الباحث القرآني

قوله تعالى: ﴿وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُهُمْ وَلَا يَضُرُّهُمْ﴾ قال ابن عباس: يريد الأصنام، والحجارة التي كانوا يعبدونها [[أخرج ابن أبي حاتم 8/ 2711، بسنده عن قتادة: ﴿وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ﴾ هذا الوثن، وهذا الحجر.]]. وقال مقاتل: ﴿مَا لَا يَنْفَعُهُمْ﴾ في الآخرة، إن عبدوهم في الدنيا ﴿وَلَا يَضُرُّهُمْ﴾ في الدنيا، إن لم يعبدوهم [["تفسير مقاتل" ص 46ب. وفي هذه الآية قُدم النفع على التفسير، وفي صدر هذه السورة عكس ذلك، ﴿وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لَا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلَا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا وَلَا يَمْلِكُونَ مَوْتًا وَلَا حَيَاةً وَلَا نُشُورًا﴾. وهكذا في مواضع أخر من كتاب الله، ونجد بعض أهل العلم يذكر حكمًا لتقديم النفع على التفسير في آيات، وعكسها في آيات أخرى، ومن ذلك الخطيب الإسكافي، في "درة التنزيل" 328. وكذا غيره. قال ابن عاشور 18/ 320: واعلم أن ضرًا ونفعًا، هنا جرى مجرى المثل لقصد الإحاطة بالأحوال، فكأنه قيل: لا يملكون التصرف بحال من الأحوال، وهذا نظير أن يقال: شرقًا وغربًا، وليلًا ونهارًا .. وبذلك أيضًا لا يتطلب وجه لتقديم الضر على النفع؛ لأن المقام يقتضي التسوية في تقديم أحد الأمرين، فالمتكلم مخير في ذلك. وهذا كلام جيد. والله أعلم.]]. وقوله: ﴿وَكَانَ الْكَافِرُ عَلَى رَبِّهِ ظَهِيرًا﴾ الظهير: المعين، فعيل بمعنى مفاعل، كوزير وشريب، وأكيل. ونحو هذا قال ابن عباس، ومجاهد، والمفسرون، في تفسير الظهير، أنه: العون والمعين [["تنوير المقباس" ص 304. و"تفسير مجاهد" 2/ 455. وابن قتيبة في "الغريب" ص 314. و"تفسير الهواري" 3/ 215. وأخرجه بسنده عن مجاهد، والحسن، وابن زيد، ابن جرير 19/ 26، واستدل عليه ابن زيد، بقوله تعالى: ﴿فَلَا تَكُونَنَّ ظَهِيرًا لِلْكَافِرِينَ﴾ [القصص: 86] أي: لا تكونن لهم عوينًا. وقوله تعالى: ﴿وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ صَيَاصِيهِمْ﴾ [الأحزاب: 26] ظاهروهم: أعانوهم. واستظهر هذا القول الشنقيطي 6/ 343.]]. قال مقاتل: يعني: معينًا للمشركين على أن لا يوحدوا الله [["تفسير مقاتل" ص 46 ب. قال ابن القيم عن هذه الآية: هذا من ألطف خطاب القرآن، وأشرف معانيه، وأن المؤمن دائمًا مع الله على نفسه وهواه وشيطانه وعدو ربه، ثم ذكر عبارات السلف في تفسير الآية، ثم قال: وهذه العبادة هي الموالاة والمحبة والرضا بمعبوديتهم المتضمنة لمعيتهم الخاصة فظاهروا أعداء الله على معاداته ومخالفته، ومساخطه، بخلاف وليه -سبحانه وتعالى- فإنه معه على نفسه وشيطانه وهواه. "الفوائد" ص 79 - 85.]]. وقال الحسن: عونًا للشيطان على ربه بالمعاصي [[أخرجه بسنده، عبد الرزاق، في تفسيره 2/ 70. وأخرج نحوه ابن أبي حاتم 8/ 2711، عن سعيد بن جبير. وذكر السيوطي تخريج عبد بن حميد وابن المنذر نحوه عن قتادة. "الدر المنثور" 6/ 267.]]. واختاره أبو إسحاق؛ فقال: لأنه يتابع الشيطان، ويعلو به على معصية الله؛ لأن عبادتهم الأصنام معاونة للشيطان [["معاني القرآن" للزجاج 4/ 73.]]. قال ابن عباس، وعطية، ومقاتل، والكلبي: يعني أبا جهل [["تفسير مقاتل" ص 46 ب. و"تنوير المقباس" ص 304. و"تفسير الهواري" == 3/ 215، ولم ينسبه، وأخرجه بسنده، ابن جربر 19/ 27 عن ابن عباس. وذكره ابن أبي حاتم 8/ 2711، عن مجاهد، وسعيد بن جبير، وعطية. وذكر السيوطي تخريج ابن المنذر، له عن عطية، "الدر المنثور" 6/ 267. وصدَّر الماوردي 4/ 152، هذا القول بـ: قيل. والآية أعم من ذلك، قال الزمخشري 3/ 280: ويجوز أن يريد بالظهير الجماعة؛ كقوله تعالى: ﴿وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ﴾ [التحريم: 4] .. ولريد بالكافر الجنس، وأن بعضهم مظاهر لبعض على إطفاء دين الله. قال ابن عطية 11/ 56: ويشبه أن أبا جهل سبب الآية، ولكن اللفظ عام للجنس كله. قال الرازي 24/ 102: والأولى حمله على العموم؛ لأن خصوص السبب لا يقدح في عموم اللفظ، ولأنه أوفق بظاهر قوله: ﴿وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ﴾.]]. وقال قوم: معنى: ﴿عَلَى رَبِّهِ﴾ على أولياء ربه، ورسل ربه، وحُذف المضاف للعلم به، وذلك أن من عادى أولياءك فقد عاداك. ومن ظاهر على صاحبك فقد ظاهر عليك. وذكر أبو علي الفارسي هذا الوجه، فقال: أولًا: الكافر في هذه الآية، اسم الجنس، كقولهم: كثر الشاة، والبعير، في أنه يراد به الكثرة، وقد جاء ذلك في اسم الفاعل كما جاء في سائر الأجناس، أنشد أبو زيد: إنْ تبْخَلِي يا جُمْلُ أوْ تَعْتَلِىّ ... أو تُصبِحي في الظَّاعن المُولِّى [[أنشده أبو زيد في "النوادر" ص 53، ونسبه لمنظور بن مرثد الأسدي، وأنشده أبو علي، "المسائل العسكرية" ص 222، وفي الحاشية: جمل: اسم امرأة، تعتلي: تتمارضين، الظا عن: المرتحل، المولي: الذاهب.]] والآية تحتمل تأولين؛ أحدهما: على أولياء ربه معينًا، أو يعادونهم ولا يوالونهم، كما قال تعالى: ﴿تَعْرِفُ فِي وُجُوهِ الَّذِينَ كَفَرُوا الْمُنْكَرَ﴾ الآية [الحج: 72] والآخر: أن يكون المعنى: كان هينًا عليه لا وزن له، ولا منزلة [[واقتصر على هذا القول أبو عبيدة 2/ 77. واقتصر الواحدي في "الوسيط" 3/ 344. و"الوجيز" 2/ 782، على القول الأول مما يدل على ترجيحه له. والله أعلم.]]. وكأنه من قولهم: ظهرتَ بحاجتي، إذا لم تُعْنَ بها [[ذكره الثعلبي 8/ 100 ب؛ وفيه: من قول العرب: ظهرت به، إذا جعلته خلف ظهرك، فلم تلتفت إليه. وفي "تهذيب اللغة" 6/ 249: قال الأصمعي: ظهر فلان بحاجة فلان: إذا جعلها بظهر، ولم يخفَّ لها. قال الماوردي 4/ 152: مأخوذ من قولهم: ظهر فلان بحاجتي إذا تركها واستهان بها، قال تعالى: ﴿وَاتَّخَذْتُمُوهُ وَرَاءَكُمْ ظِهْرِيًّا﴾ [هود: 92] أي: هينًا.]] قال الفرزدق: تمَيمَ بنَ زيد لا تكونن حاجتي ... بظهر فلا يَعْيَا عليَّ جوابها [[ديوان الفرزدق 1/ 86، في سياق قصة، وقد ورد البيت في الديوان بلفظ: تميم بن زيد لا تهونن حاجتي ... لديك ولا يعيا علي جوابها وذكر البيت ابن الأنباري، في كتابه "الأضداد" 256، في سياق قصة، منسوبًا للفرزدق، وفيه: .. فلا يخفى علي جوابها ثم قال ابن الأنباري: وأراد الفرزدق بقوله: لا تكونن حاجتي بظهر، لا تطَّرحها. وذكره الأزهري 6/ 256، غير منسوب. ونسبه القرطبي 13/ 63، للفرزدق، وفيه: تميم بن قيس.]] قال [[قال في (أ)، (ب)، ويعني به أبا علي الفارسي.]]: ويمكن أن يكون قوله: وتلك شَكاةٌ ظاهرٌ عنك عارُها [[أنشده الأزهري 6/ 254، ونسبه لأبي ذؤيب الهذلي، وهو في "ديوانه" 115، وصدره: وعيرها الواشون أني أحبها وهو كذلك في "خزانة الأدب" 9/ 505.]] من هذا، أي: تلك شكاة هي عنك تظهر، فلا تعتن بها [[رد ابن جرير 19/ 27 هذا القول، واعترض عليه، وصحح القول الأول. فقال لأن الله تعالى ذكره أخبر عن عبادة هؤلاء الكفار من دونه، فأولى الكلام أن يتبع ذلك == ذمه إياهم، وذم فعلهم دون الخبر عن هوانهم على ربهم، ولما يجر لاستكبارهم عليه ذكر، فيتبع بالخبر عن هوانهم عليه. وذكر الشوكاني 4/ 81، قولًا آخر، فقال وقيل إن المعنى: وكان الكافر على ربه الذي يعبده وهو الصنم قويًا غالبًا، يعمل به ما يشاء؛ لأن الجماد لا قدرة له على دفع ونفع. وعلى هذا فتكون الآية فيمن يعبد جمادًا دون غيره، ولا يخفى أن هذا تخصيص لعموم الآية. والله أعلم.]].
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب