الباحث القرآني

قوله تعالى: ﴿انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثَالَ فَضَلُّوا فَلَا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلًا﴾ قال مقاتل: وصفوا لك الأشياء حين زعموا أنك مسحور [["تفسير مقاتل" ص 43 أ. وفيه: ساحر، بدل مسحور.]]. وذلك أنهم كانوا يقولون له مرة: ساحر، ومرة: هو شاعر، ومرة: هو مجنون ومسحور، كما أخبر الله تعالى عنهم في آي كثيرة [[كقوله تعالى: ﴿إِذْ يَقُولُ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُورًا﴾ [الإسراء: 47]. والآية: 27، من سورة: الشعراء، والآية: 36، من سورة: الصافات. والآية: 14، من سورة: الدخان، والآيات 40 - 42 من سورة: الحاقة. وغيرها.]]، فذلك ضربهم له الأمثال، وتشبيههم حاله بحال الساحر، والشاعر، والمجنون، والمسحور. وقال أهل المعاني: مثلوه بالمسحور، وبالمحتاج المتروك، والناقص عن القيام بالأمور [[لم أجد هذا القول فيما تيسر لي من كتب المعاني.]]. قال الله تعالى: ﴿فَضَلُّوا﴾ قال مقاتل: عن الهدى [["تفسير مقاتل" ص 43 أ.]] ﴿فَلَا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلًا﴾ قال ابن عباس: يريد سبيل الهدى [[أخرجه ابن جرير 18/ 185 بإسناده، من طريق ابن إسحاق، بلفظ: أي: التمسوا الهدى في غير ما بعثتك به إليهم فضلوا، فلن يستطيعوا أن يصيبوا الهدى في غيره. ولم ينسبه لغيره. وأخرجه ابن أبي حاتم 8/ 2665، من قول ابن إسحاق، ولم ينسبه لغيره. ولم يذكره في "تنوير المقباس" ص 301، بل ذكر قولاً قريباً من كلام مجاهد.]]. وهذا قول أعظم المفسرين [[هكذا في نسخة: (أ)، (ب): (أعظم)، وفي نسخة: (ج): (عُظم)؛ عُظْم الناس، وعظمهم، أي: معظمهم. "لسان العرب" 12/ 410 (عظم). وابن جرير يذكر ذلك في تفسيره؛ قال 4/ 550: وذلك قراءة عُظْم أهل الحجاز ... ولم أجد هذا القول إلا لابن عباس من طريق ابن إسحاق، كما سبق. فنسبة هذا القول لأكثر المفسرين، فيه نظر. وخاصة أنه ذكر بعد ذلك ما يخالف هذا من قول مجاهد، ومقاتل. ولما ذكر الثعلبي 8/ 92 هذا القول اقتصر عليه، ولم ينسبه لأحد. والله أعلم.]]. والمعنى: أنهم ضلوا عن قصد الطريق بتكذيبك ولا يجدون إلى الحق طريقًا [[قريب من هذا قول الطوسي 7/ 474: معناه: لا يستطيعون طريقاً إلى الحق، مع تمسكهم بطريق الجهل، وعدولهم عن الداعي إلى الرشد. أما قول ابن عباس: يريد: سبيل الهدى؛ فلا يفيد هذا المعنى. قال ابن جرير 18/ 184: فلا يجدون سبيلاً إلى الحق إلا فيما بعثتك به، ثم ساق قول ابن عباس مؤيدًا له. والله أعلم.]]. وهذه الآية بهذا التفسير تدل على أن الكافر غير مستطيع للإيمان باستطاعته الكفر [[هذا الفهم لا يدل عليه ما نسبه لابن عباس؛ والذي يظهر أنه تبع فيه الثعلبي، حيث قال 8/ 92 ب: فثبت أن الاستطاعة التي يحصل بها الضلال غير الاستطاعة التي يحصل بها الهدى والإيمان. والآية ظاهرة في أن المراد بها: نفي أن يكون للمشركين حجة، يطعنون فيها على النبي -ﷺ-. وعلى تقدير أن المراد بها ما ذُكر فإن الاستطاعة تنقسم إلى قسمين: 1 - استطاعة قبل الفعل، وهي الاستطاعة المشروطة في التكاليف، كقوله تعالى: ﴿وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا﴾ [آل عمران: 97]، قال عمران بن حصين -رضي الله عنه-: كَانَتْ بِي بَوَاسِيرُ فَسَأَلْتُ النَّبِيَّ، عَنِ الصَّلاةِ فَقَالَ: "صَلِّ قَائِمًا فَإنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَقَاعِدًا فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَعَلَى جَنْبٍ". أخرجه البخاري كتاب الصلاة، رقم: 1117، فتح الباري 2/ 587. والترمذي 2/ 207، كتاب: أبواب الصلاة، رقم: 371. 2 - استطاعة مقارنة للفعل، وهي الموجبة له، وهذه هي المنفية عمن لم يفعل في مثل قوله تعالى: ﴿مَا كَانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ وَمَا كَانُوا يُبْصِرُونَ﴾ [هود: 20]. فتاوى ابن تيمية 18/ 172، 8/ 129. فيقال في الأولى: القدرة، وفي الثانية: الإرادة. قال ابن أبي العز الحنفي: وتقسيم الاستطاعة إلى قسمين، هو قول عامة أهل السنة، وهو الوسط، وقالت القدرية والمعتزلة: لا تكون القدرة إلا قبل الفعل. شرح العقيدة الطحاوية 2/ 633.]] وقال مجاهد: ﴿فَلَا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلًا﴾ مخرجًا يخرجهم من الأمثال التي ضربوها لك [[أخرجه ابن جرير 18/ 185، وابن أبي هاشم 8/ 2665، و"تفسير مجاهد" 447. ونقله عنه هود الهوّاري، في تفسيره 3/ 202. واقتصر عليه السيوطي، في "الدر المنثور" 6/ 237. واختاره السمرقندي 2/ 454 ولم ينسبه، ولم يذكر غيره.]]. وهو قول مقاتل؛ يقول: لا يجدون مخرجًا مما وقالوا: إنك ساحر [["تفسير مقاتل" ص 43 أ.]]. يعني: أنهم كذبوا فيما زعموا فلزمهم هذا الكذب حتى لا يجدون منه مخرجًا بحجة أو برهان على ما قالوا. وقال الفراء: يقول: لا يستطيعون في أمرك حيلة [["معاني القرآن" للفراء 2/ 263، بنصه.]]. وهذا قول ثالث في الآية [[هذه الأقوال الثلاثة، في المراد بالسبيل؛ القول الأول: سبيل الهدى. الثاني: مخرجاً يخرجهم من الأمثال التي ضربوها لك. الثالث: لا يستطيعون في أمرك حيلة. وكان الأولى بالواحدي. رحمه الله. أن يبين ضعف القول الأول، كما سبق، وخاصة أنه مخالف لظاهر الآية، إذ إن ظاهرها يدل على عجزهم عن مقاومة الرسول -ﷺ- والله أعلم. وذكر الماوردي 4/ 134 في الآية ثلاثة أقوال؛ الأول: قول مجاهد، والثاني: سبيلاً إلى الطاعة لله، ونسبه للسدي، ولم أجد من نسبه له غيره. والثالث: سبيلاً إلى الخير، ونسبه ليحيى بن سلام.]]. والمعنى: لا سبيل لهم في دفع ما أتيتهم به من الحق ولا حيلة لهم في إبطاله.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب