قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُهُمْ وَلا يَضُرُّهُمْ﴾ لَمَّا عَدَّدَ النِّعَمَ وَبَيَّنَ كَمَالَ قُدْرَتِهِ عَجَّبَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ فِي إِشْرَاكِهِمْ بِهِ مَنْ لَا يَقْدِرُ عَلَى نَفْعٍ وَلَا ضُرٍّ، أَيْ إِنَّ اللَّهَ هُوَ الَّذِي خَلَقَ مَا ذَكَرَهُ، ثُمَّ هَؤُلَاءِ لِجَهْلِهِمْ يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ أَمْوَاتًا جَمَادَاتٍ لَا تَنْفَعُ وَلَا تَضُرُّ.
(وَكانَ الْكافِرُ عَلى رَبِّهِ ظَهِيراً) رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ "الْكافِرُ" هُنَا أَبُو جَهْلٍ لَعَنَهُ اللَّهُ، وَشَرْحُهُ أَنَّهُ يَسْتَظْهِرُ بِعِبَادَةِ الْأَوْثَانِ عَلَى أَوْلِيَائِهِ. وَقَالَ عِكْرِمَةُ: "الْكافِرُ" إِبْلِيسُ، ظَهَرَ عَلَى عَدَاوَةِ رَبِّهِ. وَقَالَ مُطَرِّفٌ: "الْكافِرُ" هُنَا الشَّيْطَانُ. وَقَالَ الْحَسَنُ: "ظَهِيراً" أَيْ مُعِينًا لِلشَّيْطَانِ عَلَى الْمَعَاصِي. وَقِيلَ: الْمَعْنَى، وَكَانَ الْكَافِرُ عَلَى رَبِّهِ هَيِّنًا ذَلِيلًا لَا قَدْرَ لَهُ وَلَا وَزْنَ عِنْدَهُ، مِنْ قَوْلِ الْعَرَبِ: ظَهَرْتُ بِهِ أَيْ جَعَلْتُهُ خَلْفَ ظَهْرِكَ وَلَمْ تَلْتَفِتْ إِلَيْهِ. وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَاتَّخَذْتُمُوهُ وَراءَكُمْ ظِهْرِيًّا﴾ أَيْ هينا.
وَمِنْهُ قَوْلُ الْفَرَزْدَقِ: تَمِيمَ بْنَ قَيْسٍ لَا تَكُونَنَّ حَاجَتِي بِظَهْرٍ فَلَا يَعْيَا عَلَيَّ جَوَابُهَا هَذَا مَعْنَى قَوْلِ أَبِي عُبَيْدَةَ. وَظَهِيرٌ بِمَعْنَى مَظْهُورٌ أَيْ كُفْرُ الْكَافِرِينَ هَيِّنٌ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى، وَاللَّهُ مُسْتَهِينٌ بِهِ لِأَنَّ كُفْرَهُ لَا يَضُرُّهُ. وَقِيلَ: وَكَانَ الْكَافِرُ عَلَى رَبِّهِ الَّذِي يَعْبُدُهُ وَهُوَ الصَّنَمُ قَوِيًّا غَالِبًا يَعْمَلُ بِهِ مَا يَشَاءُ، لِأَنَّ الْجَمَادَ لَا قُدْرَةَ لَهُ على دفع ضر ونفع.
{"ayah":"وَیَعۡبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ مَا لَا یَنفَعُهُمۡ وَلَا یَضُرُّهُمۡۗ وَكَانَ ٱلۡكَافِرُ عَلَىٰ رَبِّهِۦ ظَهِیرࣰا"}