الباحث القرآني

﴿وَقَالُوا مَالِ هَذَا الرَّسُولِ﴾ يَعْنُونَ مُحَمَّدًا ﷺ، ﴿يَأْكُلُ الطَّعَامَ﴾ كَمَا نَأْكُلُ نَحْنُ، ﴿وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ﴾ يَلْتَمِسُ الْمَعَاشَ كَمَا نَمْشِي، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَمْتَازَ عَنَّا بِالنُّبُوَّةِ، وَكَانُوا يَقُولُونَ لَهُ: لَسْتَ أَنْتَ بِمَلَكٍ وَلَا بِمَلِكِ، لِأَنَّكَ تَأْكُلُ وَالْمَلَكِ لَا يَأْكُلُ، وَلَسْتَ بِمَلِكٍ لِأَنَّ الْمَلِكَ لَا يَتَسَوَّقُ، وَأَنْتَ تَتَسَوَّقُ وَتَتَبَذَّلُ. وَمَا قَالُوهُ فَاسِدٌ؛ لِأَنَّ أَكْلَهُ الطَّعَامَ لِكَوْنِهِ آدَمِيًّا، وَمَشْيَهُ فِي الْأَسْوَاقِ لِتَوَاضُعِهِ، وَكَانَ ذَلِكَ صِفَةٌ لَهُ، وَشَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ لَا يُنَافِي النُّبُوَّةَ. ﴿لَوْلَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ﴾ فَيُصَدِّقُهُ، ﴿فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيرًا﴾ دَاعِيًا. ﴿أَوْ يُلْقَى إِلَيْهِ كَنْزٌ﴾ أَيْ: يُنْزَلَ عَلَيْهِ كَنْزٌ مِنَ السَّمَاءِ يُنْفِقُهُ، فَلَا يَحْتَاجُ إِلَى التَّرَدُّدِ وَالتَّصَرُّفِ فِي طَلَبِ الْمَعَاشِ، ﴿أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ﴾ بُسْتَانٌ، ﴿يَأْكُلُ مِنْهَا﴾ قَرَأَ حَمْزَةٌ وَالْكِسَائِيُّ: "نَأْكُلُ" بِالنُّونِ أَيْ: نَأْكُلُ نَحْنُ مِنْهَا، ﴿وَقَالَ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُورًا﴾ مَخْدُوعًا. وَقِيلَ: مَصْرُوفًا عَنِ الْحَقِّ. ﴿انْظُرْ﴾ يَا مُحَمَّدُ، ﴿كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثَالَ﴾ يَعْنِي الْأَشْبَاهَ، فَقَالُوا: مَسْحُورٌ، مُحْتَاجٌ، وَغَيْرُهُ، ﴿فَضَلُّوا﴾ عَنِ الْحَقِّ، ﴿فَلَا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلًا﴾ إِلَى الْهُدَى وَمَخْرَجًا عَنِ الضَّلَالَةِ. ﴿تَبَارَكَ الَّذِي إِنْ شَاءَ جَعَلَ لَكَ خَيْرًا مِنْ ذَلِكَ﴾ الَّذِي قَالُوا، أَوْ أَفْضَلَ مِنَ الْكَنْزِ وَالْبُسْتَانِ الَّذِي ذَكَرُوا، وَرَوَى عِكْرِمَةُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: يَعْنِي خَيْرًا مِنَ الْمَشْيِ فِي الْأَسْوَاقِ وَالتَّمَاسِ الْمَعَاشِ [[ذكر الطبري القولين: (١٨ / ١٨٥) ورجح قول مجاهد الأول، لأن المشركين استعظموا أن لا تكون له جنة يأكل منها، وأن لا يلقى إليه كنز، واستنكروا أن يمشي في الأسواق، وهو لله رسول، فالذي هو أولى بوعد الله إياه أن يكون وعدا بما هو خير ما كان عند المشركين عظيما، لا مما كان منكرا عندهم.]] . ثُمَّ بَيَّنَ ذَلِكَ الْخَيْرَ فَقَالَ: ﴿جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَيَجْعَلْ لَكَ قُصُورًا﴾ بُيُوتًا مُشَيَّدَةً، وَالْعَرَبُ تُسَمِّي كُلَّ بَيْتٍ مُشَيَّدٍ قَصْرًا، وَقَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ، وَابْنُ عَامِرٍ، وَعَاصِمٌ بِرِوَايَةِ أَبِي بَكْرٍ: "وَيَجْعَلُ" بِرَفْعِ اللَّامِ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِجَزْمِهَا عَلَى مَحَلُّ الْجَزَاءِ فِي قَوْلِهِ: "إِنْ شَاءَ جَعْلَ لَكَ". أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي تَوْبَةَ الْكُشْمِيهَنِي، أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَارِثِ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْكِسَائِيُّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَحْمُودٍ، أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْخَلَّالُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَيُّوبَ، حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زُخْرٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ يَزِيدَ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: "عَرْضَ عَلَيَّ رَبِّي لِيَجْعَلَ لِي بَطْحَاءَ مَكَّةَ ذَهَبًا فَقُلْتُ: لَا يَا رَبِّ، وَلَكِنْ أَشْبَعُ يَوْمًا وَأَجُوعُ يَوْمًا، وَقَالَ ثَلَاثًا أَوْ نَحْوَ هَذَا، فَإِذَا جُعْتُ تَضَرَّعْتُ إِلَيْكَ وَذَكَرْتُكَ، وَإِذَا شَبِعْتُ حَمِدْتُكَ وَشَكَرْتُكَ" [[أخرجه الترمذي في الزهد، باب ما جاء في الكفاف والصبر عليه: ٧ / ١٤، وقال: "هذا حديث حسن، وعلي بن يزيد يضعف في الحديث ويكنى أبا عبد الملك". وأخرجه ابن ماجه في الزهد، باب من لا يؤبه له: ٢ / ١٣٧٩، وقال في الزوائد: "إسناده ضعيف لضعف أيوب بن سليمان، وصدقه بن عبد الله متفق على تضعيفه". ورواه الإمام أحمد: ٢ / ٢٥٢ و٥ / ٢٥٤ وابن سعد في الطبقات: ١ / ٣٨١، وأبو نعيم في الحلية: ٨ / ١٣٣.]] . حَدَّثَنَا أَبُو طَاهِرِ الْمُطَهَّرُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ الْفَارِسِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو ذَرٍّ مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الصَّالِحَانِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ حَيَّانَ الْمَعْرُوفُ بِأَبِي الشَّيْخِ، أَخْبَرَنَا أَبُو يَعْلَى، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكَّارٍ، حَدَّثَنَا أَبُو مِعْشَرٍ عَنْ سَعِيدِ يَعْنِي الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "لَوْ شِئْتُ لَسَارَتْ مَعِيَ جِبَالُ الذَّهَبِ، جَاءَنِي مَلَكٌ إِنَّ حُجْزَتَهُ لَتُسَاوِي الْكَعْبَةَ، فَقَالَ: إِنَّ رَبَّكَ يَقْرَأُ عَلَيْكَ السَّلَامَ، وَيَقُولُ: إِنْ شِئْتَ نَبِيًّا عَبْدًا، وَإِنْ شِئْتَ نَبِيًّا مَلِكًا، فَنَظَرْتُ إِلَى جِبْرِيلَ فَأَشَارَ إِلَيَّ أَنْ ضَعْ نَفْسَكَ، فَقُلْتُ: نَبِيًّا عَبْدًا" قَالَ: فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بَعْدَ ذَلِكَ لَا يَأْكُلُ مُتَّكِئًا يَقُولُ: "آكُلُ كَمَا يَأْكُلُ الْعَبْدُ، وَأَجْلِسُ كَمَا يَجْلِسُ الْعَبْدُ" [[قال الهيثمي: (٩ / ١٩) : "رواه أبو يعلى وإسناده حسن"، وعبد الرزاق: ١٠ / ٤١٧، وأخرج القطعة الأولى منه الخطيب في تاريخ بغداد: ١١/١٠٢، والثانية: "إنما أنا عبد.." أخرجها عبد الرزاق في الجامع عن معمر: ١٠ / ٤١٧، والإمام أحمد في الزهد ص (٥) ، والمصنف في شرح السنة: ١٣ / ٢٤٨.]] .
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب