا، وإن ضممتهم إلي جاعوا وجعلت ترفع رأسها إلى السماء وتقول: اللهم إني أشكو إليك، فهذا معنى قوله: (وتشتكي إلى الله) قال الواحدي: قال المفسرون: نزلت هذه الآية في خولة بنت ثعلبة، وزوجها أوس بن الصامت، وكان به لمم فاشتد به لممه ذات يوم فظاهر منها، ثم ندم على ذلك، وكان الظهار طلاقاً في الجاهلية، وقيل: هي خولة بنت حكيم، وقيل: اسمها جميلة، والأول أصح. وقيل: هي بنت خويلد قال الماوردي: إنها نسبت تارة إلى أبيها وتارة إلى جدها وأحدهما أبوها والآخر جدها فهي خولة بنت ثعلبة بن خويلد. روي أن عمر بن الخطاب مر بها في زمن خلافته وهو على حمار والناس حوله فاستوقفته ووعظته، فقيل له: أتقف لهذه العجوز هذا الموقف؟ فقال أتدرون من هذه العجوز؟ هي خولة بنت ثعلبة سمع الله قولها من فوق سبع سموات، أيسمع رب العالمين قولها ولا يسمعه عمر؟ (والله يسمع تحاوركما) مستأنفة جارية مجرى التعليل لما قبلها، أي والله يعلم تراجعكما في الكلام من حاور إذا راجع، أو حور إذا رجع، أو جملة حالية وهو بعيد. وقد أخرج ابن ماجة والحاكم وصححه والبيهقي وغيرهم. " عن عائشة قالت: تبارك الذي وسع سمعه كل شيء إني لأسمع كلام خولة بنت ثعلبة ويخفي علي بعضه وهي تشتكي زوجها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي تقول: يا رسول الله أكل شبابي، ونثرت له بطني، حتى إذا كبر سني وانقطع ولدي ظاهر مني اللهم إني أشكو إليك، قالت: فما برحت حتى نزل جبريل بهؤلاء الآيات: (قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها) وهو أوس بن الصامت ". (إن الله سميع بصير) يسمع كل مسموع، ويبصر كل مبصر، ومن جملة ذلك ما جادلتك به هذه المرأة، أخرج أحمد وأبو داود وابن المنذر والطبراني والبيهقي. " من طريق يوسف بن عبد الله قال: حدثتني خولة بنت ثعلبة قالت: فيّ والله وفي أوس بن الصامت أنزل الله صدر سورة المجادلة، قالت: كنت عنده وكان شيخاً كبيراً قد ساء خلقه، فدخل علي يوماً فراجعته بشيء فغضب فقال: أنت عليّ كظهر أمي، ثم رجع فجلس في نادي قومه ساعة، ثم دخل عليّ فإذا هو يريدني عن نفسي، قلت: كلا والذي نفس خولة بيده لا تصل إلي، وقد قلت ما قلت، حتى يحكم الله ورسوله فينا، ثم جئت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكرت ذلك له، فما برحت حتى نزل القرآن، فتغشى رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما كان يتغشاه ثم سري عنه، فقال لي: يا خولة قد أنزل الله فيك وفي صاحبك، ثم قرأ عليّ (قد سمع) إلى قوله: (عذاب أليم) فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مريه فليعتق رقبة، قلت: يا رسول الله ما عنده ما يعتق، قال: فليصم شهرين متتابعين، قلت: والله إنه لشيخ كبير ما به من صيام، قال: فليطعم ستين مسكيناً وسقاً من تمر، قلت: والله ما ذاك عنده، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فأنا سأعينه بعذق من تمر فقلت: وأنا يا رسول الله سأعينه بوسق آخر فقال قد أصبت وأحسنت فاذهبي وتصدقي به عنه، ثم استوصي بابن عمك خيراً قالت: ففعلت "، وفي الباب أحاديث. ثم بين سبحانه شأن الظهار في نفسه وذكر حكمه بطريق الاستئناف فقال:
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب